"لست متأكدا متى كانت أول مرة رأيت فيها ليديا فانس. كان هذا من حوالي ست سنوات، وكنت قد تركت لتوي عملي الذي ظللت فيه لإثنى عشر عاما كموظف بالبريد، وكنت أحاول أن أصير كاتبا. كنت خائفا وكنت أشرب أكثر من أي وقت مضى. كنت أحاول كتابة روايتي الأولى. كنت أشرب بينت من الويسكي ودستة زجاجات بيرة كل ليلة أثناء الكتابة. كنت أدخن السيجار الرخيص وأدق على الآلة الكاتبة وأشرب وأستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية من الراديو حتى الفجر. وضعت لنفسي هدفا ان أكمل عشر صفحات كل ليلة ولكني لم أكن أعرف عدد الصفحات التي كتبتها إلا في اليوم التالي. كنت أستيقظ في الصباح واتقيأ، ثم أسير إلى الحجرة الأمامية وأنظر إلى الأريكة لأرى كم عدد الصفحات هناك. كنت دوما أتجاوز العشرة. أحيانا يكون هناك 17، 23، 25، صفحة. بالطبع عمل كل ليلة كان يجب أن يُراجَع أو يلقى به. تطلب الأمر 12 يوما لأكتب روايتي الأولى".
***
"أنا وليديا كنا نتشاجر دوما. كانت لعوبا وهذا كان يغضبني. عندما كنا نأكل بالخارج أكون واثقا من أنها تضع عينيها على رجل ما في الغرفة. وعندما يزورني أصدقائي وليديا موجودة يكون بإمكاني سماع حواراتهم وهي تتحول إلى حميمية وجنسية. كانت دوما تجلس قريبا جدا من أصدقائي وتجعل نفسها لصيقة بهم بقدر الإمكان. كان الشرب هو الذي يغضب ليديا. كانت تحب الجنس، والشُرب وقف في طريق ممارسة الحب. تقول: "إما أنك ثمل جدا لتفعل ذلك في الليل، أو مريض جدا لتفعل ذلك في الصباح". كانت تغضب إن شربت حتى زجاجة بيرة أمامها. كنا ننفصل مرة أسبوعيا على الأقل - "إلى الأبد" - ولكن دوما كنا نستطيع العودة بشكل ما. كانت قد انتهت من نحت التمثال الرأسي الخاص بي وأعطته لي. عندما كنا ننفصل كنت أضع الرأس في سيارتي بجانبي في المقعد الأمامي، وأقودها إلى منزلها وأضعه أمام الباب عند المدخل، ثم أذهب لكابينة التليفون وأرن عليها وأقول "رأسك اللعين على الباب". وهكذا ظل الرأس ذاهبا وعائدا".
***
اشترى لي دوني شرابا وأخذ يتحدث هو وديدي. بديا يعرفان الناس أنفسهم، ولم أكن أعرف أي منهم. أخذ الأمر وقتا طويلا ليثيرني. لم أكن أهتم، لم أكن أحب نيويورك، لم اكن أحب هوليود، لم أكن احب موسيقى الروك، لم أكن أحب شيئا. ربما كنت خائفا. هذا هو الأمر. كنت خائفا، أردت أن أجلس وحدي في غرفة مظلمة. كنت أتغذى على ذلك. كنت سيء الطبع، كنت مجنونا، وليديا تركتني.
أنهيت شرابي وطلبت ديدي آخر. بدأت أشعر أنني مدعوم ماديا وهذا بدا أمرا عظيما. ساعدني على تجاوز الكآبة. لا يوجد شيء أسوأ من أن تكون مفلسا وتكون امرأتك قد تركتك. لا شيء لتشربه، لا عمل، فقط الحيطان، تجلس هناك وتحدق في الحيطان وتفكر. هكذا تعاقبك النساء، ولكن هذا يؤذيهن ويضعفهن أيضا. أو هذا ما أردت أن أؤمن به".
***
طلبت ديدي شرابا آخر وسألتني: "ما الذي يمنعك من أن تكون مهذبا مع الناس".
قلت: "الخوف".
***
"كنت سعيدا أنني لا أحب. وأنني لست سعيدا من العالم. أحب أن أكون في خلاف مع كل شيء. الناس الذي يحبون يصبحون عصبيين، خطرين. يفقدون حس الإدراك لديهم.
يفقدون مرحهم. يصبحون غاضبين، مملين عصابيين. يصبحون قتلة".
***
"لقد غبت لفترة طويلة، أنظر إليّ، لقد ضاجعتها، أليس كذلك؟"
"لا، لم أفعل"
"لقد قضيتما وقتا طويلا جدا. أنظر، لقد خربشتك في وجهك!"
"كما قلت لك، لم يحدث شيئا"
"اخلع قميصك، أريد أن أنظر لظهرك"
"اللعنة عليك يا ليديا"
"اخلع قميصك وملابسك الداخلية"
خلعتهم، ونَظَرت إلى ظهري.
"ما هذه الخربشة التي في ظهرك؟"
"أي خربشة؟"
"هناك خربشة طويلة هنا... من ظفر امرأة".
"لو كانت هناك واحدة فأنت من صنعتها"
"حسنا، أعرف طريقة لاكتشاف الأمر"
"كيف؟"
"دعنا نذهب إلى السرير"
"حسنا"
اجتزت الاختبار، ولكني فكرت بعد ذلك، كيف يمكن لرجل أن يختبر إخلاص امرأة، لم يبد هذا عادلا.
***
"لو كنت ولدت امرأة كنت سأصبح عاهرة، ولكن طالما ولدت رجلا فأنا أبحث عن النساء باستمرار. كلما كن ساقطات كان أفضل. فالنساء، النساء الطيبات، يخيفنني لأنهم في النهاية يريدون روحك، وما تبقى مني أريد أن أحتفظ به. بشكل أساسي كنت أسعى وراء العاهرات والساقطات، لأنهن كن صعبات وقاسيات ولا يطلبن مطالب شخصية. لا يوجد شيء لتخسره عندما يرحلن. وفي الوقت نفسه، كنت أشتاق لامرأة لطيفة وطيبة بدون دفع الثمن الباهظ. في كلتا الحالتين كنت ضائعا. رجل قوى كان سيتخلى عن النوعين، ولكني لم أكن قويا. بالتالي استمررت في الكفاح مع النساء، مع فكرة النساء".
***
"العلاقات الإنسانية غريبة. أعني، أنك تكون مع امرأة لفترة، تأكل وتنام وتعيش معها، تحبها، تتحدث إليها، تذهبان إلى الأماكن المختلفة معا، ثم يتوقف الأمر. ثم تأتي فترة قصيرة لا تكون فيها مع أي أحد، ثم تأتي امرأة أخرى، وتأكل معها وتضاجعها ويبدو كل شيء طبيعيا، وكأنك بالضبط كنت تنتظرها وهي تنتظرك. لم أشعر بحال طيب وأنا وحدي، في بعض الأحيان يكون الأمر حسنا، ولكني لا أشعر بحال طيب أبدا".
***
"هناك مشكلة لدى الكُتّاب؛ إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع الكثير، الكثير من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع عددا متوسطا من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع عددا محدودا من النسخ يظن الكاتب أنه عظيم. إن لم يُنشَر ما كتبه الكاتب ولا يكون لديه المال لينشره بنفسه، بالتالي يظن أنه عظيم جدا. الحقيقة على كل حال هو أنه لا توجد الكثير من العظمة. هي تقريبا غير موجودة، غير مرئية. ولكن يمكنك أن تكون متأكدا من أن أسوا الكتاب لديهم أعظم ثقة، وأقل تشكك في النفس. على كل حال يجب تجنب الكتاب، وأنا حاولت تجنبهم، ولكن هذا كان مستحيلا بشكل كبير. هم يأملون في نوع من الأخوية، نوع من التجمع. ولا علاقة لهذا بالكتابة، ولا يفيد هذا أمام الآلة الكاتبة".
***
"التقبيل أكثر حميمية من المضاجعة. هذا هو سبب أنني لا أحب أبدا أن تُقَبِّل صديقاتي الرجال. أُفَضِّل أن يضاجعوهم عن ذلك".
***
" هل أحببت من قبل؟"
"أربع مرات".
"ما الذي حدث؟ أين هن الآن؟"
"واحدة ماتت، والثلاثة الآخرين كانوا رجالا".
***
"عندما تتحول المرأة عنك، انس الأمر. بإمكانهن أن يحببنك، ثم يتحول شيء ما بداخلهن. يمكنهم أن يشاهدوك وأنت تموت في مزراب، أو يشهدون سيارة وهي تمر من عليك، وسوف يبصقون عليك".
***
"فكرت وأنا أصب لي شرابا أن هذه هي المشكلة في الشُرب؛ إن حدث لك شيئا سيئا تشرب من أجل أن تنسى، وإن حدث لك شيئا طيبا تشرب من أجل أن تحتفل، وإن لم يحدث شيئا، تشرب حتى تجعل شيئا يحدث".
***
"من أين تأتي كل هذه النساء؟ التموينات لا تنتهي. كل واحدة منهن متفردة، مختلفة، فروجهن مختلفة، قبلاتهن مختلفة، صدورهن مختلفة، ولكن لا يوجد رجل بإمكانه أن يشربهن جميعا، هناك العديد منهن، يضعن ساقا على ساق، يقدن الرجال إلى الجنون، يا لها من احتفالية".
***
"كنت دوما أستمتع بوجودي في بيوت النساء أكثر من أن يكنّ موجودات في بيتي، عندما أكون موجودا في بيوتهن، يمكنني الرحيل في أي لحظة".
***
"في النهاية كان الأمر أشبه بما كانت ليديا معتادة أن تقوله: "إن أردت أن تشرب فلتشرب، إن أردت أن تضاجع فارم الزجاجة". المشكلة كانت في أنني أريد أن أفعل الإثنين".
***
"كنت أكره المتاجر، كنت أكره الموظفين، يتصرفون كأنهم في مكانة أعلى، يبدون كأنهم يعرفون سر الحياة، لديهم ثقة لا أملكها. حذائي كان دوما قديما وتالفا، ولكني أكره متاجر الأحذية أيضا، أنا لم أشتر أي شيء إلا لو ما كان لديّ غير قابل للاستعمال تماما، هذا يتضمن السيارات. إنها ليست مسألة إدخار، أنا فقط لا أستطيع أن أكون شار يحتاج إلى بائع، بائع وسيم جدا وسطحي ومتعالي. وإلى جانب هذا فكل ذلك يستنفد وقتا، وقتا يمكنك أن تستلقي فيه وتشرب".
***
"تتحدث عن الشرب كثيرا في كتبك. هل تعتقد أن الشرب يساعد في الكتابة؟"
"لا. أنا مجرد مدمن للكحوليات أصبح كاتبا حتى يستطيع أن يظل في السرير حتى الظهيرة".
***
"فكرت في لحظات الانفصال، كم هي صعبة، ولكن عادة بعد انفصالك مباشرة عن امرأة تقابل امرأة أخرى. كان عليّ أن أتذوق النساء من أجل أن أعرفهن حقا، أن أتسلل بداخلهن. كان بإمكاني ابتكار رجال في عقلي لأنني رجل، ولكن النساء بالنسبة لي كانوا غالبا مستحيلين على التخيل بدون أن أعرفهن في البداية. بالتالي استكشفتهن بأفضل طريقة ممكنة لي ووجدت بشرا بداخلهن. سيتم نسيان الكتابة. ستصبح الكتابة أقل من التجربة نفسها حتى تنتهي التجربة. الكتابة مجرد بقايا. ليس على المرء أن تكون لديه امرأة من أجل أن يشعر بالحقيقة بقدر الإمكان، ولكن سيكون جيدا إن عرف بعضهن. وبعد ذلك عندما لا تستمر العلاقة سيشعر بما يعنيه أن تكون وحيدا ومهتاجا تماما، وبالتالي يعرف ما عليه أن يواجهه أخيرا، عندما تحل نهايته".
***
"النساء: كنت أحب ألوان ملابسهن، الطريقة التي يمشين بها، القسوة في بعض وجوههن، ومن آن لآخر الجمال الخالص في أحد الوجوه؛ أنثوي وساحر تماما. لديهن ما يتفوقن به علينا: يخططن بشكل أفضل، ومنظمات أكثر. في حين تجد الرجال يشاهدون كرة القدم أو يشربون البيرة أو يلعبون البولينج، تفكر النساء، فينا، يركزن، يدرسن، يقررن، إن كن سيقبلننا، يرفضننا، يستبدلننا، يقتلننا، أو يتركننا ببساطة. في النهاية لا يهم أي من تلك الأشياء يحدث، لا يهم ما يفعلن، فنحن ننتهي وحيدين ومصابين بالهذيان".
***
"لا تستمر العلاقات الإنسانية بأي طريقة. فقط أول أسبوعين يحتويان على بعض الحيوية، ثم يبدأ المشاركان في فقدان اهتمامهم. تسقط الأقنعة ويبدأ الناس الحقيقيون في الظهور: سيئو الطبع، الحمقى، المجانين، المنتقمون، الساديون، القتلة... أقصى ما يأمله المرء في علاقة هو عامان ونصف. مونجوت ملك سيام كان لديه 9,000 زوجة ومحظية، الملك سليمان في العهد القديم كان لديه 700 زوجة، أوجوست القوي حاكم ساكسونيا كان لديه 365 زوجة، واحدة لكل يوم في العام. الأمان موجود في الأعداد".
النساء
تشارلز بوكوفسكي
الاقتباسات من ترجمتي عن الأصل الإنجليزي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق