السبت، 13 أبريل 2013

إعادة التفكير في العبث: أسطورة سيزيف – ديفيد كارول

إعادة التفكير في العبث – عن كتاب "أسطورة سيزيف" لألبير كامو
مقال لديفيد كارول*
من كتاب "رفيق كامبريدج إلى كامو" The Cambridge Companion to Camus - 2007

ترجمة: أمير زكي
أبريل 2013

ديفيد كارول؛ أستاذ الفرنسية ومدير الدراسات الأوروبية بجامعة كاليفورنيا – إيرفن.

***


"إلى الأبد سأكون غريبا بالنسبة إلى نفسي". [i](Ms, 18)

بعد 15 عاما تجاوزت العديد من المواقف المطروحة هنا؛ ولكني ظللت مخلصا، كما يبدو لي، للتطلب الذي أنشأها. هذا الكتاب بمعنى محدد هو أكثر الكتب ذاتية من ضمن الكتب التي نشرتها بأمريكا". (MS, vi)[1]

التاريخ والمقاومة

أسطورة سيزيف ربما يكون أكثر الكتب قدما تاريخيا بين نصوص ألبير كامو الأساسية، يتميز العمل بأوضح شكل بسبب الظروف التي كتب أثناءها وبالتالي فالعمل ربما يبدو أنه قد قَدِم في أحسن الأحوال، ولديه القليل ليقدمه للقراء المعاصرين. كُتِب المقال أثناء ما يطلق عليه كامو - في مقدمته للترجمة الأمريكية عام 1955 - الكارثة الفرنسية والأوروبية. (MS, v)ومن الصعب ألا نربط حس يأسه التراجيدي بهزيمة فرنسا المذلة على يدي ألمانيا النازية، والاحتلال والتعاون مع فيشي. النص الذي يدعوه كامو أيضا بالأكثر ذاتية بين النصوص التي نشرها بأمريكا (MS, vi) يمكن أيضا أن يُقرأ كتأمل في صراعه مع السل خلال هذه الفترة، إذ كان مريضا جدا حتى أنه عبّر عن شكوكه في بعض الأوقات في إمكانية أن يعيش. ولكن ربما أكثر من هذه العوامل التاريخية والشخصية فأسطورة سيزيف ربما يكون قديما بسبب مبدأ العبث ذاته الذي لا يزال اسم كامو يرتبط به اليوم، رغم أنه اعترف مبكرا عام 1955 أنه تجاوز بالفعل افتراضاته (MS, vi). جيل ما بعد الحرب في العموم تحرك سريعا فيما وراء العبث أيضا، هذا هو سبب أن اهتمامات (الكتاب) اليوم يمكن أن تعتبر تاريخية بشكل كبير.

ولكن بدلا من إعادة التفكير فيما هو قديم في فكرة كامو عن العبث، فالقراءة الحالية تركز فيما يدعوه كامو بالـ "التطلب" المتضمن في الافتراضات التي هجرها سريعا بعد الحرب والتي يزعم - على الأقل حتى عام 1955، أنه لا يزال مخلصا لها (MS, vi). سأناقش أن هذا "التطلب" نفسه شكّل كتابات كامو لفترة طويلة بعد تخليه عن مبدأ العبث ذاته، خلال حياته القصيرة جدا في الحقيقة. أكثر منها "إرادة القوة" النيتشوية، فالتطلب كان قريبا لما سأسميه "إرادة المقاومة"، حتى - أو خاصة - عندما تبدو المقاومة يائسة أو تتحول في الحقيقة لتكون بلا جدوى – إرادة مقاومة ليست ببساطة نتاج للتاريخ ولكنها أيضا مقاومة للتاريخ.

"أسطورة سيزيف" ظهر بعد شهور قليلة من "الغريب"، حقيقة أن أول نصين من نصوص كامو يظهران خارج الجزائر نُشرا في باريس المحتلة تدل على أن آلبير كامو الشاب - مثله مثل معظم الكتاب الفرنسيين المحققين - وافق على تقديم مسوداته للرقابة الألمانية لتنشر تحت الظروف المفروضة من قبل المحتلين النازيين لفرنسا. على أي حال فالنشر تحت هذه الظروف لا يعكس في ذاته دعما للنازية أو مشاعر متعاونة، طالما أن معظم الكتاب الفرنسيين الذين كانوا في اليسار المعادي للفاشية والذين سيشتركون في المقاومة في النهاية استمروا في النشر أثناء الحرب. وبعد وقت طويل من موافقته على حذف فصل عن كافكا من أجل نشر مقاله، اشترك كامو نفسه في المقاومة ونشر جزء كافكا سرا. إن كان مدينا بنجاحه الأول لنظام النشر المُسيطَر عليه من قبل الرقباء النازيين، فهو أيضا خاطر بحياته وهو يحرر ويكتب في جريدة المقاومة السرية "كومبات" أثناء السنوات الأخيرة من الحرب. إن كان "الطاعون" - الذي كُتِب جزء كبير منه أثناء السنوات الأخيرة للحرب ونشر عام 1947- -، يصف ظروف وحدود المقاومة الجمعية للقمع السياسي، فـ "أسطورة سيزيف" يمكن اعتباره وصفا للظروف القبلية لحدود المقاومة الفردية للظرف الإنساني نفسه.

أن تكون أو لا تكون؟ - العبث وسؤال الوجود

لا أحد يقرأ "أسطورة سيزيف" يستطيع أن ينسى كيف يبدأ. لا يبدأ بالسؤال عن المعنى أو الغرض العام للحياة، ولا بالتحقق من طبيعة الذات الفردية وحريتها، ولا بالنقاش عن الدور المُشكَِل أو النهايات المزعومة للتاريخ – ولا عن أي الأسئلة الفلسفية المجردة الأخرى من هذا النوع. إنه يبدأ بالأحرى بسؤال فوري وعملي عن الانتحار، هل الحياة تستحق أن تعاش من الأصل: "ليس هناك سوى مشكلة فلسفية جادة وحقيقية واحدة، وهي الانتحار. الحكم إن كانت الحياة تستحق أن تعاش أم لا تساوي الإجابة على سؤال الفلسفة الأساسي. الأمور الباقية... تأتي فيما بعد. إنها ألعاب". (MS,3). ما هو بالتالي الأهم في الفلسفة؟، إنه ظرفها الأساسي، إنها الحياة ذاتها – بغض النظر عما هي الحياة وبغض النظر عما تعنيه بشكل مطلق - الباقي ثانوي، تافه، ليس أكثر من لعبة، أو أسوأ كثيرا، دوجمائية، عمل الآلهة".

حتى إن طُرِح الانتحار كالمشكلة الفلسفية الأكثر أساسية، وأُعطي طابعا انفعاليا عميقا ليس فقط في الإجابات الممكنة لسؤال إن كان على المرء أن ينهي حياته، ولكن حتى في طرح السؤال من الأصل، فالفلسفة بالضرورة تخفق عندما تتعامل معه. الفلسفة يمكن أن ترد على المشكلة الفلسفية الجادة الحقيقية فقط بشكل جزئي وغير ملائم، طالما كانت العاطفة ستلعب بشكل حتمى دورا في أي إجابة، ونطاق الفلسفة هو العقل لا العاطفة:

"وحده التوازن بين البرهان والشاعرية يمكن أن يسمح لنا بالوصول على الفور للعاطفة والوضوح. في ذات متواضعة جدا ومثقلة بالمشاعر في الوقت نفسه، الدياليكتيك الكلاسيكي والعارف عليه أن يذعن - كما يرى المرء - لموقف عقلي أكثر تواضعا مشتق في الوقت نفسه من كل من الحس المشترك والتعاطف". (MS,4)

المشكلة الفلسفية الجادة الحقيقية الوحيدة بالتالي موضوعة على حدود - أو حتى خارج - الفلسفة ذاتها؛ إنها مشكلة متواضعة جدا وعاطفية جدا بالنسبة لأن تتعامل معها الفلسفة بطريقتها. العقلنة العبثية بالتالي تتطلب من الفلسفة أن تفعل أكثر من التفلسف عند التعامل مع سؤال "الحياة أو الموت" الأساسي.

الاغتراب

في مقاله المادح بشكل عام عن "الغريب" و"أسطورة سيزيف"، والذي كتب بعد عدة أشهر من ظهورهما، اتفق جان بول سارتر مع الإجماع على أن "الغريب" هو "أفضل كتاب منذ الهدنة[ii]"[2]. ولكن سارتر كان أكثر حدة في حكمه على الاستحقاقات الفلسفية لـ "أسطورة سيزيف"، وبافتراض دور أستاذ الفلسفة القاسي انتقد كامو ليس فقط لقصوره الفلسفي ولكن أيضا للاستظهار: "السيد كامو استظهر بعض الشيء باقتباسه لفقرات من ياسبرز وهايدجر وكيركجور، الذين يبدو على أي حال أنه لم يفهمهم تماما على الدوام"[3]. بخلفية فلسفية صارمة، فـ "أسطورة سيزيف" يبدو أنه ذو قيمة محدودة بالنسبة لسارتر، وفي ذهنه أن مقال كامو كان سيصير أكثر نجاحا بشكل لا يدعو للشك إن لم يقتبس من النصوص الفلسفية على الإطلاق.

ولكن "أسطورة سيزيف" ليس مهتما كثيرا بالفلسفة ذاتها أو ما قاله الفلاسفة العظماء عن المعنى المطلق للحياة بقدر ما هو مهتم بالخبرة التي يبدو أنها مقتصرة - على أقصى تقدير - على الاستدعاء الفلسفي: الشعور اللحظي الذي يكون أحيانا لدى الناس بأن الحياة فجأة لم يعد لها معنى. "في أي ناصية شارع شعور العبث يمكنه أن يضرب الإنسان في وجهه. هكذا بعريه المثقل، بضوئه الخالي من الإبهار، إنه متهرب، ولكن هذه الصعوبة الكبيرة تستحق التأمل". (MS, 10-11) فقدان التأكد يكون في تلك اللحظة عندما "ينهدم المسرح" (MS, 12) وتنهار العادات والروتين اليومي؛ في حياة الناس الذين لم يطرحوا أبدا من قبل سؤال الحياة. في الوقت الذي يُطرَح فيه سؤال الـ "لماذا" (MS, 13). فالمزج بين القوى غير المُنكَرة وغير المستقرة للخبرة وتهربها اُعتُبِر من قبل كامو كدليل على أن هناك شيئا هاما في وضع حرج في هذه الـ "لماذا".

ورغم أن كامو قارن - بوضوح - المشاعر المتناقضة المحسوسة في مثل هذه اللحظات بالمشاعر الاستطيقية وسؤال الجمال، فإنها في الحقيقة قريبة من المشاعر المتصارعة غير المحددة الموصوفة من قبل كانط في تحليله ليس للجمالي ولكن للمتعالي: "غير محددة، مرتبكة و(أكيدة) في الوقت نفسه، بعيدة و(حاضرة) مثلها مثل تلك المعروضة لنا بواسطة الجمال" (Ms, 10). مثل هذه المشاعر بعيدة لأن مصدرها هو الحدوث المصادف خارج سيطرة الفرد، وإن كانت في الوقت نفسه حاضرة بشكل عميق داخل الذات بسبب كثافتها الانفعالية غير المستقرة. هذا الذي يعنى أن الذات لا يمكن أن تجد العزاء أو تهرب منها لا في العالم ولا في نفسها.

ما يعني كامو بشكل خاص في مثل هذه المشاعر هو أنها: "مثل الأعمال العظيمة، فالمشاعر العميقة تدل دوما على أكثر مما يقوله الوعي" (MS, 10) ما تقوله هذه المشاعر، وهي واعية بالقول، ربما يكون ملائما بشكل كبير للذات المناسبة للبحث الفلسفي، ولكن ما تدل عليه (أو تقترحه) يتطلب مقاربة فلسفية مضاعفة ونوعا من التحليل، يدرك بها المرء حدود ما يمكن أن يُطرَح بشكل مباشر ويكون مفتوحا للنقل بشكل غير مباشر عن طريق الإشارة والتلميح. لأن شعور العبث يدل بشكل أكبر وأكثر اختلافا من أي تفسير يقوله العبث، إنه يرتفع إلى أشكال أخرى من الخطاب، إلى الأدب بوجه خاص (والفن أو "الإبداع" بشكل عام)، ليدعم قصور الفلسفة. هذا يترك للخطاب الفلسفي المهام الإضافية الشارحة لسبب إنها لا تستطيع شرح كل شيء، وفي الاعتماد على مسافة تفصلها عن الخبرة والعاطفة والفن.

الفقدان المفاجيء وغير المتوقع للإيمان بالعادات والروتين والافتراضات الأساسية والمعتقدات له تأثيرات عميقة وممتدة: "في عالم يتشظى فجأة بالأوهام والأضواء، يشعر الرجل بأنه مغترب، غريب. منفاه يكون بلا علاج، طالما كان مجردا من ذكرى عن أرض مفقودة أو أمل في أرض موعودة. هذا الانفصال بين الرجل وحياته، الممثل ومسرحه، هو بالضبط شعور العبثية". (MS, 6) شعور الانفصال الراديكالي، من العيش في وطن مألوف ولكنه أصبح الآن فجأة غريبا بشكل راديكالي، من كونه مشتتا بين الماضي والمستقبل وغير قادر على الاعتماد على أي منهما ليعطي معنى للحاضر، من كونه غريبا بالنسبة للعالم ولنفسه، ربما يظهر أن يكون هذا سبب اليأس، خاصة طالما كان المنفى عن النفس والعالم والآخرين موصوف بأنه بلا علاج. يفند "أسطورة سيزيف" مثل هذا الطرح بجعل الوعي بغياب العلاج لضيقات الوجود هو سبب العيش – وفي النهاية للمقاومة أيضا.

بالتالي فإنه في سياق الاغتراب الراديكالي هذا يُطرح سؤال الانتحار: (هل العبث يفرض الانتحار؟) (MS, 9). يجيب كامو بالنفي، طالما كان الانتحار يمثل هروبا من الظرف العبثي فهو يظهر فقط كمُدرِك وهادم للتناقضات والتوترات التي في قلب العبث الذي يتظاهر إنه يؤكده. التفكير العبثي - كتفكير في الاختلاف والانفصال والابتعاد - يكافح للحفاظ على هذه التوترات ويجعلها أسبابا للحياة. كامو بالتالي يصنع مما يمكن أن يُعتَبَر منطقيا "دعوة للموت" هو "قاعدة الحياة" (MS, 64) "الفكرة هي أن تعيش" (MS, 65) – ليس بمعزل عن ولكن بالأحرى بسبب العبث والانفصال الراديكالي أو الاختلاف الذي في لب الخبرة نفسه. بدلا من الطرح الديكارتي: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فأسطورة سيزيف يقدم شيئا مثل "أنا أختبر شعور العبث، إذن فانا موجود" – وبالتالي سأستمر في الوجود.

ما يدعوه كامو النقطة المرجعية الثابتة في المقال هو بالتالي الحقيقة غير القابلة للجدال عن الاختلاف والانفصال والانشقاق (الهوة التي تفصل الرغبة عن السعي)، (الفجوة بين ما نتخيل أننا نعرفه، وما نعرفه بالفعل)، (الانفصال الذي يبعدنا عن أعمالنا)، (الهوة التي لن تُسَد أبدا... بين التأكد الذي أملكه عن وجودي والرضا الذي أريد أن أضيفه لهذا التأكيد) (MS, 17 -19) وهذه "الهوة" بين الفرد والعالم تشكل بطريقة متناقضة حلقة الوصل الأساسية بينهما: (العالم في ذاته ليس معقولا... ولكن العبثي هو مواجهة هذه اللا عقلانية، والاشتياق الحاد للوضع الذي يتردد صدى نداءه في القلب الإنساني. العبث يعتمد على الإنسان مثلما يعتمد على العالم. لهذه اللحظة هو الرابط الوحيد بينهما). (MS, 21). المشكلة التي يطرحها "أسطورة سيزيف" هي كيف نستمر في العيش مع أو بداخل العبث بدون ألا نختصر الانفصال الراديكالي بين الإنسان والعالم أو نهدم الرابط المبدئي بينهما، رابطة الاختلافات.

الوعي بالهوة التي تفصل التفكير عن الخبرة تضع التفكير في سياق مغترب وغير مُرحِب، هذا الذي يصفه كامو بأنه "صحراء"، يكون التفكير فيها خاليا من أشباحه، ومختصر إلى هيكل ذاته، إلى لا شيء على الإطلاق. في هذا الفصل من "أسطورة سيزيف" المعنون بـ "الانتحار الفلسفي" يستحضر كامو أعمال مجموعة من الفلاسفة صنفهم كوجوديين – نيتشه، هوسرل، ياسبرز، هايدجر، كيركجور، شيستوف، وشيلر – ولكنه لم يركز كثيرا في أطروحاتهم الفلسفية بقدر ما ركز على ما أسماه بـ "المناخ المشترك بينهم"، "هذا العالم غير القابل للوصف حيث يحكم التناقض والتعارض والألم أو العجز" (MS, 23)، إن كانت خبرات الوجوديين المختلفين "ولدت في الصحراء" (MS, 27) فكامو يهاجم كل الاستراتيجيات التي تهرب من حدود ظرف الميلاد، الذي هو أيضا مناخ فكره الشخصي. هو يصر بالأحرى على أنه من الضروري أن نبقى بداخل المناخ الذي يدعوه مع ذلك "مميت" (MS, 29) بينما يستمر في رفض أوهام الهروب أو الخلاص الذي ينتجه أيضا مثل هذا المناخ.

الأمل نفسه وهم، لأنه متجذر في الرغبة، في التهرب من ظروف الصحراء، ولكن اليأس متوهم أيضا. ما سيبقى من العبث في أعمال كامو اللاحقة - عندما تُتَرك الفكرة نفسها خلفا ـ هو بالضبط القناعة بأهمية كل من الوضوح المتعلق بحدود الفكر والفعل والضرورة لـ "المواجهة والكفاح غير المتوقف": "كل شيء يًهدَِم، يَطرد، أو يصرف هذه المتطلبات (ولنبدأ بالقبول الذي يطيح بالانفصال) يدمر العبث ويقلل من قيمة الموقف الذي ربما يكون مقترحا. العبث يكون له معنى فحسب طالما لم يوافَق عليه" (MS, 31). مؤكد ولكن غير مقبول، مُقاوَم ولكنه غير مُنكَر، مرتبطا باللا أمل ولكنه في الوقت نفسه ليس أعمالا حياتية أو تفكير أو تصرفات يائسة، المعني والقيمة يظهران بالضبط من الغياب والصحراء العدمية تماما وكلاهما ينفيانه ويجعلانه ممكنا. ولكن هذا فحسب إن كانت ظروف الصحراء مُدرَكة على ما هي عليه. المهمة العقلية للتقدم فيما وراء العدمية". (MS, v)بدون الوقوع كفريسة لأحد أوهامها يصير أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، بسبب حقيقة أن قَدَر الوعي بالعبث سيكون مرتبطا بالعبث إلى الأبد[4].

لا أدرية كامو لا تتعلق بالدين فحسب بل بالفلسفة والسياسة كما هو واضح بالتالي في "أسطورة سيزيف"، قبل عِقد من أن تأخذ شكلا أكثر مباشرة سياسيا في "الإنسان المتمرد". إن كان سيهاجم في مقاله الرئيسي الأخير التاريخ الجدلي - إن كان هيجليا أو ماركسيا - وكل أشكال الثورة لكونها غائية او خلاصية، وتؤمن بوعد نهاية التاريخ بأن تبرر أي وسائل تُستخدَم للوصول إلى النهاية، فالفلسفات الوجودية المستدعاة في "أسطورة سيزيف" تُنتَقد بطرق مشابهة لتأليهها للعبث. إن"هم يؤلهون ما يهزمهم، ويجدون مدعاة للأمل فيما يفقرهم. هذا الأمر المفروض هو ديني عندهم جميعا... يصير العبث إله (بالمعنى الأوسع لهذه الكلمة) وعدم القدرة على الفهم تصبح الوجود الذي يضيء كل شيء" (MS, 32-3). يدعو كامو الموقف الوجودي بأنه "انتحار فلسفي" (MS, 41)، كما سيهاجم في "الإنسان المتمرد" الأيدولوجيا في العموم ومنطق الغاية تبرر الوسيلة كتبرير لجرائم القتل على وجه الخصوص. بالتالي فـ "أسطورة سيزيف" يفتتح كفاح كامو الطويل ضد الأيدولوجيات الفلسفية والدينية والفلسفية التي تعد بالخلاص في المستقبل على حساب البشر الذين يعيشون في الحاضر. مثله مثل سيزيف، لم ينجح كامو أبدا في مهمته – ولكن هذه لم تكن أبدا الفكرة، إنما الفكرة في الكفاح ذاته.

ما الذي على الفن أن يفعله في ذلك؟

"إن كان العالم واضحا، فلن يكون الفن موجودا" (MS, 98)

من أجل شرح الوجود العبثي، يصف كامو ثلاثة أنماط من "الإنسان العبثي" – دون خوان، الممثل والفاتح – الذين يزعم أنهم تمثيلات للعبث وليست نماذج لتتبع (MS, 68). ما تشترك فيه الرموز الثلاثة هي  أنها مثل فنانين محددين "إنهم يعرفون حدودهم ولا يذهبون فيما وراءها". (MS, 70) هذا أيضا هو تعريف كامو للعبقرية. ولكن دون خوان، والممثل، والفاتح هم نسخ غير مكتملة فحسب من "أكثر الشخصيات عبثية، الذي هو المبدع" (MS, 92) إن كان الوعي بحدود الظرف الإنساني هو صفة لهؤلاء الذين يفكرون بوضوح،" فالمبدع (الفنان – الكاتب) يُقدَّم كرمز للذي يفكر بالشكل الأوضح على الإطلاق. ولكن أن تفكر بوضوح بحس كامو هو أن تعرف أن التفكير نفسه محدود وبالتالي أن تفكر جزئيا ضد التفكير. المبدع العبثي لا يمكن أن يسقط فريسة لغموض الفن على أي حال طالما كان/ كانت يعرف أن الفن محدود، إنه أيضا لا يقدم مهربا أو خلاصا. الفنان العبثي يبدع داخل وضد حدود الفن؛ هو/هي أيضا يبدع بدون أمل أو يأس.

الفنان العبثي يختبر مع ذلك ما يطلق عليه كامو "البهجة الميتافيزيقية في تحمل عبثية العالم". (MS, 93). بهجته/بهجتها ليست في تغيير العالم وتجاوز الهوة التي تفصله/تفصلها في الوقت نفسه عنه وتربطه/تربطها بالحياة، وبالتأكيد ليست تعاليا متوهما لـ أو هروبا من الظرف الإنساني نفسه. تأتي البهجة بالأحرى في الصمود وبالتالي الحفاظ على الهوة أو الانفصال الأساسي للعبث. فلو كان العبث مُعطى غير مختصر للخبرة الإنسانية، إن كان هو المناخ الذي تتغذى عليه الفكرة، إذن فالخيار لا يمكن أن يكون بين تأكيد أو إنكار العبث ولكن بالأحرى بين أن تعيش أو تموت به: "لا يمكن إنكار الحرب. على المرء ان يعيشها أو يموت بها. الأمر نفسه مع العبث، إنه طرح تساؤل التنفس به، إدراك دوره وإعادة اكتشاف كيانه. بهذه الطريقة فأفضل أحوال البهجة العبثية هي الإبداع" (MS, 94) الفنان-المبدع ليس فقط الأكثر وضوحا على الإطلاق في الأنماط العبثية؛ هو/هي أيضا أكثرهم بهجة، حتى إن كانت "البهجة العبثية" في ذاتها شعورا منقسما، مؤكدا وسلبيا في الوقت نفسه، بهجة بالحس النيتشوي إلا أن "الإنسان العبثي في النهاية فنان – ولكنه فنان لا يكمل أبدا مشروعه النهائي في الفن: أن ينتج عملا مكتملا".

يصل الفنان لوضوح (وبهجة) أعظم من النماذج العبثية الأخرى بسبب كون وعيه/وعيها (وبهجته) مضاعف "في هذا العالم فالعمل الفني بالتالي هو الفرصة الوحيدة للحفاظ على وعيه/وعيها وتثبيت مغامراته. أن تبدع هو أن تعيش بشكل مضاعف" (MS, 94). بالتالي فوعي الفنان المبدع هو ذاته والآخر في الوقت نفسه، نفسه/نفسها، وغير نفسه/غير نفسها. وعي المبدع على أي حال ليس تأملا ذاتيا بالمعنى الهيجلي، وعي في ومن أجل ذاته انتصر على فورية الخبرة وأعلى نفسه إلى مستوى أكبر. الوعي العبثي للمبدع ليس أكثر ثانوية وتحديدا من الوجود والظرف الإنساني نفسيهما: في الفن لا يوجد مهرب وملجأ من العبث، طالما أن العمل الفني "نفسه ظاهرة عبثية" (MS, 95). إلى جانب التأكيد المتوازي للعبث ومقاومته، فالفن العبثي هو الأكثر والأكمل عبثية في الظاهرة العبثية، العبث المرتبط بشكل كامل مع الصراعات والتناقضات غير المحلولة مع أقل أوهام عن تأثيراتها النهائية.

النظرية العبثية للرواية

نقاش كامو عما يمكن ان يطلق عليه استطيقا العبث يكتمل بنقاش عن الرواية، التي يعتبرها الأكثر فلسفية والأكثر عبثية في الأنواع الأدبية – الأكثر عبثية لأنها الأكثر فلسفية. منفتحة على الأفكار ومجتذبة لها، يمكن أن يُعتَبَر الروائيون فلاسفة فاشلين بطريقة ما، ولكن فشلهم في التعبير بالأفكار يتحول في الحقيقة ليكون قوتهم. كما أوضح كامو ذلك بشكل مجازي، يكتب الروائيون "بالصور أكثر من الحجج العقلية": "الاختيار الذي توجهوا إليه بالكتابة بالصور أكثر من الحجج العقلية هو إشارة لفكرة محددة مشتركة بينهم، هم مقتنعون بلا جدوى أي مبدأ للتفسير ومتأكدين من الرسالة التعليمية للظهور المدرك... الرواية قيد التساؤل هي أداة لكل من المعرفة النسبية والمستدامة". (MS, 101) أن تكتب بالصور هو أن يكون لديك ثقة أكبر في الخبرة عن التفكير، وتأكُّد أكبر من نسبية الوصف أكثر من تظاهر التحليل المنطقي والشرح المنظم. إنه رفض القول بأكثر مما تسمح الخبرة بالقول.

يستخدم كامو لغة مطابقة في عرض كَتَبْه في جريدة "آلجي ريبيبليكان" (20 أكتوبر 1938) عن رواية "الغثيان" لسارتر: "الرواية ليست شيئا سوى فلسفة مطروحة بالصور. وفي الرواية الجيدة تتسلل الفلسفة بكاملها إلى الصور. ولكن الفلسفة تحتاج فقط أن تُصَب على الشخصيات والأفعال وتلتصق بها كاللاصق، تفقد الحبكة أصالتها، والرواية حياتها"[5]. بينما يتنبأ بمستقبل مشرق لهذا الروائي للمرة الأولى، ينتقد كامو مع ذلك الرواية لما يزعم أنه: "النقص الملحوظ للتوازن بين الأفكار في العمل والصور المعبرة عنها". بكلمات أخرى، فسارتر، بسبب أنه ظل فلسفيا جدا، لم ينجح في وضع الفكر كله في صور. هذا كان سابقا بوقت طويل لتغلب الخلافات السياسية الجادة، فسارتر وكامو اختلفا على العلاقة الواجب وجودها بين الفلسفة والأدب. بالنسبة لكامو كان سارتر روائيا فلسفيا جدا؛ وبالنسبة لسارتر كان كامو فيلسوفا أدبيا جدا.

المواجه للرواية الفلسفية عند كامو هي الرواية الفكرية، التي يدعوها كامو "بالأكثر إثارة للكراهية" (MS, 116, 16) إنها إنتاج "فلاسفة خجلانين من أنفسهم" يريدون أن يقدموا الأفكار أو يثبتوا الجدالات، وليسوا "مفكرين وضحين" الذين يعرفون حدود الأفكار وبالتالي ما الذي لا يعرفونه ولا يستطيعون قوله. الأخير لا يكتب ليظهر الحقيقة ولكن ليقاوم طغيان الأفكار المحققة أو المفروضة؛ إنهم الأسلاف الأدبيين الما بعد النيتشويين لـ "المتمرد".

استطيقا العبث، إن كان لهذا المصطلح معنى، متجذرة بالتالي في تنوع وامتداد الخبرة، لا وحدة ونهائية الأفكار: "كل الفكر الذي يتخلى عن الوحدة يُمجِّد التنوع. والتنوع هو بيت الفن". (MS, 116) بتقديم التأكيد على التنوع أكثر من التشابه، على السرديات الصغرى أكثر من الكبرى أو ما بعد السرديات، على الأعمال المجزأة غير المكتملة والمفتوحة أكثر من الأشكال الموحدة والنهائية، وأخيرا في إصراره على النسبي والجسداني والفردي أكثر من الكلي والروحي والجمعي، فأسطورة سيزيف يمكن أن يعتبر واضعا لأساس إستطيقي-فلسفي لمقاومة سياسية أكثر وضوحا في مواجهة الشمولية تلك، التي ستصف مقالات كامو الصحفية ومقالات ما بعد الحرب. لأن ما لا يستطيع الفنان العبثي قبوله هو الملائمة الكلية للفكرة نفسها – أي فكرة، سواء كانت دينية، فلسفية، إستطيقية، أو سياسية، سواء كانت عن الله، الوجود، أو الإنسان في جهة، أو الشعب، الجنس، الطبقة، أو التاريخ نفسه من جهة أخرى.

على المرء أن يتخيل سيزيف سعيدا


الجملة الأخيرة في القسم القصير من "أسطورة سيزيف" - الذي يعيد حكاية قصة سيزيف - قوي ولا يُنسى كالصفحات الأولى في المقال المخصصة للانتحار. وإن ظلت سعادة سيزيف قضية مرتبكة مضافا إليها لا جدوى عمله والغياب الكامل للأمل في أي تغيير في وضعه. إن كان أسوأ عقاب مبتكر من قبل الآلهة كما يزعم كامو هو "العمل التافه واليائس" (MS, 119) بكلمات أخرى؛ ما الذي يمكن اعتباره الظرف الإنساني نفسه من منظور العبث – كيف يمكن أن نتخيل سيزيف سعيدا مع قدَرَه البائس؟ وكيف يمكن أن نكون سعداء إن كان قدرنا وظرفنا يشابهانه؟ ومن هم الآلهة الذين يحكمون على سيزيف (يحكمون علينا) بمثل هذه الحالة؟ وماذا لو لم يكن هناك آلهة ومع ذلك ففي العالم اللا إلهي لا يتغير قدرنا؟ أو إن أنكرنا هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم كآلهة – أو كأناس خارقون – فمن يهزمنا في الحرب ويسيطر علينا ويقمعنا سياسيا ويبدو أنه يحدد قدرنا دائما وأبدا؟، فلا يبدو أن هناك أي فعل مقاومة له فرصة في النجاح؟ ما الذي يعنيه أن تكون سعيدا في مثل هذه الظروف؟ ولم سينهي كامو مقاله بمثل هذا التأكيد على البهجة؟

الجريمة المحددة التي عوقب عليها سيزيف هي عصيان الإلهة الذين سمحوا له أن يعود إلى الأرض بعد الحكم المبدئي عليه بأن يذهب للجحيم. في نسخة كامو عن الأسطورة، ثورة سيزيف ضد الآلهة كان أساسها رفضه التخلي عن المباهج واللذات البسيطة للوجود الأرضي: "لكن عندما رأى وجه العالم مرة أخرى، واستمتع بالماء والشمس، بالأحجار الساخنة والبحر، لم يعد يرغب في أن يرجع لظلام الجحيم". (MS, 120) جريمة سيزيف في عيون الآلهة هي الجريمة البشعة للاستمتاع بالحياة وإهانة الآلهة مكتملي القوى الذي حكموا عليه ببؤس ما بعد الحياة: "إهانته للآلهة، كراهيته للموت، وشغفه بالحياة" (MS, 120) ولتحديه هذا، تلقى العقاب بـ "التعذيب الصامت بأن وجوده يستهلك نفسه بعدم إكمال شيء. هذا هو الثمن الواجب دفعه لشغفه بهذه الأرض". (MS, 120) نسخة كامو عن سيزيف ليست خسوفا ملحميا للآلهة على أي حال بل بالأحرى سرد قصير لمقاومة كل إنسان. يرفض سيزيف أن يقبل قوة الآلهة وسيطرتهم على حياته، ولكنه أيضا واضح، وبالتالي هو يقبل - إلى جانب مقاومته - حدود الظرف الذي يفرضونه عليه، الذي لن يستطيع تغييره بأي حال. وبفهم هذا فكل شيء غير ممكن، ويستمر في مهتمه الخالية من المعنى مع معرفته. هو سعيد، حتى لو - أو ربما بسبب - أن عمله بلا جدوى وأنه لا يكمل شيئا. اللا شيء الذي يكمله كل مرة يدفع فيها الصخرة لأعلى حتى قمة التل هو في الحقيقة "شيء" من الفن؟ وربما حتى "شيء" من سياسات الثورة. في الحقيقة فعمله ربما لن ينتهي أبدا وسيكون عليه دوما أن يكرره، هو لن يظل أبدا على قمة الإنجاز لأكثر من لحظة قبل أن يكون عليه أن يبدأ مرة أخرى، ولكن هذا أفضل ما يأمل به، وبالنسبة لكامو هذا يكفي ويزيد.

في دراسة حديثة أُطلِق على "أسطورة سيزيف" أنه "ما بعد ماركسي": "بالنسبة لمزاعم الماركسية، فعبثية كامو ترد بالقول إن لا شيء من عملنا بإمكانه حل تراجيديا الموت أو إضافة معنى للعالم. لا يوجد ذكر مباشر للماركسية أو الشيوعية في (أسطورة سيزيف) ولكن النقد متضمن في كل مكان... النص كان بالتالي... بعد ماركسي أكثر منه قبل-ماركسي[6]". وربما هذا التوصيف غير ملائم في أي مكان بقدر القسم المخصص في الكتاب لسيزيف، خاصة إن كانت "ما بعد الماركسية" مقصود منها أن تكون متمايزة عن معاداة الماركسية، تلك التي كان عليها مقالات كامو السياسية فيما بعد الحرب. وضوح سيزيف ربما يكون مساو لوضوح الفنان العبثي، ولكن الجهد الجسدي الضروري لإكمال مهمته مشابه بشكل أقرب لعمل العامل. إن كان سيزيف "بطلا عبثيا، من خلال شغفه مثلما هو من خلال عذابه" (MS, 120)، فظرفه هو ظرف العامل نفسه في المجتمع الحديث فـ"قدره ليس أقل عبثية". (MS, 121) "بروليتاري الآلهة، بلا قوة ومتمرد، هو يعرف المدى الكامل لظرفه البائس.. الوضوح الذي كوّن عذابه هو في الوقت نفسه الذي يكلل انتصاره. لا يوجد قدر لا يمكن أن يتم التعالي عليه بواسطة الاحتقار". (MS, 121) لقد قًدّر مصير سيزيف بموقف خال من الأمل، تراجيدي. ولكن العامل وُصف أيضا من قبل كامو كرمز تراجيدي، ولكن فقط "في لحظات نادرة؛ عندما يصير واعيا". (MS, 121) على أي حال فـ"أسطورة سيزيف" لا يقول شيئا أكثر عن إلى أين يمكن لوعي مثل هذا البروليتاري أن يقوده في حالة العامل، خاصة إن كان سينضم مع الآخرين في اعتراض فعال ثم مقاومة. على أي حال فسيزيف واضح وبالتالي تراجيدي طوال الوقت، ولكنه كذلك بشكل خاص في كل مرة ينزل من على التل ليبدأ المهمة من جديد. بالتالي فمقاومته للآلهة ولوضعه هي مقاومة سيكولوجية أكثر منها فعالة، إرادة للمقاومة أكثر منها المقاومة ذاتها. وفي قصة كامو فمقاومته منعزلة، متعلقة بفرد وليس طبقة أو جماعة. إنها نقطة بداية فحسب – أصل ممكن لشكل آخر لتاريخ (أو تواريخ) مختلف عن التاريخ الديالكتيكي للكفاح الطبقي، مع نهاية مجهولة وغير قابلة للمعرفة.

وعي سيزيف، البروليتاري والفني في الوقت نفسه، يُقدَّم في أسطورة سيزيف كقيمة استطيقية وسياسية في ذاتها، على الرغم من أن ظروف استعباده لم تتغير سواء بعمله غير المتوقف أو وضوحه. جعل كامو وضوح سيزيف تجاه وضعه واحتقاره لمعذبيه دليلين على "انتصاره" على الإثنين، ولكن انتصاره فردي وسيكولوجي، ليس جمعيا ولا تاريخيا. سعادة سيزيف هي بهجة سامية، شعور باللذة في الألم أو كألم، ولكن لا معنى معطى في المقال بأن يستبق المشاركة مع الآخرين الذين يشاركونه احتقاره للآلهة ويريدون فعل شيء أكبر من دفع الحجارة بشكل متكرر على التل. عام 1942، عام نشر "أسطورة سيزيف"، كان أيضا عام أفكار المقاومة الجمعية التي بدأت أخيرا في التحقق في فرنسا على مستوى أكبر من ذي قبل. بهجة سيزيف فيما يمكن أن يطلق عليه المقاومة السلبية يمكن أن تعتبر بالتالي خطوة - بغض النظر عن مقدار صغرها - في طريق المقاومة الفعالة؛ إرادته للمقاومة هي الشرط المسبق للمقاومة الحقيقية. الإرادة نفسها أو التطلب يمكن أن يوجد في أعمال كامو المتأخرة أيضا – في كل من نصوصه السياسية والأدبية.

ما الذي سيكون أسوأ من قدر سيزيف، ربما يميل المرء ليظل يسأل، وإن ظل كامو يشجعنا لنسأل في الوقت نفسه أي قدر سيكون أفضل في الحقيقة؟ كظرف سابق على أشكال أخرى فعالة أكثر للمقاومة، وكتعبير عن الاحتقار للآلهة الذين يسيطرون على قدر سيزيف ولكنهم لم ينجحوا في تدمير وعيه وإرادته أو ارتباطه بالحياة - أي حريته، فربما لا يكون من الصعب أن نتخيل سيزيف سعيدا في النهاية. سيتخلي كامو قريبا عن سيزيف وعن العبث، ولكنه لن يتخلى عن قناعته بأن كل الآلهة وكل الأفكار الدينية والسياسية والأيدولوجية يجب أن تُقاوَم. هو لن يتخلى عن قناعته بأن القيمة الأعظم على الإطلاق – قبل السياسة، قبل التاريخ، قبل العدالة – هي الحياة الإنسانية نفسها، بغض النظر عن حقيقة كم هي محددة أو مقموعة، أو كم هو تراجيدي الوضع الإنساني وحقيقة أي موقف سياسي محدد. على الرغم من السل، وعلى الرغم من هزيمة فرنسا، وعلى الرغم من الاحتلال ومن التعاون مع فيشي، وعلى الرغم من العدمية الفلسفية – هل يمكننا أن نتخيل كامو سعيدا؟




[1] مقدمة النسخة الأمريكية الأولى من "أسطورة سيزيف" والتي أعيد نشرها في النسخة الإنجليزية
[2]  Jean-Paul Sartre, ‘Explication de l’Etranger’, in Situations I (Paris, Gallimard, 1947) (originally published February 1943), p. 99; “The Outsider”, in jean-Paul Sartre, Literary an Philosophical Essays, trans. Annette Michelson (New York, Criterion Books, 1955), p. 24, Translation modified.
[3] Situations I, p. 101-2, Literary and Philosophicas Essays, p. 26.
[4]  يمكنني القول بأن أكثر القراءات إثارة وإيحاء لـ "أسطورة سيزيف" تظل في مقال "أسطورة سيزيف" لموريس بلانشو – Maurice Blanchot, Le Myth de Sisyphe, Faux pas (Paris, Galimmard, 1943)
[5]  ‘on Jean-Paul Sartre’s La Nausee’, in Albert Camus, Lyrical and Critical Essays, trans, Ellen Conroy Kennedy (New York, Vintage Books, 1967), p. 199, translation modified.
[6] Roland Aronson, Camus and Sartre (Chicago and London, University of Chicago Press, 2004), p. 73.



[i]  الإشارة هنا (والتي ستتكرر) إلى صفحات ترجمة جوستن أوبراين الإنجليزية للكتاب، الصادرة عام 1955.
[ii]  الأرجح أن الإشارة إلى الهدنة التي تلت هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق