‏إظهار الرسائل ذات التسميات فرناندو بيسوا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فرناندو بيسوا. إظهار كافة الرسائل

السبت، 24 سبتمبر 2011

أناشيد ريكاردو ريس - بيسوا - اقتباسات


"ليديا أنا أخشى المصير، لا شىء أكيد،
فى أيما لحظة قد يحدث لنا
ما يبدلنا بالكامل"

***

"دعك ليديا، من بناء المستقبل
فى الحيز الذى تشغلين، لا تُمنّى نفسك
بالغد. أكملى اليوم عملك بدون إبطاء.
لست مستقبلا أنت. من يدرى؟
بين القدح الذى تُفرغين والقدح نفسه
الذى تملئين قد يدُسّ
لك الحظ الهاوية.

***

على الجبين الفارغ ابيَضّ
شَعْر الشاب الذى كُنْتُه
عيناى تومضان أقل
فمى ما عاد جديرا بالقُبَل.
إن كنت ما تزالين على حبك لى،
فمن أجل الحب لا تحبينى:
معى ستخونيننى.

***

"دع الريح تمر
لا تسألها شيئا
ليس لها من معنى
غير أنها الريح التى تمر.."

***

لا يهمنا إلا قليلا
كل ما هو جدىٌّ
كل ما هو خطير.
ليترك الدافع الطبيعى للغريزة
مكانه للمتعة اللا مجدية
لأداء مباراة شطرنج جيدة
تحت الظل الساكن للأشجار.

ما نأخذه من هذه الحياة
الباطلة، مجدا أم شهرة، حبا أم علما،
ليس بأفضل من ذكرى
مباراة كسبناها
أمام لاعب جيد.

عبء هو المجد مثل حزمة ثقيلة،
الشهرة كالحُمّى،
الحب مُتعِب لأنه جدىٌّ،
العلم لا يتوصل إلى شىء أبدا،
الحياة تمضى وتؤلم...
أما لعبة الشطرنج
فتمسك بالروح كاملة، ولا تُكلّف إلا القليل
إن خسرت لأنها لا شىء

***

كُلٌّ يُنْجِز الغاية المُناطة به
ويرغب فيما يرغب فيه من غايات؛
فلا هو ينجز ما يرغب فيه
ولا هو يرغب فيما يُنْجزه.

كالأحجار بجانب الحجارين
يضعنا القَدَر. وهنالك نَبْقَى.
فليضعنا الحظ
حيث علينا أن نكون.

***

إرغب فى القليل: تملك الكل
إرغب فى لا شىء: تَكُن حرا
نفس الحب الذى يكنونه
لنا، يضطهدنا.

***

دع ما لا يخصك من رغبات،
ولو كان سارا،
حسبك رغباتك.

***

لن تكون ما أنت إياه،
لأن الزمن والصدفة
سيجعلانك آخر.
لماذا تصر إذن على أن تكون
ما لن تكونه؟

فرناندو بيسوا
أناشيد ريكاردو ريس
ت: المهدى أخريف

الأحد، 28 أغسطس 2011

الأدباء الكبار بين المدونات وفيسبوك وتويتر


فى مقالها بالجارديان تميل شارلوت هيجينز لفكرة استخدام جيمس جويس لتويتر – إن كان معاصرا لنا بالطبع، محيلة إلى وجهة نظر كاتب سيرته الذاتية جوردون بوكر الذى أشار إلى أن جويس كان مولعا بالتقنيات الحديثة، كمثل ولعه بالسينما وتقنياتها، والتليفون حتى أنه قال عنه إنه لو عاصر ظهور الموبايل لما تركه.

أفكر بالتالى فى الأدباء الكبار – تحديدا بعض الأدباء الذين تهتم بهم هذه المدونة – وهل لو عاصروا وسائط الإنترنت الاجتماعية كانوا سيستخدمونها؟

أعتقد أن أوسكار وايلد كان سيهتم بشكل كبير بالفيسبوك وتويتر، ورغم احتقاره البين للمجتمع حوله الذى سيظهر فى ستاتوساته وتويتاته على الموقعين، إلا إنه سيمتلك عددا كبير من الأصدقاء على الفيسبوك والفولوورز على تويتر. سيستخدم وايلد الموقعين لوضع تعليقاته القصيرة اللاذعة التى ستتحول لمقالات وحوارات لمسرحياته فيما بعد، أو أحيانا سيستخدم الاقتباسات المنتقاة من مقالاته ومسرحياته الفعلية، وايلد المولع بنفسه سيختار بعناية الصورة الشخصية التى سيضعها فى بروفايله على الفيسبوك، التى ستظهر ملامحه الجميلة وشعره الناعم وربما قامته الجذابة. يقول أليكس روس فى المقال الذى كتبه عن أوسكار وايلد فى النيويوركر أن لورد هنرى، أحد الشخصيات الثلاث الرئيسية فى رواية صورة دوريان جراى، لو كان معاصرا لنا لكان يقضى وقتا طويلا على الإنترنت، لورد هنرى صاحب الأفكار السامة التى تظل بالنسبة له مجرد أفكار لا ينفذها فى الواقع، كما يقول عنه بازيل هالوارد "أنت لا تقول شيئا أخلاقيا، ولا تقوم بشىء خاطئ"، تاركا هذه المهمة لتلميذه دوريان جراى، كان سيقضى الوقت الآن على الفيسبوك وتويتر محللا نفسيات مستخدمى الموقعين. ولكن لورد هنرى الذى "يعتقد الناس أنه (وايلد)" كما يقول وايلد، ربما لا يتورط فى شرور العالم مثلما سيفعل أوسكار، فالوقت الطويل الذى سيقضيه وايلد على الإنترنت لن يمنعه من المشاركة الاجتماعية على أرض الواقع. وربما صورته وجاذبيته التى سيحاول تقديمهما بعناية على الفيسبوك سيساعدانه على صنع دائرة أصدقاء حميمة يمكنها أن ترضى ميوله الجنسية بشكل يسير وآمن.

فرناندو بيسوا لن يكون مولعا جدا بالفيسبوك وتويتر، ربما سيكون لديه حساب على الفيسبوك ولكن لن يتجاوز عدد أصدقاءه العشرات، نفوره من مظهره سيجعله يتحفظ على وضع صورة شخصية له، الأرجح أنه سيحتفظ بالصورة الباهتة التى يضعها الفيسبوك لمن يتكاسلون عن وضع صورة شخصية، ولن يضيف الكثير من المعلومات عن نفسه، أو يشارك فى تزويد حائطه بشكل مستمر مما سيجعله غير مثير للاهتمام لمستخدمى الفيسبوك. ولكن ولع بيسوا الأساسى سيكون بالمدونات، أعتقد أنه سيهتم بها سريعا ومن وقت مبكر، مجموعة من المدونات – أربعة أو أكثر – ستظهر وتؤثر فى الأوساط الأدبية، تتنوع من حيث كونها تحمل نثرا أو شعرا أو مقالات أو ترجمات أو حتى آراء سياسية وفلسفية، هذه المدونات ستُقدَم للجمهور على أنها نتاج شخصيات مختلفة ذات خلفيات تاريخية متنوعة تمثل كل ما يمكن أن تمثله الإنسانية فى عصرنا، ولكن هذه الشخصيات لن يكون لها أى أثر واقعى، ولن يعرف أحد أن فرناندو بيسوا هو القائم على هذه المدونات.

نجيب محفوظ سيتابع وسائط الإنترنت بحرص واهتمام، ولكنه سيتحفظ على عمل حساب له بالفيسبوك أو التويتر، رغم أن عددا من أصدقائه ومريديه سيقترح عليه ذلك، بل أن بعضهم سيصنع باسمه حسابات ويحاولون تسليمها له. محفوظ سيرفض كل ذلك، وسيكتفى بعمل مدونة إلكترونية (غير جذابة) تكتفى بإعادة نشر مقالاته التى تنشر فى الصحف، ويضع عليها قصصه القصيرة التى يكتبها كاستراحات من كتابة الروايات، المدونة من وجهة نظره سيكون هدفها التواجد والوصول للقراء الشباب. ولكن بعد وقت لا بأس به سيفاجأ الوسط الأدبى برواية لمحفوظ تدور أحداثها عن شخصيات تتعامل بشكل مباشر مع وسائط الإنترنت كالفيسبوك وتويتر، سيندهش الجميع من طابع الرواية ولغتها القريبة من لغة الشباب. سيتحفظ البعض ويقول إن محفوظ يتحرك فى عالم ليس خبيرا به، أو أن الرواية كانت تحتاج شابا متعايشا مع هذه الأوساط ليكتبها وتكون أفضل، ولكن فى النهاية ورغم كل الانتقادات ستثير الرواية الإعجاب مثلما ستثير الدهشة.

صمويل بيكيت شخصيته تنفر من الاجتماعيات بصفة عامة، وجل كتاباته تدور حول الفشل فى التواصل بين الناس، وربما تجعله مواقع التواصل الاجتماعى أكثر يقينا من هذه الفكرة. أما فكرة أن يكون لديه حساب على تويتر أو الفيسبوك أو حتى مدونة فسوف يقابلها بصمت وسخرية داخلية. ولكن فى وقت ما سيقنعه أكاديمى ومعجب أمريكى بأن يتعاون معه فى إنشاء موقع مختص بكتابات بيكيت والدراسات التى أجريت حولها. سيتعاون بيكيت مع الأمريكى بحرص فى البداية، ولكن فى لحظة ما سيقنعه الأمريكى بأن يضع نصوصه التى لا تصنف كأشكال تقليدية - كقصة أو قصيدة أو مسرحية - على مدونة ملحقة بالموقع، هذا الذى سيفعله بيكيت، لتُجمع هذه النصوص وتُصنف فى أعماله الكاملة – إلى جانب النصوص الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية – على أنها نصوص الإنترنت. ولكن بعد وفاته سيكشف الأكاديمى الأمريكى أن بيكيت تأثر بشكل كبير بوسائط الإنترنت وإن كان هذا لا يبدو للقارئ غير المتعمق، مبينا أن الحوارات التى تتكون من جمل قصيرة لا تفضى إلى شئ التى تتميز بها أعماله المسرحية الأخيرة هى أشبه بالحوارات التى يتبادلها مستخدمو التويتر.

أمير زكى
أغسطس 2011

السبت، 2 يوليو 2011

فرناندو بيسوا - مختارات


"لأجل ماذا تتطلع أنت إلى المدينة البعيدة؟
روحك هى المدينة البعيدة."

***

"كمن يبعد كوبا للغير أبعدت اللذة".

***

"من نفس المكان
يضجر الناس
وأنا من وجودى فى ذاتى
أليس خليقا بى أن أضجر؟"

***

"كل إله جديد هو لفظة فحسب
لا تبحث. لا تؤمن. محجوبة هى الأشياء كلها".


***

"كل كوارث الدنيا تأتى
من تعذيب بعضنا للبعض
بنية فعل الخير أو نية فعل الشر".

***

"كتبت قصائد كثيرة
وعلىّ بالطبع أن أكتب أخرى
كل قصيدة لى تقول الشىء نفسه
كل قصيدة لى هى شىء مختلف
كل شىء هو طريقة مختلفة لقول نفس الشىء".

***

"أحس أن لى قيمة لأننى ولدت
فقط لأصغى إلى هبوب الريح".

***

"لو أرادوا كتابة سيرتى
بعد موتى فليس ثمة ما هو أسهل:
يوجد يومان – يوم ميلادى ويوم وفاتى –
كل ما بينهما من أيام لا يخص أحدا سواى".

***

"أحب تلك الورود المتقلبة، ورود ليديا
فى اليوم نفسه الذى
تولد فيه تموت:
نور خالد نهارها، به تتألق، وفيه تحترق.
وقبل أن تختفى عربة أبولو المجنحة
تموت.
لنجعل من ليديا حياتنا، حياة يوم واحد.
لنتناس أن الليل
موجود قبل وبعد القليل من
الزمن الذى ندومه".

***

"لا أريد الحقيقة
الحياة فقط أريد.
الآلهة يهبون الحياة،
لا يهبون الحقائق
ولا يعرفون ما هى الحقيقة".

***

"أنتم، أيها المؤمنون بكل مسيح ومريم
يا من تعكرون مياه ينبوعى الصافية
من أجل أن تقولوا لى فقط
بأن هناك مياها أخرى.

مستحما فى المروج فى أحسن الأوقات
لماذا تحدثوننى عن مناطق أخرى،
إذا كانت مياه ومروج الهُنا
تروقنى؟"

***

"مثل كل الناس أحببت وكرهت،
لكن إذا كان ذلك بالنسبة إلى الجميع أمرا طبيعيا
وغريزيا
فإنه كان عندى استثناء، صدمة.. وتشنجا".

***

"لقد حلمت بأكثر مما حلم به نابليون نفسه
ضممت إلى صدرى المفترض إنسانيات
أكثر مما ضم المسيح
شيدت فى السر فلسفات أكثر من كل ما كتب
أى كانط
لكن كنت وسأكون دائما مجرد ساكن غرفة فى
سطح".

***

"لقد عشت، درست، أحببت بل وآمنت حتى.
واليوم لا يوجد متسول لا أحسده على حاله، فقط
لأنه ليس أنا".

من (مختارات) فرناندو بيسوا
ت: المهدى أخريف

السبت، 3 يوليو 2010

كتاب اللا طمأنينة/ اقتباسات


" الحالمون بالممكن والمنطقى القريب يثيرون شفقتى أكثر من الحالمين بالبعيد والغريب. الحالمون بالكبير، هم إما مجانين يؤمنون بما يحلمون محققين بذلك سعادتهم الخاصة وإما هذيانيون بسطاء ممن يمثل الهذيان بالنسبة إليهم موسيقى روحية تهدهدهم بدون أن تقول لهم شيئا. لكن من يحلم بالممكن لديه دوما الإمكانية الواقعية لخيبة الأمل الحقيقية. لا يمكن أن يؤثر فىّ كثيرا لو تخليت عن أن أكون امبراطورا رومانيا، لكن يمكن أن يؤلمنى عدم قدرتى على محادثة الخياطة التى تجتاز، حوالى الساعة التاسعة صباحا، الزاوية اليمنى من الشارع. الحلم الذى يعدنا بالمستحيل يحرمنا منه بمجرد الاستسلام للحلم. لكن الحلم الذى يعدنا بالممكن يندرج فى الحياة الفعلية ويفوض لها إمكانية تحقيقه، الأول يحيا منفصلا ومستقلا؛ الثانى خاضعا لاحتمالات الحدث."
" لا أنام إلا عندما أحلم بما لا وجود له، وأستيقظ فقط عندما أحلم بما يمكن أن يوجد."
***
" تجاوزت منعطف الطريق، كن فتيات كثيرات. مغنيات أتين عبر مسيرهن، سعيدات كن من خلال نبرة أصواتهن. لا أدرى ماذا سيصرن. أصغيت للحظة إليهن من بعيد، بدون إحساس خاص. أحسست بمرارة فى القلب لأجلهن.
أللمستقبل الذى ينتظرهن؟ ألأجل لا وعيهن؟ لا ليس لأجلهن مباشرة، من يدرى؟ ربما لأجلى أنا فحسب."
***
" لم يكن لدىّ أبدا فى أى وقت من الأوقات من يمكن تسميته بـ (المعلم). لم يمت لأجلى أى مسيح. لم يدلنى بوذا على الطريق. فى أعلى أحلامى ، لم يتجل أى أبولو أو أثينا كى ينير لى الروح."
***
" دائما عندما يحدثنى أحدهم عن أحلامه أفكر فيما لو لم يكن قد فعل شيئا آخر غير الحلم!"
***
" كونى لا أحد فى العالم هو الميتا فيزيقا برمتها."
***
" (أنا) بحجم ما أراه.. لا بحجم قامتى."
***
" علىّ أن أحس دائما مثل الملاعين الكبار، أن للتفكير أفضلية دائمة على العيش."
***

" إن الطيبة هى محض نزوة مزاجية.. لا يحق لنا أن نجعل من الآخرين ضحايا لنزواتنا."

***

" تتعبنى الأشياء كلها، حتى تلك التى لا تتعبنى، مسراتى مؤلمة كلها مثل آلامى.

ليتنى كنت طفلا يضع مراكب من ورق فى بركة إحدى الضيعات الريفية بمظلة خشنة من تشابكات عريشة تصنع فتحات من ضوء وظل أخضر فى الانعكاسات المعتمة للماء الضحل.

بينى وبين الحياة بلور رقيق. ولست بقادر على مسها، بسبب رؤيتى وإدراكى الجليين جدا لها.

أو علىّ أن أعقلن كآبتى؟ لأجل ماذا، طالما العقلنة تتطلب مجهودا؟ من هو حزين ليس بمقدوره بذل المجهود.

لست بقادر على التخلى عن تلك الحركات المبتذلة الدالة على الحياة والتى طالما رغبت فى التخلى عنها. التخلى يحتاج إلى جهد، وأنا لا أمتلك الروح المحفزة على بذل الجهد.

كم من مرات أحزننى ألا أكون أنا مشغل تلك السيارة، أو سائق هذا القطار؛ إن حياة أى شخص آخر عامى مفترض، تغرينى بأن أرغب فى أن تكون حياتى فقط لأنها ليست بحياتى.

وخوفى من الحياة لا يماثل خوفى من الأشياء. إن مفهوم الحياة ككل لا يثقل على كاهل تفكيرى.

أحلامى عبارة عن ملاذ بليد. مثل مطرية موجهة للاحتماء من شعاع.

لكم أنا خامد، كم أنا مسكين، لكم أفتقر إلى الحركات و الأفعال.

كل سبل أحلامى ستقود إلى تجليات الغم.

حتى أنا الحالم دوما، تأتينى بعض اللحظات التى يهرب الحلم منى فيها؛ حينئذ تبدو الأشياء واضحة بالنسبة إلى، فينزاح ضباب ما يحيط بى. وكل النتوءات المرئية تجرح بحدة جلد روحى. كل القساوات المرئية تؤذى ما بداخلى من قساوات.

كل أعباء وضغوط الأشياء المرئية تثقل على من داخل الروح.

حياتى هى جَلَدى الدائم بحياتى نفسها."

***

" سعداء هم أولئك الذين يتوصلون إلى ترجمة معاناتهم إلى الكونى. أنا لا أعلم حالة العالم أحزين هو أم مريض ولا يعنينى ذلك لأن ما يعانيه الآخرون يبدو لى مضجرا وغير جدير بالاكتراث."

" ولست بمتشائم. لست أشكو رعب الحياة. أشكو رعب حياتى وحدها. الحدث الوحيد المهم بالنسبة إلىّ هو حدث وجودى على قيد الحياة."

***

" الروح الإنسانية هى ضحية حتمية للألم، تقاسى ألم مفاجأة الألم، حتى مع ما تتوقعه من آلام. الرجل الذى يتحدث طوال حياته عن التقلبات الأنثوية كأمور طبيعية وأصلية، سوف يجرب كل ألم المفاجأة عندما يجد نفسه مخونا فى الحب... والآخر الذى كل الأشياء بالنسبة إليه ألم وفراغ، سيشعر كما لو أن صاعقة مفاجئة أصابته عندما يكتشف أن الآخرين يعتبرون ما يكتبه سخافة. أو أن مجهوده فى التعليم عقيم أو أن تأثير عاطفته زائف.

لا ينبغى الاعتقاد بأن الرجال الذين يتعرضون لهذه البلاوى، ولما يماثلها، قد كانوا قليلى الصراحة فيما قالوه، أو كتبوا عنه، وأن تلك المصائب كانت متوقعة ويقينية. لا وجود لأى علاقة بين صراحة التأكيد الذكى المعقلن وفطرية الانفعال التلقائى. ولعل الروح إنما تتلقى مفاجآت من هذا النوع، فقط لأن الألم لا ينقصها، ولأن الخزى لا يترك لها مجالا للمصادفة، ولأن الغم لا ينقصها كجزء معادل من الحياة. كلنا متساوون فى مقدرتنا على الخطيئة وعلى المعاناة. وحده العديم الإحساس لا يصيبه شيء؛ والناس الأكثر سموا، والأكثر نبالة، الأكثر فراسة، هم الذين يقعون فريسة لما توقعوه واحتقروه. وهذا ما يدعى الحياة."

***

" عليك بتأجيل كل شيء. لا ينبغى أبدا أن تعمل اليوم ما يمكن أيضا أن تؤجل عمله غدا.

ليس حتى ضروريا عمل شيء. غدا.

لا تفكر أبدا فيما ستفعله. لا تفعله.

عش حياتك. لا تدعها تعيشك.

فى الصواب وفى الخطأ، فى الرخاء وفى الشدة، إعرف كينونتك الخاصة. فقط بإمكانك أن تفعل ذلك حالما، لأن حياتك الواقعية، حياتك الإنسانية هى تلك التى ليست حياتك وإنما حياة الآخرين. هكذا تستبدل بالحلم الحياة وستحرص فحسب على أن تحلم بإتقان. فى كل أفعال حياتك- الواقعية، منذ الولادة حتى الموت، أنت لم تفعل شيئا: كنت مفعولا به؛ أنت لم تعش: كنت معيوشا فحسب.

تحول بالنسبة إلى الآخرين أبا هول سخيفا. أغلق على نفسك، لكن بدون صفق الباب، فى برج من عاج هو أنت ذاتك.

وإذا قال لك أحدهم إن هذا الوضع مصطنع ولا معقول، لا تصدقه. لكن كذلك لا تصدق ما أقوله لك، لأنه لا يجب تصديق أى شيء.

ازدر كل شيء، لكن على نحو لا يسبب لك معه الازدراء أى مضايقات. لا تعتبر نفسك أعلى من ازدرائك. فن الازدراء يمكن فى هذا بالذات."

 

فرناندو بيسوا

كتاب اللا طمأنينة

ت: المهدى أخريف