‏إظهار الرسائل ذات التسميات ألبير كامو. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ألبير كامو. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 20 يناير 2015

كاليجولا -روايات pdf _ ألبير كامو

كاليجولا -روايات pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


حالة طوارئ -رواية pdf _ ألبير كامو

حالة طوارئ -رواية pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


المنفى والملكوت -رواية pdf _ ألبير كامو

المنفى والملكوت -رواية pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


الطاعون -رواية pdf _ ألبير كامو

الطاعون -رواية pdf


تأليف:  ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


السقطة -رواية pdf _ ألبير كامو

السقطة -رواية pdf


تأليف:  ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


الإنسان الأول -رواية pdf - ألبير كامو

الإنسان الأول -رواية pdf


تأليف:  ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


أعراس -رواية pdf _ ألبير كامو

أعراس -رواية pdf




تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


أسطورة سيزيف pdf _ ألبير كامو

أسطورة سيزيف pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


الإنسان المتمرد -رواية pdf _ ألبير كامو

الإنسان المتمرد -رواية pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


المقصلة -رواية pdf _ ألبير كامو

المقصلة -رواية pdf


تأليف: ألبير كامو



 تحميل الكتابقراءة أونلاين


ملاحظة: الكتب المنشورة على الموقع لا تحتاج إلى كلمة سرية لفتحها وقراءتها قم فقط  بتنزيل آخر إصدار من Adobe  reader وثبته على جهازك :حمل البرنامج
 


الاثنين، 21 يوليو 2014

الإنسان المتمرد لــ ألبير كامو


يدور الكتاب حول فكرة التمرد .. التي في أصلها إنكار لنوع معين من الظلم والعبودية( أنا أتمرد إذا نحن موجودون ) تسير بالمتمرد إلى إبطال هذه القوة المستبدة عليه وهي تحمل بعدا جماعيا في صورتها البعيدة يلبسها كامو ثوب الما ورائية لإنكار القدسية الإلهية والتحول بها إلى الإلحاد ( وموجودون وحدنا ) وإيجاد ديانة الفرد الإنساني الأوحد في صورة الوجودية وتناقضها مع العدمية

مقتطفات من الكتاب



مقدمة
العبث والقتل
ثمة جرائم ترتكب بدافع الهوى وأخرى استنادا الى محاكمات عقلية , ان مجموعة القوانين الجزائية تميز بينهما تمييزا ملائما الى حد كاف استنادا الى مبدأ سبق التصور والتصميم وانا لفي زمان سبق التصور والتصميم في زمان الجريمة الكاملة , فلم يعد مجرمونا هؤلاء الأطفال العزل يتذرعون بالحب انهم بالعكس راشدون ولا سبيل الى دحض ذريعتهم : الفلسفة التي تستخدم لكل شيء حتى لتحويل القتلة الى قضاة .
ان هيثكليف في مرتفعات ويذرنغ مستعد لقتل البرية كلها كي يمتلك حبيبته كاتي ولكن لن يخطر بباله أن يقول ان هذا القتل معقول أو انه يبرر بمذهب انه يرتكب الجريمة وعند هذا الحد يقف كل معتقده .
الإنسان المتمرد ويفترض هذا العمل قوة الحب والمزاج الملائم وبما أن قوة الحب نادرة الوجود لذلك يبقى القتل عملا استثنائيا ويحتفظ اذن بطابعه التحطيمي ولكن اعتبارا من اللحظة التي نسارع فيها بسبب انعدام المزاج الملائم الى التسلح باحدى النظريات ومذ تشرع الجريمة بالتذرع بالمحاكمات المنطقية فانها تتشعب العمليات العقلية وتكتسب كل أشكال القياس المنطقي لقد كانت متوحدة منفردة كالصرخة فاذا بها تصبح عامة شاملة كالعلم بالأمس كانت في قفص الاتهام وها هي ذي قد أصبحت صاحبة الأمر والنهي لن تستشيط غيظا لذلك ههنا فهدف الدراسة ونكرر القول هو قبول واقع الحال ونعني الجريمة المنطقية وأن نفحص مبرراتها : انني أبذل جهدي هذا في سبيل فهم زماني لعلنا نعتبر أن عصرا شرد أو استعبد أو قتل سبعين مليون نسمة خلال خمسين عاما يستدعي فقط وقبل كل شيء أن يحاكم الا أنه يجب أن نفهم دئبه ففي العهود الأولية الساذجة حين كان الطاغية يمسح مدنا بأكملها لاعلاء مجده وحين كان العبد الموثق بعربة المنتصر يسير معروضا في شوارع المدن المختلفة بأعياد النصر وحين كان يرمى بالعدو الى الحيوانات المفترسة أمام جموع الشعب المحتشد نقول : ازاء جرائم بمثل هذه السذاجة كان في وسع الوجدان أن يكون ثابتا وفي وسع الحكم أن يكون جليا .
أما أن تقام معسكرات العبيد تحت راية الحرية وأن تبرر المجازر بمحبة الانسان أو بالميل الى انسانية متفوقة فهذا لعمري ما يحيي بوجه ما , قوة التمييز والحكم حينما تتزين الجريمة بثوب البراءة وذلك بحكم طريقة مقاربة غريبة يتميز بها عصرنا يومئذ يتطلب الى البراءة أن تقدم مبرراتها ان مطمح هذه الدراسة قبول وتفحص هذا التحدي الغريب .
ان بيت القصيد أن نعرف هل البراءة اعتبارا من قيامها بعمل لا يسعها أن تمتنع عن القتل فنحن لا نستطيع أن نقوم بعمل الا ضمن اطار زماننا وبني الأناس المحيطين بنا ولن نعرف شيئا ما دمنا لا نعلم هل لنا الحق في أن نقتل هذا الانسان الآخر الموجود أمامنا و في أن نوافق على مقتله .
وبما أن كل عمل في يومنا هذا يؤدي الى القتل المباشر أو غير المباشر لذلك لا نستطيع القيام بعمل قبل أن نعلم هل ينبغي لنا ولماذا ينبغي لنا أن نقتل .
ليس المهم بعد أن نرجع الى أصل الأشياء بل أن نعرف والعالم على ما هو عليه – كيف نتصرف فيه .
ففي زمان الانكار ربما كان من السهل أن نتساءل حول مشكلة الانتحار .
أما في زمن النظريات العقائدية فيجب السير بموجب الأصول مع القتل فاذا كان للقتل أسبابه فنحن وزماننا على هدى من أمرنا واذا لم يكن له أسبابه .

بيانات الكتاب



الاسم : الإنسان المتمرد
تأليف : ألبير كامو
الترجمة : نهاد رضا
الناشر : عويدات للنشر والطباعة
عدد الصفحات : 383 صفحة
الحجم : 6 ميجا بايت

تحميل كتاب الإنسان المتمرد


الخميس، 9 يناير 2014

الغريب وقصص أخرى _ البير كامو

عنوان الكتاب:الغريب وقصص أخرى


المؤلف:البير كامو

ترجمة:عايدة مطرجي إدريس

الناشر: دار الآداب - بيروت

الطبعة الرابعة 1990.

الرابط:حمل من هنا


" تشبثت يدي بالمسدس ، وها هو الزناد يلين تحت أصابعي ، وها هي ذي الضوضاء الجافة المرتفعة التي من خلالها بدا كل شيء ، نفضت العرق والشمس ، وعندها أدركت أنني كنت بالفعل قد حطمت هدوء ذلك اليوم ، وكسرت صمت ذلك الشاطئ الذي كنت سعيداً فوقه " ..
لا ريب أن قارئ رواية "الغريب" لـ "آلبير كامو" (1913 ـ 1960) ، والتي تعد واحدةً من أعظم روايات القرن العشرين ، والرواية الأكثر انتشاراً في الأدب الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية ، سوف يتوقف عند ذروة الحدث في الفقرة السابقة ، الذروة التي أطلق عندها "مارسو" ـ البطل / الراوي ـ رصاصته على المواطن "العربي" فيرديه قتيلاً ، ثم يعقب هذا ـ بعد لحظات ـ برصاصات أربع أخرى تخترق الجسد الهامد ، وتنشطر الرواية بجوار النبع لشطرين ، قبل القتل ثم بعده . من قبل كان "مارسو" يودِّع أمَّه التي ماتت في دار المسنين بـ "مارينجو" ، التي تبعد ثمانين كيلو متراً من الجزائر العاصمة ، لمثواها الأخير بمشاعر باردة لفتت أنظار موظفي الدار ، وحيث يعود سراعاً لحياته ولهوه مع صديقته "ماري" في حمام السباحة أو السينما أو في شقته ، وتتشابك علاقاته مع جاره "ريمون" في تصاعد درامي حتى تبلغ اللحظة الدموية القاتلة ، أمَّا ما بعـد القتل فيتمثل في براعة "كامو" في تصوير مشاعر "مارسو" في الزنزانة أو في المحاكمة ، انتظاراً لحكم الإعدام الذي يلوح في الأفق ، كي يطيح برأسه في ميدان عام .

السبت، 16 نوفمبر 2013

ذكرى ألبير كامو والحنين للإلحاد القديم

ذكرى ألبير كامو والحنين للإلحاد القديم
جون كارلسون*

* أستاذ مساعد في الدراسات الدينية بجامعة آريزونا


ترجمة: أمير زكي
نوفمبر 2013

***

بينما يحتفل المعجبون والتابعون للفيلسوف والكاتب الفائز بجائزة نوبل ألبير كامو بمئوية مولده اليوم، يتذكر متعددو المعتقدات وعديمو المعتقد ميراثه المتعلق بالدين. بشكل هام يقدم كامو – كغير مؤمن - مثالا مضادا وقويا لحدة وعداء "الإلحاد الجديد" المرتبط بأسماء كريستوفر هيتشنس، سام هاريس، ريتشارد دوكينز وأخرين. في الحقيقة يجعلنا كامو نشتاق لأيام "الإلحاد القديم" إذ لا تتم السخرية من المتدينين بسبب ما يطلق عليه معتقداتهم اللا عقلانية؛ وأن تتم مهاجتمهم بتهمة "الدين الذي يسمم كل شيء"؛ وأن يُطلب منهم أن أن ينسحبوا بينما تنظف العلمانية كل البقايا الدينية من الحياة العامة.

لنبدأ بالقول بأن كامو كان متواضعا في عدم إيمانه، مستدعيا تحذير بنجامين كونستان بأنه هناك شيء "مُستَهلَك" في مهاجمة الدين بكثافة. اعترف كامو بصراحة بأنه لا يؤمن بالله، ولكنه اختار أن يتحدث "باسم الجهل الذي لا يحاول أن ينفي شيئا". بكلمات أخرى، لم يفترض غياب المعتقد عنده أن الآخرين يجب أن يكونوا على خطأ – بالطبع لن يفعل ذلك بطريقة لا يستطيع أن يثبت بها ذلك بشكل مؤكد. لهذا السبب، رفض "الإلحاد، متبنيا بدلا منه مظلة "غير المؤمن". (Incroyant)

لا يحتاج المرء ليكون متدينا مع ذلك ليُقَدِّر كيف أسهم الدين بشكل بَنَّاء في الحضارة والحياة المعاصرة. كطالب جامعي شاب في الجزائر الفرنسية، أنهى كامو أطروحة تبحث في العلاقة بين الميتافيزيقا الأفلاطونية الجديدة والمسيحية. الرمز الرئيسي في الدراسة كان القديس أوغسطين، الذي كان كامو يكن له إعجابا كبير كجزائري آخر. وفقا لكاتب سيرته الذاتية هربرت لوتمان؛ كان القديس أوغسطين بالنسبة لكامو "أسقف كُتَّاب شمال أفريقيا، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. رأى كامو في القديس الفنان بكل نقاط قوة وضعف (الأفريقي) الذي شعر كامو أنه سيكونه". كان كامو مأخوذا بشكل خاص ببحث أوغسطين في مشكلة الشر. على العكس من الملحدين الجدد مثل هيتشنس – الذي يرى أن الدين هو حامل الطاعون – أدرك كامو أن الشر هو مشكلة إنسانية. كما أشار دكتور ريو في رواية كامو الرائعة "الطاعون": "كل منا بداخله الطاعون؛ لا أحد، لا أحد في العالم متحرر منه". كامو، مثله مثل دكتور ريو، يطرح التساؤلات نفسها التي يطرحها المتدينون؛ إلا أنه لم يستطع قبول إجاباتهم – أو آمالهم. لم يجد العزاء في إيمان أيوب، أو خلاص المسيح، ولكنه وجده عند سيزيف: الفكرة هي أنه خلال التمرد والتحمل يمكن لسيزيف أن يصير سعيدا.

بشكل مثير للاهتمام، ومع كل تركيزه على نضال سيزيف المنعزل، آمن كامو أن الاتحاد يولد من التمرد. والمشكلات الأخلاقية الشائعة التي يواجهها المؤمنون وغير المؤمنين معا في الحياة السياسية – طاعون النازية على سبيل المثال – تتطلب منهما أيضا أن يعملا معا (كما فعل كامو بتحريره جريدة المقاومة الفرنسية كومبات Combat). في خطاب شهير أُلقي في دير الدومنيكيان بباريس، أثنى كامو على أهمية التعامل المتعاون المشترك، والاختلاف ذو الاحترام المتبادل. "لن أحاول تغيير أي شيء مما أعتقده، أو أي شيء مما تعتقدوه... من أجل الوصول إلى مصالحة تكون مقبولة للجميع". أصر بالأحرى على أن "العالم يحتاج إلى حوار حقيقي" الذي يكون ممكنا فقط "بين أناس يظلون على ما هم عليه ويصرحون بما في أذهانهم، هذا يعني القول أن عالم اليوم يحتاج إلى مسيحيين يظلون مسيحيين". ولكن كامو لم يتوقف هنا، استمر ليحث المسيحيين على "الحديث بصراحة" وأن "يشاركوا بشكل شخصي"، هذا الذي رفض العديد من المسيحيين فعله حين كان هتلر يغزو اوروبا ويرسل العديد من اليهود إلى الموت.

في معركة حول محاكمات التطهير للمتعاونين مع حكومة فيشي، كان رد فعل كامو عنيفا ضد المفكر الكاثوليكي فرانسوا مورياك لأنه "يلقي المسيح في وجهي". كان كامو على حق. ولكن ليس على غير المؤمنين أيضا أن يلقوا إلحادهم الحاد في وجه المؤمنين. في عصرنا المُستَقطِب هذا، علينا أن نستعيد حكمة وتواضع ألبير كامو، ونموذج التعاون المشترك الذي قدمه. الإلحاد الجديد لم يقدم شيئا يمكن مقارنته بذلك، في وقت تهدد وتورط فيه الصراعات الأخلاقية والسياسية – ومنها الصراع ضد التطرف الديني – المؤمنين وغير المؤمنين معا.


الأحد، 10 نوفمبر 2013

سبعة أشياء لا تعرفها عن ألبير كامو

سبعة أشياء لا تعرفها عن ألبير كامو
روبرت زاريتسكي*

ترجمة أمير زكي
نوفمبر 2013

* أستاذ التاريخ بجامعة هيوستن، ومؤلف كتاب "حياة تستحق أن تعاش؛ آلبير كامو والبحث عن المعنى"

***

اليوم، كان سيبلغ ألبير كامو عامه المائة. يظل صوت الفائز بجائزة نوبل ومؤلف كتب "الغريب" و "الطاعون" و"أسطورة سيزيف" و"المتمرد" حيويا اليوم مثلما كان في حياته. نشأ في حي للطبقة العاملة في الجزائر العاصمة، مع جدة أمية تضرب أكثر مما تتكلم، وأم خرساء جزئيا كانت تعمل كعاملة نظافة. واجه كامو العبث من سن مبكرة، ولم يطارده فقط في حياته – كان لاعب كرة قدم جاد، حين بدأ بالسعال مع دماء ليكتشف أنه مصاب بالسل – ولكنه ضرب فرنسا أيضا عام 1940، عندما سقطت الأمة أمام العدوان الألماني، الذي حولها إلى نظام فيشي المتعاون. بعد العودة إلى فرنسا من الجزائر عام 1942، شارك كامو في المقاومة وأصبح في النهاية محررا للجريدة السرية العظيمة "كومبات" (المقاومة).

من تحرير فرنسا حتى نهاية حياته، استمر كامو في المقاومة. سواء بسبب تعامل فرنسا الوحشي مع السكان العرب والبربر في الجزائر، أو التمييز الاقتصادي والاجتماعي البين في كل من الجزائر وفرنسا، أو مؤسسة العقاب الرأسمالية، أو استخدام القنبلة النووية، وممارسة التعذيب والإرهاب من قبل كل من الجيش الفرنسي والقوميين الجزائريين أثناء حرب الاستقلال الدموية. قاوم كامو الطرق التي يتحول بها الرجال والنساء إلى مجردات، وتبرير وسائل غير مقبولة من أجل غايات مستحيلة. في مئويته يمكننا القيام بأشياء أقل من استعادة كلماته عن واجب الكتاب: يقول كامو إن نبل مهنتنا: "ستظل متجذرة دوما في انغماسين صعب الحفاظ عليهما: رفض الكذب عما يعرفه المرء، والمقاومة ضد القمع".

1) كامو لم يكن وجوديا. تدخين سيجارة جلواز مع الإسبريسو في مقهى باريسي لا يجعل المرء وجوديا. ولا الصداقة العميقة، وإن كانت القصيرة، مع طفل الوجودية الشهير جان بول سارتر. كان كامو يُذَكِّر الصحفيين دوما، وبشكل صحيح، أنه ليس جزءا من حركة ما بعد الحرب الشائعة، بشكل كبير لأنها كانت ترفض التحرك. بدلا من تقديم حل للتشخيص الكئيب للوضع الإنساني، قاموا باعتناقه – وهو حل غير مقبول لمؤلف "المتمرد" و"الطاعون".

2) كامو لم يكن فرنسيا. في الحقيقة كان كامو من ضمن طائفة "الأقدام السوداء" المصطلح الذي يطلق على معظم المستعمرين الأوروبيين الذين عاشوا في الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع ذريتهم، وأصبحوا مواطنين فرنسيين. بينما كان أبوه من بوردو (على أي حال اعتقد كامو دوما أنه من الألزاس واللورين[i])، كانت أمه من أسبانيا، وجذور كامو تضرب عميقا في الجزائر. بعد نصف قرن من موت كامو، بدأ الكتاب والمفكرين الجزائريين يقبلون ذلك: بالنسبة للروائية (وعضو الأكاديمية الفرنسية) آسيا جبار، كامو كان ابنا للجزائر وواحدا من شهدائها العظام.

3) كامو لم يكن فيلسوفا. على الرغم من حصوله على مؤهل في الفلسفة من جامعة الجزائر (كانت أطروحته عن مفكر كان يحب أن يطلق عليه "الشمال إفريقي الآخر" وهو القديس أوغسطين) رفض مصطلح "فيلسوف" بالقدر نفسه الذي رفض فيه مصطلح "وجودي". مقالاه الفلسفيان: "أسطورة سيزيف"، و"المتمرد"، كانا بالضبط مجرد مقالات: بكلمات أخرى محاولات مؤقتة لفهم الوضع الإنساني. ومثلها مثل الكثير من حياته وأعماله، كانت مقالاته تسعى لطرح الأسئلة لا تقديم الإجابات.

4) كامو لم يكن متشائما. بالطبع كان يحب أن يذكرنا أنه لا يوجد سبب للأمل. كيف يمكن الحصول على أمل في عالم من "اللا مبالاة الأليمة" أمام احتياجاتنا المتكررة للمعنى؟ ولكن هذا لم يكن أبدا مدعاة لليأس. فكر في هذا المشهد من فيلم "آني هول"[ii]عندما كان وودي آلن يحاول أن يتقرب من امرأة شابة وهي تنظر للوحة جاكسون بولوك[iii]، وردت عليه برؤية أبوكاليبسية عن العالم. مثله مثل آلن، سيسألها كامو إن كانت مشغولة غدا ليلا، وبعدما يعرف أنها تخطط للانتحار ساعتها، سيصمت للحظة قبل أن يسألها إن كانت مشغولة الليلة.

5) كامو لم يكن معاديا لأمريكا. هذا لا يعني أنه كان مؤيدا لأمريكا. لقد كان بطريقة ما أشبه بالزائر لجبال الهيمالايا للمرة الأولى: تساميها يملأ المرء بالروعة إلى جانب الرعب. أثناء زيارة قصيرة له لمدينة نيو يورك بعد الحرب مباشرة، شعر كامو بالذهول من المفارقات: فقر منطقة باوري أمام امتيازات الجانب الشرقي. مع نهاية محاضرته العامة في جامعة كولومبيا، تم إعلان أن أموال الأمسية التي كانت موجهة للتبرعات قد سرقت، قام الجمهور فورا بسد العجز، هذا السخاء أذهل كامو بشكل كبير. ومع ذلك، كان مذهولا أيضا بـ "جيش النجوم الصغار المسترخيين على العشب وهم عاقدين أقدامهم". هؤلاء الذين رآهم بجامعة فاسار. ما يفعلونه للشباب هنا يستحق التذكر". بوضوح، لم يفكر كامو أن "النجوم الصغار" أنفسهم لن يشغلوا أنفسهم بالتذكر.

6) كامو لم يكن دوما روائيا. مثله مثل الكاتب الذي يقارن دوما أسلوبه به، آرنست همنجواي، بدأ كامو عمله بالكتابة كصحفي. كمراسل للصحيفة المستقلة "لالجي رابابليكيا"[iv]، كتب عام 1939 سلسلة من الأخبار المنتقدة لوضع قبائل البربر، الذي يعود حظهم البائس بشكل كبير للا مبالاة فرنسا. استمر في مشاغباته حتى ليلة الحرب العالمية الثانية، عندما شعرت السلطات بالارتياح لوجودة عذر لإغلاق الجريدة. عمله الصحفي، مثله مثل بقية كتاباته، كان مميزا بالقناعة بأنه في الوقت الذي "نضع فيه المشكلة الإنسانية موضع المشكلة السياسية، فنحن نأخذ خطوة للأمام".

7) كامو لم يكن الأخ التوأم لجورج أورويل والذي نشأ في الجزائر الفرنسية بعد انفصاله عنه. كان أورويل أطول وكان يرتدي التويد. ولكن الشائعة مفهومة على أي حال. كل من الرجلين كان يدخن بلا توقف، كل منهما كان مريضا بالسل، كل منهما مات شابا وكل منهما عاش وفقا لقناعاته السياسية: أورويل أثناء الحرب الأهلية الأسبانية، وكامو أثناء الحرب العالمية الثانية. (أراد كامو أيضا أن ينضم للجمهوريين في فرنسا، ولكن السل منعه من القيام بذلك). كل منهما ظل على اليسار، على الرغم من الجهود الكبيرة لليسار الفرنسي والبريطاني، المفتونين بالشيوعية، للتبرؤ منهما. كل من الرجلين بصراحته الأخلاقية وشجاعته الشخصية كان أساسيا للشهادة ليس فقط عن عصره ولكن عن عصرنا نحن أيضا.
  



[i] جزء من الإمبراطورية الألمانية في القرن التاسع عشر. وهي منطقة فرنسية حاليا.
[ii] خطأ من مؤلف المقال، المشهد الذي سيتم ذكره من فيلم Play it again, Sam لوودي آلن
[iii] Jackson Pollock (1912-1956) فنان أمريكي
[iv] L'Alger Républicain

السبت، 13 أبريل 2013

إعادة التفكير في العبث: أسطورة سيزيف – ديفيد كارول

إعادة التفكير في العبث – عن كتاب "أسطورة سيزيف" لألبير كامو
مقال لديفيد كارول*
من كتاب "رفيق كامبريدج إلى كامو" The Cambridge Companion to Camus - 2007

ترجمة: أمير زكي
أبريل 2013

ديفيد كارول؛ أستاذ الفرنسية ومدير الدراسات الأوروبية بجامعة كاليفورنيا – إيرفن.

***


"إلى الأبد سأكون غريبا بالنسبة إلى نفسي". [i](Ms, 18)

بعد 15 عاما تجاوزت العديد من المواقف المطروحة هنا؛ ولكني ظللت مخلصا، كما يبدو لي، للتطلب الذي أنشأها. هذا الكتاب بمعنى محدد هو أكثر الكتب ذاتية من ضمن الكتب التي نشرتها بأمريكا". (MS, vi)[1]

التاريخ والمقاومة

أسطورة سيزيف ربما يكون أكثر الكتب قدما تاريخيا بين نصوص ألبير كامو الأساسية، يتميز العمل بأوضح شكل بسبب الظروف التي كتب أثناءها وبالتالي فالعمل ربما يبدو أنه قد قَدِم في أحسن الأحوال، ولديه القليل ليقدمه للقراء المعاصرين. كُتِب المقال أثناء ما يطلق عليه كامو - في مقدمته للترجمة الأمريكية عام 1955 - الكارثة الفرنسية والأوروبية. (MS, v)ومن الصعب ألا نربط حس يأسه التراجيدي بهزيمة فرنسا المذلة على يدي ألمانيا النازية، والاحتلال والتعاون مع فيشي. النص الذي يدعوه كامو أيضا بالأكثر ذاتية بين النصوص التي نشرها بأمريكا (MS, vi) يمكن أيضا أن يُقرأ كتأمل في صراعه مع السل خلال هذه الفترة، إذ كان مريضا جدا حتى أنه عبّر عن شكوكه في بعض الأوقات في إمكانية أن يعيش. ولكن ربما أكثر من هذه العوامل التاريخية والشخصية فأسطورة سيزيف ربما يكون قديما بسبب مبدأ العبث ذاته الذي لا يزال اسم كامو يرتبط به اليوم، رغم أنه اعترف مبكرا عام 1955 أنه تجاوز بالفعل افتراضاته (MS, vi). جيل ما بعد الحرب في العموم تحرك سريعا فيما وراء العبث أيضا، هذا هو سبب أن اهتمامات (الكتاب) اليوم يمكن أن تعتبر تاريخية بشكل كبير.

ولكن بدلا من إعادة التفكير فيما هو قديم في فكرة كامو عن العبث، فالقراءة الحالية تركز فيما يدعوه كامو بالـ "التطلب" المتضمن في الافتراضات التي هجرها سريعا بعد الحرب والتي يزعم - على الأقل حتى عام 1955، أنه لا يزال مخلصا لها (MS, vi). سأناقش أن هذا "التطلب" نفسه شكّل كتابات كامو لفترة طويلة بعد تخليه عن مبدأ العبث ذاته، خلال حياته القصيرة جدا في الحقيقة. أكثر منها "إرادة القوة" النيتشوية، فالتطلب كان قريبا لما سأسميه "إرادة المقاومة"، حتى - أو خاصة - عندما تبدو المقاومة يائسة أو تتحول في الحقيقة لتكون بلا جدوى – إرادة مقاومة ليست ببساطة نتاج للتاريخ ولكنها أيضا مقاومة للتاريخ.

"أسطورة سيزيف" ظهر بعد شهور قليلة من "الغريب"، حقيقة أن أول نصين من نصوص كامو يظهران خارج الجزائر نُشرا في باريس المحتلة تدل على أن آلبير كامو الشاب - مثله مثل معظم الكتاب الفرنسيين المحققين - وافق على تقديم مسوداته للرقابة الألمانية لتنشر تحت الظروف المفروضة من قبل المحتلين النازيين لفرنسا. على أي حال فالنشر تحت هذه الظروف لا يعكس في ذاته دعما للنازية أو مشاعر متعاونة، طالما أن معظم الكتاب الفرنسيين الذين كانوا في اليسار المعادي للفاشية والذين سيشتركون في المقاومة في النهاية استمروا في النشر أثناء الحرب. وبعد وقت طويل من موافقته على حذف فصل عن كافكا من أجل نشر مقاله، اشترك كامو نفسه في المقاومة ونشر جزء كافكا سرا. إن كان مدينا بنجاحه الأول لنظام النشر المُسيطَر عليه من قبل الرقباء النازيين، فهو أيضا خاطر بحياته وهو يحرر ويكتب في جريدة المقاومة السرية "كومبات" أثناء السنوات الأخيرة من الحرب. إن كان "الطاعون" - الذي كُتِب جزء كبير منه أثناء السنوات الأخيرة للحرب ونشر عام 1947- -، يصف ظروف وحدود المقاومة الجمعية للقمع السياسي، فـ "أسطورة سيزيف" يمكن اعتباره وصفا للظروف القبلية لحدود المقاومة الفردية للظرف الإنساني نفسه.

أن تكون أو لا تكون؟ - العبث وسؤال الوجود

لا أحد يقرأ "أسطورة سيزيف" يستطيع أن ينسى كيف يبدأ. لا يبدأ بالسؤال عن المعنى أو الغرض العام للحياة، ولا بالتحقق من طبيعة الذات الفردية وحريتها، ولا بالنقاش عن الدور المُشكَِل أو النهايات المزعومة للتاريخ – ولا عن أي الأسئلة الفلسفية المجردة الأخرى من هذا النوع. إنه يبدأ بالأحرى بسؤال فوري وعملي عن الانتحار، هل الحياة تستحق أن تعاش من الأصل: "ليس هناك سوى مشكلة فلسفية جادة وحقيقية واحدة، وهي الانتحار. الحكم إن كانت الحياة تستحق أن تعاش أم لا تساوي الإجابة على سؤال الفلسفة الأساسي. الأمور الباقية... تأتي فيما بعد. إنها ألعاب". (MS,3). ما هو بالتالي الأهم في الفلسفة؟، إنه ظرفها الأساسي، إنها الحياة ذاتها – بغض النظر عما هي الحياة وبغض النظر عما تعنيه بشكل مطلق - الباقي ثانوي، تافه، ليس أكثر من لعبة، أو أسوأ كثيرا، دوجمائية، عمل الآلهة".

حتى إن طُرِح الانتحار كالمشكلة الفلسفية الأكثر أساسية، وأُعطي طابعا انفعاليا عميقا ليس فقط في الإجابات الممكنة لسؤال إن كان على المرء أن ينهي حياته، ولكن حتى في طرح السؤال من الأصل، فالفلسفة بالضرورة تخفق عندما تتعامل معه. الفلسفة يمكن أن ترد على المشكلة الفلسفية الجادة الحقيقية فقط بشكل جزئي وغير ملائم، طالما كانت العاطفة ستلعب بشكل حتمى دورا في أي إجابة، ونطاق الفلسفة هو العقل لا العاطفة:

"وحده التوازن بين البرهان والشاعرية يمكن أن يسمح لنا بالوصول على الفور للعاطفة والوضوح. في ذات متواضعة جدا ومثقلة بالمشاعر في الوقت نفسه، الدياليكتيك الكلاسيكي والعارف عليه أن يذعن - كما يرى المرء - لموقف عقلي أكثر تواضعا مشتق في الوقت نفسه من كل من الحس المشترك والتعاطف". (MS,4)

المشكلة الفلسفية الجادة الحقيقية الوحيدة بالتالي موضوعة على حدود - أو حتى خارج - الفلسفة ذاتها؛ إنها مشكلة متواضعة جدا وعاطفية جدا بالنسبة لأن تتعامل معها الفلسفة بطريقتها. العقلنة العبثية بالتالي تتطلب من الفلسفة أن تفعل أكثر من التفلسف عند التعامل مع سؤال "الحياة أو الموت" الأساسي.

الاغتراب

في مقاله المادح بشكل عام عن "الغريب" و"أسطورة سيزيف"، والذي كتب بعد عدة أشهر من ظهورهما، اتفق جان بول سارتر مع الإجماع على أن "الغريب" هو "أفضل كتاب منذ الهدنة[ii]"[2]. ولكن سارتر كان أكثر حدة في حكمه على الاستحقاقات الفلسفية لـ "أسطورة سيزيف"، وبافتراض دور أستاذ الفلسفة القاسي انتقد كامو ليس فقط لقصوره الفلسفي ولكن أيضا للاستظهار: "السيد كامو استظهر بعض الشيء باقتباسه لفقرات من ياسبرز وهايدجر وكيركجور، الذين يبدو على أي حال أنه لم يفهمهم تماما على الدوام"[3]. بخلفية فلسفية صارمة، فـ "أسطورة سيزيف" يبدو أنه ذو قيمة محدودة بالنسبة لسارتر، وفي ذهنه أن مقال كامو كان سيصير أكثر نجاحا بشكل لا يدعو للشك إن لم يقتبس من النصوص الفلسفية على الإطلاق.

ولكن "أسطورة سيزيف" ليس مهتما كثيرا بالفلسفة ذاتها أو ما قاله الفلاسفة العظماء عن المعنى المطلق للحياة بقدر ما هو مهتم بالخبرة التي يبدو أنها مقتصرة - على أقصى تقدير - على الاستدعاء الفلسفي: الشعور اللحظي الذي يكون أحيانا لدى الناس بأن الحياة فجأة لم يعد لها معنى. "في أي ناصية شارع شعور العبث يمكنه أن يضرب الإنسان في وجهه. هكذا بعريه المثقل، بضوئه الخالي من الإبهار، إنه متهرب، ولكن هذه الصعوبة الكبيرة تستحق التأمل". (MS, 10-11) فقدان التأكد يكون في تلك اللحظة عندما "ينهدم المسرح" (MS, 12) وتنهار العادات والروتين اليومي؛ في حياة الناس الذين لم يطرحوا أبدا من قبل سؤال الحياة. في الوقت الذي يُطرَح فيه سؤال الـ "لماذا" (MS, 13). فالمزج بين القوى غير المُنكَرة وغير المستقرة للخبرة وتهربها اُعتُبِر من قبل كامو كدليل على أن هناك شيئا هاما في وضع حرج في هذه الـ "لماذا".

ورغم أن كامو قارن - بوضوح - المشاعر المتناقضة المحسوسة في مثل هذه اللحظات بالمشاعر الاستطيقية وسؤال الجمال، فإنها في الحقيقة قريبة من المشاعر المتصارعة غير المحددة الموصوفة من قبل كانط في تحليله ليس للجمالي ولكن للمتعالي: "غير محددة، مرتبكة و(أكيدة) في الوقت نفسه، بعيدة و(حاضرة) مثلها مثل تلك المعروضة لنا بواسطة الجمال" (Ms, 10). مثل هذه المشاعر بعيدة لأن مصدرها هو الحدوث المصادف خارج سيطرة الفرد، وإن كانت في الوقت نفسه حاضرة بشكل عميق داخل الذات بسبب كثافتها الانفعالية غير المستقرة. هذا الذي يعنى أن الذات لا يمكن أن تجد العزاء أو تهرب منها لا في العالم ولا في نفسها.

ما يعني كامو بشكل خاص في مثل هذه المشاعر هو أنها: "مثل الأعمال العظيمة، فالمشاعر العميقة تدل دوما على أكثر مما يقوله الوعي" (MS, 10) ما تقوله هذه المشاعر، وهي واعية بالقول، ربما يكون ملائما بشكل كبير للذات المناسبة للبحث الفلسفي، ولكن ما تدل عليه (أو تقترحه) يتطلب مقاربة فلسفية مضاعفة ونوعا من التحليل، يدرك بها المرء حدود ما يمكن أن يُطرَح بشكل مباشر ويكون مفتوحا للنقل بشكل غير مباشر عن طريق الإشارة والتلميح. لأن شعور العبث يدل بشكل أكبر وأكثر اختلافا من أي تفسير يقوله العبث، إنه يرتفع إلى أشكال أخرى من الخطاب، إلى الأدب بوجه خاص (والفن أو "الإبداع" بشكل عام)، ليدعم قصور الفلسفة. هذا يترك للخطاب الفلسفي المهام الإضافية الشارحة لسبب إنها لا تستطيع شرح كل شيء، وفي الاعتماد على مسافة تفصلها عن الخبرة والعاطفة والفن.

الفقدان المفاجيء وغير المتوقع للإيمان بالعادات والروتين والافتراضات الأساسية والمعتقدات له تأثيرات عميقة وممتدة: "في عالم يتشظى فجأة بالأوهام والأضواء، يشعر الرجل بأنه مغترب، غريب. منفاه يكون بلا علاج، طالما كان مجردا من ذكرى عن أرض مفقودة أو أمل في أرض موعودة. هذا الانفصال بين الرجل وحياته، الممثل ومسرحه، هو بالضبط شعور العبثية". (MS, 6) شعور الانفصال الراديكالي، من العيش في وطن مألوف ولكنه أصبح الآن فجأة غريبا بشكل راديكالي، من كونه مشتتا بين الماضي والمستقبل وغير قادر على الاعتماد على أي منهما ليعطي معنى للحاضر، من كونه غريبا بالنسبة للعالم ولنفسه، ربما يظهر أن يكون هذا سبب اليأس، خاصة طالما كان المنفى عن النفس والعالم والآخرين موصوف بأنه بلا علاج. يفند "أسطورة سيزيف" مثل هذا الطرح بجعل الوعي بغياب العلاج لضيقات الوجود هو سبب العيش – وفي النهاية للمقاومة أيضا.

بالتالي فإنه في سياق الاغتراب الراديكالي هذا يُطرح سؤال الانتحار: (هل العبث يفرض الانتحار؟) (MS, 9). يجيب كامو بالنفي، طالما كان الانتحار يمثل هروبا من الظرف العبثي فهو يظهر فقط كمُدرِك وهادم للتناقضات والتوترات التي في قلب العبث الذي يتظاهر إنه يؤكده. التفكير العبثي - كتفكير في الاختلاف والانفصال والابتعاد - يكافح للحفاظ على هذه التوترات ويجعلها أسبابا للحياة. كامو بالتالي يصنع مما يمكن أن يُعتَبَر منطقيا "دعوة للموت" هو "قاعدة الحياة" (MS, 64) "الفكرة هي أن تعيش" (MS, 65) – ليس بمعزل عن ولكن بالأحرى بسبب العبث والانفصال الراديكالي أو الاختلاف الذي في لب الخبرة نفسه. بدلا من الطرح الديكارتي: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فأسطورة سيزيف يقدم شيئا مثل "أنا أختبر شعور العبث، إذن فانا موجود" – وبالتالي سأستمر في الوجود.

ما يدعوه كامو النقطة المرجعية الثابتة في المقال هو بالتالي الحقيقة غير القابلة للجدال عن الاختلاف والانفصال والانشقاق (الهوة التي تفصل الرغبة عن السعي)، (الفجوة بين ما نتخيل أننا نعرفه، وما نعرفه بالفعل)، (الانفصال الذي يبعدنا عن أعمالنا)، (الهوة التي لن تُسَد أبدا... بين التأكد الذي أملكه عن وجودي والرضا الذي أريد أن أضيفه لهذا التأكيد) (MS, 17 -19) وهذه "الهوة" بين الفرد والعالم تشكل بطريقة متناقضة حلقة الوصل الأساسية بينهما: (العالم في ذاته ليس معقولا... ولكن العبثي هو مواجهة هذه اللا عقلانية، والاشتياق الحاد للوضع الذي يتردد صدى نداءه في القلب الإنساني. العبث يعتمد على الإنسان مثلما يعتمد على العالم. لهذه اللحظة هو الرابط الوحيد بينهما). (MS, 21). المشكلة التي يطرحها "أسطورة سيزيف" هي كيف نستمر في العيش مع أو بداخل العبث بدون ألا نختصر الانفصال الراديكالي بين الإنسان والعالم أو نهدم الرابط المبدئي بينهما، رابطة الاختلافات.

الوعي بالهوة التي تفصل التفكير عن الخبرة تضع التفكير في سياق مغترب وغير مُرحِب، هذا الذي يصفه كامو بأنه "صحراء"، يكون التفكير فيها خاليا من أشباحه، ومختصر إلى هيكل ذاته، إلى لا شيء على الإطلاق. في هذا الفصل من "أسطورة سيزيف" المعنون بـ "الانتحار الفلسفي" يستحضر كامو أعمال مجموعة من الفلاسفة صنفهم كوجوديين – نيتشه، هوسرل، ياسبرز، هايدجر، كيركجور، شيستوف، وشيلر – ولكنه لم يركز كثيرا في أطروحاتهم الفلسفية بقدر ما ركز على ما أسماه بـ "المناخ المشترك بينهم"، "هذا العالم غير القابل للوصف حيث يحكم التناقض والتعارض والألم أو العجز" (MS, 23)، إن كانت خبرات الوجوديين المختلفين "ولدت في الصحراء" (MS, 27) فكامو يهاجم كل الاستراتيجيات التي تهرب من حدود ظرف الميلاد، الذي هو أيضا مناخ فكره الشخصي. هو يصر بالأحرى على أنه من الضروري أن نبقى بداخل المناخ الذي يدعوه مع ذلك "مميت" (MS, 29) بينما يستمر في رفض أوهام الهروب أو الخلاص الذي ينتجه أيضا مثل هذا المناخ.

الأمل نفسه وهم، لأنه متجذر في الرغبة، في التهرب من ظروف الصحراء، ولكن اليأس متوهم أيضا. ما سيبقى من العبث في أعمال كامو اللاحقة - عندما تُتَرك الفكرة نفسها خلفا ـ هو بالضبط القناعة بأهمية كل من الوضوح المتعلق بحدود الفكر والفعل والضرورة لـ "المواجهة والكفاح غير المتوقف": "كل شيء يًهدَِم، يَطرد، أو يصرف هذه المتطلبات (ولنبدأ بالقبول الذي يطيح بالانفصال) يدمر العبث ويقلل من قيمة الموقف الذي ربما يكون مقترحا. العبث يكون له معنى فحسب طالما لم يوافَق عليه" (MS, 31). مؤكد ولكن غير مقبول، مُقاوَم ولكنه غير مُنكَر، مرتبطا باللا أمل ولكنه في الوقت نفسه ليس أعمالا حياتية أو تفكير أو تصرفات يائسة، المعني والقيمة يظهران بالضبط من الغياب والصحراء العدمية تماما وكلاهما ينفيانه ويجعلانه ممكنا. ولكن هذا فحسب إن كانت ظروف الصحراء مُدرَكة على ما هي عليه. المهمة العقلية للتقدم فيما وراء العدمية". (MS, v)بدون الوقوع كفريسة لأحد أوهامها يصير أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، بسبب حقيقة أن قَدَر الوعي بالعبث سيكون مرتبطا بالعبث إلى الأبد[4].

لا أدرية كامو لا تتعلق بالدين فحسب بل بالفلسفة والسياسة كما هو واضح بالتالي في "أسطورة سيزيف"، قبل عِقد من أن تأخذ شكلا أكثر مباشرة سياسيا في "الإنسان المتمرد". إن كان سيهاجم في مقاله الرئيسي الأخير التاريخ الجدلي - إن كان هيجليا أو ماركسيا - وكل أشكال الثورة لكونها غائية او خلاصية، وتؤمن بوعد نهاية التاريخ بأن تبرر أي وسائل تُستخدَم للوصول إلى النهاية، فالفلسفات الوجودية المستدعاة في "أسطورة سيزيف" تُنتَقد بطرق مشابهة لتأليهها للعبث. إن"هم يؤلهون ما يهزمهم، ويجدون مدعاة للأمل فيما يفقرهم. هذا الأمر المفروض هو ديني عندهم جميعا... يصير العبث إله (بالمعنى الأوسع لهذه الكلمة) وعدم القدرة على الفهم تصبح الوجود الذي يضيء كل شيء" (MS, 32-3). يدعو كامو الموقف الوجودي بأنه "انتحار فلسفي" (MS, 41)، كما سيهاجم في "الإنسان المتمرد" الأيدولوجيا في العموم ومنطق الغاية تبرر الوسيلة كتبرير لجرائم القتل على وجه الخصوص. بالتالي فـ "أسطورة سيزيف" يفتتح كفاح كامو الطويل ضد الأيدولوجيات الفلسفية والدينية والفلسفية التي تعد بالخلاص في المستقبل على حساب البشر الذين يعيشون في الحاضر. مثله مثل سيزيف، لم ينجح كامو أبدا في مهمته – ولكن هذه لم تكن أبدا الفكرة، إنما الفكرة في الكفاح ذاته.

ما الذي على الفن أن يفعله في ذلك؟

"إن كان العالم واضحا، فلن يكون الفن موجودا" (MS, 98)

من أجل شرح الوجود العبثي، يصف كامو ثلاثة أنماط من "الإنسان العبثي" – دون خوان، الممثل والفاتح – الذين يزعم أنهم تمثيلات للعبث وليست نماذج لتتبع (MS, 68). ما تشترك فيه الرموز الثلاثة هي  أنها مثل فنانين محددين "إنهم يعرفون حدودهم ولا يذهبون فيما وراءها". (MS, 70) هذا أيضا هو تعريف كامو للعبقرية. ولكن دون خوان، والممثل، والفاتح هم نسخ غير مكتملة فحسب من "أكثر الشخصيات عبثية، الذي هو المبدع" (MS, 92) إن كان الوعي بحدود الظرف الإنساني هو صفة لهؤلاء الذين يفكرون بوضوح،" فالمبدع (الفنان – الكاتب) يُقدَّم كرمز للذي يفكر بالشكل الأوضح على الإطلاق. ولكن أن تفكر بوضوح بحس كامو هو أن تعرف أن التفكير نفسه محدود وبالتالي أن تفكر جزئيا ضد التفكير. المبدع العبثي لا يمكن أن يسقط فريسة لغموض الفن على أي حال طالما كان/ كانت يعرف أن الفن محدود، إنه أيضا لا يقدم مهربا أو خلاصا. الفنان العبثي يبدع داخل وضد حدود الفن؛ هو/هي أيضا يبدع بدون أمل أو يأس.

الفنان العبثي يختبر مع ذلك ما يطلق عليه كامو "البهجة الميتافيزيقية في تحمل عبثية العالم". (MS, 93). بهجته/بهجتها ليست في تغيير العالم وتجاوز الهوة التي تفصله/تفصلها في الوقت نفسه عنه وتربطه/تربطها بالحياة، وبالتأكيد ليست تعاليا متوهما لـ أو هروبا من الظرف الإنساني نفسه. تأتي البهجة بالأحرى في الصمود وبالتالي الحفاظ على الهوة أو الانفصال الأساسي للعبث. فلو كان العبث مُعطى غير مختصر للخبرة الإنسانية، إن كان هو المناخ الذي تتغذى عليه الفكرة، إذن فالخيار لا يمكن أن يكون بين تأكيد أو إنكار العبث ولكن بالأحرى بين أن تعيش أو تموت به: "لا يمكن إنكار الحرب. على المرء ان يعيشها أو يموت بها. الأمر نفسه مع العبث، إنه طرح تساؤل التنفس به، إدراك دوره وإعادة اكتشاف كيانه. بهذه الطريقة فأفضل أحوال البهجة العبثية هي الإبداع" (MS, 94) الفنان-المبدع ليس فقط الأكثر وضوحا على الإطلاق في الأنماط العبثية؛ هو/هي أيضا أكثرهم بهجة، حتى إن كانت "البهجة العبثية" في ذاتها شعورا منقسما، مؤكدا وسلبيا في الوقت نفسه، بهجة بالحس النيتشوي إلا أن "الإنسان العبثي في النهاية فنان – ولكنه فنان لا يكمل أبدا مشروعه النهائي في الفن: أن ينتج عملا مكتملا".

يصل الفنان لوضوح (وبهجة) أعظم من النماذج العبثية الأخرى بسبب كون وعيه/وعيها (وبهجته) مضاعف "في هذا العالم فالعمل الفني بالتالي هو الفرصة الوحيدة للحفاظ على وعيه/وعيها وتثبيت مغامراته. أن تبدع هو أن تعيش بشكل مضاعف" (MS, 94). بالتالي فوعي الفنان المبدع هو ذاته والآخر في الوقت نفسه، نفسه/نفسها، وغير نفسه/غير نفسها. وعي المبدع على أي حال ليس تأملا ذاتيا بالمعنى الهيجلي، وعي في ومن أجل ذاته انتصر على فورية الخبرة وأعلى نفسه إلى مستوى أكبر. الوعي العبثي للمبدع ليس أكثر ثانوية وتحديدا من الوجود والظرف الإنساني نفسيهما: في الفن لا يوجد مهرب وملجأ من العبث، طالما أن العمل الفني "نفسه ظاهرة عبثية" (MS, 95). إلى جانب التأكيد المتوازي للعبث ومقاومته، فالفن العبثي هو الأكثر والأكمل عبثية في الظاهرة العبثية، العبث المرتبط بشكل كامل مع الصراعات والتناقضات غير المحلولة مع أقل أوهام عن تأثيراتها النهائية.

النظرية العبثية للرواية

نقاش كامو عما يمكن ان يطلق عليه استطيقا العبث يكتمل بنقاش عن الرواية، التي يعتبرها الأكثر فلسفية والأكثر عبثية في الأنواع الأدبية – الأكثر عبثية لأنها الأكثر فلسفية. منفتحة على الأفكار ومجتذبة لها، يمكن أن يُعتَبَر الروائيون فلاسفة فاشلين بطريقة ما، ولكن فشلهم في التعبير بالأفكار يتحول في الحقيقة ليكون قوتهم. كما أوضح كامو ذلك بشكل مجازي، يكتب الروائيون "بالصور أكثر من الحجج العقلية": "الاختيار الذي توجهوا إليه بالكتابة بالصور أكثر من الحجج العقلية هو إشارة لفكرة محددة مشتركة بينهم، هم مقتنعون بلا جدوى أي مبدأ للتفسير ومتأكدين من الرسالة التعليمية للظهور المدرك... الرواية قيد التساؤل هي أداة لكل من المعرفة النسبية والمستدامة". (MS, 101) أن تكتب بالصور هو أن يكون لديك ثقة أكبر في الخبرة عن التفكير، وتأكُّد أكبر من نسبية الوصف أكثر من تظاهر التحليل المنطقي والشرح المنظم. إنه رفض القول بأكثر مما تسمح الخبرة بالقول.

يستخدم كامو لغة مطابقة في عرض كَتَبْه في جريدة "آلجي ريبيبليكان" (20 أكتوبر 1938) عن رواية "الغثيان" لسارتر: "الرواية ليست شيئا سوى فلسفة مطروحة بالصور. وفي الرواية الجيدة تتسلل الفلسفة بكاملها إلى الصور. ولكن الفلسفة تحتاج فقط أن تُصَب على الشخصيات والأفعال وتلتصق بها كاللاصق، تفقد الحبكة أصالتها، والرواية حياتها"[5]. بينما يتنبأ بمستقبل مشرق لهذا الروائي للمرة الأولى، ينتقد كامو مع ذلك الرواية لما يزعم أنه: "النقص الملحوظ للتوازن بين الأفكار في العمل والصور المعبرة عنها". بكلمات أخرى، فسارتر، بسبب أنه ظل فلسفيا جدا، لم ينجح في وضع الفكر كله في صور. هذا كان سابقا بوقت طويل لتغلب الخلافات السياسية الجادة، فسارتر وكامو اختلفا على العلاقة الواجب وجودها بين الفلسفة والأدب. بالنسبة لكامو كان سارتر روائيا فلسفيا جدا؛ وبالنسبة لسارتر كان كامو فيلسوفا أدبيا جدا.

المواجه للرواية الفلسفية عند كامو هي الرواية الفكرية، التي يدعوها كامو "بالأكثر إثارة للكراهية" (MS, 116, 16) إنها إنتاج "فلاسفة خجلانين من أنفسهم" يريدون أن يقدموا الأفكار أو يثبتوا الجدالات، وليسوا "مفكرين وضحين" الذين يعرفون حدود الأفكار وبالتالي ما الذي لا يعرفونه ولا يستطيعون قوله. الأخير لا يكتب ليظهر الحقيقة ولكن ليقاوم طغيان الأفكار المحققة أو المفروضة؛ إنهم الأسلاف الأدبيين الما بعد النيتشويين لـ "المتمرد".

استطيقا العبث، إن كان لهذا المصطلح معنى، متجذرة بالتالي في تنوع وامتداد الخبرة، لا وحدة ونهائية الأفكار: "كل الفكر الذي يتخلى عن الوحدة يُمجِّد التنوع. والتنوع هو بيت الفن". (MS, 116) بتقديم التأكيد على التنوع أكثر من التشابه، على السرديات الصغرى أكثر من الكبرى أو ما بعد السرديات، على الأعمال المجزأة غير المكتملة والمفتوحة أكثر من الأشكال الموحدة والنهائية، وأخيرا في إصراره على النسبي والجسداني والفردي أكثر من الكلي والروحي والجمعي، فأسطورة سيزيف يمكن أن يعتبر واضعا لأساس إستطيقي-فلسفي لمقاومة سياسية أكثر وضوحا في مواجهة الشمولية تلك، التي ستصف مقالات كامو الصحفية ومقالات ما بعد الحرب. لأن ما لا يستطيع الفنان العبثي قبوله هو الملائمة الكلية للفكرة نفسها – أي فكرة، سواء كانت دينية، فلسفية، إستطيقية، أو سياسية، سواء كانت عن الله، الوجود، أو الإنسان في جهة، أو الشعب، الجنس، الطبقة، أو التاريخ نفسه من جهة أخرى.

على المرء أن يتخيل سيزيف سعيدا


الجملة الأخيرة في القسم القصير من "أسطورة سيزيف" - الذي يعيد حكاية قصة سيزيف - قوي ولا يُنسى كالصفحات الأولى في المقال المخصصة للانتحار. وإن ظلت سعادة سيزيف قضية مرتبكة مضافا إليها لا جدوى عمله والغياب الكامل للأمل في أي تغيير في وضعه. إن كان أسوأ عقاب مبتكر من قبل الآلهة كما يزعم كامو هو "العمل التافه واليائس" (MS, 119) بكلمات أخرى؛ ما الذي يمكن اعتباره الظرف الإنساني نفسه من منظور العبث – كيف يمكن أن نتخيل سيزيف سعيدا مع قدَرَه البائس؟ وكيف يمكن أن نكون سعداء إن كان قدرنا وظرفنا يشابهانه؟ ومن هم الآلهة الذين يحكمون على سيزيف (يحكمون علينا) بمثل هذه الحالة؟ وماذا لو لم يكن هناك آلهة ومع ذلك ففي العالم اللا إلهي لا يتغير قدرنا؟ أو إن أنكرنا هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم كآلهة – أو كأناس خارقون – فمن يهزمنا في الحرب ويسيطر علينا ويقمعنا سياسيا ويبدو أنه يحدد قدرنا دائما وأبدا؟، فلا يبدو أن هناك أي فعل مقاومة له فرصة في النجاح؟ ما الذي يعنيه أن تكون سعيدا في مثل هذه الظروف؟ ولم سينهي كامو مقاله بمثل هذا التأكيد على البهجة؟

الجريمة المحددة التي عوقب عليها سيزيف هي عصيان الإلهة الذين سمحوا له أن يعود إلى الأرض بعد الحكم المبدئي عليه بأن يذهب للجحيم. في نسخة كامو عن الأسطورة، ثورة سيزيف ضد الآلهة كان أساسها رفضه التخلي عن المباهج واللذات البسيطة للوجود الأرضي: "لكن عندما رأى وجه العالم مرة أخرى، واستمتع بالماء والشمس، بالأحجار الساخنة والبحر، لم يعد يرغب في أن يرجع لظلام الجحيم". (MS, 120) جريمة سيزيف في عيون الآلهة هي الجريمة البشعة للاستمتاع بالحياة وإهانة الآلهة مكتملي القوى الذي حكموا عليه ببؤس ما بعد الحياة: "إهانته للآلهة، كراهيته للموت، وشغفه بالحياة" (MS, 120) ولتحديه هذا، تلقى العقاب بـ "التعذيب الصامت بأن وجوده يستهلك نفسه بعدم إكمال شيء. هذا هو الثمن الواجب دفعه لشغفه بهذه الأرض". (MS, 120) نسخة كامو عن سيزيف ليست خسوفا ملحميا للآلهة على أي حال بل بالأحرى سرد قصير لمقاومة كل إنسان. يرفض سيزيف أن يقبل قوة الآلهة وسيطرتهم على حياته، ولكنه أيضا واضح، وبالتالي هو يقبل - إلى جانب مقاومته - حدود الظرف الذي يفرضونه عليه، الذي لن يستطيع تغييره بأي حال. وبفهم هذا فكل شيء غير ممكن، ويستمر في مهتمه الخالية من المعنى مع معرفته. هو سعيد، حتى لو - أو ربما بسبب - أن عمله بلا جدوى وأنه لا يكمل شيئا. اللا شيء الذي يكمله كل مرة يدفع فيها الصخرة لأعلى حتى قمة التل هو في الحقيقة "شيء" من الفن؟ وربما حتى "شيء" من سياسات الثورة. في الحقيقة فعمله ربما لن ينتهي أبدا وسيكون عليه دوما أن يكرره، هو لن يظل أبدا على قمة الإنجاز لأكثر من لحظة قبل أن يكون عليه أن يبدأ مرة أخرى، ولكن هذا أفضل ما يأمل به، وبالنسبة لكامو هذا يكفي ويزيد.

في دراسة حديثة أُطلِق على "أسطورة سيزيف" أنه "ما بعد ماركسي": "بالنسبة لمزاعم الماركسية، فعبثية كامو ترد بالقول إن لا شيء من عملنا بإمكانه حل تراجيديا الموت أو إضافة معنى للعالم. لا يوجد ذكر مباشر للماركسية أو الشيوعية في (أسطورة سيزيف) ولكن النقد متضمن في كل مكان... النص كان بالتالي... بعد ماركسي أكثر منه قبل-ماركسي[6]". وربما هذا التوصيف غير ملائم في أي مكان بقدر القسم المخصص في الكتاب لسيزيف، خاصة إن كانت "ما بعد الماركسية" مقصود منها أن تكون متمايزة عن معاداة الماركسية، تلك التي كان عليها مقالات كامو السياسية فيما بعد الحرب. وضوح سيزيف ربما يكون مساو لوضوح الفنان العبثي، ولكن الجهد الجسدي الضروري لإكمال مهمته مشابه بشكل أقرب لعمل العامل. إن كان سيزيف "بطلا عبثيا، من خلال شغفه مثلما هو من خلال عذابه" (MS, 120)، فظرفه هو ظرف العامل نفسه في المجتمع الحديث فـ"قدره ليس أقل عبثية". (MS, 121) "بروليتاري الآلهة، بلا قوة ومتمرد، هو يعرف المدى الكامل لظرفه البائس.. الوضوح الذي كوّن عذابه هو في الوقت نفسه الذي يكلل انتصاره. لا يوجد قدر لا يمكن أن يتم التعالي عليه بواسطة الاحتقار". (MS, 121) لقد قًدّر مصير سيزيف بموقف خال من الأمل، تراجيدي. ولكن العامل وُصف أيضا من قبل كامو كرمز تراجيدي، ولكن فقط "في لحظات نادرة؛ عندما يصير واعيا". (MS, 121) على أي حال فـ"أسطورة سيزيف" لا يقول شيئا أكثر عن إلى أين يمكن لوعي مثل هذا البروليتاري أن يقوده في حالة العامل، خاصة إن كان سينضم مع الآخرين في اعتراض فعال ثم مقاومة. على أي حال فسيزيف واضح وبالتالي تراجيدي طوال الوقت، ولكنه كذلك بشكل خاص في كل مرة ينزل من على التل ليبدأ المهمة من جديد. بالتالي فمقاومته للآلهة ولوضعه هي مقاومة سيكولوجية أكثر منها فعالة، إرادة للمقاومة أكثر منها المقاومة ذاتها. وفي قصة كامو فمقاومته منعزلة، متعلقة بفرد وليس طبقة أو جماعة. إنها نقطة بداية فحسب – أصل ممكن لشكل آخر لتاريخ (أو تواريخ) مختلف عن التاريخ الديالكتيكي للكفاح الطبقي، مع نهاية مجهولة وغير قابلة للمعرفة.

وعي سيزيف، البروليتاري والفني في الوقت نفسه، يُقدَّم في أسطورة سيزيف كقيمة استطيقية وسياسية في ذاتها، على الرغم من أن ظروف استعباده لم تتغير سواء بعمله غير المتوقف أو وضوحه. جعل كامو وضوح سيزيف تجاه وضعه واحتقاره لمعذبيه دليلين على "انتصاره" على الإثنين، ولكن انتصاره فردي وسيكولوجي، ليس جمعيا ولا تاريخيا. سعادة سيزيف هي بهجة سامية، شعور باللذة في الألم أو كألم، ولكن لا معنى معطى في المقال بأن يستبق المشاركة مع الآخرين الذين يشاركونه احتقاره للآلهة ويريدون فعل شيء أكبر من دفع الحجارة بشكل متكرر على التل. عام 1942، عام نشر "أسطورة سيزيف"، كان أيضا عام أفكار المقاومة الجمعية التي بدأت أخيرا في التحقق في فرنسا على مستوى أكبر من ذي قبل. بهجة سيزيف فيما يمكن أن يطلق عليه المقاومة السلبية يمكن أن تعتبر بالتالي خطوة - بغض النظر عن مقدار صغرها - في طريق المقاومة الفعالة؛ إرادته للمقاومة هي الشرط المسبق للمقاومة الحقيقية. الإرادة نفسها أو التطلب يمكن أن يوجد في أعمال كامو المتأخرة أيضا – في كل من نصوصه السياسية والأدبية.

ما الذي سيكون أسوأ من قدر سيزيف، ربما يميل المرء ليظل يسأل، وإن ظل كامو يشجعنا لنسأل في الوقت نفسه أي قدر سيكون أفضل في الحقيقة؟ كظرف سابق على أشكال أخرى فعالة أكثر للمقاومة، وكتعبير عن الاحتقار للآلهة الذين يسيطرون على قدر سيزيف ولكنهم لم ينجحوا في تدمير وعيه وإرادته أو ارتباطه بالحياة - أي حريته، فربما لا يكون من الصعب أن نتخيل سيزيف سعيدا في النهاية. سيتخلي كامو قريبا عن سيزيف وعن العبث، ولكنه لن يتخلى عن قناعته بأن كل الآلهة وكل الأفكار الدينية والسياسية والأيدولوجية يجب أن تُقاوَم. هو لن يتخلى عن قناعته بأن القيمة الأعظم على الإطلاق – قبل السياسة، قبل التاريخ، قبل العدالة – هي الحياة الإنسانية نفسها، بغض النظر عن حقيقة كم هي محددة أو مقموعة، أو كم هو تراجيدي الوضع الإنساني وحقيقة أي موقف سياسي محدد. على الرغم من السل، وعلى الرغم من هزيمة فرنسا، وعلى الرغم من الاحتلال ومن التعاون مع فيشي، وعلى الرغم من العدمية الفلسفية – هل يمكننا أن نتخيل كامو سعيدا؟




[1] مقدمة النسخة الأمريكية الأولى من "أسطورة سيزيف" والتي أعيد نشرها في النسخة الإنجليزية
[2]  Jean-Paul Sartre, ‘Explication de l’Etranger’, in Situations I (Paris, Gallimard, 1947) (originally published February 1943), p. 99; “The Outsider”, in jean-Paul Sartre, Literary an Philosophical Essays, trans. Annette Michelson (New York, Criterion Books, 1955), p. 24, Translation modified.
[3] Situations I, p. 101-2, Literary and Philosophicas Essays, p. 26.
[4]  يمكنني القول بأن أكثر القراءات إثارة وإيحاء لـ "أسطورة سيزيف" تظل في مقال "أسطورة سيزيف" لموريس بلانشو – Maurice Blanchot, Le Myth de Sisyphe, Faux pas (Paris, Galimmard, 1943)
[5]  ‘on Jean-Paul Sartre’s La Nausee’, in Albert Camus, Lyrical and Critical Essays, trans, Ellen Conroy Kennedy (New York, Vintage Books, 1967), p. 199, translation modified.
[6] Roland Aronson, Camus and Sartre (Chicago and London, University of Chicago Press, 2004), p. 73.



[i]  الإشارة هنا (والتي ستتكرر) إلى صفحات ترجمة جوستن أوبراين الإنجليزية للكتاب، الصادرة عام 1955.
[ii]  الأرجح أن الإشارة إلى الهدنة التي تلت هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية