‏إظهار الرسائل ذات التسميات فارس يواكيم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فارس يواكيم. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 10 يوليو 2014

جرجي زيدان أول روائي عربي يترجم إلى لغات أجنبية

جرجي زيدان أول روائي عربي يترجم إلى لغات أجنبية

 بقلم فارس يواكيم
في الرابع عشر من تموز 1914 توفي الأديب المتعدد المعارف، والإنسان العصامي الفذّ جرجي زيدان، مؤسس مجلة “الهلال” التي كانت مع المكتبة والمطبعة نواة دار “الهلال”، أضخم دار في العالم العربي لنشر الصحف الأسبوعية. عن جرجي زيدان كتب الكثير، وسيكتب كثيرون بعد. لذلك اخترت الإضاءة على جانب غير مطروق، ألا وهو جرجي زيدان مترجما. بمثل الإعجاب الذي استقبلت مؤلفات زيدان به، لقيت ترجماته نقدا قاسيا في بعض الأحيان. لكن لا يملك الجميع سوى تقدير جهده. قيل في مؤلفاته التاريخية والأدبية إنها غير أكاديمية. وهذا صحيح. لكن المجهود الكبير الذي بذله جرجي زيدان في قراءة المصادر والمراجع، ثم في الصوغ، يستحق التحية، وخصوصا إذا نظرنا إلى عدد مؤلفاته مقارنةً بعدد سنوات عمره. أصدق ما قيل عنه إنه كان يشتغل ست عشرة ساعة في اليوم.
هذا ينطبق على رواياته أيضا. إذا نظرنا إليها بعين النقد المعاصر، يمكن أن نجدها خلطة بين الأحداث التاريخية، واستعراضا للعادات والتقاليد، في قصة حب بسيطة تمشي جنبا إلى جنب مع السرد التاريخي. لكن مزايا زيدان تكمن في أسلوب سرده المشوّق. لم أكن الوحيد المعجب برواياته حين قرأتها في سني الشباب. لكني حين أعدت قراءتها لم أشعر بالملل. تركت الحبكة الدرامية الضعيفة جانبا، واستمتعت بمتابعة الأجواء التاريخية والاجتماعية. ثمـّنت الدور الريادي الذي اداه في مجال تأليف الرواية العربية، ولم أنس أنه كتبها قبل ما يزيد على مئة سنة. في الروايات والمؤلفات التاريخية كان لزيدان ما أراد: أن يصل إلى اكبر عدد من القراء. بلغ مراده ولم يجاره أحد في انتشاره، لا في حياته ولا بعدها.
ترجمات إنكليزية وفرنسية
كان جرجي زيدان أول روائي عربي ترجمت رواياته إلى لغات أجنبية. مرد ذلك ربما لكونه ثاني روائي عربي. سبقه سليم البستاني (ابن المعلم بطرس) الذي اعتمد نهجا تاريخيا في “بدور” و“زنوبيا” و“الهيام في جنون الشام” و“أسماء”، لكن هذه كانت محاولات أولى بسيطة. في حين اكتسبت مؤلفات جرجي زيدان شكلا ينتمي إلى حد كبير إلى فن الرواية في العصر الحديث. مبكرا نُقلت ثلاث من رواياته إلى اللغة التركية، فصدرت “المملوك الشارد” عام 1904 و“العباسة أخت الرشيد” في 1910 و“الانقلاب العثماني” 1911 (ترجمت في عام صدورها في القاهرة الى اللغة العربية، لأن الموضوع يهمّ القراء الأتراك). قبل الروايات، ترجمت الأجزاء الخمسة من “تاريخ التمدن الإسلامي” بين 1902 و1906. وكان المستشرق البريطاني الشهير ديفيد صمويل مارغوليوت ترجم الجزء الرابع إلى الإنكليزية وصدر الكتاب عن منشورات لايدن عام 1907.
كان اهتمام الفرنسيين مشابها، وفي الفترة نفسها تقريبا. صدرت الترجمة الأولى في باريس عام 1912 لرواية “العباسة أخت الرشيد”، أنجزها شارل مولي وقدم لها الكاتب الفرنسي كلود فارير وصدرت عن منشورات “فونتوموان” Fontemoing، بعنوان “العباسة أو أخت الخليفة”. الترجمة الثانية إلى الفرنسية لرواية “الانقلاب العثماني” أنجزها ميشال بيطار وتييري ساندر، وصدرت عن دار “فلاماريون” عام 1924 بعنوان “مشيئة الله”. حديثا ترجم جان ماري لوساج روايتين لزيدان: “صلاح الدين والحشاشون” (عن صلاح الدين الأيوبي ومكائد الحشاشين) وصدرت عن دار “ميديتيرانه”، باريس 2003، ثم “معركة بواتييه” (عن “شارل وعبد الرحمن” وصدرت عن منشورات non lieu باريس، 2011. كما ترجمت نادية رمزي رواية “فتاة القيروان” وصدرت عن دار Alteredit 2005.
كانت “المملوك الشارد” أول رواية عربية منقولة إلى اللغة الألمانية. ترجمها مارتن تيلو (1876 - 1950) وهو قس بروتستانتي تخصص في اللاهوت والدراسات الشرقية. وكان قد طلب من جرجي زيدان الإذن بنشر ترجمته وردّ عليه المؤلف في 6 كانون الثاني 1914 بالرسالة الآتية: “حضرة الفاضل القس تيلو حفظه الله، بعد السلام، أخذت كتابك العزيز الذي تخبرني فيه أنك نقلت روايتي”المملوك الشارد“إلى اللغة الألمانية وتستأذن في نشرها، فأشكر لكم حسن ظنكم في الرواية المذكورة، ولا مانع عندي من نشرها على يدكم في هذه اللغة. واقبلوا جزيل الإحترام. جرجي زيدان”.
ترجم مارتن تيلو الرسالة أيضا، ونشرها مع صورة لجرجي زيدان، موقّعة منه بالعربية والأجنبية. بل تم ذكر ذلك على الغلاف الداخلي للكتاب: “ترجمة مصرّح بها من العربية، مع صورة للمؤلف ولرسالة منه”. صدرت الترجمة الألمانية في كتاب عن دار هوغو كلاين، في مدينة بارمن عام 1917، بعنوان “شرود آخر المماليك”. بعض النسخ القليلة الباقية تباع حاليا بثمن 70 دولاراً للنسخة.
تأريخ شعبي للإسلام
كتب مارتن تيلو مقدمة للترجمة، هذا نصها مترجما عن الألمانية: “جرجي زيدان، أحد كتاب الشرق الأكثر شعبية في العصر الحالي. هو مؤلف هذه الرواية التاريخية المترجمة إلى الألمانية. لبناني الأصل، ولد في بيروت في عائلة مسيحية مارونية*، وتلقى علومه في الكلية اليسوعية في بيروت**. وبسبب توجهاته السياسية الليبيرالية ظفر بحقد السلطان عبد الحميد، فهاجر إلى القاهرة حيث بدأ مسيرته الأدبية الحافلة. وبحسب ما نمي إلى علمي، فهو توفي هناك منذ فترة قريبة عن عمر ناهز الستين***.”
ترجع أهمية جرجي زيدان، بلا شك، إلى كونه أول كاتب في الشرق، جعل معرفة تاريخ الإسلام شعبية. قبله كان تكوين رؤية واضحة عن حقب تاريخ الإسلام المديدة والمعقدة، أمراً يصعب على الكثيرين، بمن فيهم المتعلمون العرب، الذين اقتصرت معرفتهم على المصادر والمراجع العامة، ولم تكن الدراسات وأبحاث المؤرخين الفردية في متناول اليد. وقد أوتي جرجي زيدان الفكرة الذكية التي مكّنته من أن يعرض تاريخ الإسلام من بداياته إلى الزمن المعاصر، بأسلوب بسيط وتصويري، عبر سلسلة من الحكايات، فلنقل: روايات تاريخية. حتى العام 1908 كان قد نشر ست عشرة رواية (إذا توخينا الدقة الصارمة، فبعضها لا ينتمي، في المضمون، إلى تاريخ الإسلام****. وإلى الروايات، أصدر نحو خمسة عشر كتاباً في التاريخ العام، الجغرافيا، تاريخ الأدب والثقافة، فلسفة اللغة العربية وتاريخها. كما نشر مجلة أطلق عليها اسم “الهلال”، توزعت مواضيعها على مجالات المعرفة الإنسانية، وانصبّ الاهتمام بصفة خاصة على تاريخ الإسلام. وقد تجاوز عدد المشتركين فيها عشرة آلاف مشترك.
أن يكون زيدان في معرفته بالتاريخ قد اتكأ على أبحاث الأوروبيين، خصوصا المستشرقين الفرنسيين، فهذا أمر بديهي، وهو ذاته أكـّده في كتبه. أما عن مدى استيعابه مناهج الأبحاث الأوروبية وتبنـّيه إياها، فهذا موضوع بحث خاص، لم يقدم عليه أحد حتى الآن، على حدّ علمي. إلى ذلك، ينبغي التساؤل حول مدى التأييد أو الرفض الذي ناله زيدان من المثقفين الشرقيين، عموما وأفرادا. على أن الحقيقة تفيدنا بأن إنجازه، في مجمله، لقي الاستحسان، ومن المسلمين أيضا. وهو بذلك نال شهرة خاصة، إذ هو لم يحظَ بتقدير أقرانه المسيحيين فحسب، بل وبتأييد المسلمين بدرجة كبيرة. مردّ ذلك إلى كونه الكاتب الذي تدين له دائرة واسعة من القراء في معرفتها بتاريخ الإسلام. ولم تقتصر شهرته لدى المتعلمين الشرقيين من كل الطوائف، بل امتدت لتشمل البسطاء الذين في وسعهم القراءة والكتابة. الجميع قرأ رواياته بمتعة، وقدّرها، بالنظر إلى أسلوب كتابتها. هذا وقد بدا لزاما علينا أن نعرف شيئاً عن أعمال جرجي زيدان، إذا كانت لدينا الرغبة حقا في تكوين رؤية واضحة عن ثقافة الشرق الراهنة.
كان نص هذه الترجمة مهيأً للطباعة عندما اندلعت الحرب. ولم يكن مجديا أن ينتظر المرء نهاية الحرب لكي يشرع في نشر الكتاب. بل على العكس، كان النشر مهما، وخصوصا أن الحرب جعلت العلاقات بيننا والشرق أقوى، وأصبحت دراسة الثقافة الشرقية في ألمانيا موضع تقدير، مع يقيننا بأن تلقيح الشرق بثقافتنا غير ممكن إلا بمعرفتنا الأساسية بثقافته.
لذلك قررت أن أنشر الآن عملي المتواضع هذا، على أمل أن تلقى هذه المساهمة في معرفة الشرق المعاصر، تأييد القراء. وكنت أتمنى أن يتاح لي الوقت وأن تتوفر لديَّ الطاقة لأشتغل على روايات زيدان الأخرى، لكي أعرضها للقراء بصورة مكثفة في كتاب خاص. وكان مثل هذا العرض الموجز كفيلا رسم صورة واضحة عن كيفية تقديم جرجي زيدان تاريخ الإسلام أمام دائرة قرائه العريضة والمتعددة.
أما تسبيق نشر الترجمة الكاملة لهذه الرواية، قبل إنجاز الكتاب الآخر، فمرجعه إلى رغبة خاصة في توفير الفرصة لأعرض دائرة من القراء، لكي تطـّلع بأسلوب مريح وبسيط، على العادات والتقاليد العربية، وعلى نهج التفكير والمشاعر لدى العرب. ولسوف يقرأ الجميع بمتعة، هذه الحكاية الجميلة والمشوقة حتى نهايتها. وبرغم أن زيدان صاغ هذه الرواية بقلم عربي قح، فهو تعلم من منهج الصياغة السردية في الرواية الغربية. إلا أنه ظلّ في نظر الشرقيين، كاتبا مختلفا عن أقرانه، بتحرره من المحاكاة المصطنعة لأساليب الأوروبيين.
بين الروايات التاريخية، لم يكن هناك أفضل من هذه الرواية لكي تـُترجم. وقد ذكر المؤلف نفسه في مقدمة الطبعة الثالثة، 1904، أنها أكثر رواياته رواجا وشعبية، وكتب لي يقول “فضلا عن حق البكر في الحب الخاص”، وأضاف يفيد أن هذه الرواية سوف تتحول إلى مسرحية، وإن لم تنتج بعد، وأنها ترجمت إلى الروسية والإنكليزية والفرنسية، لكنه لا يعرف ما إذا كانت قد نشرت. وهو وافق على نشر ترجمتي لروايته باللغة الألمانية، وأرسل لي رسالة نشرت صورة عنها، وصورة للمؤلف اختارها بنفسه ووقّعها بخطه. هذا وقد نشر في مجلته خبراً عن مشروعي هذا.
خلال الترجمة تقيّدت بالكثير. من جهة، لم يكن في وسعي إلا أن أكون أمينا إزاء النص الأصلي، ذلك أني أقدم للقارئ نصا مترجما، ومن جهة ثانية، كان ينبغي أن أنجح في تقديم نص يتوافق إلى حد ما مع تذوقنا اللغوي. لهذا بذلت المزيد من الجهد لإيجاد المعادل اللغوي لبعض العبارات والمفردات. وسيكون في وسع النقاد أن يقرروا مدى بعدي أم قربي من النص الأصلي. وسيكون حكم النقاد مرهوناً باللطف ما داموا مدركين كم يبعد بعضها عن البعض الآخر طرق التعبير باللغتين العربية والألمانية (كانون الأول 1916).
اهتمام متزايد
في الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام بترجمة روايات زيدان إلى اللغة الإنكليزية، بدعم من “مؤسسة جرجي زيدان” التي أنشأها حفيده، الذي يحمل اسم جده. خمس روايات صدرت، ترجمها أساتذة جامعيون معروفون: “فتح الأندلس” (ترجمة روجر ألن، تشرين الأول 2011) “شارل وعبد الرحمن” (وليم غرانارا، كانون الأول 2011) “العباسة أخت الرشيد” (عيسى بلاطة، شباط 2012) “الأمين والمأمون” (ميشائيل كوبرسون، شباط 2012) “صلاح الدين الأيوبي” (بول ستاركي، نيسان 2012). وكانت ترجمة سماح سليم لرواية “شجرة الدر” نالت جائزة أركنساس للترجمة عام 2011.
مؤلفات جرجي زيدان

¶ روايات “سلسلة تاريخ الإسلام”:
المملوك الشارد (1891)، أسير المتمهدي (1892)، استبداد المماليك 1893، جهاد المحبين 1893، أرمانوسة المصرية 1896، فتاة غسان (جزآن) 98/1897، عذراء قريش 1899، “17 رمضان” (1900)، غادة كربلاء 1901، الحجاج بن يوسف 1902، فتح الأندلس 1903، شارل وعبد الرحمن 1904، أبو مسلم الخرساني 1905، العباسة أخت الرشيد 1906، الأمين والمأمون 1907، عروس فرغانة 1908، أحمد بن طولون 1909، عبد الرحمن الناصر 1910، الانقلاب العثماني 1911، فتاة القيروان 1912، صلاح الدين الأيوبي 1913، شجرة الدر 1914
¶ في التاريخ:

تاريخ الماسونية العام 1889، التاريخ العام 1890، تاريخ اليونان والرومان 1899، تاريخ انكلترا 1899، تاريخ التمدن الإسلامي (5 أجزاء) 1902 – 1906، العرب قبل الإسلام 1907، مصر العثمانية (غير منشور، المخطوطة لدى الجامعة الأميركية في بيروت).
¶ في اللغة والأدب:
الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية، بيروت 1886، تاريخ اللغة العربية باعتبارها كائنا حيا خاضعا لناموس الإرتقاء 1904، تاريخ آداب اللغة العربية (4 أجزاء) 1910 - 1913.
¶ في مجالات أخرى:
مختصر جغرافية مصر 1891، علم الفراسة 1901، طبقات الأمم 1912، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (جزآن) 1907.
¶ في السيرة الذاتية:
“مذكرات جرجي زيدان” نشرها صلاح الدين المنجد، بيروت، 1966.
“المدرسة الكلية”، الجزء الثاني من السيرة الذاتية، نشره نبيه أمين فارس، الجامعة الأميركية بيروت 1967.
مخطوطات: ثمة مخطوطات موجودة لدى الجامعة الأميركية، بيروت، ومن ضمنها رسائل إلى ولده إميل زيدان.

ـــــــــــــــــ
هامش:
* ولد جرجي زيدان في عائلة تنتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس. وهو في القاهرة، امتهن تدريس اللغة العربية لمدة سنة في “المدرسة العبيدية الكبرى” التي أنشأها الأرثوذكسيان روفائيل وحنانيا عبد. تلقى ابرهيم زيدان (أخو جرجي الأصغر) علومه في مدرسة الثلاثة أقمار في بيروت، وحين انتقل إلى القاهرة انضم إلى جمعية القديس جاورجيوس الخيرية الأرثوذكسية وأصبح عضوا في المجلس الملي الأرثوذكسي.
** لم يتلق جرجي زيدان علومه في الجامعة اليسوعية، بل الأميركية، وكانت تدعى أيامذاك “الكلية السورية الإنجيلية”.
*** توفي عن عمر ناهز الثالثة والخمسين.
**** في سلسلة “روايات تاريخ الإسلام” نشر جرجي زيدان اثنتين وعشرين رواية، أولاها “المملوك الشارد” وآخرها “شجرة الدر”. بعضها لا ينتمي إلى التاريخ الإسلامي الصرف، وإن كان يدور على هامشه، مثل “المملوك الشارد”، “استبداد المماليك”، “أسير المتمهدي”، “الإنقلاب العثماني”. أما “جهاد المحبين” ففيها الكثير من تجربته الذاتية، من قصة حبه لمريم مطر التي أصبحت زوجته. وهي الرواية الوحيدة في السلسلة التي تدور حوادثها في عصر كتابتها، ولا خلفية تاريخية لها.

عن جريدة النهار