‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي التاني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي التاني. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 9 يونيو 2013

اطروحة ماكس فيبر ٌالدولة بين الحق والعنفٌ تم بواسطة الطائر الإفريقي

اطروحة ماكس فيبر ٌالدولة بين الحق والعنفٌ",

السياسة


تقديم:
يعتبر حقل السياسة ممارسة جماعية وعمومية، وهي علم تدبير شؤون المجتمع تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات. وتستند السياسة على مبادئ موجهة وعلاقات فعلية. وهنا تطرح الواقعية السياسية مشكلة المعايير التي تتحكم في توجيه العلاقات داخل المجتمع ومشكلة المواقع التي تحدد فعليا تلك العلاقات. وهذا التقابل بين المعايير والعلاقات الفعلية يرجع إلى وجود تصورين في السياسة، تصور مثالي يعتقد بإمكانية بناء نظرية مثالية وتشييد دولة خالية من العنف أساسها العدل والعقل. وهناك تصور عملي ينظر إلى السياسة كممارسة مجردة عن كل قيم العدالة والحق وتقدم تصورا تقنيا للسياسة غايته تحقيق المصالح وامتلاك السلطة والمحافظة عليها. ومن هذه الزاوية يتم التساؤل حول الدولة بوصفها مؤسسة قائمة بالفعل، وفي نفس الوقت تستند على مشروعية تمكنها من تنظيم المجتمع واحتكار العنف وتوجيهه. كما يتيح هذا التناول التفكير في القيم والمعايير التي تؤسس المعايير والعلاقات الاجتماعية.



الدولة


تقديم:


تمثل الدولة تنظيما مستقلا وظيفته تسيير حياة المجتمع وضمان انسجامه وسلامته، ويتجلى هذا التنظيم في عدد المؤسسات الإدارية والقانونية والسياسية والاقتصادية التي تتطابق مع إنتظارات المجتمع ومتطلبات الأفراد. وتعبر الدولة مبدئيا عن مجموع المواطنين وتوحي ضرورة وجود الدولة بأن المجتمع غير قادر على تنظيم نفسه وضمان استمراره، وإذا كانت السلطة ملازمة للمجتمع فلابد من وجود دولة تنظم هذه السلطة وتدبر شؤون المجتمع.


ماهي الدولة ؟ :

إن أول ما يثيره مفهوم الدولة في الذهن هو السلطة والنظام، غير أنه لم يظهر المفهوم الحديث للدولة إلا في القرن السادس عشر، والدولة بهذا المعنى شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي تكفل الأمن وتدير شؤون المجتمع وتسعى إلى تحقيق الحرية والعدالة والمساواة كحقوق طبيعية للمواطنين. فالدولة عموما هي مجموع المؤسسات السياسية والقانونية العسكرية والإدارية والاقتصادية تنظم حياة الأفراد والمجتمع داخل مجال ترابي محدد. ولا تقوم الدولة إلا حين تصبح السلطة مؤسسة قانونية وترتبط بالشأن العام وتنظم العلاقات بين أفراده.
الإشكالية:
ماهي طبيعة الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ وما الأساس الذي تقوم ع ليه الدولة؟ وما الغاية منها؟ وهل تتعارض الدولة مع حرية الأفراد؟
I . مشروعية الدولة وغاياتها:
1 . نظرية الحق الإلهي:
تعد هذه النظرية أقدم نظرية في تفسير أصل الدولة، ويطلق عليه أحيانا حق الملوك المقدس. ومضمون هذه النظرية هو اعتبار الحاكم خليفة لله في الأرض، فهو يحكم باسم الله الذي فوض له السلطة، ولهذا سميت هذه النظرية بنظرية التفويض الإلهي، وبمقتضى هذه النظرية فإن للحاكم الحق في حكم رعاياه حكما مطلقا استبداديا دون أن يكون لأحد الحق في الاعتراض عليه. غير أن هذه الدولة فقدت مشروعيتها التقليدية فاسحة المجال أمام دولة تستمد مشروعيتها من الإرادة الجماعية.
2 . نظرية العقد الاجتماعي:.
بناء على هذه النظرية فإن الدولة لا تستمد أساسها من التعاقد بين الأفراد على تنظيم حياتهم الاجتماعية،ومضمون هذا التعاقد هو أن هولاء الأفراد اتفقوا على أن يتنازل كل وتحد منهم عن بعض حقوقه وأن يعيش مع غيره في ظل سلطة توفق بين مصالح الجميع، وبامتثالهم للقوانين والتشريعات التي تعاقدوا عليها تضمن لهم الدولة العيش في سلام وحرية مدنية، وهذا ما ساهم في بلورة مفهوم دولة الحق.
وإذا كان فلاسفة العقد الاجتماعي قد اتفقوا على إطار قانوني مشترك لمفهوم دولة الحق فقد اختلفوا حول معنى الحرية التي يتمتع بها الفرد في المجتمع ، وفي هذا السياق يعتبر جون لوك أن الدولة حل لضمان الحياة الاجتماعية وأن سلطة الحاكم مقيدة وان مجال عمل الدولة هو المجال العمومي المشترك بينما لا يجب عليه التدخل في المجال الخصوصي للناس اقتصاديا ودينيا. وفي مقابل ذلك يمنح طوماس هوبز صلاحية أوسع وسلطة مطلقة وحق التدخل في جميع المجالات لضمان السلم وحماية الممتلكات، كما أن روسو يعتبر أن أساس الدولة هو العقد الاجتماعي ، ولكنه عقد لا يقوم على القوة والعنف والسلطة المطلقة وإنما يقوم على المشاركة والتعاون والاتحاد، والسيادة للشعب وهذا ما قصده روسو بقوله " عن من يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد" وغايته من ذلك الحد من الحكم المطلق الذي يشكل تهديدا لحرية الفرد. إن دولة الحق هي دولة ديمقراطية تعبر عن الإرادة العامة وبالنظر إليها كمجال يحقق فيه الإنسان بعده الكوني ويحمي حقوقه، وتضمن المصلحة المشتركة. وكل هذا يطرح السؤال: ما هي الغاية من الدولة؟
3 . جون لوك:
يقدر جون لوك بأن الدولة تستمد مشروعيتها من الإرادة الجماعية، وأن غايتها المحافظة على الخيرات المدنية لمواطنيها وتنميتها. ومن مظاهر هذه الخيرات الحق في الحياة والحرية وسلامة البدن وحمايته من كل أشكال الألم والعنف والخوف والترهيب والحق في الملكية. وتتجسد مسؤولية الحاكم في التعبير عن القوة المجتمعية المخولة له من طرف كل الأفراد، وعلى أساس أن يكون عمل الحاكم موافق للقوانين المفروضة على الجميع بالتساوي، كما أن السلطة الممنوحة له مقيدة تقف عند جدود تدبير المجال العمومي ولا تتجاوزه إلى التدخل في الحياة الخاصة للناس.
4 . باروخ اسبينوزا:
ووفق التصور السياسي لاسبينوزا فإن الدولة تستمد مشروعيتها من الإرادة الجماعية للناس وتعاقدهم على تنظيم على تنظيم حياتهم بإخضاع شؤونهم لتوجيهات العقل والامتثال للقوانين، بالتالي ليس من حق الفرد أن يسلك وفق قراره الشخصي أو أن يسلك ضد مشيئة السلطة العليا، كما ليس من حق الدولة أن تسيطر على الناس وتسلبهم حريتهم أو تهضم حقوقهم. تستطيع الدولة المحافظة على مشروعيتها من الغايات التي ستحققها، ومن أسمى هذه الغايات الحرية التي تمثل الغاية الحقيقية من قيام الدولة. فعمل الدولة من خلا كل مؤسساتها هو تحرير الفرد من كل أشكال الخوف والترهيب والقهر والظلم والحفاظ على إنسانية الإنسان وتحقيق آمنه، والشرط في ذلك أن تك ون ممارسة الدولة مقننة بتوجيهات العقل وموافقة للقوانين وتحقيق الحرية والحفاظ على الحقوق الطبيعية للمواطنين. وإن دولة التعاقد كما يتصورها سبينوزا لا تتناقض مع حرية الفرد بل تتكفل بصيانتها.
5 . فريدريك هيجل:
يقيم هيجل تمايزا بين مفهومي المجتمع المدني والدولة،لأن الدولة ليست هي المجتمع بل هي أكثر من ذلك. ويشير إلى أن غاية المجتمع المدني هي تحقيق مصلحة الأفراد الذاتية والمرتبطة بحياتهم اليومية وحماية ممتلكاتهم وحرياتهم الشخصية، في حين أن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية، وإنها إرادة جوهرية وهي تجسيد للمطلق والروح الموضعي والتي تحقق فيها الحرية قيمتها العليا، وإنها الغاية المطلقة والنهائية للوعي الفردي وضمن هذه الدولة يتم التحية بالمصلحة الفردية من أجل المصلحة الكلية، وأن الحرية تتجاوز ما هو فردي لتأخذ طابعا كونيا. إن دولة هيجل هي دولة العقل وهي دولة مستقلة عن وعي الأفراد لأن الدولة فكرة تسمو على الأفراد الذين يعيشون في مجتمع مدني يلبي حاجاتهم ومصالحهم كالأسرة والمدرسة بينما الدولة هي مجال تحقق فكرة أخلاقية وحياة الناس جزء من مسيرة هذه الفكرة.
II. طبيعة السلطة السياسية:
لكي تحق ال دولة الغايات التي تنشدها فلابد من أن تتوفر على جهاز إداري ومؤسسات قانونية وتنظيم عقلاني ، كما أن ممارسة عمل الدولة تحتاج إلى وسائل تقنية وآليات اشتغال للوصول إلى السلطة واحتكار استعمالها.ومادام مجال السياسة هو مجال صراع بين المعايير الأخلاقية والعلاقات الفعلية، فهذا ما يحدد طبيعة السلطة السياسية.
1. مونتسكيو :
إن البنية المؤسساتية للدولة تلعب دورا أساسيا في تحديد طبيعة سلطتها السياسية، وفي هذا الاتجاه يميز مونتسكيو بين ثلاثة أنواع من السلط ويحدد لكل سلطة اختصاصاتها. وأول هذه السلط السلطة التشريعية ومجال اختصاصها تشريع القوانين وتعديلها، وثانيها السلطة التنفيذية المتعلقة بحقوق الناس وتختص بإقرار السلم أو الحرب واستقبال السفراء واستتباب الأمن وصد الاعتداءات، ثالثها السلطة التنفيذية المتعلقة بالحق المدني وتقوم بإصدار الأحكام وحل النزاعات ومعاقبة مرتكبي الجرائم. وهذا التمايز الذي أقامه مونتسكيو بين هذه السلط لا يمنع تكامل اختصاصاتها من أجل تحقيق الحرية السياسية للمواطن وحماية أمنه الخاص وطمأنينة نفسه. وإن الضامن عند مونتسكيو لتحقيق الحرية ومنع الاستبداد هو الفصل بين السلط ومنع اجتماعها بين يدي شخص واحد أو في هيئة واحدة أو في يد الشعب وحده، وإن اجتماع هذه السلط سيجعل الحرية مستحيلة والحكم اعتباطيا والعدالة حلما بعيد المنال، إن الفصل بينها هو الطريق لبناء دولة عادلة وديمقراطية في حين أن الجمع بينها يقود إلى دولة مستبدة وإلى نظام شمولي.

2. جون لوك:
يندرج تصور جون لوك ضمن التصور التعاقدي بحيث أنه ينظر إلى حالة الطبيعة التي عاشها فيها الإنسان قبل ظهور المجتمع أنها كانت تتميز بخاصتين أساسيتين هما الحرية والمساواة. فالناس كانوا يعيشون في ظل الحرية والمساواة المطلقة ولا يحكمهم إلا القانون الفطري الذي يتلخص في أن لكل فرد حقوق في الحياة والحرية والملكية الخاصة، وأنه يجب ألا يتعدى أي فرد على حقوق غيره من الناس أثناء ممارسة حقوقه الشخصية. غير أن الأفراد كثيرا ما يميلون إلى انتهاك هذه الحقوق الطبيعية ويعتدون على ملكية غيرهم، وهذا ما جعل حالة الطبيعة أو الطور الطبيعي يتحول إلى حالة عنف وصراع، وهكذا أصبح من غير الممكن للإنسان أن يمارس حقوقه، الشيء الذي جعله أن ينتقل إلى حالة مجتمع سياسي مدني والتضامن مع غيره من الأفراد من أجل تكوين مجتمع منظم وقيام دولة تحمي حقوق الأفراد الطبيعية من كل اعتداء. وبالتالي فإن الدول ة هي حل لضمان الحياة الاجتماعية وطبيعة السلطة السياسية ناتجة عن التعاقد على تأليف هيئة سياسية واحدة والالتزام لقرارات الأكثرية والقوانين والتشريعات المتعاقد عليها.
3. ألن تورين :
في إطار نقده للحداثة في بعدها السياسي قد ركز ألان تورين على البحث في طبيعة وأسس السلطة السياسية موظفا عُدة مفاهيمية قوامها الديمقراطية والحرية والمواطنة وحقوق الإنسان، وذلك بالنظر إليها كمبادئ ومعايير للتمييز بين أنواع من الدول وأشكال ممارستها للسلطة السياسية. وفي هذا السياق دافع على النموذج الديمقراطي الذي يتمثل في احترام السلطة السياسية للحقوق الإنسان في أبعادها المدنية والثقافية والاجتماعية. ومن تتجلى مركزية فكرة حقوق الإنسان في الدولة الديمقراطية والتي تهدف ضرب السلطة التقليدية والاحتماء من نموذج السلطة السياسية الحديثة التي تضيق المجال المعرضة والمبادرة. وإن انخراط السلطة السياسية الديمقراطية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان جعلها تصارع على جبهتين، فمن ناحية تصارع ضد السلطة السياسية المطلقة الاستبدادية والكليانية كما أنها من جهة أخرى تعمل على وضع حدود للتصور الفرداني المطلق. وكنتيجة لهذا الصراع فإن النموذج الديمقراطي ينبن ي على مبادئ الحرية والوعي بالحقوق الشخصية والحقوق الجماعية والقدرة على تدبير الاختلاف والتعدد والاعتراف بتعدد المصالح والأفكار. وعليه فإن طبيعة السلطة السياسية الديمقراطية تتحدد في الاعتراف بالحقوق الأساسية والشرعية المبنية على التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم بالإضافة إلى المواطنة أو الانتماء إلى المجتمع على أساس الحقوق.
III. الدولة بين الحق والعنف:
حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا تأسست هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
يتمثل العنف في كل العلاقات الفعلية والممارسات التي تتخذ من القوة وسيلة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، أوهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق. في حين يتمثل الحق في القواعد الأخلاقية والقانونية المشروعة. وتبين من خلال ذلك التناقض بين الحق الذي يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين يمارس العنف ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم. فما الذي يضمن للدولة وجودها؟
1. ماكس فيبر:
من منظور ماكس فيبر إن الدولة سواء كانت تقليدية أو حديثة، ديمقراطية أو استبدادية لا يمكنها أن تستغني عن العنف الذي لجأت له كل التجمعات السياسية، وإن وظيفة الدولة الأساسية هي ممارسة العنف واحتكار استعماله وتنظيمه بقوانين وإجراءات ولهذا فالدولة هي المخولة باستعماله وبتفويض من يستعمله. وإن سلطة الدولة هي علاقة هيمنة وسيادة الإنسان على الإنسان مبنية على العنف المادي المشروع. فلكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها فإنها تلجأ بالإضافة على الوسائل القانونية إلى العنف المادي الذي تحتكره. والأطروحة المركزية لماكس فيبر هي أن الدولة تتأسس على العنف وأن اختفاء العنف هو اختفاء للدولة، وباختفاء هذه الأخيرة تعم الفوضى بين مختلف المكونات الاجتماعية. وبالتالي لا توجد إلا بالعنف ولا تقبل التعريف إلا بالعنف الذي هو وسيلتها الخاصة والعادية لممارسة السلطة. والسؤال الذي تثيره أطروحة ماكس فيبر : هل يوجد عنف مشروع؟ وهل يمكن تبرير استعمال الد ولة للعنف إلى حد جعله حق من الحقوق التي تتمتع بها الدولة؟ فرغم كل ما يمكن تقديمه من تبريرات للعنف الصادر عن الدولة، سواء كانت هذه التبريرات سياسية أو قانونية أو اجتماعية فإن العنف يبقى دائما بدون شرعية لأنه يوجد خارج العقل وأن دولة الحق تتعارض مع دولة العنف.
2. بول ريكور :
إذا كان ماكس فيبر يربط وجود الدولة بنوع خاص من العنف يسميه العنف المشروع، وهو عنف تحتكره الدولة وتخول لنفسها ممارسته بشكل شرعي وقانوني لحماية النظام العام، فإن بول ريكور يميل إلى ربط الدولة بالسلطة عوض عن العنف المشروع ،لأن فكرة السلطة لا تختزل إلى مجرد فكرة العنف كما أن منح الدولة امتياز العنف لا يعني تعريفها انطلاقا منه وإنما تعريفها انطلاقا من السلطة. والفارق بينهما هو أن العنف يحيل على استعمال القوة لإخضاع الآخرين، بينما تدل السلطة على الإمكانية والقدرة التي يتوفر عليها فرد أو جماعة فتمارس تأثيرها على الآخرين وتوجه تصرفاتهم بدون إكراه أو قوة. ولهذا فإن بول ريكور يضفي على الدولة طابعا مزدوجا عقلانيا وتاريخيا، ويتجلى الطابع المعقول للدولة في وظيفتها التربوية بحيث أن دولة الحق تشرع قواعد تراقب بها عمل الحكومة وتحد من عشوائيتها مع حرصها الشديد على تربية الجميع على الحرية على طريق المناقشة. ويمثل الطابع التاريخي الوجه الآخر للدولة من حيث كونها قوة وسلطة وليست عنفا.
3. جاكلين روس :
ضدا على أطروحة شرعنة العنف وتبريره فإن جاكلين روس تعتبر دولة الحق تتمسك بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. وتمثل دولة الحق نموذجا للدولة المعاصرة والتي حددتها بقولها " إنها دولة فيها حق وقانون يخضعان معا لمبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف" فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة مما يجعلها عملية إبداع دائم للحرية وفضاء لاحترام الشخص ومعاملته كغاية لا كوسيلة واعتباره معيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها. إن دولة الحق لا تقوم على العنف ولا تشرعن القوة ولا تسمح بمصادرة الحرية، وإنما هي دولة يخضع عملها لقواعد سليمة وصريحة وتتشبث بالقانون والحق واحترام الحريات وتفصل بين السلط باعتباره الآلية الفعالة لحماية الحقوق ومنع العنف.
← إن مشروعية العنف وتبرير ممارسته واحتكاره من طرف الدولة تواجه عدة صعوبات تعود إلى طبيعة العنف والآثار التي يمكن أن تترتب عنه، ورغم ما يمكن تقديمه من تبريرات للعنف الصادر عن الدولة سواء كانت هذه التبريرات سياسية أو قانونية، فإن العنف يبقى دائما بدون مشروعية لأنه يوجد خارج نطاق العقل. ولهذا يبغي فهم بنية العنف ومواجهته بخطاب عقلي متماسك و يؤسس اللاعنف ويثبته.

اوجه المقاربة والالتقاء بين النظرية الوظيفية والنظرية الماركسية

اولا: لويس كوزر :
خصص لويس كوزر مؤلفه الشهير بعنوان " وظائف الصراع الاجتماعي" لتقديم عرض منظم لمجموعة من القضاياالتي تمثل الالتقاء بين افكار النظرية الوظيفية وافكار النظرية الماركسية, كان هدف العالم لويس كوزر هو التدليل على الدور الايجابي للصراع والذي يتمثل في دعم البناء الاجتماعي للجماعات والمجتمعات وتحقيق التوافق والتكيف للعلاقات الاجتماعية.
يرى العالم لويس كوزر ان الصراعات الداخلية المرتبطة بالاهداف او القيم او المضالح والتي لاتتعارض مع الافتراضات الرئيسية التي ترتكز عليها العلاقات الجماعية تكون عادة ذات وظائف ايجابية بالنسبة لبناء الجماعة فهذه الصراعات تجعل من الممكن تحقيق اعادة التوافق والتكيف للمعايير والقوى الاجتماعية داخل الجماعة في ضوء الحاجات التي يستشعرها اعضاء هذه الجماعة الفرعية. وفي الوقته ذاته حينما يقل الارتباط بين اعضاء الجماعة حول القيم الاساسية التي تستند اليها شرعية النسق الاجتماعي فان ذلك يشكل احد مصادر تهديد بناء الجماعة.
يرى العالم لويس كوزر ايضا انه كلما كانت الجماعات اشد تماسكا اشتدت مظاهر الصراع, والجماعات التي يقل فيها التفاعل يكون الصراع الداخلي اقل قدرة على احداث التفكك, اذا يقول كوزر ان التنوع والتباين في انماط الصراع يرتبط ارتباطا عكسيا بشدة هذه الصراعات وحدتها.
يرى كوزر ان هناك نموذجان اساسيان للصراع هما الصراع الواقعي والصراع غير الواقعي, فالصراع الواقعي يعبر عن صراعات تنشا عن احباطات لمطالب او علاقات معينة داخل الجماعة او عدم قدرة على تقدير الاهداف او الغايات, وهذا النوع من الصراعات يمثل وسيلة لتحقيق بعض النتائج او الاهداف ومن ثم يمكن ان تحل محله انماط بديلة للتفاعل.
اما الصراع غير الواقعي فهو لايكون وسيلة لانجاز اية اهداف.

ثانيا: جون ركس:
تعتبر دراسة جون ركس التي اصدرها تحت عنوان الصراع الاجتماعي, حيث بدا بتحليل الصراعات البسيطة ذات الجانبين ثم صراعات السوق والتبادل ثم الصراعات الجماعية وانماط المعارضة داخل النسق الاجتماعي واخيرا يناقش مستويات الصراع القومية والعرقية والطبقية.
حيثان العالم جون ركس يريد ان يصل الى تقديم نوذج لتحليل الصراع يصلح كمدخل من مداخل الدراسة في علم الاجتماع وايضا الى تعديل وجهات النظر الحتمية الطوبائية التي تعالج قضية الصراع بوصفها قضية محورية في النظرية السوسيولوجية.
من وجهة نظري ومن خلال ماسبق نجد ان تاركت بارسونز يرى ان النظام هو القضية الرئيسية ونجد ان العالم ركس يحاول ان يعيد صياغة نظرية الصراع منطلقا من مفهوم القوة الذي يعتقد انه يلغب دورا هاما في الحياة الاجتماعية.
لكي يوضح جون ركس وجهة نظرة نجده يتناول الصراعات التي تعكسها علاقات التبادل و ان هذه النظرية لاتعني ان يتحول المجتمع الى حرب دائمة بين اعضائه وجماعاته ولكنها تفترض وجود ارتباط وتساند بين جوانب النظام الاجتماعي ومن ثم فان الصراع الذي يشهده احد جوانب المجتمع يدعمه صراع في جانب اخر وهكذا.
يرى جون ركس انه يمكن تطييق نظريته على مستويات مختلفة فمن الممكن استخادامها في دراسة العلاقات الفردية الثنائية والعلاقات الكبرى بين التجمعات والمنظمات مثل الطبقات والامم وتمثل العلاقات الاولى ابسط حالات الصراع الاجتماعي وفي هذه الحالات غالبا ما يدور الاهتمام حول العلاقات السخصية المتبادلة.ويحاول ايضا جون ركس يحاول ان يعالج الصراعات الثنائية بين الافراد في المنظمات, وفي الزواج.
حدد جون ركس مجموعة من المتغيرات التي يمكن ان تكون محورا للاهتمام عند اجراء تحليل يستندالى نظرة الصراع والوحدات الاساسية للصراع تضم :
 الصراع الثنائي ( العلاقات بين الافراد ).
 الصراعات الجماعية التي تحددها عمليات السوق.
 الصراع بين الجماعات الكبرى مثل الدول والامم والمجتمعات التعددية.
 الصراع و الانساق الاجتماعية.
ويعتقد جون ركس ان نموذجه يتسم بالشمول والمرونة وانه يصلح بديلا للنظرية الوظيفية التي عجزت عن تفسير توازن القوى.

ثالثا: دافيد لوكوود:
قدم لوكوود دراسات تناولت تحليل بعض المتغيرات المرتبطة بالصراع والطبقات في المجتمع الحديث وكذلك القيم والصراع.
يقول لوكوود ان بارسونز صنع تصورا روائيا للعالم الاجتماعي وذلك بافتراضه الدائم ولاغراض تحليلة ان النظم موجودة في حالة توازن.
لذا فان لووكود يرى انه لامفر من ان يؤكد التحليل على الاليات التي تصون وتحافظ على النظام الاجتماعي اكثر من اهتمامه بتلك الاليات التي تسبب نظاميا الفوضى والتغيير.
كما يرى انه حتى بافتراض التوازن في النظم الا انه يوجد ظواهر سائدة ومنتشرة تعكس عدم الاستقرار والفوضى والصراع والانحراف.
ويقول لوكوود انه لابد من وجود اليات في المجتمعات تجعل الصراع حتميا لامفر منه وعنيفا كذلك في نفس الوقت.
وحيث تمثل هذه القوى اليات الصراع الاجتماعي والتي لابد وان تكون هامة من الناحية التحليلية بهدف فهم وتحليل الانساق والمنظومات الاجتماعية مثل اليات بارسونز الخاصة بالتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي.
من خلال هذا سوف نعرض لدراسة لوكود المعنونة بـــ "صغار الموظفين" حاول ان يكشف عن الارتباط بين الجانبين الواقعي او الموضوعي والجانب الذاتي للطبقة, ولقد كشفت دراست لوكوود عن ان الظروف المحيطة بعمل صغار الموظفين تكشف عن فروق جوهرية عن تلك الظروف التي يعيشها العامل اليدويون وهذا التباين في الظروف هو الذي يمنح صغار الموظفين مبررا لتطوير اتجاهات وادراكات مختلفة للبناء الاجتماعي ولموقعهم او مكانتهم داخل هذا البناء.
حيث يرى لوكود ان يعتبر وعيهم هذا وعيا زائفا طالما انه يرجع الى ظروف موضوعية يعيشها هؤلاء الموظفون مختلفة عن الظروف التي يعيشها العمال.

 سعيد الزهراني  http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=221

السبت، 3 نوفمبر 2012

word et ses techniques

1-Edition – Sélection 


Pour sélectionner :
Un texte : Faites glisser la souris sur le texte. 

Pour sélectionner :
Un mot : Double-cliquez sur le mot. 

Pour sélectionner :
Une ligne de texte : Déplacez le pointeur vers la gauche de la ligne jusqu'à ce qu'il change de direction, puis cliquez.


Pour sélectionner :
Un paragraphe : Déplacez le pointeur vers la gauche du paragraphe jusqu'à ce qu'il change de direction, puis double-cliquez, ou bien triple cliquez n'importe où dans le paragraphe. 

Pour sélectionner :
Plusieurs paragraphes : Déplacez le pointeur vers la gauche des paragraphes jusqu'à ce qu'il change de direction, puis double-cliquez et faites-le glisser vers le haut ou vers le bas. 




2-Copier – Couper - Coller - Supprimer 


1- Ouvrir un nouveau document et saisir le texte suivant (respectez les sauts de ligne):

Texte 1 : Le menu Fichier regroupe les actions de gestion des fichiers : ouverture, enregistrement, fermeture, envoi vers des destinations différentes (Web, écran, imprimante, d'autres logiciels,..) et la commande de fermeture du logiciel..

Texte 2 : Le menu Édition regroupe les actions qui concernent la manipulation des textes écrits et des objets insérés dans le document.

Texte 3 : Section informatique – Promo 2003-2004

Texte 4 : Rabat

Résultat 1 : Copier – Coller

Résultat 2 : Copier – Copier – Coller
Résultat 3 : Couper – Coller

Résultat 4 : Copier – Effacer (supprimer) – Coller

2- Sélectionner le paragraphe "Texte1" et copier le (Edition –copier).
3- Placer le curseur sur la ligne qui suit "Résultat1" et Coller (Edition – coller).
4- Que remarquez-vous?
5- Sélectionner le paragraphe " Texte1" et copier le (Edition –copier).
6- Sélectionner le paragraphe "Texte2" et copier le (Edition –copier).
7- Placer le curseur sur la ligne qui suit "Résultat2" et Coller (Edition – coller).
8- Que remarquez-vous?
9- Sélectionner le paragraphe " Texte3" et couper le (Edition –couper).
10- Placer le curseur sur la ligne qui suit "Résultat3" et Coller (Edition – coller).
11- Que remarquez-vous?
12- Sélectionner le paragraphe " Texte3" et copier le (Edition –copier).
Sélectionner le paragraphe " Texte4" et effacer le (Edition –
effacer - contenu)

1 – Insérer une image clip art

Exécuter Insertion – Image –Images Clip art…

1. Ouvrir un nouveau document Word et copier le paragraphe suivant: 

LE MOT «informatique» a été proposé en 1962 par Philippe Dreyfus pour caractériser le traitement automatique de l’information. Ce terme a été accepté par l’Académie française en avril 1966, avec la définition suivante: «Science du traitement rationnel, notamment par machines automatiques, de l’information considérée comme le support des connaissances humaines et des communications dans les domaines techniques, économiques et sociaux.»

2. Placer le curseur à la fin du document et exécuter Insertion – Image –Images Clip art.
3. Ouvrir la bibliothèque multimédia et choisir une collection parmi les collections office. Ouvrir la collection "Animaux" (par exemple) et sélectionner une image parmi celles qui sont proposées. Copier cette image et insérer la dans le document de travail.
4. Sélectionner l'image collée . La barre d'outils image s'affiche (si ce n'est pas le cas, afficher la en exécutant Affichage – barres d'outils – Image.
5. Assurer vous que l'habillage du texte est mis sur "Aligné sur le texte".
6. Déplacer l'image à l'intérieur du texte et observer la disposition du texte par rapport à l'image.
7. Etudier les différentes autres façons d'habiller une image par le texte (c'est-à-dire disposer le texte autour de l'image).(carré – rapproché – derrière le texte – devant le texte – haut et bas – au travers).
8. Explorer les outils de la barre d'outils image suivants:
a. Faire pivoter à gauche
b. Style de trait
c. Luminosité
d. Contraste
e. Couleur

2 – Insérer une image à partir du fichier

Exécuter Insertion – Image –à partir du fichier

9. Aller au début du document, insérer une nouvelle page et coller le paragraphe "Le MOT.." en haut de la page.
10. Sauter une ligne et exécuter Insertion – Image – A partir du fichier.
11. Aller dans le répertoire TP008, sélectionner l'image TP08Image1 et cliquer sur insérer.

Tout ce qui a été fait sur les images clip art peut l'être sur les images insérées à partir d'un fichier (habillage, application des outils,…)

12. Appliquer l'outil rogner de la barre d'outils image pour ne garder de l'image insérée que la souris.

LES TABLEAUX

1 – Insérer un tableau

Exécuter Tableau - Insérer – Tableau

13. Ouvrir un nouveau document .
14. Exécuter : Tableau - Insérer – Tableau
15. Choir 5 comme nombre de lignes et 4 comme nombre de colonnes.
16. Remplir les cases par les donnée suivantes:

AAA BBB CCC DDD
123 456 789 987
Classe a 12,5 13 14
Classe b 14 12,5 13
Classe c 13 14 12,5

2 – Insérer et suppression des colonnes

Exécuter Tableau - Insérer (Supprimer) – Colonne…

17. Positionner le curseur à l'intérieur de la case contenant "AAA"
18. Exécuter : Tableau - Insérer – Colonne à gauche
19. Exécuter : Tableau – Supprimer – Colonnes
20.
21. Positionner le curseur à l'intérieur de la case contenant "DDD"
22. Exécuter : Tableau - Insérer – Colonne à droite
23. Exécuter : Tableau – Supprimer – Colonnes

24. Positionner le curseur à l'intérieur de la case contenant "BBB" et faire les mêmes opérations.

3 – Insérer et suppression des lignes

Exécuter Tableau – Insérer(Supprimer) – Lignes…

25. Suivre le même raisonnement qu'en 5-6-7-*8-9-10-11-12 en travaillant avec les lignes au lieu des colonnes.

4 – Insérer et supprimer des cellules

Exécuter Tableau – Insérer(Supprimer) – Cellules

26. Positionner le curseur à l'intérieur de la case contenant "Classe a"
27. Exécuter : Tableau - Insérer – Cellules – Choisir décaler les cellules vers la droite.
28. Observer le résultat et annuler l'opération (Edition – Annuler ).
29. Exécuter : Tableau - Insérer – Cellules – Choisir décaler les cellules vers le bas.
30. Observer le résultat et annuler l'opération (Edition – Annuler ).
31. Exécuter : Tableau - Insérer – Cellules – Choisir Insérer ligne entière.
32. Observer le résultat et annuler l'opération (Edition – Annuler ).
33. Exécuter : Tableau - Insérer – Cellules – Choisir insérer colonne entière.
34. Observer le résultat et annuler l'opération (Edition – Annuler ).

23. Faire la suppression des cellules la même étude que celle faite pour l'insertion (tableau – Supprimer – cellules). 

5 – Sélectionner des éléments du tableau

Exécuter Tableau – Sélectionner – …

35. Exécuter : Tableau – Sélectionner et s'exercer à sélectionner des des lignes, des colonnes, des cellules et le tableau tout entier.

6 – Fusionner et fractionner des cellules

Exécuter Tableau – Fusionner (fractionner) les cellules

36. Sélectionner les cellules contenant "123" et "456".
37. Exécuter : Tableau – Fusionner les cellules
38. Observer le résultat.
39. Sélectionner la cellule fusionnée.
40. Exécuter : Tableau – Fractionner les cellules
41. Choisir Nbre col = 2 et Nbr lig = 1 et OK.
42. Observer le résultat.

الموجز في النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة

د
الموجز في النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة 
الجزء الأول 
مقدمة 
ليست النظرية من كماليات البحث العلمي بقدر ما هي ضرورة ملحة للباحث الاجتماعي، لذا فالدعوة إلى التخلي عنها أو التقليل من أهميتها يجب مواجهتها بالرفض التام حتى لا يُحرَم الباحث من الأرضية الرئيسية لتأسيس علمه، إذ أنه بدون نظرية تمثل رصيدا لأي علم فلا وجود لأي أساس للعلم. إذن أهمية النظرية تكمن في أننا نقرأها لا لنفهمها ونطورها فحسب بل لأن النظرية تمثل نمطا لبناء المعرفة العلمية وضرورة لكل ملاحظاتنا، إنها الشرط الضروري لانطلاق التفسير والتحليل حتى وإن كانت غير كافية حينا لإحداث قطيعة تامة مع التفسيرات غير العلمية. فلماذا الاهتمام بالنظرية؟ 
يرى العلماء أن التقدم العلمي لا يمكن أن يتم إلا إذا أُنجز على مستوى نظري، بيد أن المعرفة العلمية ليست مجرد تراكم للمعارف، ذلك أن صياغة النظريات العلمية وتصوراتها وتنظيماتها إنما تتحكم فيها مجموعة من الفرضيات والمفاهيم التي يسميها،، توماس كوهين ( Thomas Kuhn )في كتابه الشهير عن " بنية الثورات العلمية "،، بـ " الشكل التحليلي " ؛ هذا المفهوم الذي لم تحظ ترجمته بالرضى لدى الباحثين العرب. وفي واقع الأمر فإن التقدم في البحث العلمي والتنظير ليس مسالة متوازية المسير بل متلازمة. فالتقدم العلمي لا يتمثل بمجرد تجميع للحقائق فحسب بل هو عملية تبرز في التغيير النوعي في بنية الأنساق النظرية. فإذا كان هدفنا هو الوصول إلى خلاصات هامة تتجاوز ما هو متعارف عليه فلا يمكن تحقيق ذلك من الاعتماد على الجانب الامبريقي دون ضبط للجانب التنظيري وإلا باتت بنية الأنساق النظرية جامدة وفقيرة مثلما هو الحال في علم الاجتماع الأمريكي الذي يفتقد إلى الأسس النظرية في تفسير الظواهر الاجتماعية أو الربط بين خيوط الظاهرة. 
يشير عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز ( T.Parsons ) إلى النظرية من حيث وظيفتها أيضا في البحث العلمي: " فالنظرية لا تصبح فقط ما نعرفه ولكنها تقول لنا أيضا ما نود معرفته، أي أنها تمدنا بالأسئلة التي تبحث لها عن الإجابة ". إذن النظرية لها قدرة فسيحة على التعامل مع الأشياء. 
لو انطلقنا من بناء البحث العلمي لاستطعنا القول أنه ينطلق من جملة من المعلومات التي تتخللها إشكاليات ما وتتجه إلى صياغة ابستيمولوجية ( معرفية ) للمشكلات المثارة، ومن هذه المشكلات ننتقل بعد ذلك إلى رصيد من الفرضيات التي تكوِّن القاعدة لكل عملية تنظير. ومن الواضح أن الوصول إلى مرحلة التنظير مسألة تستدعي المرور بعدة مراحل، فالبحث العلمي ما بين المعطيات الامبيريقية والسير نحو التنظير لا بد له من التوقف عند اقتراح الفرضيات العلمية مقابل استبعاد الفرضيات غير العلمية حتى يتسنى له الاقتراب من الاشكاليات. 
ولكن ما أن نصل إلى النظرية حتى نكون أمام جدول متناسق من الحقائق المعروفة، وبهذا المحتوى والوضوح للنظرية نستطيع أن نتبيَّن كيف تم تنظيم وبناء تلك الحقائق، كما أن النظرية تفسر هذا البناء المعرفي وتمدنا بنقاط مرجعية تسهل علينا الانطلاق في البحث عن بنىً معرفية جديدة وحقائق جديدة. 
في هذه الوثيقة المرجعية التي تتكون من جزأين سوف نتحدث عن بعض من أشهر رواد النظرية الاجتماعية بشقيها التقليدي والحديث، فما هي النظرية الاجتماعية؟ 
- بصفة عامة يمكن القول أن النظرية السوسيولوجية هي كل محاولة فكرية تفسر جانبا من الحياة الاجتماعية، فالنظرية السوسيولوجية في هذا الجانب يمكن اعتبارها امتدادا لما يسمى بالفكر الاجتماعي الذي ترجع جذوره إلى المفكرين والفلاسفة القدماء. وعندما نتساءل عن النظرية السوسيولوجية فالشيئ الذي يميزها عن المفاهيم هو أنها قادرة على أن توفر لنا نوعا من التفسير لملمح من ملامح الحياة الاجتماعية أو ظاهرة من الظواهر. 
- ولكن هناك رؤية مختلفة، إذ يرى البعض أن النظرية الاجتماعية ليست سوى مجموعة من الفرضيات القادرة على الصمود في ساحة البحث الاجتماعي الميداني. وبمعنى من المعاني فالنظرية ليست إطارا نظريا يساعد على التفسير إنما يمكن تطبيقها على الساحة والحياة الاجتماعية، وبالتالي فهي عبارة عن مجرد فرضية مُعَدَّةٌ للاختبار. 
- وفعليا ثمة الكثير من النظريات المعاصرة في علم الاجتماع ليست أكثر من مجموعة أفكار غير متماسكة، أي أنها ليست مجموعة منظمة من الفرضيات التي يمكن اختبارها. 
- بهذا المعنى الذي يتحدث عن النظرية الاجتماعية بوصفها تفسيرية لأحد مناحي الحياة الاجتماعية أو مجرد فرضية قابلة للاختبار ميدانيا لن يكون أمامنا إلا التسليم بغياب النظرية الاجتماعية، وما النظريات الشائعة إلا مجموعة من الأفكار لم تصل بعد إلى مستوى النظرية. 
- أخيرا فإذا كانت النظرية بوصفها حصيلة لتعميم يستوحيه الباحث الاجتماعي من حقائق معروفة تمثل بطريقة حاسمة وكاملة قدر الامكان مجموعة من القوانين والفرضيات المختبرة إمبيريقيا فإن أحسن النظريات السوسيولوجية هي تلك التي تمدنا بأحسن أداة للتعامل مع واقع اجتماعي معين. 
وفي علم الاجتماع المعاصر ثمة نوعين من النظريات: 
- النظريات الكبرى، ومثالها النظرية الماركسية ذات الطرح الشمولي أو التحليل الماكرو سوسيولوجي. 
- ولكن هناك تصنيفات أخرى للنظرية الاجتماعية على أساس نظريات البنية ( النظريات البنيوية الأنثروبولوجية والاجتماعية ) أو نظريات الفعل كالنظرية التفهمية لـ ماكس فيبر.
الجزء الأول: 
النظرية الاجتماعية التقليدية 
الوضعية 1 - 
سان سيمون S. Simon 
( 1825 - 1760 ) 
المقاربة الوضعية هي منهجية تحليله تقوم على استبعاد لأنماط الفكر والتحليل اللاهوتي ( الديني ) والميتافزيقي ( التجريدي = الطبيعة ) من أي تحليل مقترحة بديلا عنهما الإنسان الذي بات يتمتع بقيمة مركزية في الكون، بهذا المضمون سنكون على إطلالة لمعادلة جديدة تحكم سير الحياة الاجتماعية برمتها على النحو التالي:
الظاهرة الظاهرة الظاهرة 
مرجع لاهوتي مرجع ميتافزيقي مرجع إنساني / الوضعية 
الدين الطبيعة = التجريد العقل 
هذه المعادلة التي ستمثل لدى أوجست كونت المراحل التي مرت به الإنسانية ومصدر قانون الحالات الثلاث تبين لنا أن الإنسان لم يكن موضع ترحيب في المرحلتين السابقتين , إذ أن الإنسان عجز عن أن يجد له موقع او مكانة فيما مضى لذا فقد استبعد من أي تحليل للظواهر مفسحا المجال أمام القوى الدينية أو قو ى الطبيعة. وبما انه لم يكن للإنسان أية قيمة فلم تكن أيضا للمجتمع آية قيمة, ولهذا تطورت الوضعية العلمية التي تناولت ظواهر طبيعية بينما لم تتطور ذات الوضعية حينما كانت تتناول ظواهر متعلقة بالإنسان والمجتمع , وسنرى كيف وضع أوجست كونت حدا لهذه الازدواجية في التفكير والتي يسميها الفوضى العقلية التي تسببت في ثلاث ثورات برجوازية وقعت في أعقاب الثورة الفرنسية 1789 حتى سنة 1848، ولكن قبل الوصول إلى أوجست كونت علينا العودة الي جذور الوضعية لدى أستاذ كونت وهو المفكر سان سيمون. 
عاش سان سيمون في نظام إقطاعي سليلا لأسرة أرستقراطية، ويحمل لقبا اجتماعيا هو الكونت وكان ضابطا برتبة ملازم أول لما كانت فرنسا تخوض حربا ضد الإنجليز في شمال القارة الامريكية، وقد نضج فكره حلال الثورة الفرنسية التي كانت بمثابة ثورة على النظام الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا عامة وفرنسا خاصة وثورة على النظام المعرفي التقليدي السائد في فرنسا وثورة على النظام السياسي الملكي. 
بداية المقاربة الوضعية: 
بدأت المقاربة الوضعية في مرحلة الفكر الموسوعي الذي عرفه في القرن 18 واتخذت عند سان سيمون طابعا تطبيقيا عمليا وليس نظريا مثلما كان سائدا في المرحلة التجريدية أي العلم النظري المجرد، ففي القرن 18 طور الفكر الموسوعي آليات تحليل جديدة تقوم على الترابط بين المعرفة والواقع الإنساني لذا سيمثل هذا الفكر مرجعية سان سيمون. فمن أين البداية إن لم تكن من المقاربة الوضعية للدين؟ 
أ‌. تعريف سان سيمون للدين: 
في كتابة الشهير ( المسيحية الجديدة ) يعرف الدين بأنه: 
"جملة تطبيقات العلم العام التي يمكن بواسطتها أن يحكم الرجال المستنيرون غيرهم من الجهلة ". 
بهذا المضمون فان الديانة عند سان سيمون هي أداة مدنية للحكم المستنير لغير المستنيرين. وبما أن الدين يلعب دورا في التربية لذا فان التربية هي العنصر الذي يساعد على توطيد المشاعر الديموقراطية وتحقيق القيم الأساسية. 
مفهومي " السياسة " و " الديموقراطية = الحرية " 
· السياسة هي علم الانتاج. 
· الحرية هي نبذ الميز العرقي والثقافي والسياسي. 
فما الذي يحدث عندما يلتقي المفهومان؟ سنلاحظ تغييرا في مفهوم الأمة. وإذا أعطينا هذين المفهومين مدلولا وضعيا وتصورا موضوعيا ( أي محاكمة المفهومين وتحليلهما علميا وليس دينيا ولا تجريديا ). فالذي سيحدث أن أمة جديدة ستنبثق.هذه الأمة متحررة من الميز الديني والانغلاق مثلما ستكون متحررة من تبعات الإقطاعية. ومثل هذه الامة الجديدة يسميها سان سيمون بـ " الأمة العاملة ". 
استنتاج أولى: 
من الملاحظ أن تغير القاعدة المعرفية تسبب في تغير النتائج. فلو نظرنا إلى المفهومين في المراحل السابقة على الوضعية فلا يمكن الحديث عن أمة عاملة بالمعنى السان سيموني لان السياسة كانت حكرا على طبقة معينة ولان المجتمع ليس حرا ولا يتمتع بأية عدالة , ومثل هذه السياسة والعبودية كانتا تجدان لهما شرعية ذات طابع ديني او طبيعي. بيد أن الوضعية بوصفها استعمال للعقل ورفع من مكانة الإنسان قدمت السياسة كأداة حيوية في تنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونقلت الأمة من طور الخمول والكسل الي طور العقل والإنتاج ووضعت الجميع على قدم المساواة واصبح الإنسان سيد نفسه حرا من ا ي تمييز عرقي او ثقافي او سياسي. 
هكذا فالانتقال من المرحلة الإقطاعية اللاهوتية الى المرحلة الصناعية العلمية هو انتقال من ساحة العلم النظري الي ساحة العلم التطبيقي العملي. فالوضعية تأبى الاعتراف بفواصل مابين النظري والعملي إذ ثمة ترابط بين المعرفة والواقع الا نساني. 
المواطنة والعدالة الاجتماعية: 
يربط سان سيمون بين مفهوم المواطنة الذي جلبه معه من أمريكا حيث كان يقاتل الجيش الإنجليزي في بلد تعج فيه الثورات الأهلية الكبرى والعارمة وبين العدالة الاجتماعية بل انه ينحاز الى مفهوم المواطنة معلنا في كتابه ( المسيحية الجديدة ) تخليه عن لقبه الكونت:
[ لم يعد ثمة أسياد.نحن جميعا متساوون.وأعلمكم بهذه المناسبة أنني أتخلى عن صفتي الكونت التي اعتبرها وضعية جدا أمام صفتي كمواطن..] 
تبع هذا الإعلان حسما لتردد سان سيمون في تأييده للثورة الفرنسية في البداية ثم نال لقب المواطن الصالح مرتين متتاليتين مما يعني انه بات رمزا للتحرر والمساواة والتجديد. هذه النقلة في حياة سان سيمون – المواطن الصالح – ليست نقلة سياسية فحسب بل نقلة اجتماعية وفي هذا الأساس نقلة فكرية ومعرفية في ذات الوقت. كما أن هذه النقلة أيضا جهد سان سيمون في ترجمتها من خلال عمله الدؤوب من اجل تغير مضمون المسيحية من الداخل وإكسابها مضمونا جديدا علميا يقوم على مبدأ الحرية والمساواة. هكذا يبدو الدين هو العلم العام كما يصرح سان سيمون. 
عودة إلى مفهوم الدين: 
إذن الدين ليس حالة ثابتة بقدر ما هو حالة تطورية ولما يتساءل عن الدين وماهية الأديان نراه في كتاب ( المسيحية الجديدة ) يقول بتطورية الأديان وعدم بقائها على حالها. 
[ الأديان مثلها مثل بقية المؤسسات تتمتع بطفولة وفترة قوة ونشاط وأيضا مرحلة انهيار وحين تكون في مرحله انهيار فأنها تكون ضارة ,أما في مرحلة الطفولة فهي غير كافية..] 
ب‌. قراءة في المقاربة الوضعية للأديان عند سان سيمون: 
السؤال: لماذا ينظر الكثير إلى سان سيمون على انه من مؤسسي علم الاجتماع الديني؟ 
لانه في واقع الأمر ساهم ولو بشكل محدود في تأسيس هذا العلم. ومن حيث الجوهر لان سان سيمون قدم الأديان بوصفها ظواهر اجتماعية وإنسانية من الممكن تحلياها تحليلا علميا كبقية الظواهر الأخرى. بل أن سان سيمون قاربها كما فعل ابن خلدون في نظريته حول تداول الحضارات التي تنشأ ثم تقوى ثم تنهار, وهكذا بدا له الدين. إذن الوضعية تخلصت من كل الثوابت المقدسة. 
ت‌. ما هو الدور الذي تلعبه الفلسفة الوضعية؟ 
يلاحظ أن الوضعية الجديدة كما مارسها سان سيمون لا تهدف فقط الى تغيير شروط إنتاج المعرفة بل الى تغيير النظام السياسي والمؤسساتي والاقتصادي. بمعنى أن الوضعية تمثل نقلة جذرية في النظام السياسي والاجتماعي القائم. وما لم تحدث هذه النقلة فمن المستحيل أن نتحدث عن أمة عاملة. 
إذن ثمة تغييرات تجعل من المجتمع عنصرا إيجابيا. 
والسؤال هو: ما هي مستويات التغيير الجديد بحسب المقاربة الوضعية؟ 
أولا: تحقيق العدالة في مضمونها السياسي والاجتماعي واستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية ثمة مبدأ يحكم تحقيق العدالة المنشودة ذو بعد شخصي وعلمي لدى سان سيمون. هذا المبدأ هو وجوب جبر الهوة الفاصلة بين النظري والتطبيقي للوصول الى علاقة تكاملية بين المستويين، ودون ذلك سيظل هناك ازدواجية تحافظ على استمرارية الهوة الفاصلة لذا لابد من إنجاز منظومة ابستمولوجية ومعرفية جديدة تقوم على التكامل بين البعدين النظري والتطبيقي ولعل أوضح مثال هو ما طبقه سان سيمون على نفسه تعلق في دعوته إلى تحقيق العدالة تخليه عن لقب الكونت وإعلائه لشأن المواطنة ( لم يعد بيننا أسياد…). 
هذه المقاربة الوضعية الباحثة عن العدالة السياسية والاجتماعية ستسعى عمليا الى: 
· هدم العناصر السياسية والمؤسسية المكونة للنظام السياسي والاجتماعي القديم والتي من بينها التميزات الطبقية والاجتماعية والمسيحية في شكلها التقليدي · لذا فان سان سيمون سيرسي دعائم تعامل معرفي جديد مع الظاهرة الدينية بمختلف تنظيماتها ومؤسساتها، تعامل يقوم على اعتبار الظاهرة الدينية ظاهرة اجتماعية إنسانية من خلال إخراجها من دائرتها المقدسة والنظر إليها باعتبارها ظاهرة إنسا نية، هذا المبدأ المعرفي الجديد تجاه الظاهرة الدينية سنجده حاضرا وقائما في كتابات الكثير من العلماء مثل غاستون لبلوس G.lebles و هنري و دوركايم و مارسيل موس , هذه الأسماء بالإضافة الى ماكس فيبر سيكونون أهم المتخصصين في علم الاجتماع الديني مستنيرين باطروحات سان سيمون ومفهومه للدين ومنهج التعامل معه. 
ولكن لماذا يجهد سان سيمون لاستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية ويشدد على تشجيع التعامل الجماعي بين أفراد المجتمع؟ ثم لماذا تنقل سان سيمون بين الكنائس مبشرا بالمسيحية الجديدة؟ 
مجتمع سان سيمون 
إن مجتمع سان سيمون هو مجتمع صناعي علمي , ومثل هذا المجتمع يبحث عن دماء جديدة لضخها في عروقه كما انه يحتاج الى وحدة معرفية ومعيارية وبالتالي لابد من القضاء على مخلفات النظام القديم بكل منظوماته وتشكيلاته ومعتقداته وتصوراته وبناه وأنماط تفكيره وتحليله إذا ما أردنا تحقيق العدالة والتقدم فكيف العمل؟ وما العلاقة بين الدين والمجتمع الجديد؟ 
يحرص سان سيمون على تجاوز الدين اعتقادا منه انه العقبة التي تشجع الفراغ. ولانه ثمة تناقض بين الفراغ والعمل الجماعي المنتج لذا ينبغي أن نغير مضمون الدين بان نكسبه مضمونا جديدا يتمثل في نظام بشري جديد. ولان الإنتاج الجماعي او الخلق الجماعي تحديدا يقوم على الانتاج البشري، لذا ينبغي فك التناقضات التي يعاني منها مجتمع ما بعد الثورة – أي المجتمع الصناعي – إذ يلاحظ سان سيمون أن المجتمع ما زال في حالة صراع قائم على: 
· معرفة لاهوتية ومعرفة علمية. 
· سلطة إقطاعية وسلطة صناعية. 
إذن ثمة تحالف بين المعرفة اللاهوتية والسلطة الإقطاعية ضد المعرفة العلمية والسلطة الصناعية ولفك هذا التناقض أو التحالف ينبغي استبعاد الدين للسماح بمرور العمل الجماعي المنتج وقتل الفراغ. 
ثانيا: تشجيع العمل والإنتاج 
إن التغيير الجديد التي تريد إرساءه المقاربة الوضعية يقوم أساسا على العمل والإنتاج كيف ذلك؟ 
بانتشار الأفكار الوضعية بفعل انتشار الصناعة. 
إذ يعتقد سان سيمون أن انتشار الأفكار الوضعية ستساعد وستشجع على انتشار الصناعة التي هي الشرط الأساسي والوحيد لقيام مجتمع وضعي ومعرفة وضعية، فالصناعة بطبيعتها تخلق مجتمعا وضعيا وتصورات وضعية في نفس الوقت استنادا الي مبدأ يعتبر أنالمعرفة العملية تعني المعرفة العلمية. إذن الصناعة هي مبدأ مركزي في كل النظريات المعرفية،هذا المبدأ نجده لدى الفكر الاشتراكي الطوباوي الذي يشمل ويعبر عنه سان سيمون و قودوين و بودون.إذ أن الفكر الاشتراكي الذي يعد سان سيمون عميده بني على مركزية مبدأ الصناعة. بمعنى أن الصناعة تشجع بطبيعتها على خلق القيم الوضعية المستقلة عن الفكر الديني والكنسي في نفس الوقت. كما نجد مركزية مبدأ الصناعة عند دوركايم من خلال كتابيه " تقسيم العمل الاجتماعي "و" الانتحار " وكذا مع ماكس فيبر في كتابه " الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية ". 
قيمة الصناعة ومكانتها: 
إذن الصناعة في الفكر السياسي والاجتماعي الغربي عامة والفرنسي خاصة هي شرط كل التحولات النوعية والفكرية والاجتماعية. 
مثال 1: العقلانية كما عبر عنها ماكس فيبر هي قيمة بيروقراطية وصناعية قبل كل شيئ فالمجتمع الذي لا يملك بيروقراطية و أبنية صناعية لا يمكن ولا يحق له أن يدعي العقلانية. 
مثال 2: يقيم سان سيمون مقاربة بين الانتاج والكسل وأمة كسولة وأمة عاملة ويتساءل في إطار المقاربة الوضعية: هل يمكن أن يحصل تعايش بين الأمتين؟ لذا يطالب سان سيمون بالحزم مع الأمة الغير منتجة بضرورة إزاحتها ولتحل محلها الأمة المنتجة ولكن ما هي أداة التغيير؟ 
وفي المجتمع الإقطاعي يعود سان سيمون ليؤكد على استعمال أدوات المعرفة الوضعية والعمل على القضاء على الهوة الفاصلة بين البعد النظري والبعد التطبيقي للوصول الى وحدة المعرفة , هذا هو جوهر المقاربة الوضعية. لذا نجد سان سيمون يصر على استبدال المضمون القديم للمسيحية بمضمون جديد يعمل على تطويرها من الداخل، هذا المضمون الجديد يتمثل في كتابه " النظام الصناعي " من خلال: 
· التأكيد على سعيه الى تكوين مجتمع حر. 
· التأكيد على نشر المبادئ والقيم التي ستكون أرضية النظام الجديد. 
· التأكيد على إن النظام الاجتماعي يستند على ثلاث فئات: 
أ‌. الفنانون لأنهم يفهمون قيم التغير ويشكلون أداة تشجيع للمجتمع حتى يغير أوضاعه القائمة. 
ب‌. العلماء الذين يقترحون تصورات وبدائل ووسائل عامة يمكن استعمالها لتحسين حال الأغلبية. 
ت‌. الصناعيون الذين يشجعون المجتمع على القبول بالمؤسسات الجديدة. 
أما منطق الترتيب أعلاه فهو التقاء الإلهام مع التفكير ومع الإبداع والمهم في هذا التصنيف أن الصناعيين يتربعون على قمة المجتمع الصناعي وفي أعلى مراتب النظام الاجتماعي الجديد. ولنقرأ أهميه المقولة التالية لـ سان سيمون: 
[ لو حدثت في ليلة صماء فاجعة مفاجئة ذهبت بأكثر الشخصيات الكبرى من الأسرة المالكة والوزراء وكبار القضاة…وسواهم ممن هم في هذه الطبقة , فان الشعب الفرنسي سيبكيهم حتما لانه شعب حساس , ولكن هذه الفاجعة لا تبدل شيئا مهما أو تغير تغييرا ذا اثر في أعماق الشعب , أما لو ذهبت هذه الفاجعة برؤوس العلماء والصناعيين وأرباب المصارف والبنوك … فان خسارة المجتمع فيهم كبيرة جدا لان مثل هؤلاء لا يمكن تعويضهم بسهولة !!] ( راجع: تاريخ السوسيولوجيا / غاستون بول ). 
استنتاجات 
أ.) في مجتمع العدالة والمساواة، هو المجتمع الحر الذي يقوم على حركة جمعانية أي مجموعة من المواقف لم يعد الفرد فيه خاضعا 
· هذا المجتمع أُخرج الفرد من مرحلة الفكرة ليصبح مواطنا. وهذه نقلة سياسية واجتماعية. 
· أشرك الفرد مع الآخرين ( المجتمع ) في عمل جماعي واحد وإبداع واحد وخلق واحد. 
هذا يعني أن الوضعية بالمضمون السان سيموني تعبر عن مردودية الفرد وليس فقط تغيرا في الأوضاع الاجتماعية والسياسية. كما يعني أن سان سيمون يراهن على دور المجموعة على التغير، هذه المجموعة التي تبنى على ثلاث مستويات وهي: 
· الانتاج 
· التقنية 
· الصناعة 
ب.) العناصر الأساسية التي اعتمدتها المقاربة الوضعية مع سان سيمون هي: 
1. تحييد الدين والفكر اللاهوتي عن كل مشاركة في الحياة العملية. 
2. وضع أسس مشروع علمي وفكري ومعرفي يقوم على مبدأين أساسين هما: 
· مبدأ العلمية ؛ فلا تعامل بعد الآن مع الظواهر والأشياء الا من منظور علمي. 
· مبدأ العلمنة وفيه تحييد وإقصاء صريح للدين. 
هذه هي آليات التحليل العلمية التي ضمنها سان سيمون للمقاربة الوضعية وهي الآليات التي سنجدها مستعملة في النص الكونتي بطريقة او بأخرى. هذه أيضا هي الأرضية المعرفية والعلمية التي سينطلق منها اوجست كونت ليجعل من المقاربة الوضعية اكثر قربا من الواقع والتحليل. ومبدئيا فالمقاربة الوضعية ستجمع بين مستويين رئيسيين: 
1. المستوى النظري: عبر قراءة العلوم وتنظيمها وتثبيتها وهو ما قام به سان سيمون. 
2. المستوى التطبيقي: وهو تطبيق عناصر المقاربة الوضعية في تحليل واقع المجتمع. 
ومن هذه الأرضية المعرفية سينطلق اوجست كونت في ترتيب بيت العلوم.