الجمعة، 10 يناير 2014

أولاد حارتنا _ نجيب محفوظ

عنوان الكتاب:  أولاد حارتنا

المؤلف: نجيب محفوظ

الناشر: دار الآداب -بيروت

الطبعة السادسة،1986.

الرابط:حمل من هنا


تعتبر رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ من حيث المضمون، الرواية الأكثر تطرفًا في إثارة حفيظة الأوساط المتدينة والمحافظة، وأكثرها جرأةً في تناولها للذات الإلهية منذ الفترة الاعتزالية وحتى يومنا هذا.. حيث اعتبر المعنزلة الله منزهاً من الأخطاء فعُطّلت صفاتُه ثم أُطلق عليها اسم "المعطلة". وهذه الرواية تسرد لنا حياة الأنبياء كما رآها محفوظ من وجهة نظره. وفيها يحاول الكاتب أن يصوّر للقراء مدى الظلم الإلهي الذي حلّ بالبشر وخصوصًا الضعفاء، منذ أن طرد الله آدم من الجنة وحتى اليوم، ثم طرد الربُ الذي أصبح عجوزًا لا يقوى على شيء، الأشرارَ يعيثون في الأرض فسادًا وينزلون أشد العقوبات بالضعفاء.. كما أنه نسي وتناسى أن يعطي الفقراء نصيبهم من هذه الدنيا..
ولعله يبدأ هذه الرواية بقصة شخص يدعى الجبلاوي – وهو الله – وأظن أنه استقى الاسم من كلمتين: الأولى جلّ جلاله والثانية من الجبل الذي يرمز إلى العلو والشموخ والرفعة. كان كثير الحريم يسكن في بيت كبير فيه حديقة جميلة. ثم أنجب الجبلاوي أولادًا أكبرهم "إدريس" – وهو إبليس- لا حظ التشابه في الأسماء، الذي اعترض وإخوته على قرار والدهم في اختيار أخيهم أدهم – وهو آدم- ليدير الوقف تحت إشرافه.. وجاء اعتراض إدريس لهذا القرار أولا: لكونه أكبر الإخوة سنًا وله حقوق ينبغي أن لا تهضم.. وثانيًا: لأنه وإخوته من أبناء هانم من خيرة النساء، أما أدهم فهو ابن جارية سوداء. أما الأخوة عباس وجليل ورضوان الضعفاء فلم يستطيعوا الصمود أمام صلابة أبيهم فوافقوا على مضض. ثم نعتهم إدريس بأنهم جبناء ولم يتوقع منهم الهزيمة المزرية.. وبسبب جبنهم سوف يتحكم فيهم ابن الجارية.. وواصل إدريس اعتراضه وصياحه حتى أغضب والده فطرده من البيت الكبير إلى الأبد ليخرج إلى الأرض الواسعة. "ما أهون الأبوة عليك، خلقت فتوة جبارا فلم تعرف إلا أن تكون جبارًا، ونحن أبناؤك تعاملنا كما تعامل ضحاياك العديدين.." (1)
أما أدهم فقد أخذ يمارس عمله بهمة ونشاط حيث يقوم في تحصيل أجور الأحكار وتوزيع أنصبة المستحقين وتقديم الحساب إلى أبيه.. وكان أدهم قد أحب الجلوس في الحديقة – وهي الجنة- حيث سكانها المغردون، والماء، والسماء، ونفسه النشوى.. ثم يجلس فيها كل مساء ينفخ في نايه ألحانه الجميلة. ثم يتزوج من جارية قريبة لأمه تدعى "أميمة" – وهي حواء..
وفي أحد الأيام ينفجر الأب غضبًا حين اكتشف أن الخادمة نرجس قد ظهرت عليها أعراض الحمل فاستُجوبتْ حتى اعترفتْ بأن إدريس اعتدى عليها قبل طرده.. فقام الجبلاوي بطردها وغادرت البيت الكبير وهي تصيح وتلطم خديها. فعثر عليها إدريس وألحقها بركابه وبنى لها كوخًا صغيرًا قرب البيت الكبير.
تسلل إدريس ذات يوم إلى إدارة الوقف حين وقف مستأجرو الأحكار الجدد ، الذين يستقبلهم أدهم، في طابور كبير .. ثم وقف أمام أدهم وطلب منه بلهجة فيها من الكثير الرقة والأدب أن يعرف إن كان أبوه قد حرمه حقه في الميراث عن طريق الوصول إلى الحجة المكونة من مجلد ضخم – في القرآن : الشجرة- موجود في غرفة متصلة بمخدع والدهم ولها باب صغير في نهاية الجدار الأيسر ومفتاحه فضي صغير موجود في درج الحوامة القريب من الفراش.. وعند عودة أهدم إلى البيت حدّث زوجته بما حصل له مع إدريس فدبت الحيوية في وجهها وأخذت تلح على زوجها من أجل المغامرة والوصول إلى المجلد.. وعند الفجر تسللا إلى حجرة الأب التي غادرها إلى الحديقة كعادته، لكن الجبلاوي فاجأهما حين عاد إلى حجرته لأمر طاريء وأمر بطردهما من البيت الكبير مثلما فعل قبل ذلك بإدريس ونرجس ليعيشا في الخلاء. بنى أدهم له كوخًا قريبًا من كوخ أخيه إدريس وأخذ يعمل في بيع الخيار في الأحياء القريبة.. ومع مرور الزمن أنجبت زوجته أولادًا أكبرهم "قدري" -وهو قابيل- والثاني يسمى "همام"- وهو هابيل- يعملان في رعي الأغنام التي اشتراها أبوهما بعد سنوات طويلة من العمل.. وكان الجبلاوي قد بعث البواب ويدعى العم كريم إلى عائلة أدهم ودعا همام إلى مقابلة جده الكبير الذي لا يعرفه من أجل أن يعيش في البيت وأن يتزوج ويبدأ حياة جديدة فيه.. لكن الغيرة قد دبت في قلب قدري بعد عودة همام من المقابلة. وذات يوم بينما كان الأخوان يرعيان الأغنام نشبت مشادة كلامية بينهما فالتقط قدري حجرًا وقذف به أخاه فقتله- وقتل قابيل هابيل- وركبه الخوف فحفر بعصاه بين الجبل والصخرة الكبيرة حفرة دفنه فيها. ولما عاد بالأغنام إلى الحظيرة ادعى أن أدهم غادره منذ الظهر دون أن يخبره أين هو ذاهب. ولكن عندما شاهد أدهم الدم على كم قدري أدرك أن همام قد قتل ولم يكن هناك مفر من أن يقول القاتل الحقيقة. وخرج الوالد في الليل مع ابنه القاتل إلى حيث ووري التراب وأخرجا الجثة. "تحول أدهم ووضع يديه تحت إبطي همام، وانحنى قدري واضعًا يديه تحت الساقين. رفعا الجثة معًا ، وسارا في بطء نحو خلاء الدراسة" (2) ثم دفن أدهم في مقبرة تابعة للوقف.
ثم ينتقل نجيب محفوظ بنا من قصة آدم إلى قصة موسى الذي أطلق عليه اسم "جبل" وفي اعتقادي أن اختياره لهذا الاسم يعود إلى الجبل الذي وقف عليه موسى "وكلم الله موسى تكليما" وهو جبل الطور في سيناء. حيث بدأت معالم الحارة تظهر من خلال إقامة بيوت في خطين متقابلين يبدءان من خط يقع أمام البيت الكبير ويمتدان في اتجاه الجمالية. " كان البيت الكبير قد أغلق أبوابه على صاحبه وخدمه المقربين. ومات أبناء الجبلاوي مبكرين" (3)
ويصف محفوظ أهل الحارة (أهل الأرض) بأن "منهم البائع الجوال، ومنهم صاحب الدكان أو القهوة، وكثير يتسولون، وثمة تجارة مشتركة يعمل فيها كل قادر هي تجارة المخدرات وبخاصة الحشيش والأفيون والمدافع" (4) وأخذ الأقوياء من أهل الحارة يعتدون على الضعفاء ويأخذون منهم الأتاوات.. في حين بقي الأب حيًّا مغلقًا بابه معتزلا الدنيا. أما آل حمدان (بني اسرائيل) فقد أقاموا حول البقعة التي بنى أدهم فيها كوخه. وكان هناك بيت للناظر الأفندي– والمقصود هنا فرعون- تجمهر أمامه جمع كثير من آل حمدان القريب من بيت الجبلاوي، يطالبون حقهم في الوقف فما كان منه إلا أن صاح فيهم:"هذا وقف أبي وجدي ما لكم به صلة، إنكم تتناقلون الحكايات الخرافية وتصدقونها، وما لديكم دليل أو حجة" (5). ولما خرجت لهم زوجة الناظر وحدثتهم ألقوا باللائمة على الجبلاوي قائلين: "الحق على جدنا الذي أغلق على نفسه الأبواب. تعال يا جبلاوي شف حالنا، تركتنا تحت رحمة من لا رحمة لهم" .(6)
أما جبل (موسى) فقد تربى في بيت الناظر واعتبره ابنه دون أن يعرف آل حمدان ولا يعرفونه وكان يعمل في تسجيل عقود الإيجار ومراجعة الحسابات آخر الشهر. ثم عقد اجتماع طاريء حضره جبل الذي بقي صامتًا واتفق الجميع على تأديبهم.. وكانت هدى هانم منذ عشرين عامًا قد رأت طفلا عاريًا يستحم في حفرة مملوءة بمياه الأمطار (وألقيه في اليم) فمال قلبها الذي حرمه العقم من نعم الأمومة إليه.. فأرسلت من حمله إليها وتحرّت عنه فعلمت أنه طفل يتيم ترعاه بياعة دجاج (والمقصود هنا مريم) فلما استدعتها طلبت منها أن تتنازل عن الطفل.. وهكذا تربى الطفل في بيت الناظر وأدخل الكتّاب وتعلّم القراءة والكتابة، ولما بلغ رشده ولاه الأفندي إدارة الوقف. وخرج جبل في أحد الأيام عندما فرض نظام منع التجول على آل حمدان فشاهد أحدهم قد اخترق هذا النظام ويدعى "دعبس" وعلم به أحد العاملين لدى الناظر واسمه "قِدره" وأخذ يطارده حتى أمسك به فتدخل جبل وقتله واشترك دعبس معه في دفنه. (لاحظ التشابه في القصص التي وردت في القرآن الكريم)..
ثم عقد اجتماع طاريء للتحقيق في اختفاء "قِدره".. اشترك فيه جبل واتهم أبناء حمدان بقتله واتفقوا على معاقبتهم مما دفع جبل على الاعتراض فطرد من المنظرة والحديقة التي كان يعيش فيها. ولما افتضح دعبس الأمر فرّ جبل هاربًا إلى سفح جبل المقطم ثم إلى سوق المقطم فرأى عند حافة الخلاء كوخًا من الصفائح وإلى جانبه كشك حنفية مياه عمومية، يتزاحم الناس أمامها ليملأوا أوعيتهم بالماء (لاحظ قصة موسى مع بنات شعيب مع التغيير البسيط) وبين الزحام فتاتان تراجعتا بصفيحتين فارغتين.. أخذ منهما الصفيحتين وملأها بالماء. استدعاه أبوهما المسن ويدعى "البلقيطي" (اعتقد أن اختيار الاسم هنا كان عشوائيًا لا قصد فيه) فأسكنه في بيته وزوّجه ابنته الصغرى بعد أن قص عليه قصته مع الناظر. ثم علمه البلقيطي كيف يكون (حاويًا ) يستطيع معاشرة الثعابين. كما علمه كيف يخفي بيضة في جيب متفرج ويستخرجها من جيب شخص آخر في الصف الذي يقابله ثم يرقّص الحيّة (في القرآن عصا موسى تتحول إلى أفعى) . وفي أحد الأيام يمضي جبل في الظلام ثم يوشك أن يصطدم بشبح هائل وقال له: "قف يا جبل ولا تخف أنا جدك الجبلاوي وأنت ممن يركن إليهم وما أسرتك إلا أسرتي وهم لهم في وقفي وبالقوة تهزمون البغي وتأخذون الحق وتحيون الحياة الطيبة وسيكون النجاح حليفك".(7) ثم عاد جبل إلى الحارة وتحدثوا عن مهنته الجديدة وألاعيبه السحرية. فاستدعاه الناظر وزوجته وأخبره عن عفوه عن آل حمدان. فطالبه جبل بحقوق آل حمدان في الوقف وقص عليه قصته مع الجبلاوي إلا أن الناظر رفض طلبه. ثم جرت في الحارة أحداث غريبة حين قامت الثعابين بغزو البيوت وكانوا يستدعون جبلا ثم يقف عاريًا فيتحدث بلغته السرية التي يخاطب بها الثعبان فيجيئه طائعًا. ثم ظهر ثعبان ضخم في بيت الناظر وركب الخوف الهانم والناظر حتى فكرت في مغادرة البيت واستدعي جبل فاشترط على الناظر احترام آل حمدان في كرامتهم وإعطاءهم حقهم في الوقف. فأعطاه كلمة الشرف وطلب منه تطهير الحارة من الثعابين وبدأ عمله. فازدادت شعبية جبل والتف حوله أناس كثيرون.. ولكن الناظر أخلف وعده فأعد جبل خطة احتشد رجال حمدان مدججين بالنبابيت (السيوف) ومقاطف الطوب وتوزعت النساء في الحجرات وفوق السطح.. ولما دخل الفتوات وهم (أعوان الناظر وساعده الأيمن) حي آل حمدان انهالوا عليهم ضربًا وأوقعوا منهم الكثيرين. ثم انطلقت الجموع نحو بيت الناظر واتجه البعض إلى البيت الكبير جدهم الجبلاوي أن يخرج من عزلته ليعالج ما فسد من أمورهم وأمور حارتهم . ومضى جبل إلى بيت الناظر فسمح له بالدخول فأعطي آل حمدان حقهم بالكامل. ثم ينتقل نجيب محفوظ من قصة موسى إلى قصة عيسى الذي أطلق عليه اسم "رفاعة" واختار الاسم لأن الله رفعه إلى السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق