مقتطفات من يوميات فيرجينيا وولف المنشورة في خمس مجلدات- هذه المقتطفات ترجمة شخصية من المجلد الأول .
19يونيو- 1923
أريد أن أمنح ميلاداً و موتاً، تعقلاً و جنوناً. أريد أن أنتقد النظام الإجتماعي و إظهار هذا النقد في العمل بكثافة. هل أكتب ” الساعات” من عاطفة عميقة؟ بالطبع الجزء المجنون يحاول معي كثيراً، يدفع ذهني إلى الرش بشكل سيء لتذكيري بأنني سأواجه ما سأنفقه على الأيام القادمة بصعوبة. إنه سؤال يلح رغماً عن هذه الشخصيات، الناس.
كما قال آرنولد بينيت، لا أستطيع أن أخلُق، لم أقم بالخلْق في رواية غرفة يعقوب و الشخصيات الباقية. جوابي هو: أن أترك الأمر للأشخاص؛ المسألة جدلية قديمة تقول أن الشخصية تتبدد في الشذرات. يحدث هذا الآن. هذا مقال جدلي قديم لدستويفسكي، و أحسب أنه صحيح. بالرغم من ذلك، أنا التي ليس لدي واقعية مهداة على الجاهز، و أعمد إلى التفكير بهذه الطريقة للحصول على المزيد من الواقعية..أتساءل، هل لدي القوة على نقل الواقع الحقيقي؟ أم أنني أكتب مقالات عن نفسي؟
—
السبت 12 يناير- 1924
وافقت *نيللي على البقاء لوحدها عموماً. و سأجد مكاناً * للوتّي عند شقيقتي في ساحة غوردون. أرى صعوبة على صعوبة مقبلة. لا شيء من هذا مهم إن كان السيد لام سعيداً. لكن مع قنوطه و قتامته، الريح تخطف شراعي..و أنا أقول, لمَ كل هذا؟ إنه لمن الغريب كيف يمتص هذا السؤال أحداً. إنه تغيير جذري. رغم ذلك، تبدو هذه مراجعة لحياة أربعة أرواح تعيش معنا و في عصرنا المفعم بالحرارة. الرهبة من المخاطر و المسئولية تبدو جبناً. ليس لدينا أطفالاً لننظر في الأمر. صحتي جيدة كما سوف يكون هذا العالَم. على قدر كبير هي أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى. العشر سنوات المقبلة ستشهد الصحافة إما شهرة أو إفلاس. التلكؤ في هذا الوضع عقبة. لكنني سأجتاز هذه المسائل مراراً و مرارا. أتمنى أن أستطيع التفكير في شيء آخر. لدي عمل كثير بين يدي. غريب كيف يبدو عملي غير مهم..فجأة، عندما تقوم مثل هذه الأمور بسد الطريق.
*نيللي و لوتي _مربية الأطفال_ خادمتَي فيرجينيا وولف.
—
الأربعاء 23 يناير- 1924
و في يوم الإثنين إن كتبت فينبغي أن يكون القول: “فقدنا منزلنا في ساحة تافيستوك” كانت صدمة مؤلمة للغاية. بالنسبة لي، لا أعتقد أننا ببساطة سنحصل على أكثر من ذلك. لكن بالنتيجة اكتشف منزلي ساكناً عبقرياً غاضبا. تساءلت، أين الخير لي؟ إذا ما تركت هؤلاء الغشاشين يخدعوك؟ أنا أحذرك، البيت 52 هو منزلك. إذن، أتحدث الآن عملياً و ليس روحياً فحسب. قمت بزيارة المكتب قبل الأمس مع ورقة مخالصة و توقيع و اختيار. قضي الأمر بعد ذلك على طبق من لحم البقر! أستطيع الآن أن أتنهد مخففة من نار قلبي. أتنهد رغماً عن المطر و إضراب عمال السكك الحديدية، و السيدة كولفاكس و ايثال ساندز و الهموم و الحيرة و الأحزان.
رأيت السيد *روجر، ينظر إلى صورهِ الجذابة التي لا يمكن أن يقاومها فنان. إنه يجعل حتى العميان مثلي، ينجذبون أسرع من المصابيح الكهربائية! لكنها طريقة فيها كفاية بالنظر إلى الوقت الذي يزخر معه بما أرغب و بأكواب متدفقة من العصير!
اشترى ليتون المنزل. لكنني الآن أكتب إلى أن نغادر بعد ستة أسابيع. وصلت رسالة من مارغون اليوم تقول” إلى فيرجينيا الأولى، ينبغي علي القول أنني أضع اللمسات الأخيرة على روايتي ” ممر إلى الهند” لقد انتقل. أما أنا فمتواجدة دوماً في هذه الاحتياجات.
* روجر: فنان و ناقد فني. تعرفت عليه فيرجينيا وولف عن طريق شقيقتها الفنانة فانيسا بيل.
—
الأحد – السابع من سبتمبر – 1924
أنا في نهاية السيدة دالاواي. و الآن أيضاً، أنا في نهاية كتابة الحفلة التي بدأت من المطبخ، ثم صعود السلم ببطء، إنه مقطع حماسي شديد التعقيد. التالي هو مشهد حياكة تنتهي بثلاث مذكرات. و ثلاث مراحل مختلفة التدرج. كل عبارة بها ملخص عن شخصية كلاريسا. كان معنا صديقين توأمين، كلايف و ماري. بت ليلة في شارلستون. ليونارد ذهب إلى يورك شاير. بالأحرى قضينا صيفاً منفصلين. نيللي جاءت بديلة عن الاكتئاب، لكنها وفية. الحديقة هنا تزهر.
—
الأحد – الثالث من يناير- 1915
من الغريب كيف أنَّ العادات القديمة التي اندثرت بمعتقدات حضارية، تنبثق فجأة مرة أخرى. في هايد بارك البوابة كنا اليوم إلى جانب مجموعة نقوم بتنظيف جدول الفضة. أجد نفسي أتبع صباح الأحد للبحث عن أعمال غريبة. عمل اليوم كان الطباعة على الآلة الكاتبة، ترتيب الغرفة، و القيام بحسابات الأسبوع التي كانت معقدة للغاية. لدي ثلاثة أكياس صغيرة من القروش، ديون من أجل بعض الأشياء. بعد الظهر، ذهبنا إلى حفل في قاعة الملكة. معتبرة أن أذني كانت نقية من الموسيقى لبعض أسابيع. أعتقد أن حب الوطن هو العاطفة الأساسية. هذا يعني ( أكتب على عجل و أتوقع مجيء فلورا لنتناول العشاء) أن الفرقة عزفت النشيد الوطني و كل ما شعرت به هو غياب العاطفة تماماً عن نفسي تجاه النشيد و الجميع. إن تحدث البريطاني عن الجماع في المراحيض، قد يكون ممكناً حينها أن يثيرون عواطف عالمية. الأمر هو كما لو أنه نداء إلى أن نشعر معاً شعوراً مشوشاً و ميئوساً بالعظمة عند النظر إلى معاطف الفرو. ابدأ باستكشاف نوعي، بصورة رئيسية النظر إلى وجوه أولئك الأشخاص من خلال أنبوب. حقاً، لحوم البقر الحمراء و الأسرجة الفضية تمنحني متعة أكثر عند النظر إليها. انتظرت بعد ذلك في محطة إكس تشارينغ أربعين دقيقة، و هكذا وصلت إلى البيت في وقت متأخر و افتقدت *دانكن الذي كان قد جاء إلى هنا. من ناحية أخرى، لندن في مساء الأحد الآن. و مع كل الكرات الكهربائية ذات الطلاء الأزرق، المكان الأكثر اكتئاباً في البيت. هناك شوارع طويلة ملونة و مصابيح كهرباء في وضح النهار بما يكفِ لرؤية السماء مجردة ، باردة إلى حد يفوق الوصف و مسطحة. قد نربح من هذه الصورة تركيزاً على قضايا دائمة تكون رمزاً حقيقياً كالنجوم، على مرأى و مسمع من لندن.. إذاً فليكن.
—
الثلاثاء – السادس من يناير – 1925
حقيقة مشينة، يجب علي الاشتغال من العام إلى العام. لأنه لم يعد بمقدوري إضاعة المزيد من الصفحات الفارغة.
أفكر في الازدهار الذي بدأ مع مطلع 1924. و اليوم، للمرة الخامسة و الستين بعد المئة، أعطت نيللي إنذاراً، كمن يملي أوامراً: يجب أن أفعل كما يفعلن بقية الفتيات. هذه ثمرة شارع بلومزبيري. على العموم أنا أميل إلى مؤاخذة نيللي على كلامها. ملل التنظيم الحياتي الذي يناسب ابتداعاتها، الضغط الشديد من الفتيات الأخريات، على الرغم من أنها طباخة ماهرة و صادقة و خادمة صلبة ذات عشرة قديمة، حنون و يمكن الاعتماد بشكل رئيسي عليها، لكنها ذات رائحة يصعب التخلص منها. على كل حال السؤال عن كونها خادمة أم فتاة أقوم برعايتها لم يعد يقلقني.
الليلة الماضية تناولنا العشاء في فيلا رقم 3 ماري الجديدة ، شارع البرت. أحببت أن أبدأ العام الجديد بمشاعر دافئة محاطة بالأصدقاء. كان عشاءً رائعاً، و كان هنالك أطفال أيضاً. فتاة جميلة و صبي. الفتاة برفقة امرأة جميلة العينين، مندهشة ،عاطفية و ذات لمعة بريّة كعيني الفتاة. أردت البدء في وصف جنسي أولاً! ماذا أقصد بهذا التعبير؟ هي فتوّة متطرفة ذات شعور متوحد قائم إلى الأبد، أنثوي جداً. أنا هنا أصوِّر قصتي. و لكنني دوماً أربطها مع تصور حاضر لقصص آنية. قصص قصيرة، مشاهد قصيرة. على سبيل المثال، قصة الرجل العجوز ( شخصية ليونارد وولف – زوج فيرجينيا وولف) الأستاذ في كليّة ميلتون. و قصة المرأة التي تتحدث مع نفسها. و مع ذلك.. أعود إلى الحياة و أتساءل.. إلى نحن؟
أمضيت هذا الصباح في كتابة مذكّرة عن جميع المسرحيات التي تم عرضها على مسرح اليزابيث. ثم نظرت إلى الساعة فوجدت أن الساعات مضت وقد آتت ثمارها_ هكذا كان يقول ليتون عند التحدث عن صموئيل.
ذهبت إلى غرفة الطباعة لأرى أين وصل مشروعي فوجدت ليونارد و آنقوس يكتبان فاتورة السيد سيمكنق. جلست و ضحكت. أخذ ليونارد مكانه أمام المكتب، و رأينا كلبنا يمشي في جولة حول الساحة. أخذت مكاني خلف المكتب و فتحت على صفحة نانسي و وضعت عليها علامة. ثم ذهبت إلى انجرسول لأخذ ساعتي التي أوصيت عليها. سار الكلب، حينها شعرت أن هذه من أيام الشتاء السوداء. الخطوط الطولية ذات الحبر الأسود على الرصيف، حيث لا إنارة. لا يمكنني وصف كل ما لاحظته في هذه الأيام. لا يمكنني تصويرها ببراعة. حتى أنني لو قرأت هذه الكلمات بعد حين سأعرف ما الذي كنت أعنيه.
اكتسح رودميل عاصفة و فيضان. هذه كلمات دقيقة. فاض النهر. عشنا سبعة أيام ممطرة من أصل عشرة. أحيان كثيرة لم أستطع المشي سيراً على الأقدام. كان عملاً يحتاج إلى شجاعة بطولية. كانت بطولتي أدبيّة بحتة. راجعت رواية السيدة دالاواي. الجزء الأكثر إحباطاً و تشدداً.. جزء ” البداية” كالعادة. ليونارد قرأها، يعتقد أنني بذلت مجهوداً كبيراً فيها. حتى لو اتفقت معه، هل هذا يبرر توقعه لها باستمرارية أطول من رواية غرفة يعقوب؟ من الصعب الحكم على ذلك نظراً لعدم وجود اتصال ظاهر للعيان بين الموضوعين.
على كلٍ تم ارسال الرواية إلى كلاركس و سيبعث الرد في الأسبوع القادم. هذا من أجل هاركورت برايس. الذي قبلها بدون مطالعة و رفعني إلى أوائل من سيتم النشر له.
لم أرَ أشياء كثيرة في رودميل. الحاجة أكبر إلى إبقاء عيني على الآلة الكاتبة.
كان أنجوس معنا في ليلة عيد الميلاد. مهتم للغاية، هادئ للغاية، متمهل، غير أناني، مع فكاهة مبهرة، ولا يحب الألوان. ليتون قال : سلبي. لكنني أعتقد أنه جيد.
_
مقتطفات من يوميات فيرجينيا وولف المنشورة في خمس مجلدات- هذه المقتطفات ترجمة شخصية من المجلد الأول .
منقول من مدونة http://www.m3bd.net/daily/