زكرياء ابراهيم
فيلسوف مصري يحمل دكتوراة في الفلسفة ولد في عام 1925 ومات فجأة في الرباط بالمغرب عام 1976.
"مشكلة أخرى أثارها الفلاسفة هذه المرة , مشكلة الفلسفة ذاتها . ما موضوعها
؟ وما منهجها ؟ وما غايتها ؟ و ما قيمتها ؟
يقول الكاتب ص24
"وارتد الفكر البشري إلى ذاته فراح يسأل نفسه عن شرعية التأمل الفلسفي , و إلى أي حد يمكن الخوض فيه , و كيف السبيل إلى تعيين حدوده وتحديد معالمه .. الخ .. و دب الخلاف بين الفلاسفة حول صلة دراستهم بما عداها من الدراسات , فنشأت من ذلك مشكلة الصلة بين الفلسفة و الدين من جهة , وبينها و بين العلم من جهة أخرى . ثم تنوعت الاتجاهات , وتعددت النزعات , وكادت الفلسفة أن تلامس بعض الفنون , فنشأت من ذلك مشكلة الصلة بين الفلسفة و الأدب , بل أصبح البعض لا يرى حرجا" في أن يمزج الميتافيزيقيا بالشعر . وعلى العكس من ذلك , أراد البعض أن يحد من دائرة الفلسفة , بعد أن استقلت عنها معظم العلوم , فذهب إلى أن مهمتها لا تكاد تعدو العمل على تحليل المفاهيم العلمية تحليلا" لغويا" منطقيا".. وهكذا أصبحت الفلسفة نفسها مشكلة , فارتد الفلاسفة إلى أنفسهم , بعد أن تشكك قوم منهم في مدى شرعية دراستهم , وصارت مشكلة التفلسف أو عدمه هي أول موضوع عندهم للتفلسف ! "
في الفصل الأول تعقب الكاتب تطور مفهوم الفلسفة عبر العصور المختلفة وفي
الفصل الثاني حاول تقديم تعريف للفلسفة و تحديد لموضوعها
يقول ص77
" من كل ما تقدم يتبين لنا أن الفلسفة قد فُهمت بمعان كثيرة : فهي قد فُهمت أولا" بمعنى (( حكمة الحياة )) ثم اعتبرت ثانيا" مجرد (( دهشة )) أو (( تساؤل )) , بينما عرّفها قوم بأنها (( نسق من الاعتقاد )) , ورأى آخرون أنها (( نظرة كلية للأشياء )) , في حين انتهى غيرهم إلى القول بأنها مجرد (( نقد للفكر )) أو مجرد (( تحليل لغوي )) . و لو أننا استثنينا هذا التصور الأخير , لكان في وسعنا أن نقول مع لوسن (( إن الفلسفة هي وصف الخبرة )) .
فالفيلسوف إنما يحاول أن يصف لنا خبرته , و هو مضطر خلال هذا الوصف إلى اصطناع لغة عقلية يمكنه عن طريقها نقل تجربته الخاصة إلى الآخرين . ولكن لما كانت التجربة هي من السعة بحيث يعجز أي فرد منا على استيعابها , فقد نشأت مذاهب عديدة هي من الفلسفة بمثابة نشرات مختلفة أو روايات متباينة . وهكذا اختلف المفكرون في فهمهم للفلسفة , وتحديدهم للمشكلة الفلسفية , و إجابتهم على كل سؤال فلسفي , ولكنهم اتفقوا جميعا" على أن (( مهمة الفيلسوف أن يخلق أسئلته , وأن يجدد طرح المشكلات )) . ولم يكن من الممكن أن تتساوى قيم المسائل الواحدة في نظرهم جميعا" , بل كان (( لا بد من أن تأخذ المشكلة الواحدة أهمية كبرى في مذهب معين , وتفقد كل أهميتها في مذهب آخر )) . "
أما الفصل الثالث فتحدث فيه عن الفلسفة و الإنسان و الرابع عن خصائص الروح الفلسفية ومن ثم في الفصول اللاحقة تطرق إلى علاقة الفلسفة بكل من العلم و الأدب و الدين و الأخلاق و السياسة و الايدولوجيا و تاريخ الفلسفة .
وبعد الخاتمة وضع تذييل تحت العناويين التالية :
- بين الميتافيزيقيا و الشعر
- الرواية الوجودية
- التفكير الفلسفي في عهد الثورة
- دور الفلسفة في مجتمعنا المعاصر
ولست متأكدة من وجود هذا التذييل في الطبعات الحديثة لأن طبعتي قديمة
من أكثر الفصول التي شدت اهتمامي بين الفلسفة و الأخلاق , يقول ص
205
" و الحق أنه إذا كان كانت الصلة وثيقة بين الفلسفة و الأخلاق , فذلك لأن الإنسان هو الحيوان الناطق الذي يستطيع أن يقاوم دوافعه , ويملك أن يضع غرائزه موضع البحث , ويجد في نفسه من القوة ما يستطيع معه أن يمزج الواقعة بالقيمة . وقد فطن الفلاسفة من قديم الزمن إلى قدرة الإنسان على مراقبة حوافزه , وقمع رغباته , وتأجيل استجاباته , وإعلاء غرائزه أو إبدالها , فقالوا إن الموجود البشري (( حيوان أخلاقي )) يستطيع أن يستبدل بنظام الحاجات الحيوي نظام القيم الأخلاقي . وحينما يقول الفلاسفة عن الموجود البشري إنه (( حيوان أخلاقي )) فإنهم يعنون بذلك أنه المخلوق الوحيد الذي لا يقنع بما هو كائن , بل يحاول دائما" تجاوز الواقع , من أجل الاتجاه نحو (( ما ينبغي أن يكون )) . ولهذا فإن الحياة الإنسانية الصحيحة إنما تتمثل بكل حدتها في شعور الموجود الناطق بذلك التعارض الأليم القائم بين (( الكائن الواقعي )) بنقصه و ضعفه , و(( الكائن المثالي )) بكماله و سموه . ومهما أخضع الإنسان سلوكه لما تقضي به قوانين الجماعة , فإنه لا بد أن يظل شاعرا" بما لديه من نقص . و هذا النقص إنما هو الدليل الأكبر على أن المثل الأعلى لا ينحصر فيما تقدمه لنا الجماعة , او ما يتطلبه منا الرأي العام , بل هو (( حقيقة متعالية )) تتجاوز كل ما نجده في بيئتنا أو واقعنا أو حياتنا العملية "
حسنا" ولكن للأسف لا أخفيكم أني سرحت كثيرا" خلال قراءتي للكتاب , وتخليت عن متابعة الصفحات الأخيرة منه .