الحفل الذي ألقيت فيه الكلمة أقيم في ستوكهولم يوم 10 ديسمبر 1950
بمناسبة مرور 50 عاما على وفاة فوكنر (1897-1962)
نشر بجريدة أخبار الأدب 29/7/2012
ت: أمير زكي
يوليو 2012
يوليو 2012
***
سيداتي وسادتي
أدرك أن هذه الجائزة لم تُمنح لي كشخص، ولكن لأعمالي – عمل عمر في معاناة وكفاح الروح الإنسانية، لا للمجد وبالطبع لا للربح، ولكن لخلق شيء من مواد الروح الإنسانية لم يوجد من قبل. بهذه الطريقة فالجائزة ملكي فقط كمسئولية. لن يكون من الصعب إيجاد تخصيص للجزء المالي فيها لمكافئة غرض ودلالة أصلها. ولكني أود أن أقوم بالشيء نفسه بالنسبة للتقدير أيضا، عن طريق استخدام هذه اللحظة كذروة لما يمكن أن أكون قد سمعته عن طريق الشباب والشابات الذين وهبوا أنفسهم بالفعل لنفس الألم والمهنة، ومن ضمنهم هذا الشخص الذي سيقف يوما ما هنا في المكان الذي أقف فيه.
مأساتنا اليوم هي خوف جسدي عام وعالمي طال تكبده إلى الآن وكذلك نستطيع تحمله. لم تعد هناك مشاكل للروح. هناك فقط السؤال: متى سيتم تفجيري؟ بسبب هذا، الشاب - أو الشابة - الذي يكتب اليوم نسي مشاكل القلب الإنساني الذي في عراك مع نفسه، هذا الذي يصنع وحده الكتابة الجيدة، لأن هذا فقط ما يستحق الكتابة عنه، ويستحق الألم والكدح.
عليه أن يتعلم ذلك مرة أخرى. عليه أن يُعلّم نفسه أن أساس كل الأشياء هو أن يكون خائفا؛ وأن يُعلَم نفسه ذلك معناه أن ينساه للأبد، لا يترك مساحة في عمله لأي شيء إلا لحقائق وتأكيدات قلبه القديمة، حقائق العالم القديمة: - أي قصة تفتقد هذا هي قصة عابرة وميتة لا محالة – الحب والشرف والشفقة والفخر والرحمة والتضحية. وحتى يفعل ذلك فهو يعمل تحت لعنة؛ هو لا يكتب عن الحب بل عن الشهوة، عن الهزائم التي لا يخسر فيها أي أحد أي شيء ذو قيمة، عن انتصارات بلا أمل، والأسوأ من الكل، بلا شفقة أو رحمة. أحزانه لا تؤثر في عظام العالم، لا تترك ندوبا. هو لا يكتب عن القلب ولكن عن الغُدد.
حتى يعيد تعلم هذه الأشياء، سيكتب وكأنه يقف وسط البشر ويشهد نهايتهم. أنا أرفض تقبل نهاية الإنسان. من السهل بما يكفي القول إن الإنسان خالد ببساطة لأنه سيتحمل: فحين تطرق الضربة الأخيرة للقدر وتخفت من على الصخرة الأخيرة التي لا قيمة لها المعلقة الساكنة في المساء الأحمر المحتضر الأخير، حتى في وقتها سيظل صوتا واحدا باقيا: صوته الضعيف الذي لا يهدأ، لا يزال يتكلم.
أنا أرفض أن أقبل ذلك، أنا أؤمن أن الإنسان ليس فقط سيتحمل: ولكنه سينتصر. إنه خالد، ليس فقط لأنه الوحيد بين المخلوقات الذي لديه صوت لا يهدأ ولكن لأن لديه روح، نفس قادرة على الرحمة والتضحية والتحمل. واجب الشاعر والكاتب هو أن يكتب عن هذه الأشياء. إنه امتيازه ليساعد الإنسان ليتحمل عن طريق تعلية قلبه، بتذكيره بالشجاعة والشرف والأمل والفخر والرحمة والشفقة والتضحية، تلك التي كانت مجد ماضيه. صوت الشاعر لا يحتاج فقط لأن يكون تسجيلا للإنسان، إنه يمكن أن يكون واحدا من الدعائم، العواميد التي تساعده على أن يتحمل وينتصر.