‏إظهار الرسائل ذات التسميات جورج أورويل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جورج أورويل. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 16 فبراير 2015

تحميل رواية متشردا في باريس ولندن pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية متشردا في باريس ولندن pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


تحميل رواية 1984 pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية 1984 pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


تحميل رواية الطريق إلى رصيف ويغان pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية الطريق إلى رصيف ويغان pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


تحميل رواية الصعود إلى الهواء pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية الصعود إلى الهواء pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


تحميل رواية الحنين إلى كاتالونيا pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية الحنين إلى كاتالونيا pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


تحميل رواية ابنة القس pdf لـ جورج أورويل

تحميل رواية ابنة القس pdf


تأليف: جورج أورويل



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


الخميس، 18 ديسمبر 2014

لماذا اكتب ؟ لـ جورج أورويل

هذا الكتاب المترجم عن الإنجليزية يجمع بين دفتيه مجموعة من المقالات الثقافية/النقدية للصحفي والروائي الإنجليزي جوروج أورويل، ولضيق المساحة في هذا المكان سأتحدث –فقط- عن المقال الذي حمل الكتاب اسمه "لماذا أكتب؟".

مقدمة



الناقد الامريكي أرفينج هوي وصف جورج أورويل بأنه (( كاتب المقالات الاعظم منذ هازلت و ربما منذ د .جونسون )) . ربما كانت مقدمة كهذه ضرورية للدخول إلى هذه المجموعة الممتازة من مقالات أورويل الطويلة و المهمة ، و التي تعد مختارات معتنى بها اكثر من تلك الاقصر منها ، حتى لو كان ذلك ليس لمجرد اثبات انها حواش سارة على كتبه الحقيقية فحسب و انما قد تكون حظه الباقي إلى العظمة ككاتب .
لماذا أكتب ينبغي قراءة أورويل – على الاقل – كشخصية ذات اعتبار في هذا التقليد الذي كان مشهورا في يوم من الايام لا سيما لدى الانجليز هذا التقليد ( أو القالب من الكتابة ) حتى لو كان جميع الكتاب الانجليز – لدى المقالة – يتسترون خلف الفضول التخميني لشخصية الاب الودود ميشيل دي مونتين و مترجمه العظيم الاول إلى الانجليزية جون فلوريو .
لقد نشر من مقالات أورويل كتابان خلال حياته رغم ان نشرها آنذاك كان اسهل من نشرها اليوم . أن يحاجج المرء بتفوق مقالاته قد ينتج عنه شيء من الذنب و الحيرة لدى من يعتقدون ان أورويل هو شخصية عظيمة لكن ليس بإمكانهم القول بصدف أن ايا من كتبه يبرر شهرته .
سأل كيبلنج (( ماذا بوسع الذين لا يعرفون سوى انجلترا ان يعرفوا عنها )) . و هو يحاضر لمدرسي اللغة الانجليزية في تشيكوسلوفاكيا و بولندا بعيد سقوط السلطة السوفيتية بقليل ، مما شجعني لأسأل (( ماذا بوسع الذين لا يعرفون عن جورج أورويل غير ( مزرعة الحيوان ) و ( 1984 ) أن يعرفوا عنه سوى ذلك ؟ )) لكن كتابي أورويل الاخيرين هجائيان من نوعين مختلفين جدا رغم كونهما متسقين في المعنى لوحدهما تقريبا أعطيا أورويل شهرته العالمية . كلا الكتابين ترجما فوريا إلى العديد من اللغات و نسخ مهربة كانت تتداول في بولندا و تشيكوسلوفاكيا و المجر و الاتحاد السوفيتي . حتى ان أورويل في عام 1946 كتب مقدمة للترجمة الاوكرانية ل( مزرعة الحيوان ) شارحا نواياه . بالاضافة إلى ذلك و نتيجة لسمعتها كمثال على الاسلوب الواضح في اللغة الانجليزية أصبحت ( مزرعة الحيوان ) مبكرا كتابا معياريا لامتحان المستوى المتقدم ضمن امتحانات كمبريدج للمهارة في اللغة الانجليزية ، و بالتالي كانت تستخدم علنا في ديكتاتوريات أمريكا الجنوبية و في كل مكان في افريقيا . المراقبون كان يقرأون النص كما لو كان الخنازير يمثلون الشيوعية الروسية و لا شيء اخر لكن الطلاب في تشيلي لم يساورهم شك أن جنرالهم بينوشيه كان خنزيرا كبيرا ايضا ، و في الباراغوي الكئيبة لاحظوا أوجه التشابه بين (( نابليون )) و الجنرال ستروسنر بصمت .

منشق عربي محبوس في زنجبار من قبل الرئيس جوليس نيريري في الستينيات ( من القرن الماضي ) امضى جزء من وقته في الحبس في ترجمة مزرعة الحيوان إلى السواحلية لكن عندما اطلق سراحه اكتشف ان نسخة السواحلية قد صدرت مسبقا و انتجت بأمر من نيريري نفسه . الهجاء بإمكانه ان يعني اشياء مختلفة عند اشخاص مختلفين .

بيانات الكتاب

الاسم : لماذا اكتب ؟
المؤلف : جورج أورويل
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات و النشر
عدد الصفحات : 300
الحجم : 4.5 ميجا
تحميل كتاب لماذا اكتب ؟

 


الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

متشردا في باريس ولندن – جورج أورويل – اقتباسات

"... إن أحياء باريس الفقيرة مجمع للناس غريبي الأطوار – إنهم قوم سقطوا في مهاو للحياة، منعزلة، شبه مجنونة، وتخلوا عن محاولة أن يكونوا عاديين أو معقولين. لقد حررهم البؤس من المقاييس المألوفة للسلوك، تماما مثلما يحرر المال الناس من العمل".

***

"... أنت، في اقترابك من البؤس، تكتشف أمرا يعدل أمورا أخرى. أنت تكتشف الضجر والتعقيدات الدنيئة، وبدايات الجوع، لكنك تكتشف أيضا صفة الثواب العظيم في البؤس، حقيقة أنه يلغي المستقبل. ويصح إلى حد معين أنك كلما قل مالك قل قلقك. حين يكون لديك مائة فرنك في هذا العالم تتعرض لألف فكرة وفكرة، لكن حين يكون لديك ثلاثة فرنكات فقط فأنت غير مبال، إذ أن الفرنكات الثلاثة سوف تطعمك حتى غد، وليس بمقدورك أن تفكر أبعد من ذلك. أنت ضجر، لكنك لست بخائف".

***

"... قال لي بوريس بطريقة غامضة:
"أخبرني يا صديقي، ألديك آراء سياسية؟"
قلت: "لا".
"ولا أنا. كل شخص هو وطني طبعا، لكن مع ذلك – ألم يقل موسى شيئا حول الانتفاع من المصريين. أنت، باعتبارك إنجليزيا، كنت قرأت الكتاب المقدس. ما أعنيه هو، هل تعترض على كسب المال من الشيوعيين؟"
"لا، بالطبع لا".
"حسنا، يبدو أن في باريس جمعية روسية سرية قد تفعل شيئا لنا. إنهم شيوعيون. والواقع أنهم عملاء للبلاشفة. إنهم يعملون باعتبارهم جمعية صداقة، تتصل بالمنفيين الروس، وتحاول أن تجعلهم بلاشفة. صديقي انضم إلى جمعيتهم، وهو يعتقد أنهم سيساعدوننا لو ذهبنا إليهم".
"لكن ماذا بمقدورهم أن يفعلوا لنا؟ وفي كل الأحوال، لن يساعدوني أنا، فأنا لست روسيا".
"ها هي ذي النقطة بالضبط. يبدون أنهم مراسلون لصحيفة موسكوفية، ويريدون مقالات عن السياسة البريطانية. لو ذهبنا إليهم فربما كلفوك بكتابة مقالات".
"أنا؟ لكني لا أعرف شيئا عن السياسة".
"خراء! ولا هُم. من تراه يعرف في السياسة؟ الأمر سهل. كل ما عليك أن تفعله هو أن تستنسخ المقال من الصحف الإنجليزية. أليست هناك "ديلي ميل" في باريس؟ انسخ مقالاتك منها".
"لكن الديلي ميل صحيفة محافظة. وهم يكرهون الشيوعيين".
"حسنا، قل عكس ما تقوله الديلي ميل، ولن تخطيء آنذاك. علينا ألا نفرط بهذه الفرصة، يا صديقي. فقد تعني مئات الفرنكات".

***

"... هذا هو الجانب الحسن في العمل الفندقي. في الفندق يتم تسيير ماكنة هائلة معقدة بعدد من المستخدمين غير كاف، لأن كل شخص له عمل محدد يعمله بإتقان. لكن هناك نقطة ضعف، ذلك لأن العمل الذي يؤديه المستخدمون ليس بالضرورة العمل الذي يدفع الزبون لقاءه. الزبون يدفع للخدمة الجيدة كما يراها. المستخدم يُدفّع له من أجل العمل كما يراه – وهذا يعني، كقاعدة، تقليد الخدمات الجيدة. والنتيجة، أن الفنادق مع أنها في دقتها كالمعجزة، أسوأ من المنازل الخاصة، في الأمور الأساسية.
خذ النظافة مثلا. في فندق س، أن يدخل المرء في أقسام الخدمة، يجد القذارة مقززة. وفي الكافتيريا، حيث نعمل، أوساخ متراكمة منذ عام في الزوايا المظلمة، وسلة الخبز ملأى بالصراصير. اقترحت على ماريو مرة قتلها. قال هادئا: "لماذا نقتل الحيوانات المسكينة؟". وقد ضحك الآخرون لأني أردت غسل يدي قبل أن ألمس الزبدة. غير أننا كنا نظيفين حين نرى النظافة جزءا من العمل. نحن ننظف الموائد، ونلمع النحاس بانتظام لأن لدينا أوامر بذلك، لكن ليس لدينا اوامر بأن نكون نظيفين حقا، وعلى أي حال، ليس لدينا الوقت لذلك.
كنا ببساطة، ننفذ واجباتنا، ولأن واجبنا الأول هو الدقة، فإننا نوفر الوقت فنكون قذرين.
القذارة أسوأ في المطبخ، لست أقول كلاما، بل أذكر حقيقة حين أقول إن الطاهي الفرنسي سوف يبصق في الحساء إن لم يكن سيشربه هو. إنه فنان، لكن فنه ليس النظافة. إنه قذر إلى حد معين، لأنه فنان. ولكي يبدو الطعام ممتازا ينبغي أن يعامل معاملة قذرة. حين يؤتي إلى الطاهي بشريحة لحم كي يتفحصها. فإنه لا يستخدم الشوكة. يتناول الشريحة بأصابعه ويبسطها على الصحن، ثم يمرر إبهامه حول الصحن ويلعقه ليتذوق الصلصة، يمرره ثانية ويلعقه من جديد، ثم يتراجع إلى الوراء، ويتأمل قطعة اللحم، مثل ما يتأمل فنان صورة، بعدها يضغط القطعة في موضعها بحب، مستعملا أصابعه السمينة الوردية، وكل إصبع منها لُعِق مائة مرة، ذلك الصباح. وعندما يرضى عن الأمر، يتناول قطعة قماش، ويمسح آثارة أصابعه عن الصحن، ويسلمه إلى النادل. والنادل، بالطبع، يغمس أصابعه في الصلصة، أصابعه المقرفة المدهنة التي يفرُق بها على الدوام شعره ذا البرليانتين. وعلى كل من يدفع أكثر من عشرة فرنكات، مثلا، لصحن لحم في باريس، أن يتأكد أن صحنه نالته الأصابع على هذا النحو. في المطاعم الرخيصة جدا يختلف الأمر، حيث لا يتعرض الطعام لمثل هذا، بل يؤخذ من المقلاة بالشوكة ويوضع في الصحن رأسا، بدون استعمال اليد، ويمكن القول إنك إن دفعت لطعامك أكثر، أكلت معه عرقا وبصاقا أكثر.
القذارة شائعة في الفنادق والمطاعم، لأن الطعام الصالح يضحَّى به من أجل الدقة والأناقة. إن مستخدم الفندق أكثر انشغالا بتجهيز الطعام من أن يتذكر أن الطعام مقصود به أن يؤكل. الوجبة، هي، ببساطة، "طلب" له، مثل أن الإنسان الذي يموت من السرطان هو "حالة" عند الطبيب. أحد الزبائن يطلب، على سبيل المثال، خبزا محمصا. وعلى شخص ما، أرهقه العمل، في قبو عميق تحت الأرض، أن يجهزه. كيف يستطيع هذا الشخص أن يتوقف ويفكر قائلا لنفسه "هذا الخبز المحمص سوف يؤكل – يجب أن أجعله صالحا للأكل"؟ كل ما يعرفه أن هذا الخبز يجب أن يبدو جيدا، وأن يهيأ في ثلاث دقائق. قطرات عرق كبيرة تنحدر من جبهته على الخبز. لماذا يهتم؟ ثم يسقط الخبز على النشارة الوسخة بأرضية المكان. لماذا يهتم بتجهيز قطعة أخرى؟ الأسرع أن يمسح النشارة عن القطعة. في الطريق إلى الأعلى يسقط الخبز ثانية، والزبدة تنقلب. مسحة أخرى هي كل ما يحتاجه الأمر. وهكذا، مع كل شيء. الطعام الوحيد في فندق س، الذي يهيأ بنظافة هو طعام الموظفين، وصاحب الفندق. والقول الشائع هو: "فتش عن صاحب الفندق"، أما عن الزبائن فهو "ليس شيئا". في كل مكان من أقسام الخدمة تعشعش القذارة – عِرق سري للقذارة يتغلغل في الفندق العظيم، مثل الأمعاء في جسم الإنسان".

***

"... حدث الأمر، عندما كنت في شدة. أنتم تعرفون ذلك، وكيف هو ملعون أن يقع رجل مهذب في ورطة كهذه. النقود لم تصل من البيت، وقد رهنت كل شيء، ولم يعد أمامي إلا العمل، وهو ما لن أفعله. كنت أعيش آنذاك مع فتاة – كان اسمها إيفون – وهي فتاة ضخمة فلاحة نصف بلهاء، مثل آزايا، ذات شعر أصفر، وساقين سمينيتن. لم نأكل نحن الإثنان شيئا، لثلاثة أيام. يا إلهي! أي عذابّ! كانت الفتاة تقطع الحجرة، جيئة وذهابا، ويداها على بطنها، عاوية مثل كلب، خشية الموت جوعا. كان الأمر رهيبا.
لكن الذكي لا يعرف المستحيل. طرحت على نفسي السؤال: ما أسهل طريقة للحصول على المال بدون عمل؟ وفورا جاء الجواب: للحصول بطريقة أسهل، على المال، يجب أن يكون المرء امرأة. أليس لكل امرأة ما تبيع؟ وبينما كنت أتأمل في ما يمكن أن أفعله لو كنت امرأة، خطرت لي فكرة. تذكرت مستشفيات الولادة الحكومية – أنتم تعرفون مستشفيات الولادة الحكومية؟ إنها أماكن تعطى فيها المرأة الحامل وجبات مجانية، بدون أسئلة تُسأل. وذلك تشجيعا للإنجاب. بمقدور أي امرأة الذهاب إلى هناك وطلب وجبة. وسوف تتلقاها فورا.
فكرت: يا إلهي! آه لو كنت امرأة! إذا لأكلت في أحد هذه الأماكن يوميا. ترى، من يستطيع الجزم بأن هذه المرأة حامل أو غير حامل، بدون فحص؟
التفتُّ إلى إيفون، وقلت لها، أوقفي هذا العواء الذي لا يطاق. لديّ فكرة للحصول على الطعام.
قالت: كيف؟
قلت: بسيطة. اذهبي إلى مستشفى الولادة الحكومي، أخبريهم أنك حامل، واطلبي طعاما.
امتعضت إيفون، وصاحت: لكن، يا إلهي! أنا لست حاملا!
قلت: من يهتم؟ سهل ان نتدبر الأمر. ماذا تحتاجين أكثر من مخدة... مخدتين في حال الضرورة؟ الفكرة إلهام سماوي، يا عزيزتي، لا تضيعيها.
حسنا، أقنعتها في النهاية، فاستعرنا مخدة، وأكملت استعدادها، وصحبتها إلى مستشفى الولادة. استقبلوها بأذرع مفتوحة، وأعطوها حساء ملفوف، ويخنة بقر، وبطاطا مهروسة، وخبزا وجبنا وبيرة، وكل أنواع النصائح عن طفلها. التهمت إيفون الطعام حتى كاد جلدها ينفجر، ودبرت أن تخبيء لي في جيوبها خبزا وجبنا. وصرت آخذها إلى هناك كل يوم حتى جاءت نقودي. لقد أنقذنا ذكائي.
استمر كل شيء جيدا، حتى العام المقبل. كنت مع إيفون ثانية، وفي أحد الأيام كنا نتمشى في بوليفار بور رويال، قرب الثكنات. فجأة فغرت إيفون فاها، واحمرت وابيضت واحمرت.
صاحت: "يا إلهي! أنظر إلى تلك القادمة! إنها الممرضة المسؤولة عن مستشفى الولادة. لقد حل بي الخراب!".
قلت: "أسرعي! اركضي!".
لكن بعد فوات الأوان... فلقد عرفتنا الممرضة، إيفون، وجاءت إلينا مباشرة، وهي تبتسم. كانت امرأة ضخمة، سمينة، مع نظارة ذهب، وخدين محمرين كالتفاح. إنها امرأة، ذات طبيعة أمومية متدخلة.
قالت بصوت رقيق: "آمل في أن تكوني بحالة جيدة، يا صغيرتي؟ وطفلك؟ أليس جيدا أيضا؟ أكان ولدا كما أردت؟"
أخذت إيفون ترتجف بشدة، حتى اضطررت أن أمسك بذراعها. أخيرا قالت: "لا".
"آه، إذا هي بنت؟"
لكن إيفون البلهاء، فقدت رشدها كاملا، وقالت من جديد: "لا".
أجفلت الممرضة، وهتفت: "كيف؟ لا ولد، ولا بنت! كيف يحدث هذا؟".
تصوروا هذه اللحظة أيها السادة والسيدات. كانت لحظة خطرة. صار لون إيفون مثل الشمندر، وأوشكت أن تنفجر باكية. ثانية واحدة فقط لتعترف بكل شيء. السماء وحدها تعلم ما كان سيحدث. أما أنا فقد احتفظت برباطة جأشي، وتقدمت لأنقذ الوضع.
قلت بهدوء: "كانا توأمين".
هتفت الممرضة: "توأمان!". وسُرَّت سرورا بالغا، وربتت على كتفي إيفون، وقبلتها من كلا خديها، أمام الناس.
"نعم، توأمان..."".

***

"مهما كانت قيمة آرائي في حياة غاسل صحون باريسي، فإني أريد أن أبينها. حين يفكر المرء بها، يجد من الغريب، أن آلاف الناس من مدينة حديثة عظيمة، عليهم أن يمضوا ساعات يقظتهم في غسل الصحون داخل جحور ساخنة. السؤال الذي أقدمه هو: لماذا تستمر هذه الحياة – ما غايتها، ومن يريد استمرارها، ولماذا؟ أنا لا أتخذ الموقف المتمرد الكسول. بل أحاول أن أتفكر في الأهمية الاجتماعية لحياة غاسل الصحون. أعتقد، بدءا، بالقول إن غاسل الصحون هو أحد عبيد العالم الحديث، لا حاجة إلى التوجع كثيرا عليه، إذ أن حالته أفضل من عمال يدويين عديدين، غير أنه يظل بلا حرية أكثر مما لو كان يشترى ويباع. عمله ذليل وبلا فن. والأجور التي يتقاضاها لا تتيح له أكثر من البقاء حيا. عطتله الوحيدة هي الطرد. إنه محروم من الزواج، فإن تزوج كان على زوجته أن تعمل أيضا. وباستثناء ضربة حظ سعيدة، لا منجاة له من هذه الحياة، إلا في السجن. في هذه اللحظة، هناك في باريس أناس ذوو شهادات جامعية يغسلون الصحون مقابل عشر فرنكات أو خمسة عشر فرنكا في اليوم. ليس بالمقدور القول إن هذا بسبب كسلهم، فالعاطل لا يمكن أن يصير غاسل صحون. غير أن الرتابة أطبقت عليهم، حتى غدا التفكير مستحيلا. ولو فكر غاسلو الصحون قليلا لشكلوا نقابة، منذ أمد بعيد، وأضربوا عن العمل، مطالبين بمعاملة فضلى. لكنهم لا يفكرون، لأنهم لا يملكون هذا الترف، فقد حولتهم حياتهم إلى عبيد.
السؤال هو، لماذا تستمر هذه العبودية؟ يتفق الناس على أن لكل عمل غاية سليمة. يرون شخصا سواهم يؤدي عملا غير مقبول، فيظنون أنهم حلوا الإشكال بالقول إن العمل ضروري. استخراج الفحم، على سبيل المثال، عمل شاق، لكنه ضروري – يجب أن يكون لدينا فحم. العمل في المجاري غير لطيف، لكن يجب أن يعمل شخص ما في المجاري. والأمر مماثل في عمل غاسل صحون. يجب أن يأكل أناس في المطاعم، ولهذا يجب على أناس آخرين أن يغسلوا الصحون لثمانين ساعة في الأسبوع. إنه عمل حضارة، ولهذا لا يخضع للمساءلة. هذه النقطة ينبغي التفكير فيها.
هل عمل الغاسل ضروري للحضارة؟
لدينا شعور بأنه يجب أن يكون عملا "شريفا"، لأنه شاق، وكريه، ولأننا جعلنا من العمل اليدوي نوعا من الصنم. نشاهد رجلا يقطع شجرة، فنقول إنه يسد حاجة اجتماعية، لمجرد أنه استعمل عضلاته، ولا يخطر ببالنا أنه قطع شجرة جميلة، فقط ليهييء مكانا لتمثال شنيع. أظن الأمر ينطبق على غاسل الصحون. إنه يكسب خبزه بعرق جبينه، لكنه لا يستتبع ذلك أنه كان يؤدي عملا نافعا. ربما كان يديم ترفا هو في الغالب ليس ترفا".

"... ما الحاجة الفعلية إلى الفنادق الضخمة والمطاعم الفاخرة؟ المفترض فيها أن تقدم ترفا، لكنها في الواقع تقدم محاكاة رخيصة للترف. يكاد الجميع يكرهون الفنادق. ثمت فنادق أفضل من سواها، لكن من المستحيل الحصول على وجبة جيدة في مطعم، بالسعر نفسه، أفضل مما يجدها في منزل خاص. لا شك في أنه يجب وجود المطاعم، لكن لا حاجة إلى أن تستعبد مئات الناس. عمل الفنادق ليس في الأمور الجوهرية، وإنما في الأمور المزيفة المفترض فيها أن تقدم ترفا، والأناقة، كما تسمى، تعني أن يعمل المستخدمون أكثر ويدفع الزبائن أكثر، ولا أحد يستفيد إلا المالك، الذي سيشتري لنفسه دارة في دوفيل. الفندق "الأنيق" هو، أساسا، مكان يكدح فيه مائة إنسان كالشياطين، حتى يدفع مائتا شخص مبالغ كبيرة لأشياء لا يريدونها حقا. لو انتهت السخافة من الفنادق والمطاعم وجرى العمل بكفاءة بسيطة، فإن غاسلي الصحون سوف يعملون بين ست ساعات وثماني ساعات في اليوم، بدلا من عشر أو خمس عشرة.
لنفترض حصول اتفاق على أن عمل غاسل الصحون غير ذي فائدة، في قليل أو كثير. آنذاك يأتي السؤال: لم يراد منه أن يظل يعمل؟ أحاول أن أذهب إلى ما وراء القضية الاقتصادية المباشرة، وأفكر... ترى أي سرور يناله شخص ما حين يفكر بأناس يظلون يغسلون الصحون طوال الحياة؟ فلا شك في أن نفرا – من المرتاحين جدا – يجدون سرورا في مثل هذه الأفكار. قال ماركوس كاتو، على العبد أن يعمل إن لم يكن نائما. لا يهم إن كان عمله يسد حاجة أم لا. المهم أن يعمل، لأن العمل ذاته جيد – للعبيد في الأقل. هذا الشعور لا يزال حيا، وقد راكم جبالا من الكدح غير المفيد.
أعتقد أن غريزة تخليد عمل غير نافع تعني، في العمق، الخوف من العامة. فالعامة (هكذا تمضي الفكرة) هم حيوانات وضيعة إلى حد أنهم يكونون خطرين لو أتيح لهم وقت الفراغ، والأكثر مدعاة للأمان أن يظلوا منشغلين إلى حد يمنعهم من التفكير. والغنى، الذي قد يكون صادق الثقافة، لو سئل عن تحسين العمل، فسوف يقول عادة، كالآتي:
"نحن نعرف أن البؤس غير مفرح. والواقع أن البؤس ما دام بعيدا عنا، فإننا نتسلح بفكرة أنه غير مفرح. لكن لا تتوقع منا أن نفعل أي شيء بصدده. نحن آسفون لطبقاتكم الدنيا، مثل ما نحن آسفون لقطة جرباء، غير أننا سنقاتل كالمردة ضد أي تحسين لظرفكم. نحن نشعر أنكم مأمونون أكثر وأنتم في حالكم هذا. إن الواقع الراهن يناسبنا، ولسنا مستعدين لمخاطرة تحريركم، حتى بساعة إضافية في اليوم. هكذا، يا إخوتي الأعزاء، إن كان عليكم أن تعرقوا لدفع رحلاتنا إلى إيطاليا، فلتعرقوا، ولتحل عليكم اللعنة"
هذا، بخاصة، هو موقف الناس الأذكياء المهذبين، وبالإمكان قراءة جوهر الموقف في مائة مقال. قليل جدا من الناس المثقفين يكسبون أقل من أربعمائة باوند مثلا في العام، ومن الطبيعي أنهم يقفون في صف الأغنياء لأنهم يتصورون ان أي حرية يُتنازل عنها للفقراء هي تهديد لحريتهم. ولأن الرجل المثقف يرى اليوتوبيا الماركسية البغيضة بديلا من هذا، فهو يفضل الإبقاء على الأمور كما هي. قد لا يود كثيرا أصحابه الأغنياء، لكنه يفترض أن أشد صحابه ابتذالا هو أقل عداء لمسراته، وللناس الذين هم على شاكلته، من الفقير، وأن الخير في أن يقف بجانبهم. هذا الخوف المفترض من العامة الخطرين هو الذي يجعل معظم المثقفين قوما محافظين في آرائهم.
الخوف من العامة خوف خرافي. مستند إلى فكرة وجود فرق غامض أساسي بين الأغنياء والفقراء، كأنهما من رِسّين مختلفين، كالسود والبيض. وفي الحقيقية لا يوجد مثل هذا الفرق. إن جمهرة الأغنياء والفقراء يتمايزون بدخولهم وليس بأي شيء آخر. والمليونير العادي هو غاسل الصحون العادي مرتديا بدلة جديدة. بَدِّل المواقع، واقلب الأشياء: مَن القاضي؟ من اللص؟ كل من اختلط مع الفقراء على قدم المساوة يعرف هذا جيدا. لكن المشكلة أن الناس المثقفين المهذبين أنفسهم، المتوقع منهم أن يحملوا آراء ليبرالية، لا يختلطون بالفقراء... يتصور المثقف قطيعا من أشباه البشر، ينتظرون يوم حرية فقط، كي ينهبوا بيته، ويحرقوا كتبه، ويجعلوه يشتغل في إصلاح ماكنة، أو تنظيف مراحيض. ويفكر: "ليأت أي شيء، ليأت الظلم، فلا ينطلق العامة". وهو لا يرى، ما دام الفرق غير قائم بين جمهرة الفقراء والأغنياء، أن لا موضع لإطلاق العامة. إن العامة هم مُطلقون الآن، فعلا، وهم – في صورة الأغنياء – يستعملون سلطتهم لإقامة آلات الضجر، مثل الفنادق "الأنيقة". باختصار أقول إن غاسل السحون عبد، عبد مُضاع، يؤدي عملا غبيا ليست له ضرورة تقريبا، وهو محتجز في العمل، إلى ما لا نهاية، بسبب شعور غامض حول أنه سيكون خطرا لو أُطلق سراحه. والمثقفون الذين يجب أن يقفوا إلى جانبه، مذعنون، ذلك لأنهم لا يعرفون عنه شيئا، وبالنتيجة يخشونه. أقول هذا عن غاسل الصحون لأني كنت أدرس حالته هو، التي تنطبق تماما على المئات من الأعمال، وأنماط العمال. هذه هي آرائي في الحقائق الأساسية لحياة غاسل الصحون، قدمتها بدون رجوع إلى القضايا الاقتصادية المباشرة، وربما كانت آراء عادية. إنني أقدمها، نماذج للأفكار التي تخطر ببال المرء حين يعمل في فندق".

***

"... الوَسَخ يحترم الأشخاص احتراما عظيما، إنه لا يقترب منك حين ترتدي ثيابا جيدة، لكن ما أن تذهب لياقتك، حتى يندفع إليك من مختلف الجهات".

***

"... يجدر بي أن أقول شيئا عن الوضع الاجتماعي للمتسولين، فحين يتعرف عليهم المرء، ويجد أنهم بشر عاديون، يصدمه الموقف الغريب الذي يتخذه المجتمع إزاءهم. ويبدو أن الناس يشعرون بان ثمت اختلافا جوهريا بين المتسولين والناس "العاملين". إنهم رِسّ منفصل – منبوذون، مثل المجرمين والبغايا. العمال "يعملون"، والمتسولون لا "يعملون"، إنهم كائنات طفيلية بطبعيتهم. والمتعارف عليه أن المتسول لا "يكسب" رزقه، مثلما "يكسب" بنّاء القرميد أو الناقد الأدبي، رزقه. المتسول زائدة اجتماعية، نتحمله لأننا نعيش في عصر إنسانيّ، لكنه خسيس في جوهره.
لكن لو دقق المرء النظر فلن يجد فرقا "جوهريا" بين معيشة المتسول ومعيشة عدد لا يحصى من الناس المحترمين. المتسولون لا يعملون، كما يقال، لكن، ما "العمل"، إذا؟ العامل غير المهاري يعمل ملوحا برفش، المحاسب يعمل بإضافة أرقام. المتسول يعمل بوقوفه خارج الأبواب في كل تقلبات الطقس، ويصاب بالدوالي والتهاب القصبات المزمن... إلخ. التسول حرفة، شأنها شأن أي حرفة أخرى، عديمة النفع، بالطبع – لكن ثمت الكثير من الحرف المحترمة عديمة النفع. والمتسول باعتباره نمطا اجتماعيا، تمكن مقارنته بالعديد من الآخرين. وإنه لنزيه، صادق، مقارنة بمعظم بائعي الأدوية، وأفضل ذهنا إذا قارنّاه بمالك صحيفة من صحف الأحد، وأكثر ودا من وكيل إيجار – ويمكن القول باختصار إنه من الطفيليات، لكن الطفيليات غير الضارة. ونادرا ما يأخذ من المجتمع أكثر من كفاف العيش. أما ما يبرره حسب أفكارنا الأخلاقية، فإنه يدفع ثمنه، مرارا ومرارا، بمعاناته. وأنا لا أظن في المتسول شيئا يجعله مختلف المرتبة عن الآخرين، أو يعطي معظم الرجال العصريين حق احتقاره.
ثم يأتي السؤال: لماذا يُحتقر المتسولون؟ - ذلك لأنهم محتقرون على نحو شامل. أعتقد أن لهذا سببا بسيطا، هو أنهم أخفقوا في كسب حياة لائقة عمليا، لا يهتم أحد إن كان العمل نافعا أم غير نافع، منتجا أم طفيليا، الأمر المطلوب الوحيد أن يكون العمل مربحا. في كل الكلام الحديث عن القدرة، والكفاءة، والخدمة الاجتماعية، وما إلى ذلك، أهناك معنى آخر غير "اكسب مالا، اكسبه بطريقة مشروعة، واكسب منه الكثير"؟
لقد صار المال اختبار الفضيلة الأكبر. في هذا الاختبار يفشل المتسولون، ولهذا يُحتقرون. ولو أمكن كسب عشرة باونات أسبوعيا من التسول، لصار التسول مهنة محترمة، على الفور. إذا نظرنا إلى المتسول نظرة واقعية، فلسوف نجده ببساطة، رجل أعمال، ومثل رجال الأعمال الآخرين يكسب رزقه، بالطريقة التي يعتمدها. وهو لم يبع شرفه أكثر مما فعل معظم الناس. لقد أخطأ، فقد في اختياره مهنة يستحيل معها أن يصير غنيا".

***

"... كلمات السباب تتغير أيضا – أو أنها تخضع للموضة. مثلا، كانت الطبقة العاملة في لندن قبل عشرين عامل تستعمل كلمة bloody. الآن تركوها تماما، مع أن الروائيين لا يزالون يستعملونها. ولا أحد من مواليد لندن (دع ذوي الأصول الأسكتلندية أو الأيرلندية) يقول الآن bloody إلا إذا كان حاصلا على تعليم. الواقع ان الكلمة ارتقت في السلم الاجتماعي ولم تعد كلمة سباب لدى الطبقة العاملة".

***


"أريد أن أبين بضع ملحوظات عامة عن المتشردين. عندما يفكر المرء، بالأمر، يجد أن المتشردين نتيج غريب يستحق التأمل. غريب أن قبيل رجال، يُعدّون بعشرات الآلاف، يطوفون في أرجاء إنجلترا، من أقصاها إلى أقصاها، مثل يهود تائهين. لكن القضية، وهي تستحق التفكير بشكل واضح، لا يمكن البدء بتأملها إلا بعد التخلص من أهواء معينة. هذه الأهواء نابعة من فكرة أن كل متشرد، هو وغد، كحقيقة واقعة. علمونا في الطفولة أن المتشردين أوغاد، وهكذا وُجد في أذهاننا نمط من الوغد المثال، الوغد الأنموذجي – مخلوق كريه، بل خطِر، يفضل الموت على العمل أو الاغتسال، ولا يريد سوى أن يتسول، ويشرب، ويسطو على أقنان الدجاج. هذا المتشرد – الوحش، ليس أكثر حقيقية في الحياة من الصيني الشرير في قصص المجلات، لكن من الصعوبة البالغة التخلص من النمط هذا. إن كلمة "متشرد" ذاتها، تثير تخيله (أي الفرد). وما يعتقده يشوش الأسئلة الحقيقية المتصلة بالتشرد.
لنتناول سؤالا أساسيا حول التشرد: لماذا يوجد المتشردون. شيء غريب أن يعرف قلة من الناس ما يجعل المتشرد على الطريق. ونتيجة الاعتقاد بالمتشرد-الوحش، تُقترح أسباب عجيبة للظاهرة. يقال إن المتشردين يتشردون كي يتجنبوا العمل، ويتسولوا بسهولة، ويغتنموا فرصا للجريمة، وأخيرا – كسبب أقل احتمالا – لأنهم يحبون التشرد. بل لقد قرأت في كتاب عن علم الإجرام أن المتشرد رجعي، عودة إلى مرحلة البدو الرحل في تاريخ البشرية. بينما السبب الواضح تماما للتشرد ماثل جدا أمام الوجه. بالطبع، ليس المتشرد رجعي – بالإمكان القول أيد إن التاجر الجوال رجعي. المتشرد يتشرد، لا بسبب أنه يحب التشرد، وإنما للسبب نفسه الذي جعل السيارة تلتزم اليسار. لأن ثمت قانونا يلزمها بذلك. إن شخصا بلا موارد، إن لم تساعده الإبرشية، فلن يجد العون إلا في بيوت أبناء السبيل، ولأن هذه البيوت لا تؤويه إلا ليلة واحدة، يظل أوتوماتيكيا يتحرك. هو متشرد لأن عليه، حسب القانون السائد، إما أن يتشرد أو يجوع. لكن الناس نشأوا على الاعتقاد بالمتشرد – الوحش ولهذا يفضلون التفكير بوجوب وجود دافع شرير للتشرد.
والحق أن جانبا جد ضئيل من فكرة المتشرد – الوحش، سيصمد للتدقيق. خذ الفكرة الشائعة حول أن المتشردين أشخاص خطرون. بمعزل عن التجربة، يمكن القول بدءا إن قليلا جدا من المتشردين خطرون، لأنهم لو كانوا خطرين لتم التعامل معهم بموجب ذلك. إن بيتا لأبناء السبيل يؤوي غالبا، مائة متشرد، في الليلة الواحدة، ويتولى أمر هؤلاء المائة، جهاز من ثلاثة أشخاص، بوابين، في الغالب. لا تمكن السيطرة بثلاثة رجال غير مسلحين على مائة شخص وحشي. والواقع أن المرء حين يرى كم يتعرض المتشردون للمضايقة من جانب موظفي الورشات، يجد أن هؤلاء المتشردين هم من أكثر الناس مسالمة وخضوعا، إلى حد لا يمكن تصوره. او خذ الفكرة أن كل المتشردين سكيرون – وهي فكرة مضحكة في ظاهرها. لا شك في أن متشردين كثارا سوف يشربون لو أتيحت لهم الفرصة. في هذه الأيام، يبلغ سعر الباينت مما يدعى بيرة في إنجلترا سبعة بنسات. وكي تسكر على البيرة يجب أن تدفع نصف كراون، والرجل الذي يستطيع التصرف بنصف كراون، غالبا، يست متشردا بأي حال. فكرة أن المتشردين طفيليات اجتماعية وقحة، ليست بلا أساس إطلاقا، لكنها تنطبق على نسبة مئوية قليلة من الحالات. إن التطفل الشرير، المتعمد، كالذي يُقرأ في كتب جاك لندن عن التشرد الأمريكي، ليس في طبيعة الشخصية الإنجليزية. فالإنجليز  رِسّ مثقل الضمير بإحساس قوي بخطيئة البؤس. ولا يمكن تخيل أن يختار الإنجليزي العادي، عامدا، التحول إلى طفيلي، وهذه الشخصية الوطنية لا تتغير بالضرورة لأن رجلا صار عاطلا عن العمل. والحق أننا لو تذكرنا أن المتشرد هو مجرد إنجليزي عاطل عن العمل، أُرغم قانونيا على العيش متصعلكا، لاختفى المتشرد – الوحش. أنا لا أقول إن معظم المتشردين هم شخصيات مثالية، بل أقول فقط إنهم بشر عاديون. وإن كانوا أسوأ من الآخرين فإن هذا نتيجة لا سبب لطريقتهم في الحياة".



متشردا في باريس ولندن
جورج أوريل
ت: سعدي يوسف

الأربعاء، 14 أغسطس 2013

رسالة لجورج أورويل عن سبب كتابته لـ "1984"

ترجمة: أمير زكي
أغسطس 2013

***
عام 1944، قبل ثلاث سنوات من كتابة "1984" وقبل خمس سنوات من نشرها، كتب جورج أورويل رسالة تُفَصِّل أطروحة روايته العظيمة. الرسالة التي تحذر من صعود الدول البوليسية الشمولية التي "تقول إن اثنين زائد اثنين يساويان خمسة" يعاد نشرها من كتاب "جورج أورويل: حياة في رسائل" الذي حرره بيتر ديفسون، ونشرته اليوم (12/8/2013) دار ليفرايت.



إلى نويل ويلميت
18 مايو 1944
10أ مورتيمير كريسينت ن. و 6

عزيزي السيد ويلميت

جزيل الشكر لرسالتك. تسألني إن كانت الشمولية وعبادة القائد إلخ هي حقا في صعود، وتطرح حقيقة أنها لا تنمو بشكل واضح في هذا البلد وفي الولايات المتحدة.

عليّ أن أقول إنني أعتقد - أو أتخوف - أنه بالنظر إلى العالم ككل، فهذه الأشياء في ازدياد. بلا شك فهتلر سيختفي قريبا، ولكن فقط في مقابل تقوية (أ) ستالين، (ب) المليونيرات الأنجلو أمريكيين (ج) كل أنواع الفوهررات الصغار من نمط ديجول. كل الحركات القومية في كل مكان، حتى تلك المنبثقة من مقاومة السيطرة الألمانية، تبدو أنها تتخذ أشكالا غير ديمقراطية، وتجمع نفسها حول فوهرر على نمط الإنسان الأعلى (هتلر، ستالين، سالازار، فرانكو، غاندي، دي فاليرا هم أمثلة متنوعة) وتتبنى نظرية الغاية تبرر الوسيلة. في كل مكان يبدو أن حركة العالم تتجه نحو اقتصادات متمركزة مُعَدّة لتعمل بحس اقتصادي ولكنها غير منظمة ديمقراطيا وتميل لتأسيس نظام طبقة متعالية. بهذا تمضي فظائع القومية العاطفية والميل لعدم تصديق وجود حقيقة موضوعية، لأن كل الحقائق يجب أن تتلائم مع كلمات وتنبؤات فوهرر ما لا يخطيء. التاريخ بالفعل توقف بمعنى ما عن الوجود، مثال: لا يوجد شيء يمثل تاريخ زمننا يمكن قبوله عالميا، والعلوم الدقيقة ستتعرض للخطر في الوقت الذي تتوقف فيه الضرورة العسكرية عن جعل الناس أهل لها؛ يمكن لهتلر القول إن اليهود هم من بدأوا الحرب، وإن انتصر سيصبح هذا هو التاريخ الرسمي. لا يمكنه القول إن اثنين زائد اثنين يساويان خمسة، بسبب أغراض مثل أنه على علم المقذوفات أن يراهما يساويان أربعة، ولكن نوع العالم الذي أخشى من تحققه، العالم المكون من اثنين أو ثلاث دول قوية عظمة غير قادرة على غزو بعضها، سيساوي اثنين زائد اثنين خمسة، إن رغب الفوهرر في ذلك[1]. هذا - بقدر ما يمكنني الرؤية - هو الاتجاه الذي نتحرك فيه على الرغم إن هذه العملية قابلة للانعكاس بالطبع.

فيما يتعلق بالمناعة النسبية لبريطانيا والولايات المتحدة، بغض النظر عما يمكن أن يقوله السلاميون أو غيرهم، نحن لم نتحول إلى شموليين بعد، وهذا عَرَض واعد جدا. أؤمن بشكل كبير – كما شرحت في كتابي "الأسد واليونيكورن" - بالشعب الإنجليزي وقدرته على مركزة اقتصاده بدون تدمير الحرية أثناء ذلك. ولكن على المرء أن يتذكر أن بريطانيا والولايات المتحدة لم يُختبرا حقا، لم يعرفا الهزيمة أو المعاناة الشديدة، وهناك أعراض سيئة توازن الأعراض الجيدة. لنبدأ بوجود لا مبالاة عامة بتحلل الديمقراطية؛ هل تدرك - على سبيل المثال - أنه لا أحد أصغر من 26 عاما في انجلترا الآن شارك في تصويت، وبقدر ما يرى المرء فإن الغالبية العظمى من الشعب في هذا العمر لا تهتم بذلك على الإطلاق[i]؟ ثانيا هناك حقيقة أن المثقفين أكثر شمولية في وجهة نظرهم من العوام من الناس؛ بشكل عام عارضت النخبة الإنجليزية هتلر، ولكن فقط في مقابل قبول ستالين. معظمهم مستعدون تماما للممارسات الديكتاتورية، الشرطة السرية، التزييف المنهجي للتاريخ[2]إلخ. طالما أنهم يشعرون بأن هذا يقف إلى "جانبنا". في الحقيقة التصريح بأننا ليس لدينا حركة فاشية في إنجلترا يعني بشكل كبير في هذا اللحظة أن الشباب يبحثون عن فوهرر في مكان آخر. لا يمكن للمرء أن يتأكد من أن هذا لن يتغير، ولا يمكن للمرء أن يتاكد من أن العامة لن يفكروا بعد عشر سنين كما يفكر المثقفون الآن. آمل[3]أن لا يفعلوا، أنا حتى أثق من أنهم لن يفعلوا، ولكن إن فعلوا سيكون ذلك على حساب النضال. إن صرّح المرء ببساطة بأن كل الأمور تعمل من أجل الخير ولم يُشِر إلى الأعراض الخبيثة، فالمرء يساعد ببساطة على جعل الشمولية أقرب.

أنت تتساءل أيضا: إن كان الميل العالمي موجها للفاشية، فلماذا أدعم الحرب. إنه اختيار من بين الشرور – وأظن أن كل حرب هي كذلك. أنا أعرف الإمبريالية البريطانية بما يكفي لكي لا أحبها، ولكني سأدعمها في مواجهة النازية أو الإمبراطورية اليابانية، كشر أقل. بشكل مشابه سأدعم الاتحاد السوفييتي في مواجهة ألمانيا لأنني أعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يستطيع أن يهرب كلية من ماضيه، وهو يستعيد ما يكفي من الأفكار الأصلية للثورة لتجعله ظاهرة واعدة أكثر من ألمانيا النازية. أعتقد – وقد اعتقدت منذ بدأت الحرب تقريبا في عام 1936 - أن قضيتنا هي الأفضل، ولكن علينا أن نصر على جعلها أفضل، هذا الذي يتضمن نقدا مستمرا.

المخلص
جو. أورويل

(مكتوب على الآلة الكاتبة)

معاد طبعه من كتاب "جورج أوريل: حياة في رسائل" اختارها وأضاف هوامشها بيتر ديفيسون، صدرت طبعته الأمريكية عام 2013



[1]  الجملة تستبق ما سيذكر في رواية "1948"
[2]  السابق
[3]  قارن برواية "1984": "كتب ونستون: إن كان هناك أمل، فهو موجود عند البروليتاريا".




[i]  يشير أورويل إلى توقف الانتخابات العامة في بريطانيا من عام 1935 وحتى عام 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية، هذا الذي أدى إلى كون من هم أقل من 26 غير مشاركين بأصواتهم في هذه الفترة، علما بأأن سن التصويت في إنجلترا آنذاك كان يبدأ من 21 عاما (أ.ز)

الأحد، 5 أغسطس 2012

ما هي الفاشية - مقال لجورج أورويل



ت: أمير زكي
أغسطس 2012

***

من ضمن جملة الأسئلة غير المجاب عليها في زمننا، وربما يكون السؤال الأهم هو سؤال: "ما هي الفاشية؟"

واحدة من منظمات الاستطلاع الاجتماعي في أمريكا سألت هذا السؤال مؤخرا لمائة شخص مختلف، وحصلوا على إجابات تنوعت ما بين "الديمقراطية البحتة" و"الشيطانية" البحتة. إن سألت شخص ذو تفكير عادي في بلدنا بأن يعرف الفاشية، سيجيب عادة بالإشارة إلى النظامين الألماني والإيطالي. ولكن هذا غير مرض على الإطلاق، لأنه حتى البلاد الفاشية الرئيسية تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير في البناء والأيدولوجيا.

فليس من السهل على سبيل المثال أن تضع ألمانيا واليابان في نفس الإطار، وهذا يكون أصعب بالنسبة للبلاد الصغيرة التي يمكن وصفها بالفاشية. على سبيل المثال يُعتقَد عادة أن الفاشية مطبوعة على الميل للحرب؛ إنها تنمو في مناخ الحرب الهيستيري وتستطيع فقط أن تحل مشاكلها الاقتصادية بوسائل الإعداد للحرب والغزوات الخارجية. ولكن من الواضح أن هذا ليس صحيحا، قل، في البرتغال وديكتاتوريات أمريكا الجنوبية المختلفة. أو – كمثال آخر – أن معاداة السامية من المفترض أن تكون واحدة من العلامات المميزة للفاشية؛ ولكن بعض الحركات الفاشية ليس معادية للسامية. جدالات مثقفة، تتردد لمدة سنوات بلا توقف في المجلات الأمريكية، لم تكن قادرة على تحديد إن كانت الفاشية هي شكل من الرأسمالية. ولكن مع ذلك فعندما نطبق مصطلح "الفاشية" على ألمانيا أو اليابان أو إيطاليا موسوليني، فنحن نعلم بشكل كبير ما الذي نعنيه. ولكن في السياسة الداخلية فهذه الكلمة فقدت الأثر الأخير لمعناها. فلو ألقيت نظرة على الصحافة  ستجد أنه على الأغلب لا توجد مجموعة من الناس – في الحقيقة لا يوجد حزب سياسي أو مجموعة منظمة من أي نوع – لم تتهم بالفاشية في ظل العشر سنوات السابقة. أنا لا أتحدث عن الاستخدام الدقيق لمصطلح "الفاشية". أنا أتحدث عما أراه في المطبوعات. أرى كلمات: "التعاطف مع الفاشية"، "عن الميل الفاشي"، أو فقط "الفاشية"، تطبق بجدية تامة على الجماعات التالية:

المحافظون: كل المحافظين، سواء كانوا مسالمين أو غير مسالمين، يتم اعتبارهم بأنهم في ذاتهم مؤيدين للفاشية. الحكم البريطاني في الهند والمستعمرات يتم اعتباره غير مختلف عن النازية. المنظمات التي يمكن ان يعتبرها المرء من النوع الوطني والتقليدي تصنف كفاشية متخفية أو "ذات ذهنية فاشية". الأمثلة هي الكشافة، شرطة المتروبوليتان، المكتب الخامس[1]، رابطة المحاربين القدامى البريطانية. الجملة الأساسية هي: "المدارس العامة هي مساحات لتنشئة الفاشية".

الاشتراكيون: المدافعون عن الرأسمالية بالطريقة القديمة (سير إرنست بِن[2]على سبيل المثال) أكد على أن الاشتراكية والفاشية هما نفس الشيء. الصحفيون الكاثوليكيون أكدوا على أن الاشتراكيين كانوا المتعاونين الأساسيين في البلاد التي احتلها النازي. نفس الاتهام ألقي من زاوية مختلفة من قبل الحزب الشيوعي أثناء الفترات المتطرفة يساريا. في الفترة ما بين 1930-1935 صحيفة "ذا ديلي ووركر"[3]عادة ما كانت تدعو حزب العمل بفاشيو العمل. هذا تم ترديده من قبل اليساريين المتطرفين كالأناركيين. بعض القوميين الهنود يعتبرون اتحادات التجارة البريطانية منظمات فاشية.

الشيوعيون: مدرسة لها اعتبارها في التفكير (أمثلتها: روشنينج[4]، بيتر دراكر[5]، جيمس برنهام[6]، ف. أ. فويجت[7]) ترفض أن تميز بين النظامين النازي والسوفيتي، وهم مقتنعون بأن كل الفاشيين والشيوعيين يستهدفون تقريبا نفس الشيء وحتى نفس الأشخاص إلى حد ما. قيادات "التايمز" (قبل الحرب) كانت تشير للاتحاد السوفيتى على أنه "دولة فاشية". ومرة أخرى فمن زاوية مختلفة تردد هذا الرأي من قبل الأناركيين والتروتسكيين.

التروتسكيون: الشيوعيون يتهمون أداء التروتسكيين، على سبيل المثال منظمة تروتسكي الخاصة، بأنه تنظيم فاشي متخف لحساب النازيين. هذا كان مقتنعا به بشكل كبير أثناء فترة الجبهة الشعبية[8]. في مراحلهم المتطرفة يمينيا الشيوعيون مالوا لإلقاء نفس الاتهام إلى كل الفصائل اليسارية عنها: مثال: حزب الكومون ويلث[9]أو حزب العمل المستقل[10].

الكاثوليكيون: بعيدا عن مجموعهم، غالبا تعتبر الكنيسة الكاثوليكية مؤيدة للفاشية، على المستويين الموضوعي والذاتي.

مقاومو الحرب: السلاميون والآخرون الذين هم ضد الحرب كثيرا ما يتهمون ليس فقط بجعل الأمور أسهل بالنسبة للمحور، ولكن بكونهم متأثرين بالمشاعر المؤيدة للفاشية.

مؤيدو الحرب: مقاومو الحرب عادة ما يبنوا حجتهم على دعوى أن الإمبريالية البريطانية أسوأ من النازية، ويميلون لتطبيق مصطلح "الفاشية" على أي أحد يطمح للانتصار العسكري. داعمو "حكومة الشعب"[11]مالوا للاعتقاد بأن الرغبة في مقاومة الغزو النازي هو علامة على التعاطف مع الفاشية. الدفاع الوطني[12]اتهم بأنه منظمة فاشية في الوقت الذي ظهر فيه. بالإضافة إلى ذلك فاليسار كله يميل لمساواة العسكرية بالفاشية. بوعي سياسي غالبا ما يشير العساكر لضباطهم بأنهم "ذوي عقلية فاشية" أو "فاشيون بطبعهم". المدارس العسكرية، الالتزام بالأوامر، التحية للرؤساء كلها تعتبر متجهة نحو الفاشية. قبل الحرب كان التطوع في الجيش يعتبر علامة على الميول الفاشية. التجنيد الإجباري والجيش النظامي يتهم كلاهما بكونهما ظواهر فاشية.

القوميون: القومية تعرف عالميا أنها فاشية بطبعها، ولكن هذا يتم تطبيقه فقط على بعض الحركات القومية، وصادف أن يعترض عليها كاتب المقال. القومية العربية، القومية البولندية، القومية الفنلندية، حزب الكونجرس الهندي، الاتحاد الإسلامي، الصهيونية، الجيش الوطني الأيرلندي، كلها توصف بأنها فاشية ولكن ليس من قبل نفس الناس.

***

يبدو من ذلك أن استخدام كلمة "فاشية" غالبا ما يكون بلا معنى على الإطلاق. بالطبع في الحوارات تستخدم بشكل أكثر غرابة من المطبوعات. سمعت الكلمة مطبقة على الفلاحين، البقالين، حزب الائتمان الاجتماعي[13]، العقاب البدني، صيد الثعالب، مصارعة الثيران، لجنة 1922 [14]، لجنة 1941 [15]، كيبلنج، غاندي، شيانج كاي-شيك[16]، المثلية الجنسية، برنامج بريستلي[17]، بيوت الشباب، التنجيم، المرأة، الكلاب، ولا أعرف ما الأشياء الأخرى.

بالطبع تحت كل هذه الفوضي يوجد نوع من المعنى المدفون. ما يمكن أن نبدأ به أنه من الواضح أن هناك اختلافا كبيرا، بعضه سهل الإشارة إليه وبعضه من الصعب شرحه، بين الأنظمة التي يطلق عليها فاشية والأنظمة التي يطلق عليها ديمقراطية. ثانيا، إن كانت "الفاشية" تعني "التعاطف مع هتلر"، فبعض الاتهامات التي وضعتها تصير متطابقة مع ذلك بشكل كبير وواضح أكثر من البعض الآخر. ثالثا، حتى الناس الذي يلقون كلمة "فاشية" في كل اتجاه بدون حرص يضيفون فى كل الأحوال دلالة انفعالية إليها. هم يعنون بالفاشية غالبا، شيء قاسي، مجرد من الشرف، متعجرف، ظلامي، مضاد لليبرالية وللطبقة العاملة. باستثناء عدد صغير نسبيا من المتعاطفين مع الفاشية، فكل إنجليزي سيقبل بكلمة بلطجي كمرادف لفاشي. هذه الكلمة المهينة تقترب من أن تكون تعريفا.

ولكن الفاشية هي أيضا نظام سياسي واقتصادي. لماذا إذن لا نستطيع أن نجد معنى عام واضح ومقبول لها؟ للأسف فلن نحصل على واحد- ليس الآن على كل حال. معرفة "لماذا" سيأخذ وقتا طويلا، ولكن بشكل أساسي فذلك بسبب أنه من المستحيل أن نعرف الفاشية بشكل مرض بدون تقديم اعترافات لن يرغب في تقديمها الفاشيون أنفسهم ولا المحافظون ولا الاشتراكيون بمختلف ألوانهم. كل ما نستطيع فعله في هذه اللحظة هو أن نستخدم الكلمة بنوع من الحذر، ولا أن نختصرها في مستوى تبادل اللعنات كما يحدث عادة.



[1]  المخابرات الحربية البريطانية
[2]  Ernest Benn (1875-1954) كاتب وناشر صحفي بريطاني يميني
[3]  صحيفة يسارية أمريكية، تأسست عام 1924
[4]  Hermann Rauschning (1887-1982) كاتب وسياسي ألماني كان منتقدا للنازية
[5]  Peter Drucker (1909-2005) كاتب نمساوي- أمريكي متخصص في علم الإدارة
[6]  James Burnham (1905-1987) فيلسوف ومُنظّر سياسي أمريكي
[7]  F. A. Voigt (1892-1957) صحفي بريطاني
[8]  الجبهة الشعبية فكرة انتشرت في الثلاثينيات في أوروبا والولايات المتحدة ليتحالف الشيوعيون مع أحزاب غير شيوعية لعمل جبهة ضد الفاشية، كان تروتسكي ومؤيديه من معارضين لهذه الفكرة.
[9]  حزب اشتراكي بريطاني ظهر في الحرب العالمية الثانية وحل عام 1993
[10]  حزب اشتراكي بريطاني تأسس عام 1893
[11]  احتجاج قاده اليساريون في بريطانيا في عام 1941 ضد حكومة نيفيل تشامبرلين القائمة آنذاك وأداءها أثناء الحرب
[12]  المجموعة المتطوعة في بريطانيا لحماية البلد من غزو الألمان
[13]  حزب شبابي بريطاني، أقرب لتطوير سياسي لنشاط الكشافة
[14]  لجنة في البرلمان الإنجليزي مكون من 18 نائب محافظ
[15]  لجنة تجمعت من السياسيين والكتاب في بريطانيا عام 1940 لتقديم النصح من أجل تحسين الأحوال الاقتصادية أثناء الحرب
[16]   Chiang Kai-shek (1887-1975) رئيس الحكومة الصينية الوطنية (1928-1949)
 [17]  المقصود برنامجpostscripts  وهو برنامج إذاعي شهير كان يقدمه الإنجليزي جون بريستلي (1894-1984) أثناء الحرب العالمية الثانية