حتى اللحظات التي لفظ فيها انفاسه الاخيرة في تلك الصبيحة من الصباحات الربيعية ظل المعلم سقراط محافظا على صفائه والعهدة على الرسام جاك-لوي دافيد، الذي خلده في احدى اشهر لوحاته الفنية مادا يسراه عن طيب خاطر وبثبات وعزم مكين الى قدح الشكران
كان في قمة صفائه الروحي ورباطة الجأش نفسه والسخرية اللاذعة ذاتها التي واجه بها القضاة الخمسمائة بقيادة الرجال الثلاثة "ميليتوس" و"أنيتوس" و"بوليقراط" الذين لم يشفع لهم كبر سن الرجل ووهن عظمه، ولا ليونة انامل الداية "فيناريت" على طراوة أجسادهم ساحبة اياهم من ظلمات ارحام أمهاتهم، الام/ امه التي ظل طول حياته يبرهن من خلالها على عدم عقم الفلسفة. الصفاء الروحي نفسه ورباطة الجأش والسخرية اللاذعة ذاتها وهو يصب السائل السام في جوفه دفعة واحدة كانه يعب خمرا، ساخرا من ايسكولاب، اله الطب، في ذلك الصباح من الصباحات الربيعية
فيما كانت يسراه معلقة في الهواء تشرح احدى نظرياته التي ألبت عليه الاكليروس، ومنتهرا طلابه الذين أخفوا سحناتهم في أطراف قمصانهم مستغرقين في بكاء مرير.
افلاطون الذي كتب على باب أكاديميته " من لم يكن مهندسا فلا يدخلن علينا ".
وارسطو ابن نيكوماخوس الذي ابتدع فيما بعد فلسفته المشائية، وكتب الكتاب الفريد سر الاسرار.
و كريتون أقرب الطلاب الى نفسه، والذي أمره بدفع ثمن ديك لايسكولاب دون مفاصلة، حتى وهو يعالج السكرات الاخيرة من الموت قبل ان يغمض عينيه في تلك الصبيحة من صباحات اثينا الربيعية
حتى وهو في اللحيظات الاخيرة من الحياة لم يكف سقراط عن التامل والدفاع عن الفضيلة والسخرية والتفكير عن مال الفلسفة، وفي حساء العدس المحبب الى نفسه، شئ وحيد لم يستحمله المعلم وهو في ارذل العمر، لا مآل الفلسفة، أبدا، لأنه يعرف اي الرجال هم الذين لقنهم خلود المعرفة، ولا مستقبل اثينا لان الديكتاتوريات تدول وتزول، بل عويل ونواح اكزانتيب التي كانت دائمة السخرية من تخريفاته، وهي تذرو على راسها التراب وتتمرغ في الوحل خارج أسوار السجن، والذي ظل يتناهى الى مسامعه ويمزق نياط قلبه حتى اللحيظات التي لفظ خلالها أنفاسه الاخيرة، مسلما الروح في ذلك الصباح من صباحات فصل الربيع
نقوس المهدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق