|
كتاب العالم الإسلامي المعاصر للدكتور جمال حمدان |
صدر هذا الكتاب بعد رحيل المفكر والمؤرخ الكبير د. جمال حمدان، وتأتي الأهمية البالغة للدكتور جمال حمدان من أنه أحد رواد الجيل الذي حمل شعار النهضة بعد د. طه حسين وعباس العقاد وأحمد أمين ومحمد حسين هيكل، ودعا لثورة فكرية مستقلة.
ويعتمد الدكتور جمال حمدان في كتابه هذا على تقديم الحقائق العلمية الدقيقة بأسلوبه المتميز وطريقته الفريدة في عرض نظرياته بصورة رائقة، مع تقديم القضية التي يطرحها ونتائجها محللاً ومنبهاً لخطورة القضايا التي يزداد البحث فيها اليوم، وقيمة رؤيته تظهر في مرونتها التطبيقية وعمقها العلمي والتاريخي.
ويرجع اختيار منهج "تحليل المضمون في تقديم هذا الكتاب إلى وزنه الفكري.. رغم حجمه الصغير، حيث تكفي قواعده الفكرية لعمارة ساحقة.. وليس لكتاب من أربعة طوابق.. أقصد فصول، والمرجح أن هذه نيته، فضلاً عن كونها طريقته في التفكير والتأليف، ومن ثم فالتبسيط بمثابة الهدف الأساسي من هذا التقديم، وإن طال، وربما يتحقق ذلك بهذا التقسيم:
أولاً: التوزيع القاعدي للإسلام.
ثانياً: مورفولوجية العالم الإسلامي.
ثالثاً: الكثافة السياسية للإسلام.
رابعاً: الوحدة الإسلامية.
وينسق التقسيم مع العناوين الرئيسية للكتاب، غير أنه سيكون هناك اهتمام خاص بتحليل الفروض الأساسية في نظريته، وتحديد الارتباطات التي توحد بينها، وإبراز فيض النفعية المقترن بالتطبيق.
أولاً: التوزيع القاعدي للإسلام.
يستهل فصله الأول بالسؤال الجغرافي القاعدي (أين؟) وإجابته "التوزيع الجغرافي للعالم الإسلامي" وتتحدد قيمته في (أنه وحده يمدنا بالمادة الأولية الضرورية لكل بناء يتلو).
أي أنه لا يهدف إلى مجرد التوزيع، بل يريده أساساً لبناء يعلوه فما كنه هذا البناء؟
إنه ببساطة "نظام التوزيع" أي تشكيلاته في المكان كما تظهر في خريطة الإسلام وقد اصطلح على تسمية (النظام + التشكيلات) بمورفولوجية التوزيع، وبهذا يمهد بإجابة هذا السؤال لنظريته الأولى هذه التي يستحيل وضعها دون هذا التمهيد، ويقتضي ذلك أن لا يأتي التوزيع وصفياً كالشائع.. أي بمجرد تحديد المواقع والأماكن والأبعاد، بل بتوظيف تفصيلاته أولاً بأول بما يطوعها للتنظير، وذلك بشرط عدم توجيه النتائج أو الاعتساف، وقد تحقق له ذلك.. وإن شاب تسمياته بعض التداخل والغموض.
ثانياً: مورفولوجية العالم الإسلامي.
وإذا كانت إجابة السؤال الأول "التوزيع القاعدي" عنده بمثابة نظرة بطول الفصل الأول كله، فإنه يخصص الفصل الثاني لنظريته عن مورفولوجية العالم الإسلامي، وهي أيضاً عنوانه ويستهله بهذا التساؤل: (.. هل يمكن أن نضع نظرية عامة عاملة، تجمع شتات العالم الإسلامي في توزيعه الكوكبي، وتستقطب تفاصيله في معادلة إقليمية محددة؟)
هو إذن يطمح إلى نظرية عامة.. بشروط محددة:
- أن تكون في مورفولوجية العالم الإسلامي.
- أن تكون عاملة.
- أن تخلص إلى معادلة إقليمية تلخصه.
وقبل البحث عن هدف كل شرط منها، وكذا عن أهداف النظرية بعامة، ربما يكون مفيداً توضيح ما استخدمه من مصطلحات (مورفولوجية عاملة + معادلة إقليمية).. قد تكون خافية أو مختلطة الدلالة، وتتفق المعاجم على أن مصطلح (مورفولوجي) يعني دراسة الشكل، سواء في ذلك الظاهرات الطبيعية أو الحيوية أو البشرية.. أو حتى الكلمات، ويتفق ذلك مع نظريته بشكل شبه تام، ومن هنا ضرورة استنادها إلى خريطة توزيعية، قدمها له الفصل الأول من كتابه.
وتعني النظرية العاملة تجاوزها المستوى النظري البحث، وقابليتها للتطبيق في مجالات معينة وقد وجد بغيته فيما يعرف بالنظام الخلقي المشع الواسع الاستخدام في جغرافية المدن التطبيقية، ومن ثم فقد نقله من مجاله.. ووظفه في تفسير مورفولوجية العالم الإسلامي، هذه التي تتابع تشكيلاتها في حلقات منداحة من قلبها (بديل المدينة في المجال الأصلي) وبهذا وجد مفتاحه الذي يفتح به مغاليقه.. على حد تعبيره، ونأى بنظريته أن تكون أحادية، تنتهي به إلى هذه المقولة البسيطة (الإسلام دين الصحراء) مثلاً، أو أن تكون تقليدية مثل هذه التي تستند إلى فروض المنطقة الحضارية، فضلاً عن كونها لا تناسب طبيعة العالم الإسلامي المتعدد الثقافات والشعوب، بحكم ترامي أطرافه، وبهذا النظام الحلقي، يتوصل إلى معادلته الإقليمية الأساسية، كما يرسخ في نظريته لبنته الأولى.
هي اللبنة الأولى وهي القاعدة حيث هي قد مكنته من وضع فروضه، ومن بناء العناصر الأخرى من نظريته فوقها، ومن التحليل التاريخي والجغرافي المتسق مع أسسها، أما فروضه/ فمن أهمها:
- يؤدي الانبثاق من مركز –إلى الترتيب المنتظم التنازلي للظاهرة (جرادنتس) في اتجاه هوامشه.
- يتخذ هذا الترتيب الشكل الحلقي التتابعي.
- يتعدل الشكل الحلقي البحت، إلى نمط القطاعات الحلقية، حالة حدوث الانتشار على محاور انتخابية محددة.
ثالثاً: الكثافة السياسية للإسلام:
كما سبق، فإنه يمهد بالفصل الثالث (خريطة الإسلام السياسية) لنظريته المرتقبة عن "وحدة العالم الإسلامي" ويصف تحليلاته لهذه الخريطة بأنها قراءة مسحية لها، يحدد اتجاهاتها في (تصنيف دول العالم الإسلامي بحسب كثافاتها السياسية المختلفة، دولاً إسلامية أو دول أقليات إسلامية، مع تحليل المشاكل السياسية المترتبة وتشخيص أعراضها) وبداية يجدر التنويه بهذا المصطلح المبتكر (الكثافة السياسية) الوارد في المقتبس السابق، والمستمر كأداة أساسية لتحليلاته في بقية هذا الفصل وغيره، ليس فقط باعتبار أن تحت المصطلحات مهارة فكرية تميزه.." وإنما أيضاً لدلالته الوظيفية الفاعلة التي تكثف في عبارة منحوتة واحدة، ما يستغرق سطوراً أو فقرات دونها، وبها تقاس صلابة العلم، وبواسطتها يتم التفاهم بين المتخصصين كل في مجاله، حيث هي لا تعني سوى مفهوم اتفق على تحديده، ولا حاجة من بعد لشرحه والجدل حوله، ثم هي تنتقل بعد ذلك للمتلقين تبعاً لشيوعها، لتصبح أيضاً لغة التداول بينهم دون أدنى ظلال مركبة.
وبهذا المصطلح يتوصل إلى التصنيف الثلاثي التالي للعالم الإسلامي تبعاً لكثافة الإسلام بين دوله:
- دول الأغلبية الإسلامية.
- الدول نصف الإسلامية.
- دول الأقليات الإسلامية.
رابعاً: الوحدة الإسلامية:
يأتي الفصل الرابع تحت عنوان: "نظرية الوحدة الإسلامية" وهي في لبها نظرية تكاملية، يستكمل بها رؤيته الحضارية الشاملة في دوائرها الثلاث، فبعد (مصر) الوطن، والعالم العربي (القومية).. يتصاعد بها في سلاسة صلبة إلى إطارها العام (الإسلام) ويهتم في هذا الفصل بوجه خاص بتحديد المجال الوظيفي لكل من القومية والدين، وتطهير الحدود بينهما من التداخل والالتباس، وذلك بعد أن قام بمثل ذلك.. بين الوطن والقومية في كتاب شخصية مصر الكبير، وبهذا التوحيد الفكري بينها، يعلو بها فوق الثنائيات المتضاربة بين الوطنية والقومية، وبينهما وبين الإسلام، هذه التي شغلت كثيرين غيره، بالاختيار من بينها، وتأكيد استحالة الجمع بينها بإبراز الاختلاف بينما هي متكاملة من الأساس، أو قابلة لأن تكون، وما الفصل بينها إلا تجاوب مع نظريات من خارجها، عن الوطن وكالقومية والدين، مزقت تكامليتها الجغرافية والتاريخية في العالم الإسلامي، بما يحقق أهداف الآخرين، العامدة عمداً إلى هذا التمزيق إن لب نظريته ينفي أي سبب حقيقي يمنع تكامل الدوائر الثلاث، إلا أن تكون نظم الحكم، والمصلحة الضيقة، والنظرة الأحادية التي لا ترى سوى اتجاه واحد من الميراث الثقافي القديم والحديث، وبهذا يتناقض أيها مع تكاملية الأرض والتاريخ.
وقبل أن يوضح رؤيته "للوحدة الإسلامية" فإنه يسعى إلى إثبات الوظيفة الخاصة لكل من الوطن والقومية والدين، وإلى نفي التناقض بين القومية والدين بوجه خاص، والتدليل على تكاملية الدوائر الثلاث، كميراث تاريخي جغرافي، وكأساس لمستقبل متفاعل وفعال، وقد اتخذ سبيله لتحقيق ذلك تحت ما يلي من العناوين، بمثابة وحدات منهجية، توضح آراءه قبل تجميعها في منظور:
- الوحدة والتنوع في العالم الإسلامي.
- تاريخ الإسلام الجيويوليتيكي.
- قضية الوحدة.
- الدين والقومية.
- دور الإسلام السياسي.
وبعد فهذا كتابه، يقدمه كاتبه للقارئ باعتباره مدخلاً، ربما معتذراً بذلك عن صغر حجمه، ولكن وزنه يؤهله قاعدة راسخة لمشروع أكبر، ولعل ما يرجح هذا الاحتمال قوله: (ليس ثمة بين أيدينا فيما نعلم، دراسة تفصيلية دراسة متكاملة ترسم جغرافية الإسلام من حيث هو غطاء روحي واسع للانتشار، بالغ الخطورة في الحياة اليومية المعاصرة، المادية والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، لقطاع كبير من البشرية وما نزعم أن هذا البحث الذي نقدمه الآن يمكن أن يسد هذه الثغرة تماماً، ولكننا نحسب أنه يقدم أرضية عامة ونقطة ابتداء صالحة لمزيد من التعميق والتمحيص).
صاحب المقال : د. عمر فاروق
الكتاب : العالم الاسلامي المعاصر
المؤلف : د.جمال حمدان
الناشر : عالم الكتب - القاهرة
عدد الصفحات : 165
الحجم : 2.7 م.ب.
↓ Download google drive