‏إظهار الرسائل ذات التسميات فيرجينيا وولف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فيرجينيا وولف. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 22 فبراير 2012

الخطابات القذرة لكبار الكتاب


إميلي تمبل
14 فبراير 2012

ت: أمير زكي
فبراير 2012

هذه أجزاء من بعض الخطابات الرومانسية القذرة لكبار الكتاب التي اختارتها إميلي تمبل بمناسبة يوم الفالنتين.

***

من جوستاف فلوبير إلى لويز كوليه، 1846

حب العمر



"سأمطرك في المرة القادمة التي سأراك فيها بالحب، بالأحضان، بالنشوة. أريد أن ألتهمك مع كل مباهج الجسد، حتى تتهافتي وتموتي. أريدك أن تنبهري بي، وأن تعترفي لنفسك بأنك لم تحلمي أبدا بمثل هذه الأفعال... عندما تكبرين، أريدك أن تستعيدي تلك الساعات القليلة، أريد أن ترتعش عظامك الواهنة من البهجة عندما تفكري فيها".

***

من تشارلز بوكوفسكي إلى ليندا كينج، 1972

هذا يمتد ليكون رسالة حب إلى ثلاجة كينج – ولسبب واضح كما يبدو



"أحببت طريقتك في تحريك يديك؛ هذا جعلني أسخن من الجحيم... كل شيء تفعلينه يجعلني أسخن من الجحيم... أقذف اللبن تجاه السقف... أيتها العاهرة، الصعبة، شديدة السخونة، أيتها المرأة شديدة الجمال... لقد جلبت أشعارا جديدة وآمال جديدة ومباهج جديدة وحيل جديدة للكلب العجوز، أحبك، شعر كُسّك الذي تلمسته بأصابعي، داخل كُسّك، المبتل، الساخن، الذي تلمسته بأصابعي؛ وأنت، هناك فوق الثلاجة، لديك ثلاجة رائعة، شعرك يتدلى إلى أسفل، متوحش، وأنت هناك، كطائر مفترس أنت، كشيء مفترس أنت، ساخنة، شهوانية، مُعجزة... أشتبك برأسك، أحاول أن أصل للسانك بفمي، بلساني... كنا في بوربانك وأنا كنت أحبك، حبا لازروديا، يا إلهتي الجميلة الملعونة، يا مهمازي، يا شرموطة الفردوس القاسية المثيرة ذات الشعر الرفيع، أحبك... وأحب ثلاجتك، والتي أثناء تقابلنا وتصارعنا تشاهدنا برأسها البديع وبابتسامتها المحبة الشاعرية الساخرة وهي تسخن...
أريدك أنت
أريدك أنت
أريدك أنت
أنت أنت أنت أنت أنت أنت".

***

من جيمس جويس إلى نورا بارنكل، 1909:

ملك خطابات الحب القذرة، هذه هي واحدة من رسائل جويس الوصفية العديدة لزوجته. ما الذي نستطيع قوله، الرجل كان مدعيا جدا.



"صغيرتي المحببة الداعرة نورا، لقد فعلت كما أخبرتيني أيتها الفتاة الصغيرة القذرة، واستمنيت مرتين وأنا أقرأ خطابك. أنا سعيد لأعرف أنك تحبين أن تُناكي من الخلف. نعم، الآن أذكر هذه الليلة عندما نكتك لمدة طويلة من الخلف. لقد كانت أقذر نيكة نكتها لك يا عزيزتي. قضيبي كان بداخلك لساعات، أدخله وأخرجه من ردفيك المنقلبين. شعرت بمؤخرتك السمينة المتعرقة تحت بطني ورأيت وجهك المتورد وعينيك المجنونتين. مع كل نيكة أنيكها لك يندفع لسانك الجريء من خلال شفتيك، وإن قسوت في نيكك عن المعتاد تخرج ضرطات من مؤخرتك. كان لديك مؤخرة ممتلئة بالضرطات في تلك الليلة، يا عزيزتي، وقد أخرجتهم منك، كبار وضخمين، رياح طويلة، فرقعات قصيرة والعديد من الضرطات الشقية التي انتهت بدفعة طويلة من داخلك. إنه من الرائع أن تنيك امرأة عندما تخرج منها ضرطة مع كل نيكة. أعتقد أنه بإمكاني معرفة ضرطة نورا في أي مكان. أعتقد أنني أستطيع أن ألتقطها في حجرة ممتلئة بالنساء الضرّاطات. إنها أقرب لضوضاء طفولية، لا تقارن بالضرطة الفواحة الرطبة التي كنت أتخيل أنها لدي الزوجات البدينات. إنها مفاجئة وجافة وقذرة كما لفتاة جريئة تدعها تنطلق في مخدع المدرسة الداخلية ليلا. أرجو من نورا أن تدع ضرطاتها تنطلق بلا نهاية في وجهي حتي أستطيع تشمم رائحتها أيضا.

تقولين إنني عندما سأعود ستمصيني وتريدين أن ألعق كسك أيتها المنحرفة القذرة. أتمنى أن تفاجئيني في مرة وأنا نائم بملابسي، تتسللي إليّ باللمعة الداعرة لعينيكِ الناعستين، وتفكين بلطف أزرار بنطلوني وتأخذين بلطف قضيب حبيبك السمين، تلقميه فمك المبلل وتمصينه حتى يصبح سمينا وصلبا ويقذف في فمك. في أحد المرات أيضا سأفاجئك وأنت نائمة، أرفع تنورتك وأفتح سروالك بلطف، ثم أنام بلطف بجانبك وأبدأ في لعق شعر عانتك ببطء. ستبدأين في التحرك بقلق لألعق شفري كس حبيبتي. ستبدأين في الشخر والأنين والتنهيد والضرط من الشهوة وأنت نائمة. وبعد ذلك سألعق أسرع وأسرع كالكلب النهم حتى يتبلل كسك تماما ويهتز جسدك بعنف.

تصبحين على خير، صغيرتي الضراطة نورا، عصفورة النيك الصغيرة القذرة! كلمة حب واحدة يا عزيزتي، وضعتيها لتجعليني أستمني بشكل أفضل. أكتبي لي المزيد عن ذلك وعن نفسك، أيتها اللطيفة القذرة، القذرة".


***


من فرانز كافكا إلى ميلينا جيسينكا، 1921:

قذارة كافكا أقرب إلى الاستعارة، ولكن مع ذلك...



"لا يا ميلينا، أنا أطلب منك مرة أخرى أن تبتكري إمكانية أخرى لكتابتي إليك. ليس عليك الذهاب إلى مكتب البريد بلا جدوى، ولا حتي ساعي البريد خاصتك – من هو؟ - عليه ان يفعل ذلك، ولا حتى موظفة البريد لتسأليها بلا ضرورة.

إن لم يكن باستطاعتك إيجاد إمكانية أخرى، بالتالي فالمرء عليه أن يتحمل ذلك، ولكن على الأقل ابذلي جهدا قليلا لتجدي واحدة.

الليلة الماضية حلمت بك، الذي حدث بالتفصيل أتذكره بصعوبة، كل ما أذكره هو أننا امتزجنا معا. كنت أنتِ، وكنتِ أنا. في النهاية تلبستكِ النار بطريقة ما.

تذكرت شخصا يطفيء الحريق بالملابس، أخذت معطفا قديما وأخذت أطفيء به.

ولكن الانمساخ بدأ مرة أخرى وظل حتى لم تعودي موجودة، وبدلا من ذلك أصبحت أنا متلبسا النار، وأنا أيضا الذي أطفيء الحريق بالمعطف.

ولكن المعطف لم يطفيء النار وفقط أكد شكي القديم بأن هذه الأشياء لا تطفيء الحريق.

في هذا الوقت حضر فريق المطافيء وتم إنقاذنا بطريقة ما.

ولكنك كنت مختلفة عما قبل، وكأنك رُسمت بالطباشير على الظلام، وسقطت بلا حياة أو ربما تهافتِّ - من البهجة لكونك أُنقذت – بين ذراعيّ.

ولكن هنا أيضا عاد الانمساخ غير اليقيني، وربما اكون أن الذي سقطت بين ذراعي أحدهم".

***

من أوسكار وايلد إلى لورد ألفريد دوجلاس، 1893:

خاضع للتقاليد الحديثة (وإن كان جميل شعريا)، هذا واحد من الخطابات التي استخدمت في محاكمة وايلد بتهمة الأفعال غير اللائقة.



"صبيي
سونيتتك جميلة جدا، ومن العجيب أن شفتيك الحمراوين الورديتين يمكنهما أن تُوهبا لجنون الموسيقى والأغاني مثلما هما لجنون القُبل. روحك اللطيفة الذهبية تتحرك بين الشهوة والشعر. أعرف أن هياكينثوس الذي أحبه أبوللو بجنون كان أنت في أيام اليونان. لم أنت وحيد في لندن، ومتى ستذهب إلى ساليزبري؟ إذهب إلى هناك لتقضي الوقت تحت الشفق الرمادي للأشياء القوطية، وتعال عندما تحب. هنا مكان جميل ولا يعوز غيرك؛ ولكن إذهب إلى ساليزبري أولا.
دائما، وبحب لا يموت،
المخلص، أوسكار"

***

من إديث وارتون إلى و. مورتون فولرتون، 1908:

إنها تستطيع أن تغازل أكثر مما تعتقد، إن كانت تستطيع أن ترسم بحذق هذا المشهد الساحر.



"هناك صياغة لمغازلة ناجحة بداخلي، لأن بصيرتي تظهر لي كل خطوة في اللعبة – ولكن هناك، في نفس اللحظة، فعل ازدراء يجعلني أزيح كل القطع من على لوح اللعبة وأصرخ: "خذهم كلهم – أنا لا أريد الفوز – أريد أن أخسر كل شيء لصالحك!".

***

من فيرجينيا وولف إلى فيتا ساكفيل – ويست، 1927:

هذا الخطاب ليس بهذه القذارة – إلا إن اتخذت خطوة أخرى وتخيلت "الآلاف، الملايين" كأشياء في ذهنها "لن تُستحث في النهار"، وبدون ذكر وجود معنى مبطن أو معنيين – ولكنه أحد مفضلاتنا على الإطلاق، لذلك دعنا نتخيل.

"اسمعي يا فيتا – اهجري رجلك، وسنذهب إلى هامبتون لنتغدى على النهر معا ونتنزه في الحديقة تحت ضوء القمر ونعود المنزل متأخرين وثملين، وسأخبرك بكل شيء في رأسي، آلاف، ملايين – إنهم لن يُستحثوا في النهار، ولكن بواسطة الليل على النهر. فكري في ذلك. اهجرى رجلك كما أقول وتعالي".

***

من بنيامين فرانكلين إلى مدام بريو، 1779
 
بنيامين فرانكلين الرجل كان وغدا جادا. هذا الخطاب يقول أساسا أنه يحب كل شيء في صديقته السيدة عدا أنها لا تريده أن يخدعها – ولكنه يكره أيضا أنها لن تستسلم جنسيا. هذا يبدو قذرا جدا بالنسبة لنا، ولكن ليس بالشكل الجنسي.

"مدام بريو،

ما الاختلاف يا صديقتي العزيزة بينك وبيني! أنت تجدين أخطاء لا تعد فيّ، في حين أننى لا أرى سوى خطأ واحد فيكِ (ولكن ربما يكون هذا خطأ نظارتي) أنا أقصد هذا النوع من الجشع الذي يقودك لاحتكار كل عواطفي، وعدم السماح لي للوصول لأي من سيدات بلدك اللطيفات.

هل تتخيلين أنه من المستحيل بالنسبة لعواطفي (أو لطفي) أن يتعدد بدون أن يتضاءل؟ أنت تخدعين نفسك، وأنت تنسين الصفات اللاهية التي تمنعيني عنها. أنت تنبذين وتحصرين تماما كل ما يمكن أن يكون جسدي لعواطفنا، ولا تسمحين لي سوى ببعض القبل المهذبة والمخلصة مثل تلك التي يمكن أن تقدميها لقريباتك. ما الحميمي الذي آخذه ليمنعني من إعطاء المماثل له للأخريات، بدون أن أجني على ما يخصك؟

الأصوات الجميلة التي تصدرينها من البيانو بيديك البارعتين يمكنها أن تمتع عشرين شخصا في نفس الوقت بدون أن يقلص هذا اللذة على الإطلاق، أنت مفرطة الخبث تجاهي، وباستطاعتي وبمنطق محدود أن أطلب من عطفك ألا يسمح لأذنين سواي بأن تُسحران بهاته الأصوات الجميلة".

***

من إرنست همنجواي إلى ماري ويلش (التي ستصبح زوجته الرابعة)، 16 أبريل، 1945

من الذي يمكنه توقع حب بلا أمل بالنسبة لبابا[i]؟ هو يبدو يحب بجنون كبير هنا – يدعوها باسم التدليل المحبب "بيكل"[ii]– هذا الذي يجعلنا نشعر بنوع جيد من القذارة.



"بيكل العزيزة، 

أنا ذاهب خارجا إلى القارب مع باس ودون أندريه وجريجوري وسأظل بالخارج طوال اليوم ثم سأعود وسأكون متأكدا من وجود عدة خطابات أو خطاب. ربما ستوجد الخطابات، ولكن إن لم أجدها سأصير ابن شرموطة حزينا. ولكنك تعرفين كيف تتعاملين مع ذلك بالطبع؟ أنت تنتظرين حتى النهار التالي. أعتقد أنه من الأفضل ألا أنتظر شيئا حتى غدا مساء وبالتالي لن تكون الليلة سيئة جدا.

أرجوك اكتبي لي يا بيكل، إن كان هذا عمل عليك أن تفعليه فافعليه. بدونك الأمور شديدة الصعوبة، أنا أمارس حياتي ولكني أفتقدك لدرجة الموت. لو حدث أي شيء لك سأموت بنفس طريقة الحيوان الذي سيموت في الحديقة لو حدث شيء لرفيقته.

الكثير من الحب إليك أيتها العزيزة ماري، وأعرفي أننى لست متعجلا، ولكني فقط يائس.

إرنست"


[i]  لقب أطلقه همنجواي على نفسه (أ.ز)
[ii]  Pickle قد تحيل الكلمة إلى الشخص اللعوب أو العضو الذكري أو ثمرة الخيار. (أ.ز)

السبت، 9 يوليو 2011

فيرجينيا وولف وأمى وأنا - مايكل كاننجهام

فيرجينيا وولف وأمى وأنا
مقال لمايكل كاننجهام*


ترجمة أمير زكى
يونيو 2011


* مايكل كاننجهام كاتب أمريكى، كتب رواية الساعات (1998) كانت شخصية فيرجينيا وولف من شخصياتها الرئيسية، حصلت الرواية على جائزة البوليتسر وتحولت إلى فيلم سينمائى بنفس العنوان عام 2002

***


فيرجينيا وولف كانت مصدر بهجة كبيرة فى الحفلات. أريد أن أقول هذا فى البداية لأن وولف، التى ماتت من سبعين عاما هذا العام، تمثّل غالبا على أنها السيدة الكئيبة فى الأدب الإنجليزى، فهى دائما حزينة وغاضبة وتنظر بشر من الركن المظلم فى تاريخ الأدب، وبجيوب ممتلئة بالحجارة.

بالطبع كان لديها فتراتها الكئيبة، وسوف نتحدث عن ذلك بعد لحظات. ولكن أولا أريد أن أخبر أى أحد قد يكون لا يعرف، أنها عندما لم تكن تحت وطأة نوبات الاكتئاب المتكررة، كانت شخصا يتمنى المرء أن تحضر إلى حفلته، فهى شخص يستطيع أن يتحدث بمرح عن أى موضوع. شخص يتألق ويسخر. وقد كانت مهتمة بما يقوله الناس (على الرغم من أنها لم تكن تشجع دوما آرائهم.) وهى شخص كان يحب فكرة المستقبل والعجائب التى يمكن أن يجلبها.

ورغم كونها نسوية جريئة إلا أنها كانت تميل لنقد نفسها لأيام إن علق أحدهم بشكل سلبى على ملابسها. كانت لديها صعوبة فى أن تتمالك نفسها، ومثل عدد كبير منا كانت تعانى من مشكلة فى مجاراة الموضة. وهى أيضا كانت مضطربة بشكل كبير بسبب عملها، فقد كانت تميل لأن ترى أن (تجاربها البينة) فى الأدب ستوضع جانبا مع بقية العجائب والغرائب والجهود الصغيرة التى توضع فى الأراشيف والمخازن. 

هذه ليست قصة غريبة: الفنان غير المقدر جيدا، والذى يقدر مع الوقت. ولكن تظل وولف المخلوق الجذاب غالبا والضعيف دوما، تميل إلى نوبات الاكتئاب، هى حذرة جنسيا ولا تلبس بشكل مناسب، وغالبا لا يقدرها الكثيرون ككاتبة كبيرة بما يكفى لتقف أمام القوة العاصفة للتاريخ. لا تقارن بشخص مثل جيمس جويس، الحداثى العظيم الآخر، الذى يطنطن بعبقريته لأى أحد يستمع له، والذى يخطط لخلوده بحرص كالمحارب الذى يخطط للهجوم.

من بين الأسباب التى جعلت وولف تغرق نفسها من 70 عاما، فى سن التاسعة والخمسين هو ثقتها فى أن روايتها الأخيرة (بين الفصول) كانت فاشلة تماما. هناك كتاب مهمون قليلون نسبيا كانوا متشككين تماما فى حياتهم من إنجازاتهم.

فى حين نشر روايتى (الساعات) التى ظهرت فيها وولف كشخصية، أصبحت بشكل غير متوقع عارفا إن لم أكن محيطا وخبيرا بحياتها وأعمالها. كنت أندهش حين يتكرر ويأتينى شخص ما ويقول: نعم، وولف رائعة، ولكنها ليست جويس، أليس كذلك؟

هى ليست جويس، هى نفسها، كتبت فقط عن أناس من الطبقة العليا، ولم تكتب أبدا عن الجنس. أعمالها الكاملة لا تحتوى سوى على قبلتين رومانسيتين – واحدة فى (رحلة إلى الخارج) وأخرى فى (السيدة دالواى)، وبعد هذين الكتابين المبكرين نسبيا، لا توجد مشاهد جنسية من أى نوع.

ولكن فى الحقيقة فأنا أعتقد أنه مهما كانت التحفظات التى يطلقها الناس على وولف، فى مواجهة جويس، فعليهم أن يتعاملوا مع حقيقة أنها كانت تكتب عن الناس وعن التفاصيل الصغيرة التى كانت، فى هذا الوقت، تخص النساء وحدهن. جويس كان لديه حسا جيدا فى الكتابة غالبا عن الرجال.

كامرأة كانت وولف تعرف إحساس العجز الذى يمكن أن يصيب المرأة التى ليس لديها الكثير لتفعله. وكانت تعرف، بل كانت تصر، أن الحياة التى تنقضى فى الاهتمام بالمنزل وإقامة الحفلات ليست بالضرورة حياة تافهة تماما. هى جعلتنا نفهم أنه حتى الحياة المتواضعة والداخلية تظل بالنسبة للشخص الذى يعيش فيها رحلة ملحمية، مهما كانت عاديتها بالنسبة لمن يلاحظها من الخارج. وهى رفضت أن تتجاهل الحيوات التى يميل معظم الكتاب الآخرين إلى تجاهلها.

ربما يكون لديهم شىء ليكتبوه عن حالة وولف العقلية المضطربة، وخوفها أن تكون هى نفسها من الشخصيات الأقرب لأن تُنسى ويتم تجاهلها. إن انفعلت أو أستثيرت جدا فهى تقع فى حالة من اليأس تصبح كلمة اكتئاب معها غير كافية. فى فتراتها المستقرة، كانت رائعة فى الحفلات. أما فى الحالة الأخرى فتكون محطمة تماما. فهى تهلوس. وتهاجم أقرب الناس إليها، زوجها ليونارد تحديدا، وبحدة مميتة من تلك المتوفرة عند العباقرة، والتى كانت تتملكها عندما تفقد عقلها. فى هذه الحالة لم تكن فيرجنيا مرحة على الإطلاق.

تلك الفترات السوداء كانت تمر دوما، غالبا فى خلال أسابيع، ولكن وولف لم تكن فقط خائفة من النوبة القادمة، وإنما كان قلقة أيضا من كون عدم استقرارها العقلى سيمنعها من الحفاظ على عملها ككاتبة. خوفها من الجنون قادها، عندما بدأت تكتب الروايات، لتكتب روايتين تقليديتين نسبيا: (رحلة إلى الخارج)، (ليل ونهار). أرادت أن تثبت لنفسها وللآخرين أنها عاقلة بما يكفى (ولمعظم الوقت) لتكتب روايات مثل تلك التى يكتبها الروائيون الآخرون. وليس مجرد هذيان وصراخ امرأة مجنونة. وهى كانت مدفوعة أيضا برغبتها فى أن تظهر بصحة جيدة أمام محرر كتبها جورج داكورث، أخوها من الأم، والذى تحرش بها عندما كانت فى الثانية عشر. وولف أرادت أن تظهر لداكورث أنه لم يسبب لها أى ألم مستمر. وليس من الصعب أن نتخيل أنه لا يوجد كتاب رجال كثيرون مروا بنفس الموقف. بعد نشر رواية (ليل ونهار) وبسبب الرغبة فى تجاوز نوبات وولف وللتقليل من استثارتها، انتقلت هى وليونارد لضاحية هادئة بريتشمند، وأسسا دار نشر فى قبو منزلهما. هنا كان ميلاد دار نشر هوجارث، التى كانت إحدى منشوراتها الأولى رواية وولف غير التقليدية (غرفة جاكوب). نشر كتبها بالاشتراك مع ليونارد أدى لاختلاف حاسم. وولف وبشكل مفاجئ أصبحت لا ترد على أحد، وأظهرت قدرتها على كتابة روايات تشبه بعضها البعض. حتى بدأت فترة كتابة أعمالها العظيمة والتى استمرت حتى موتها. فلم تعد تريد إثبات أى شىء لأى أحد. (غرفة جاكوب) تبعتها بـ (السيدة دالواى)، (إلى المنارة)، (أورلاندو).. إلخ.
هذه الحرية الجديدة كانت محورية لوولف كفنانة، ولكنها لم يكن لها تأثير كبير على وقوعها المتكرر فى نوبات الاكتئاب، التى ابتليت بها طوال حياتها. العلاج النفسى لم يكن حتى قد بلغ طفولته آنذاك – فى هذا الوقت نشرت هوجارث أخيرا الكتب المبكرة لفرويد – ولم يكن هناك علاج متوفر لوولف. فى العشرينيات كان يقال إن الاضطرابات النفسية سببها تلوث الأسنان، هذا الذى يصل بطريقة ما إلى المخ. خلعت عدد من أسنانها، ولكن هذا لم يحل المشكلة.

ورغم ذلك، وإن كانت وولف على علاقة وطيدة بالحزن العميق أكثر من معظم الناس، إلا أنها مع ذلك، بتجل غامض للإرادة، كانت أفضل من الكثيرين فى نقل البهجة الخالصة لكونها حية. اللذة العادية فى الوجود ببساطة فى العالم فى يوم ثلاثاء عادى فى شهر يونيو. وهذا واحد من الأسباب التى تجعلنا نحن الذين نحبها، نحبها بهذا الشغف. فكرة أن الأمور قد تكون أسوأ. ولكنها تظل مصرة على التأكيد على الجمال البسيط والدائم، وإن كان ملاحقا بالفناء كما يلاحق الجمال دوما. إعجاب وولف بالعالم، وتفاؤلها به، هما تأكيدان يمكننا أن نثق فيهما لأنهما أتيا من كاتبة رأت أعماق الأعماق. فى كتبها تظل الحياة عظيمة ورائعة واحتفالية؛ إنها تتجاوز أعمق الإحباطات.
قرأت (السيدة دالاواى) لأول مرة وأنا طالب ثانوى بالمدرسة. كنت بطريقة ما متكاسل عن الدراسة، لم أكن صبيا من النوع الذى يختار كتابا مثل هذا ليقرأه (وأؤكد لك أننى لم أفعل هذا، لقد كان جزءا من المنهج فى مدرستى المتكاسلة بلوس أنجلس). قرأته فى محاولة يائسة لأثير إعجاب الفتاة التى كانت تقرأها فى هذا الوقت. أردت، لأغراض عاطفية تماما، أن أبدو أكثر ثقافة مما أنا عليه.

(السيدة دالواى)، من أجل هؤلاء الذين لا يألفونها، تتعلق بيوم من حياة كلاريسا دالواى، سيدة المجتمع التى تبلغ من العمر 52 عاما. تخرج فى الرواية لتشترى احتياجاتها، وتقابل حبيبا قديما لم تعد مهتمة به، تنام القيلولة وتنظم حفلا. هذه هى الحبكة.

على أى حال، نحن لسنا منحصرين فى الرواية عند وجهة نظر كلاريسا، فتيار الوعى ينتقل من شخصية إلى شخصية كما تنتقل العصا من عداء إلى عداء فى سباق الجرى. فندخل عقل بيتر وولش العاشق القديم، ونذهب فى رحلة التسوق مع إليزابيث ابنة كلاريسا. ونقضى وقتا معقولا مع سبتيموس وارين سميث، المقاتل الذى يعانى عصاب ما بعد الحرب (الحرب العالمية الأولى) وغير المتوازن عقليا. ونحن ندخل أيضا لأوقات قصيرة فى عقول شخصيات عابرة تماما؛ الرجل الذى يمر بكلاريسا فى شارع بوند، المرأة الكبيرة التى تجلس على مقعد بالهايد بارك. نحن نعود دوما لكلاريسا، ولكننا نرى وهى تمضى فى يومها المفرط فى عاديته أنها محاطة بتراجيديات وكوميديات متنوعة حولها. نحن نتفهم أن كلاريسا، وهى أى أحد، أثناء أداءها اليومى هى فى الحقيقة تتحرك داخل العالم الواسع، وتغيره بشكل محدود ببساطة عن طريق الظهور فيه.

فى (السيدة دالواى) تؤكد وولف على أن يوم فى الحياة، حياة أى شخص، يحتوى، إذا نظرت له باهتمام كاف، على الكثير مما يحتاجه المرء ليعرف كل شىء عن الحياة الإنسانية، شىء أشبه بالطريقة التى تظهر لنا فيها خريطة الكائن الحى كله عن طريق شريط الدى إن إيه. فى (السيدة دالواى) والروايات الأخرى لوولف، نعرف أنه لا توجد حيوات تافهة، فقط طرق غير لائقة فى النظر إليها.

لم أكن، وأنا فى الخامسة عشر، أفهم أى من ذلك. لم أفهم (السيدة دالواى) وفشلت تماما فى محاولاتى للظهور ذكيا أمام تلك الفتاة (ليباركها الله أينما كانت الآن.)، ولكن كان بإمكانى أن أرى، حتى وأنا طفل جاهل وكسول، كثافة وسيمترية وقوة جمل وولف. كنت أتعجب، أنها تتعامل باللغة بطريقة أشبه بتعامل جيمى هندريكس مع الجيتار[1]. أعنى بذلك أنها تتخذ طريقا ما بين الفوضى والنظام، هى تعزف، وفقط عندما يبدو أن الجمل ستشط نحو الفوضى، تعيدها مرة أخرى إلى النظام بشكل منسجم.

كانت خبرتى الوحيدة مع الجمل قبل ذلك منحصرة على الجمل التقريرية. أما جمل وولف فقد كانت موحية. بدا أنه من الممكن أن تكون الكتب الأخرى محتوية على نفس العجائب. وكما اكتشفت فبعض الكتب تحتوى على ذلك بالفعل. قراءة (السيدة دالواى) غيرتنى، شيئا فشيئا، لأصبح قارئا.

بعد عشرات السنوات من القراءة الأولى، التى جعلتنى مرتبكا ومندهشا، والتى غيرتنى، حاولت أن أكتب رواية عن وولف و(السيدة دالواى). وصلت للفكرة وأنا قلق بشكل مفهوم. من جهة فالمرء إذا وقف بالقرب من شخص عبقرى، فيكون أقرب إلى أن ينظر لنفسه كشخص أصغر مما هو عليه فى الحقيقة، ومن جهة أخرى فأنا رجل، ووولف ليست فقط كاتبة عظيمة ولكنها أيقونة نسوية، وهناك تأكيد طويل الأمد لإحساس أنها تنتمى للنساء.

ما زلت أريد أن أكتب كتابا عن قراءة كتاب. (السيدة دالواى) على الرغم من عدم فهمى العام لأغراضه الكبرى، أظهر لى، فى سن مبكرة نسبيا، ما الذى يمكن فعله بالحبر والورق. يبدو أنه بالنسبة لبعضنا فقراءة كتاب بعينه فى وقت معين هو خبرة حياتية جوهرية، تتساوى هنا مع مصادرنا ككتاب بالخبرات الملهمة التى تقدمها الروايات التقليدية مثل الحب الأول وفقدان الأب، والزواج الفاشل.. إلخ.

مع تشككى الكبير، قررت أنه من الأفضل أن تخاطر بالدخول فى نار محرقة من أن تكتب كتابا وأنت تعرف أنك قادر على كتابته. هكذا بدأت.

روايتى (الساعات) أساسها هو إعادة سرد معاصرة لـ(السيدة دالواى)، أنا تساءلت كم ستتغير شخصية كلاريسا دالواى عن طريق عالم يكون لدى الناس فيه مدى واسع من الإمكانيات. هذه الفكرة أثبتت أنها مجرد فكرة جيدة ولكنها لم تدفعنى للكتابة، نحن بالفعل لدينا السيدة دالواى، سيدة دالواى الرائعة، من فى العالم يريد واحدة أخرى.

ولكونى مصرا (والإصرار هو ميزة جوهرية لأى روائى) لم أمل لفكرة ترك الكتاب تماما. حاولت أن أكتبه بحبكة مزدوجة، أبدل فيه بين الفصول التى تتحدث عن السيدة دالواى المعاصرة والفصول المتعلقة باليوم الذى فى حياة وولف والذى بدأت فيه كتابة الكتاب؛ عندما بدأت وهى متشككة ومضطربة فى وضع الجمل الافتتاحية للكتاب الذى سيبقى إلى الأبد. أنا حاولت حتى كتابة قصة وولف فى الصفحات ذات الأرقام الفردية وقصة كلاريسا فى الصفحات ذات الأرقام الزوجية، بحيث يقبلان بعضهما فى كل مرة تقلب الصفحة. مثل هذه الأفكار يكون لها معنى أثناء الوحدة وأنت فى مكتبك أكثر مما تظهر للناس.

ولكن رغم تضمين العنصر الثانى ظل الكتاب غير مضبوط. ورفض أن يتلاءم مع الأداء الأدبى. ظل بعناد فكرة رواية أكثر منه رواية بالفعل.

عند هذه النقطة قررت أن أدع الكتاب، وأن أكتب بدلا منه كتابا آخر. وفى صباح أحد الأيام وأنا جالس على جهاز الكمبيوتر سمحت لنفسى أن أتساءل عما تعنيه وولف بالنسبة لى، بما يكفى لأقضى معظم العام فى كتابة رواية منحوسة عنها وعن عملها. بالطبع أنا أحببت (السيدة دالواى)، ولكن كل روائى أحب عددا من الكتب والقليل منهم شعروا بحاجة لكتابة كتب جديد عن تلك القديمة. (المثال الذى يأتى للذهن هو رواية جان ريس بحر سارجاسو الواسع، الذى كان يعيد، كما نعرف، سرد رواية جين إير من منظور بيرثا، زوجة روتشستر الأولى.)

ما مشكلتى إذن؟ جالسا على الكمبيوتر، تخيلت كلاريسا دالواى، وتخيلت وولف صانعتها وهى تجلس خلفها، وتلقائيا تخيلت بعدها أمى وهى جالسة خلف وولف.

كما فكرت فى الأمر، بدأت أتعامل مع أمى على أنها الشخصية المنطقية الثالثة. أمى كانت ربة منزل، من نوع النساء اللواتى دعته وولف بـ "ملاك المنزل"، وهى وهبت، مثل العديد من الملائكة، نفسها لحياة كانت صغيرة جدا عليها. كانت دائما تبدو لى كملكة أمازونية، أُسرت وأحضرت إلى الضواحى، حيث أجبرت على العيش فى سجن لم يكن ليحتويها، ولكنه احتواها جبرا.

أمى كانت تتخلص من مشاعرها الغاضبة بالتركيز على كل تفصيلة ممكنة. كان يمكنها أن تقضى نصف نهارها لتختار مناديل المائدة المناسبة للحفل. كان تحضر كل وجبة بشكل رائع، ولكنها تظل قلقة إن كانت أخفقت. حتى أن الجراثيم قررت فى النهاية عدم دخول المنزل تماما، لأنها عرفت أنها لن تجد مكانا فيه.
 
جالسا أمام الكمبيوتر، تساءلت؛ إن محوت الهدف الأعظم – بالنسبة لامرأة يكون رواية، وبالنسبة لأخرى يكون منزلا نظمته جيدا وحافظت عليه بحيث منعت التلوث والحزن من الوجود فيه – فأنت تقوم فى الحالتين بنفس الجهد. هذا هو الأمر. الرغبة فى إدراك المثل الأعلى، فى لمس المتعالى، فى خلق شىء أعظم مما يمكن ليد وعقل الإنسان أن تخلقانه، بغض النظر عن مدى موهبة تلك الأيادى والعقول.

بدا بشكل أساسى أن أمى ووولف مرتبطتان بمهمتين متشابهتين؛ الإثنتان تسعيان نحو مثل مستحيلة، والاثنتان لم تشعرا بالرضا، سواء بكتاب أو بكعكة، فى الحالتين لم يرضيا رغبتهما فى الكمال، هذا المعلق بعيدا عن المتناول.

هذا التشابه يبدو حقيقيا من خلال مضمون أعمال وولف، التى أصرت على أنه لا توجد حياة يمكن أن تهجر، وأن حيوات النساء تكون عرضة للرغبة فى الهجران أكثر من حيوات الرجال.

وهكذا أعدت تسمية أمى بلورا براون (وفقال لمقال لوولف معنون بـ "السيد بينيت والسيدة براون")، أصبح الكتاب ذا حبكة ثلاثية، وانطلقت من هنا.

ورغم أن الكاتب العظيم هو أولا وأخيرا كاتب عظيم، بغض النظر عن حياته أو حياتها أو أموره الذاتية، إلا أن وولف ربما تكون أعظم مؤرخة لحيوات النساء. نساءها لسن سيدات شهيرات لديهن سمعة. ومهاراتهن أقرب للمهارات النسائية التقليدية. السيدة دالواى مثل السيدة رمزى فى (نحو المنارة) هى مضيفة مثالية. الاثنتان لديهما موهبة كبيرة فى تنظيم حفل غداء، ويستطيعان مساعدة أى شخص ليشعر بالارتياح، ويتأكدان من كون الطعام وتنظيم الأطباق فى حالة مثالية. لعشرات السنوات بعد هذه الفترة، تحن نزدرى بشكل كبير هذه القدرات. والأفضال، كما يمكن أن يقال، التى للنساء اللواتى يعانون المشكلات العالمية، لا تزال حتى فى 2011 تنسب عموما للرجال.

جزء من عبقرية وولف يكمن فى رفضها النزول متعاطفة مع شخصياتها، ورفضها لتعظيمهن. ولكن الرجال فى رواياتها هم الذين يبدون سخيفين بعض الشىء؛ ريتشارد دالواى وعمله الصغير بالقضاء، السيد رمزى وحاجته المستمرة لإعادة التأكيد على عبقريته وقوته وقدراته. فبينما يعمل الرجال ويعبرون عن قلقهم ويندبون حظوظهم فى العالم، تبث النساء الحياة فى الرجال وفى عائلاتهن وفى بيوتهن. النساء هن التيارات الكهربية التى تسرى فى الغرف. النساء ليسوا فقط مصادر الراحة بل أيضا الحياة والاكتمال. النساء يعرفن أنه فى النهاية، نحن نظل فى حاجة إلى الطعام والحب، حتى بعد أن يأخذ وظائفنا الشباب، وتنتقل أعمالنا الأرضية إلى رفوفهم.

وولف كانت، وهذا لا يفاجئنا، غير واثقة مما تكتب، حتى لو كانت تكتبه بشكل رائع. هى كانت تعتقد أن أختها فانيسا التى كان لديها أطفال وعشاق وشعور عام بالحرية المهملة مع إخلاصها لنفسها ولرسومها هى الفنانة الحقيقية. وولف كانت تعرف أن أختها ربما لا تكون بالضرورة أعظم المثقفات، ولكننها ظلت تشعر بأن فانيسا ذات روح متوهجة فى حين أنها هى الخالة الثقيلة والنحيلة والعقيمة (زواجها بليونارد كان ودودا ولكنه لم يكن مفعما بالعاطفة) التى تقضى حياتها فى كتابة الكتب. هذه المهمة مثيرة للإعجاب ولكنها جافة جدا إن قورنت برعاية أسرة.

كانت تشعر بهذا حتى وهى تكتب (غرفة تخص المرء وحده)، الوصايا النسوية القديمة. التى يبدو أنه ليس من السهل عدم تنفيذها بشكل أكبر مما نتصور. ربما يمكن أن تقول أنه من معايير العظمة هو قدرة الفنان على التعالى على نفسه وعلى شخصيته، على قلقه وعلى خطاياه. وولف كانت تطلب المساواة للنساء، وفى نفس الوقت، كانت قلقة لأن عقمها كان يعنى أن حياتها كانت عبارة عن فشل.

(الساعات)، والذى كان العنوان المبدئى لرواية وولف (السيدة دالواى) فاجئت كاتبها وناشرها ومحررها، لأنها فرت مما كان يبدو المصير الواضح، وهى أن تُقرأ (غالبا بعدم رضا) من عدد قليل من معجبى وولف وبعدها تسير بما جمعته من كرامة نحو أرفف الكتب المهجورة. ولكنها باعت بشكل جيد (وفقا لقواعد الأعلى مبيعا) وبعدها وهى مفاجأة كبرى للجميع، تحولت إلى فيلم من المعروف أنه ناجح. حيث لعبت فيه نيكول كيدمان دور فيرجينيا وميريل ستريب كلاريسا، وجوليان مور دور لورا. عدد من الناس سألنى عما أعتقد أنه سيكون رأى وولف فى الكتاب والفيلم. أنا متأكد أنها كانت ستكره الكتاب، فقد كانت ناقدة حادة. وربما سيكون لديها تحفظات على الفيلم، وإن كنت أعتقد أنه كان سيسرها أن ترى نجمة سينمائية من هوليود تقوم بدورها.

أمى، الشخص الحى الوحيد الذى ظهر فى الكتاب، لم يعجبها الكتاب، وإن كانت ادعت بشجاعة أنها تحبه. أنا، المخلوق الأنانى، اعتقدت أنها ستكون سعيدة لفكرة أننى اعتبرت حياتها مهمة بما يكفى لتوضع فى رواية. ولكن لم يكن يخطر ببالى أنها ستشعر بالاستباحة والخيانة، وأن حياتها لم تفسر بشكل صحيح. أيتها الأمهات، لا تنشئن أولادكن ليصبحوا روائيين.

بعد عدة سنوات من نشر الرواية، وأثناء تصوير الفيلم، أكتشف أن امى مصابة بالسرطان. لم يكن هذا معروفا لمدة طويلة، وحينما عرفناه كان قد مر وقت طويل. عاشت لمدة أقل من عام بعد التشخيص.

كنت فى لوس أنجلس معها، ومع أبى وأختى أثناء أيامها الأخيرة. اتصلت بسكوت رودين، منتج الفيلم، وقلت له: أنا لا أعتقد أن أمى ستكون قادرة على مشاهدة الفيلم، هل يمكن أن ترتب لها رؤية أى شىء جاهز منه؟ رودين كان لديه عشرون دقيقة من المشاهد يمكن أن تعرض على شريط فيديو، أحضره مندوب إلى منزل أسرتى، وضعته فى التلفزيون فى حين انتظر المندوب بهدوء فى غرفة أخرى.

وجدت نفسى جالسا مع أمى المريضة والمحتضرة على أريكة كانت لدينا منذ كنت فى الخامسة عشر، نشاهد جوليان مور وهى تقوم بدورها، وكأن عملية تناسخها قد تمت وهى لا تزال حية.

هذه حادثة صغيرة جدا بالنسبة لطبيعة الأشياء. إنها من مظاهر الرحمة الصغيرة. إلا أنه بعد عشر سنوات، ما زلت مذهولا من طبيعة الأحداث؛ فمن جهة لدينا وولف التى تبدأ روايتها الجديدة، قلقة من كونها لن تكون أكثر من كونها رغبة عن كتابة تجربة فاشلة أخرى لإنسان آخر، مكتوبة بواسطة امرأة غريبة الأطوار أكثر من كونها عبقرية، كاتبة متطلبة تهتم بحيوات نساء عاديات فى عالم محاصر بالمعارك والآلام، ومهدد بأن يفنى كله. ومن جهة أخرى، وبعد 70 عاما، لدينا أمى، المرأة التى ربما ومن الممكن أن تكون قد كتبت عنها، ترى ممثلة متألقة تقوم بدورها، وتعرف (على الأقل أتمنى أن تعرف) أن حياتها تعنى أكثر مما سمحت لنفسها أن تتخيل.



[1]  جيمى هندريكس (1942-1970) أمريكى، من أشهر وأهم عازفى الجيتار فى العالم.