‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخدمة المكتبية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخدمة المكتبية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 9 يناير 2011

دستور الخدمة المكتبية

كتب محمد الشيخ
عندما استطاع الإنسان التفاهم مع غيره بواسطة اللغة ، وجد أنها غير قادرة على ربط مجتمعه بالمجتمعات الإنسانية النائية ولا تستطيع في ذات الوقت حفظ إنتاجه الفكري وتراثه الثقافي والعلمي من الضياع والاندثار .. لهذه الأسباب جميعاً بذل الإنسان قصارى جهده في إيجاد الوسيلة التي يستطيع عن طريقها أن يدون إنتاجه الفكري وتراثه الحضاري ، فهداه تفكيره إلى اختراع الكتابة ، وقد مرت الكتابة بمراحل كثيرة من الكتابة التصويرية إلى الكتابة بالرموز حتى تحولت على أيدي الفينيقيين إلى الكتابة بالحروف وأخيراً أصبحت في شكلها الحالي .
وبعد أن عرف الإنسان الكتابة وجدها محدودة الفائدة مالم تتوفر لها المادة الصالحة التي يستطيع الكتابة عليها ، وقد استخدم الإنسان الأول المواد المتاحة له في الطبيعة مثل ( الحجر ـ الألواح الخشبية ـ الألواح الطينية ـ سعف النخيل ـ الرق وجلود الحيوانات ـ البردي … الخ) إلى أن توصل الصينيون إلى صناعة الورق ، وعن طريق الفتوحات الإسلامية انتقلت صناعة الورق بعد ذلك إلى معظم دول العالم .
وبعد أن أتقن الإنسان الكتابة واستطاع أن يخترع المادة التي يكتب عليها وجد أن كتاباته ـ رغم قلتها ـ كانت بحاجة إلى مكان خاص يحفظها فيه ، عُرف هذا المكان فيما بعد بالمكتبة.
وكما أننا لا نستطيع تحديد بداية كل حضارة من الحضارات البشرية فإننا لا نستطيع تحديد متى انُشأت أول مكتبة ولكن الشيء المؤكد أن الإنسان القديم ـ في بادئ الأمر ـ كان يغلب على كتاباته الناحية الدينية الخاصة بموضوع العبادة ، ومبادئ تعليم الدين، والنصائح الدينية المختلفة فكان من الطبيعي أن يكون مكان هذه الكتابات دور العبادة والأماكن المقدسة الأخرى .
من هنا ظهر أول نوع من المكتبات وهو المكتبات الدينية وكان مقرها المعابد ، ولما تطورت الحياة وبدأت المجتمعات بالنمو وتأسست الحكومات وسنت القوانين المختلفة التي تنظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض ، دعت الحاجة إلى وجود نوع آخر من المكتبات تُحفظ فيه الوثائق والقوانين التي تضعها الحكومة ، وهنا ظهرت المكتبات الحكومية وفي الغالب كان مقرها القصور الملكية . ثم توالى بعد ذلك ظهور أنواع أخرى من المكتبات مثل ( الخاصة - الجامعية - القومية - العامة - المتخصصة - المدرسية … ) وهي ما تعرف بالمكتبات النوعية . هذه المكتبات ـ مع اختلاف طبيعة المستفيدين منها ـ تتفق جميعها في تقديم خدمات ومناشط للقراء والباحثين الذين يستخدمونها . هذه الخدمات تتفاوت من مكتبة لأخرى حسب طبيعتها التي أنشأت من أجلها ، فالعمل داخل المكتبة يسير وفق أسس وقوانين تسمى بدستور الخدمة المكتبية وهو ما نعني به القوانين المنظمة للعمل بالمكتبة والتي عن طريقها يمكن للمكتبة أن تؤدي وظيفتها على أسرع وأكمل وجه ، وهذا الدستور هو ما يعرف بقوانين المكتبات الخمسة وقد وضعه العالم الهندي رانجاناثان(1) وجعله المظلة أو الإطار العام للخدمة المكتبية بشقيها ( خدمات فنية ـ خدمات القراء )(2)، وقد وضع هذا القانون في الثلاثينيات حيث كانت مقتنيات المكتبة من الكتب تمثل 80% من إجمالي الأوعية أما الـ 20% الأخرى فكانت الدوريات ، والخرائط ، والرسائل ، والمستخلصات … إلى آخر الأوعية الأخرى غير التقليدية .
ومع تطور الإنتاج الفكري وتعدد أنواعه تطورت المكتبات فكانت المكتبة غير الورقية paper less library وفيها تتاح المعلومات على وسائط غير الكتب ( ميكروفيلم ، ميكروفيش ، أقراص ممغنطة ، شرائط فيديو … ) حيث صاحب هذا تطور في الخدمة المكتبية المقدمة للقراء فتحولت من خدمة الـ macrothought ( خدمة المراجع ) التي يتم فيها إرشاد القارئ أو الباحث إلى المرجع الذي يحتوي على المادة أو المعلومة التي يريدها وعليه أن يبحث عنها بنفسه داخل المرجع ، إلى خدمة micro thought ( خدمة المعلومات) وهي تقديم المادة أو المعلومة نفسها التي يبحث عنها القارئ أو الباحث بأسرع وقت ممكن وذلك لتقليل الوقت المفقود time lake من ساعة طلب الخدمة إلى حين تقديمها حيث لا تستغرق هذه العملية أكثر من 3 دقائق . وينقسم هذا القانون إلى:

1 ـ الكتب ( الوثائق ) للجميع : BOOKS ( DOCUMENTS ) FOR ALL
هذا المبدأ ينادي بأن تتاح جميع الكتب ( الوثائق ) الموجودة بالمكتبة ليستفيد منها القراء والباحثين استفادة كاملة ، ويجب أن تقدم الخدمة للمستفيد بناء على رغباته ومتطلباته هو ـ قدر الإمكان ـ فعند تزويد المكتبة بمصادر المعلومات يجب أن يوضع في الاعتبار أن هذه المصادر ستكون محل استفادة كافة قراء المكتبة وأن تراعي احتياجات المستفيدين المستقبلية، وعند تصنيف المكتبة يجب أن يستعرض نظام التصنيف كل مصادر المعلومات وأن يعزل أنواع المطبوعات والمصادر الموجودة داخل المكتبة بحيث تحقق أقصى استفادة من كل مصدر.
2 ـ لكل قارئ كتابه ( وثيقته) : EVERY READER HIS BOOK (DOCUMENTS)
ويهتم هذا المبدأ بالقارئ لأنه يلجأ للمكتبة وله طلباته الخاصة التي تتعلق ببحثه :
ـ إما : للسؤال عن مؤلف معين .
ـ أو : للسؤال عن كتاب معين .
ـ أو : للسؤال عن موضوع معين .
وفي هذه الحالة يجب أن تكون الإجابة محددةPINPOINTED ويقدم للقارئ ما يطلبه بأسرع وقت ممكن وتكون الإجابة بأقل عدد من المحاولات ، ويراعى عند الإجابة عن هذه التساؤلات العمل على تخفيض معدل الاستدعاء ( RECALL RATIO ) ورفع معدل الصلة ( PRECISION RATIO ) ، والمقصود بالاستدعاء هو كم الوثائق المستدعاة لخدمة موضوع معين ، أما معدل الصلة فالمقصود به هو نسبة الوثائق ذات الاتصال المباشر بالباحث من بين هذه الكمية المستدعاة من الوثائق .
3 ـ لكل كتاب ( وثيقة ) قارئ : EVERY BOOK ( DOCUMENT) ITS READER
الاهتمام هنا بالكتاب ( الوثيقة ) ومن هذا المنطلق نجد أن أي وثيقة تصدر في أي صورة أو أي شكل يجب أن نعمل على الاستفادة منها أو توصيلها إلى المستفيد الذي قد تهمه هذه الوثيقة وهذا يعني تقديم الوثائق بشتى أشكالها وصورها ولغاتها إلى المستفيد طالما أنها ترتبط ارتباط وثيق بمتطلباته الموضوعية، وهذا يسمى بالخدمة الشاملة Exhaustive .
4 ـ حافظ على وقت القارئ : SAVE THE TIME OF THE READER
من أهم قوانين المكتبة الخمسة لأن عنصر الوقت يلعب دوراً كبيراً في تطور الأمم بصفة عامة وتطور المعرفة بصفة خاصة ، وبصرف النظر عن النمو اللانهائي للمعارف يجب أن يتمكن المستفيد من الحصول على المعلومات التي يريدها بأسرع طريقة ممكنة ، والسرعة تأتي من التنظيم والتبويب والعرض باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية ، وفي المكتبة ومراكز المعلومات(3) نجد أن استخدام نظم التصنيف الحديثة ، ورؤوس الموضوعات المحددة والمباشرة، وتنظيم الفهارس الجيد يسهل الاستفادة من محتوياتها التقليدية وغير التقليدية .
5 ـ المكتبة عضو متنامي : THE LIBRARY IS AGROWING ORGANIZEM
هناك نوعان من النمو :
1 ـ نمو منتظم ( استاتيكي ) 2 ـ نمو غير منتظم في كل اتجاه ( ديناميكي )
تنمو المعارف بصورة ديناميكية متعددة الفروع وبِّكم كبير جداً ، وبالنظرة الموضوعية إلى أوعية المعلومات وسرعة انتشارها وكثرة أعدادها يتضح لنا سرعة معدل هذا النمو وهذا يؤكد أنه لا حدود ولا قيود على الوثائق التي تقتنيها المكتبات نتيجة لهذا التنوع في مصادر المعرفة ، ومع هذا النمو الرهيب في المعارف لا تستطيع أي مكتبة مهما بلغت ميزانيتها من أن تقتني كل ما كتب في موضوع أو تخصص معين ؛ لذلك كان على القائمين بالعمل في المكتبات ومراكز المعلومات العمل على توازن الموضوعات التي تقتنيها المكتبة أو المركز وباستخدام وسائل الاتصال الحديثة والحاسبات الآلية يمكن الاستفادة من مقتنيات المكتبات والمراكز الأخرى لتقديم خدمة شاملة سريعة للمستفيد .
والآن ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين وبعد التطور المذهل في طرق الاتصال الحديثة ووسائل الإعلام المتعددة أصبح العالم كالقرية الصغيرة وأصبحت أوعية المعلومات غير التقليدية في تطور وتنوع مستمر إلا أن الكلمة المكتوبة لم تفقد سحرها وتأثيرها لأن كل هذه الأوعية تستقي المادة التي تقدمها منها، لذلك ما أحوجنا إلى مزيد من الاهتمام بالمكتبة ، لأن المكتبة هي الوعاء الذي تتجمع فيه عصارة الفكر والحضارة الإنسانية ، وتعتبر جزءاً حيوياً من النظم التعليمية ، وداخل المكتبة يبقى الإنسان في صراعه الدائم من أجل المعرفة . . من أجل الحياة . . من أجل البقاء..
الحواشي
1 . أحد علماء المكتبات المشهورين . له حوالي 40 كتاب ، و200 بحث في علم المكتبات . صاحب تصنيف "الكولون " وهو من أشهر نظم التصنيف المعروفة .
2 . الخدمات الفنية : هي تلك العمليات التي يقوم بها العاملين في المكتبة من أجل أن تكون مصادر المعلومات معدة بدقة بحيث يسهل الحصول عليها من قبل رواد المكتبة ، والمقصود بتلك الخدمات هي تلك العمليات المتعلقة بتصنيف مصادر المعلومات ، وفهرستها ، وترتيب البطاقات في الفهارس ، وترتيب المصادر على الرفوف .
خدمات القراء : هي تلك العمليات التي تقدم للمستفيدين من المكتبة مثل خدمة المراجع ، وخدمة الإعارة ( داخلية، خارجية ) ، والترجمة ، والتصوير …
3 . مراكز المعلومات : information center عبارة عن جهاز ضمن مؤسسة متخصصة تقدم خدمات ومناشط معينة للباحثين في تلك المؤسسة : تتمثل في جمع المعلومات ، وتنظيمها ، وتحليلها ، وحفظها تمهيداً لاسترجاعها عند الحاجة إليها ، وتستخدم في كل هذا الحاسبات الإلكترونية على نطاق واسع ، والفرق بينها وبين المكتبة ينحصر في نواحي معينة لعل من أهمها " طبيعة الأهداف ، وتنوع أوعية المعلومات ، وكثافة الخدمات المقدمة ".
المراجع :
1. عبدالرحمن عميرة . أضواء على البحث والمصادر . ط3 . الرياض : دار عكاظ ، 1981. ص196.
2. عبدالستار الحلوجي . لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات . القاهرة : دار الثقافة ، 1982. ص91.
3. المكتبات وطرق البحث . تأليف علي حسين حيدر.. ( وأخ ) . ط3 . الكويت : وزارة التربية ، 1989. ص156.


المصدر:
محمد الشيخ. دستور الخدمة المكتبية - منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات . (13 مارس 2010)