كتاب جيد يبحث في موضوع التخلف ينقسم إلى جزئين جزء عبارة عن مكاشفات وهي حوارات اجراها الدكتور عبدالعزيز قاسم مع ابراهيم البليهي والجزء الثاني عبارة عن تجميع لبعض الحوارات التي أجريت مع البليهي من قبل بعض الصحف. وللأسف هذا الجزء مكرر مع كتاب سابق اسمه ""البليهي في حوارات الفكر والثقافة ويأخذ المساحة العظمى في الكتاب فإذا كنت قرأت كتاب الحورات فلا انصحك بشراء هذا الكتاب ولكن إذا مكنت تنوي شراء كتاب الحوارات فهذا الكتاب أفضل لأنه أوسع
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
معجزة الافلات من قبضة الثقافات
الأصل في الثقافات التقليدية أنها كيانات صماء محصنة ومغلقة وعليها حراسات قوية متحفزة لمنع وقمع أية فكرة طارئة لذلك فانه رغم قوة ووفرة عوامل التحديث في العالم فان السنوات الطويلة تمضي والعقود بعد العقود تمر بل وتنتهي القرون من غير أن تتأثر هذه الثقافات بعلوم العصر وأفكاره رغم تعميم التعليم وتعدد وتنوع وسائل التواصل مع كل العالم وقد أثبتت تجارب الشعوب في الشرق والغرب بأن دخول حضارة العصر لا يمكن تحقيقه الا بجهود فكرية عاصفة ومجلجلة تتوجه الى ك الأمة وليس فقط لفئة من الدارسين وأن تستخدم كل وسائل التواصل في التعليم والاعلام والمنابر وغيرها من وسائل الاثارة والحفز والتأثير كتوجه عام وموقظ وحافز يستهدف خلق وعي جديد بكل ما تعنيه الجدة من معنى وفاعلية ولا بد أن تكون قوة هذه الجهود الفكرية وقوة الاثارة والتأييد والدعم الموفر لها متكافئة مع صلابة بنية التخلف وقوتها التلقائية في الرفض والنبذ والممانعة ومع متانة حصونها الراسخة وشدة حراستها المتحفزة فنهضة الفكر شرط أساسي ومبدئي لتأثير العلم في العقول وتحقيق التقدم للمجتمع أما الاضطرار للدراسة العلوم في المدارس والجامعات فلن يخلق الوعي المطلوب ما لم يكن مسبوقا ومصحوبا بنهضة فكرية عامة وعارمة فموانع النهوض أشرس وأمنع وأقوى وأوفر مما يتصور الكثيرون ....
ان فشل التعليم واخفاق خطط التنمية في الكثير من المجتمعات يعود الى عدم ادراك موانع النهوض وغياب رؤية حصون الأخطبوط الثقافي الذي يحتل العقول ويصوغ العواطف ويوجه السلوك ان هذه الرؤية الضرورية مازالت غائبة حتى عن أذهان واهتمامات أكثر المسؤولين عن التعليم والتربية والتوعية والتدريب والادارة في المجتمعات المتخلفة وهذا الاغفال للتشكل الذهني والعاطفي والأخلاقي بالقوالب الثقافية هو العامل الأول في الفشل والاخفاق فلا بد أن تنطلق كل جهود التربية والتعليم والتوعية من حقيقة أنه في أعماق التاريخ ومنذ البدء افترق البشر الى جماعات متنافرة فصار لكل جماعة لغة تختلف عن لغات الجماعات الأخرى ومع اللغات المختلفة اختلفت أيضا طريقة التفكير ومنظومة القيم والاهتمامات والعادات أي صار لكل جماعة عقل خاص بها محصن عن قبول ما هو وافد صاغته ثقافة مغلقة خاصة محاطة بسياجات وحواجز وموانع وخنادق ومتاريس وساد التنازع والتفاخر وتبادل الاحتقار بين الثقافات وأدى هذا الى انغلاق كل ثقافة عن الاخرى والاكتفاء بها واقامة الحصون الذهنية والنفسية والعاطفية والأخلاقية لحماية هذا الانغلاق وتأكيد التفرد والامتياز والكمال واعلان الاكتفاء ....
ان هذه الطبيعة الصماء للثقافات التقليدية تجعلها رافضة تلقائيا لأي مؤثر جديد ونابذة لأي فكر طارئ ونافرة من أي نقد أو تحليل كاشف فهي غير قابلة لتغذية من خارجها انها محرومة من التغذية وهي الشرط الضروري للنمو فلا شيء ينمو من غير تغذية كافية ومنتظمة من خارجه كما أن هذه الطبيعة الصماء الموصدة تجعل الافلات من قبضتها نوعا من الاعجاز الباهر لذلك فان بعض الأمم رغم أنها قد اصطدمت بفورة التقدم الأوروبي منذ قرون واستوردت علوم الغرب وتقنياته ونظمه في التعليم والاعلام والادارة والاقتصاد والتنمية فانها مازالت عاجزة عن محاكاته وتقليده في تحقيق الازدهار لأنها مشدودة بمنتهى الضبط والقوة للمسارات الثقافية الموغلة في الانغلاق ومستسلمة لهذا الضبط بل ومغتبطة به وذائبة فيه فالافلات من قبضة هذه المسارات العميقة الآسرة المغتبط بها هو معجزة كبرى أما التعامل مع المعضلة بغير هذا الادراك ومن غير احتشاد شديد يتناسب مع قوة قبضة الأخطبوط الثقافي فلن يؤدي الا الى المزيد من التحفظ والقيود والعجز وحصون التخلف ....
أما كيف استطاعت أوروبا ذاتها بأن تفلت من قبضة ثقافاتها القديمة وأن تنفتح على الآفاق وأن تبدع كل هذه الابداعات المذهلة فهذا له قصة طويلة تناولتها في كتاب آخر يحمل عنوان " التغيرات النوعية في الحضارة الانسانية "وأكتفي هنا بالتذكير بأنه في القرن السادس قبل الميلاد ظهر في اليونان الفكر الفلسفي كضوء باهر لم تكن أبصار البشر ولا بصائرهم قادرة آنذاك على التعايش معه ولا الاصغاء اليه ولا ادراك أهميته ولا معرفة مصدره وكيفية انبثاقه العجيب ومايزال العالم حائرا ويتسائل بمنتهى التعجب : كيف أشرق ذلك الضياء الباهر وسط تلك الظلمات الثقافية الحالكة ؟ !!!!
بيانات الكتاب
الاسم : حصون التخلف
تأليف : إبراهيم البليهى
الناشر : منشورات الجمل
عدد الصفحات : 488 صفحة
الحجم : 7 ميجا بايت
تحميل كتاب حصون التخلف
مقتطفات من الكتاب
معجزة الافلات من قبضة الثقافات
الأصل في الثقافات التقليدية أنها كيانات صماء محصنة ومغلقة وعليها حراسات قوية متحفزة لمنع وقمع أية فكرة طارئة لذلك فانه رغم قوة ووفرة عوامل التحديث في العالم فان السنوات الطويلة تمضي والعقود بعد العقود تمر بل وتنتهي القرون من غير أن تتأثر هذه الثقافات بعلوم العصر وأفكاره رغم تعميم التعليم وتعدد وتنوع وسائل التواصل مع كل العالم وقد أثبتت تجارب الشعوب في الشرق والغرب بأن دخول حضارة العصر لا يمكن تحقيقه الا بجهود فكرية عاصفة ومجلجلة تتوجه الى ك الأمة وليس فقط لفئة من الدارسين وأن تستخدم كل وسائل التواصل في التعليم والاعلام والمنابر وغيرها من وسائل الاثارة والحفز والتأثير كتوجه عام وموقظ وحافز يستهدف خلق وعي جديد بكل ما تعنيه الجدة من معنى وفاعلية ولا بد أن تكون قوة هذه الجهود الفكرية وقوة الاثارة والتأييد والدعم الموفر لها متكافئة مع صلابة بنية التخلف وقوتها التلقائية في الرفض والنبذ والممانعة ومع متانة حصونها الراسخة وشدة حراستها المتحفزة فنهضة الفكر شرط أساسي ومبدئي لتأثير العلم في العقول وتحقيق التقدم للمجتمع أما الاضطرار للدراسة العلوم في المدارس والجامعات فلن يخلق الوعي المطلوب ما لم يكن مسبوقا ومصحوبا بنهضة فكرية عامة وعارمة فموانع النهوض أشرس وأمنع وأقوى وأوفر مما يتصور الكثيرون ....
ان فشل التعليم واخفاق خطط التنمية في الكثير من المجتمعات يعود الى عدم ادراك موانع النهوض وغياب رؤية حصون الأخطبوط الثقافي الذي يحتل العقول ويصوغ العواطف ويوجه السلوك ان هذه الرؤية الضرورية مازالت غائبة حتى عن أذهان واهتمامات أكثر المسؤولين عن التعليم والتربية والتوعية والتدريب والادارة في المجتمعات المتخلفة وهذا الاغفال للتشكل الذهني والعاطفي والأخلاقي بالقوالب الثقافية هو العامل الأول في الفشل والاخفاق فلا بد أن تنطلق كل جهود التربية والتعليم والتوعية من حقيقة أنه في أعماق التاريخ ومنذ البدء افترق البشر الى جماعات متنافرة فصار لكل جماعة لغة تختلف عن لغات الجماعات الأخرى ومع اللغات المختلفة اختلفت أيضا طريقة التفكير ومنظومة القيم والاهتمامات والعادات أي صار لكل جماعة عقل خاص بها محصن عن قبول ما هو وافد صاغته ثقافة مغلقة خاصة محاطة بسياجات وحواجز وموانع وخنادق ومتاريس وساد التنازع والتفاخر وتبادل الاحتقار بين الثقافات وأدى هذا الى انغلاق كل ثقافة عن الاخرى والاكتفاء بها واقامة الحصون الذهنية والنفسية والعاطفية والأخلاقية لحماية هذا الانغلاق وتأكيد التفرد والامتياز والكمال واعلان الاكتفاء ....
ان هذه الطبيعة الصماء للثقافات التقليدية تجعلها رافضة تلقائيا لأي مؤثر جديد ونابذة لأي فكر طارئ ونافرة من أي نقد أو تحليل كاشف فهي غير قابلة لتغذية من خارجها انها محرومة من التغذية وهي الشرط الضروري للنمو فلا شيء ينمو من غير تغذية كافية ومنتظمة من خارجه كما أن هذه الطبيعة الصماء الموصدة تجعل الافلات من قبضتها نوعا من الاعجاز الباهر لذلك فان بعض الأمم رغم أنها قد اصطدمت بفورة التقدم الأوروبي منذ قرون واستوردت علوم الغرب وتقنياته ونظمه في التعليم والاعلام والادارة والاقتصاد والتنمية فانها مازالت عاجزة عن محاكاته وتقليده في تحقيق الازدهار لأنها مشدودة بمنتهى الضبط والقوة للمسارات الثقافية الموغلة في الانغلاق ومستسلمة لهذا الضبط بل ومغتبطة به وذائبة فيه فالافلات من قبضة هذه المسارات العميقة الآسرة المغتبط بها هو معجزة كبرى أما التعامل مع المعضلة بغير هذا الادراك ومن غير احتشاد شديد يتناسب مع قوة قبضة الأخطبوط الثقافي فلن يؤدي الا الى المزيد من التحفظ والقيود والعجز وحصون التخلف ....
بيانات الكتاب
الاسم : حصون التخلف
تأليف : إبراهيم البليهى
الناشر : منشورات الجمل
عدد الصفحات : 488 صفحة
الحجم : 7 ميجا بايت
تحميل كتاب حصون التخلف