‏إظهار الرسائل ذات التسميات أيرلنديون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أيرلنديون. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

كل الأحكام هي أحكام بالموت


الوقوف أمام المحكمة كمتهم يعني أن تكون مضطرا لتبرير نفسك أمام كل الحاضرين، غالبا أنت تحاول تبرئة نفسك من جريمة أو خطيئة، وأنت مضطر أيضا لأن تكشف نفسك وتقريبا تاريخك أمام أناس ربما لم تكن لتسمح لهم بأن يدخلوا إلى عالمك.

ميرسو بطل رواية كامو "الغريب"يتصور أمر المحاكمة (التي تمت في الفصلين الثالث والرابع من الكتاب) كله كتمثيلية، الشرطي الذي يرافق ميرسو يقول له إن كثرة القضايا تشعره بالملل، وربما الأمر كذلك بالفعل، فالقضية متكررة ربما على كل البشرية إلى جانب ميرسو، أنت محكوم عليك بالموت، الحكم جاهز ومعروف، والخطيئة/ الجريمة التي قمت بها لا تجد نفسك مسئولا تماما عنها، "كونك ولدت" كما يقول كالديرون، أو كونك قتلت عربيا فقط لأن الشمس/ الطبيعة ضغطت عليك، هذا التبرير الذي يثير الضحك عندما يقوله ميرسو في المحكمة، فهذا ليس سببا معقولا، وهو تبرير لن يمنع حكم الإعدام. في قاعة المحكمة يجد ميرسو تفاصيل حياته التافهة كأشياء تؤخذ ضده؛ بروده – الذي يمكن أن يوصف بأنه برودا عاديا – وشربه القهوة باللبن وتدخينه السجائر في مواجهة موت أمه، عدم رغبته في رؤية جثتها، مشاهدته فيلما في السينما مع صديقته بعد ذلك وممارسته الجنس معها، هذا كله أداء يومي عادي، لا يستحق لأول وهلة أن تعتقد أنه سيتخذ كدليل ضدك، وأن هؤلاء المعارف والعابرين في حياتك سيكونون شهودا عليك. يكتشف ميرسو أيضا كم هو مكروه من قبل الحاضرين، وفي لحظة يتصور أن الحاضرين يتحدثون عن شخص غيره. من الناحية الفنية يبدو كامو متأثرا بدوستويفسكي – الذي أثبت في "الأخوة كارامازوف" أنه الكاتب الخبير بمشاهد المحاكمات – فمن الممكن أن يصرح الشاهد برأي ونقيضه كما فعل حارس دار المسنين التي كانت تعيش فيها أم ميرسو فهو لم ير ميرسو يبكي في مواجهة جثمان أمه ولكنه أيضا لم يره غير باكيا، مثلما نصبح في شك من شهادة شخصية "جريجوري" في رواية "الأخوة كارامازوف" عن أحداث قتل الأب في ليلة شرب فيها قدح ونصف من شراب مخلوط بالكحول. أحد الصحفيين في "الغريب" يذكر أن أهم قصص الحوادث هذا الصيف كانت قصة ميرسو وقصة الرجل الذي قتل أبيه، هذه القضية التي تماثل قضية ديمتري المتهم بقتل أبيه.

مرة أخرى في "الأخوة كارامازوف" لدوستويفسكي يتكرر أن يبدو المتهم  خارج عملية الصراع - وذلك في مشاهد المحاكمة التي خصص لها دوستويفسكي 14 فصلا من الرواية، هذا بالإضافة إلى اعتذار الكاتب أنه لن يستطيع أن يذكر لنا كل الأحداث - فالمنافسة بين المحامي فيتوكوفيتش ووكيل النيابة كيريلوفيتش مثلا في المحاكمة كانت تبدو بمعزل عن حرج مصير ديمتري، فيبدو أن المنافسة تأتي على حساب حياة هذا الشخص، ولكن رغم ذلك لم يكرر ديمتري انفعال ميرسو النفسي القائل: "ما هذا؟ من هو المتهم هنا؟ إن المتهم شخص مهم في القضية، ثم إن لديّ شيئا أريد أن أقوله". باستعادة حياة ديمتري كلها تقريبا في جلسات المحكمة نكتشف أن الحكم هنا هو حكم يقيم تجربة ديمتري الحياتية، رغم أن القاريء يعلم أنه مظلوم في هذه القضية ولم يقتل أبيه، في بعض الأحيان يتخيل ديمتري أنه سيحمل صليب أخطاءه الأخرى بالحكم عليه بغض النظر عن مدى تورطه في هذه الجريمة. تتلخص فلسفة العمل كله في مشهد المحاكمة؛ تحب جروشنكا ديمتري أكثر وقتها، يتضح تردد كاترينا إيفانوفنا بين ديمتري وإيفان، يلخص إيفان فلسفته عن قتل الأب، كل هذه العلاقات تتكشف أمام الجميع في قاعة المحكمة.

عند كافكا كانت "المحاكمة" هي الرواية كلها، كان المطلوب من  "جوزيف ك" أن يبرر نفسه أمام الجميع في مواجهة التهمة التي لا يعرفها محاولا أن يتخلص من هذا الاعتقال الشاذ. في حين أن المشهد الذي اعتدنا أنه يتكثف في الروايتين السابقتين أصبح أكثر عبثية هنا (مشهد المحكمة في الرواية كان أقرب إلى جلسة استماع لا محاكمة)؛ جوزيف ك يحاول أن يبريء نفسه أمام الجمهور، يحاول أن يكسبهم بتصريحاته وينتزع منهم صيحات الإعجاب وكأنه أمام جمهور مباراة رياضية، حتى يكتشف أن كل هذا ليس لصالحه، الحاضرون كلهم يعبثون به، وقد يتجاهلونه لينظروا بشغف لرجل يحتضن المرأة الغسالة في قاعة المحكمة. في لحظات في الرواية يعتقد ك أنه ذو أهمية كبيرة سواء بسبب المؤامرة التي تحاك ضده أو بسبب الاهتمام الغريب به من بعض الشخصيات ومنها الشخصيات النسائية، وفي لحظة أخرى يقول له قس السجن ببساطة: "المحكمة لا تريد منك شيئا، إنها تستقبلك عندما تأتي وتصرفك حينما تذهب".

عند نجيب محفوظ سطور قليلة كونت مشهد محاكمة بارز لعاشور الناجي في رواية "الحرافيش"، كان عليه فيه أن يبرر استيلائه على دار البنان. المشهد كان نقطة تحول أخرى في شخصية عاشور، فبعد الحكم عليه يخرج من السجن ليصبح فتوة الحارة ويرسى تقليد الفتونة الذي ستصبح معيار بقية الملحمة. صورة أخرى لمحاكمة ظهرت عند نجيب محفوظ كانت تمزج بين السريالية والرمز، وهي أحد "أحلام فترة النقاهة" في الكتاب الذي صدر في نهاية حياة محفوظ، وهو الحلم رقم 100 الذي ضم عدة زعماء في قفص المحكمة ينتظرون الحكم عليهم، فيحكم القاضي على السارد الجالس في قاعة المحكمة رغم أنه يعتقد أنه خارج القضية. يختلط الوضع هنا بين كون الجدل يتم بعيدا عن الشخصية المحكوم عليها مثلما الحال مع ميرسو وديمتري، وعدم معرفة التهمة كما الحال عند جوزيف ك، ولكن على أي حال فهناك رمزية واضحة في الحلم في كون أن الشعب المصري هو من يتعرض للعقاب رغم أنه لا يعتقد أنه موضع الاتهام من الأصل، هذا التفسير المباشر الذي يجعل الحلم أكثر أحلام نقاهة محفوظ استخداما إلى درجة الابتذال.

شخصية أدبية أخرى تصبح محاكمتها معلما بارزا في عالم الأدب؛ هنا الأديب نفسه يقف أمام المحكمة وليس فقط شخصية من شخصياته، كانت محاكمة أوسكار وايلد بتهمة "الأفعال غير اللائقة" تمثل ذروة انحداره هذا الذي اتجه إليه بنفسه، كان من الممكن لوايلد أن يتجنب كل ما حدث له لو لم يرفع قضية تشهير على ماركيز كوينزبري (والد رفيقه ألفرد دوجلاس)، الذي بدوره استطاع أن يثبت تهمة الشذوذ عليه. بدا وايلد يتحدث بمصطلحاته هو في مقابل القضاة والخصوم الذين لا يستوعبون مشاعره الخاصة، هو "أعظم متحدث في عصره" كما يقول ييتس عنه، يوضح وايلد لهم أن خطاباته لألفريد دوجلاس مجرد أعمال فنية، إن مشاعره تجاه الشباب تشبه أفكار أفلاطون وأعمال ميكيلانجلو، وأن صداقته بهم تشبه صداقة داود بيوناثان، قطع أدبية يقولها وايلد أثناء المحاكمة تثير الاستحسان والضحكات. مرة أخرى هنا يصبح ماضي وايلد كله شاهدا عليه - كما كان ماضي ميرسو وديمتري - حياته في العالم السفلي الإنجليزي وإيحاءته اللا أخلاقية في "صورة دوريان جراي"، لم يكن صعبا أن يسقط وايلد، ليعتبر بعد ذلك في كتابه "من الأعماق" أن أعظم نقطتي تحول في حياته هي حينما بعثه أبوه ليتعلم في أوكسفورد، وعندما أرسله المجتمع إلى السجن. وينتهي وايلد في "من الأعماق" لكتابة ما يعتبر صدى لكل المحاكمات السابقة، ولكل المحاكمات التي نمر بها جميعا:
"كل المحاكمات هي محاكمات لحياة المرء، وكل الأحكام هي أحكام بالموت".

أمير زكي
سبتمبر 2012

***

مصادر:

- ألبير كامو، الغريب، ت: محمد غطاس، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولي 1997
- فيودور دوستويفسكي، الأخوة كارامازوف، ت: سامي الدروبي، مكتبة الأسرة، 2009
- Franz Kafka, The Trial, T: Mike Mitchell, Oxford World’s Classics, First Edition 2009
- نجيب محفوظ، الحرافيش، مكتبة مصر
- نجيب محفوظ، أحلام فترة النقاهة، دار الشروق، الطبعة الأولى 2005

الأربعاء، 18 يوليو 2012

صورة دوريان جراي – أوسكار وايلد – اقتباسات


"ليس بين الكتب كتب أخلاقية وكتب منافية للأخلاق؛ فالكتب إما جميلة التأليف وإما رديئته. تلك هي خلاصة القول".

***

"ما من فنان يشتكي السقم أبدا؛ فالفنان يستطيع التعبير عن كل شيء في الحياة".

***

"اختلاف الظنون في العمل الفني دليل على أن العمل جديد ومعقد ونابض بالحياة، وكلما اختلف النقاد أحس الفنان بأنه أدى واجبه".

***

"الجمال الحقيقي يختفي حين تظهر مخايل الذكاء، والذكاء نفسه إسراف من الطبيعة، والإسراف يفسد التناسب في أي وجه، فالمرء إذا بدأ يفكر، تحول وجهه إلى جبهة كبيرة، أو أنف كبير، أو أي شيء من هذا القبيل. استعرض سائر النابهين في أي مهنة من مهن الفكر تر صورهم نماذج من البشاعة ليس لها مثيل، وقد يستثنى من ذلك رجال الكنيسة، ولكن هذا طبيعي فرجال الكنيسة لا يفكرون البتة، والأسقف يردد وهو في الثمانين ما لقن أن يقوله وهو في الثامنة عشرة".

***

بازيل هولوورد: "إن القدر يكيد لأصحاب الذكاء النابغ والجمال النابغ، ويتعقبهم كما يتعقب الملوك منذ فجر التاريخ بدون إشفاق. والخير لنا أن نكون من طينة العامة، فالأغبياء ودميمو الخلقة أسعد أهل الأرض طرا، لأن في وسعهم أن يجلسوا في اطمئنان، ويحملقوا كالبلهاء من أماكنهم في موكب الحياة الحافل، فإن فاتهم النصر فقد كفوا مرارة الهزيمة. هم يعيشون كما ينبغي أن نعيش جميعا، يعيشون في صفاء، لا يبالون بشيء، آمنين مطمئنين، لا يفسدون حياة أحد، ولا يفسد أحد حياتهم، أما نحن فندفع ثمن التفوق غاليا: أنت تدفع ثمن جاهك وحسبك، وأنا أدفع ثمن ذكائي وفني أيا كان قدرهما، ودوريان جراي يدفع ثمن جماله وشبابه، نعم يا هاري، لسوف ندفع ثمن ما حبتنا به الآلهة من نِعَم، ولسوف نتعذب عذابا أليما".

***

بازيل هولوورد: "... إذا أحببت أحدا من أعماق قلبي كتمت عن الناس اسمه؛ لأن في إعلانه شيئا من الخيانة، ولقد تعلمت الولع بالأسرار، ويبدو لي أن الأسرار هي ما بقى لنا في هذا العصر مما يملأ الحياة غرابة وغموضا، فأتفه الأمور يثير فضولنا إن هو حُجِب عنا، ولذلك تجدني لا أطلع أحدا على وجهتي كلما غادرت لندن في هذه الأيام، فإن فعلت فقدت كل شيء في رحلتي، أعترف لك بأنها عادة سيئة، ولكنها تدخل على الحياة شيئا من سحر الخيال".

***

"... اللذة الوحيدة في الزواج هي أنه يجعل حياة الغش لازمة للطرفين".

***

"إن أردت أن تكون طبيعيا فلا بد لك من التكلف، وأشد أنواع التكلف عندي هو التكلف الذي ألتزمه لأبدو طبيعيا".

***

لورد هنري: "الجبن والضمير اسمان لمدلول واحد يا بازيل، وكل ما هنالك أن الضمير هو الاسم الرسمي، الماركة المسجلة على حد قولهم".

***

"... أعطف من كل قلبي على الكره الذي تبديه الديمقراطية الإنجليزية لما تسميه مساويء الطبقة الراقية، فعامة الشعب تشعر بأن العربدة والغباوة والانحلال الخلقي امتيازات خاصة بها، وإذا اتصف أحدنا بنقيصة من هذه النقائص بدا أنه اعتدى على اختصاصات تلك الطبقة".

***

"... لا جدال في أن العبقرية أطول أجلا من الجمال، وهذه أفظع مأساة في حياتنا الإنسانية؛ ولذا ترانا نتكالب على تثقيف أنفسنا، وفي تنازعنا الوحشي للبقاء نبحث عن ذخيرة باقية؛ ولذا ترانا نحشو أدمغتنا، بالحقائق والترهات على السواء كيلا نفقد أمكنتنا في الحياة، وهي غاية سخيفة، إن المثل الأعلى في عصرنا هو الرجل الذي يعرف كل شيء، وجمجمة الرجل الذي يعرف كل شيء صندوق مزعج، بل هي حانوت من حوانيت العاديات اكتظ بالوحوش الأثرية وأكداس التراب، ولن تجد فيه سلعة لم يبالغ في تقدير ثمنها".

***

"إن تأثيرك في شخص ما معناه أنك تسبغ روحك عليه، مما يملأ رأسه بأفكار ليست أفكاره، ويملأ قلبه بعواطف ليست في طبعه، ويجعل من رذائله رذائل مستعارة من الغير، وبذلك يصبح صدري يردد ترنيمة رجل آخر، أو ممثلا يلعب دورا لم يكتب له. إن غاية الحياة تقدم الذات، وما خلق كل منا إلا لينمي ملكاته، ويصون طبيعته على الوجه الأكمل، ولكن الناس في هذه الأيام يخافون من أنفسهم، وينسون أن واجب الإنسان الأول هو واجبه نحو نفسه، فتراهم يطعمون الجياع ويكسون العراة وأرواحهم جائعة عارية. ولا بد من أحد أمرين، فإما أن شعبنا قد فقد شجاعته، أو أن الشجاعة لم تكن من صفاته في يوم من الأيام، فنحن عبيد الخوف: الخوف من المجتمع وهو جوهر الأخلاق، والخوف من الله وهو جوهر الدين".

***

"... لا نجاة من الغواية إلا بالاستسلام لها، فإن قاومت الغواية ذبلت روحك من شوقها إلى المحظور، وما حظر المحظور إلا رياؤها، وبكت نهما إلى الحرام، وما حرم الحرام إلا يأسها وإشفاقها".

***

"ما هذا اللغو الكثير الذي يردده الناس عن الوفاء! إن الحب نفسه مسألة فسيولوجية ولا دخل للإرادة فيها. أرى الشبان يحاولون الوفاء فيعجزون عنه، وأرى الشيوخ يحاولون الخيانة فيعجزون عنها. هذا كل ما نستطيع قوله عن الموضوع".

***

"... لن يستعيد إنسان شبابه إلا إذا ارتكب حماقاته من جديد".

***

لورد هنري: "لا تتزوج أبدا يا دوريان، فالرجال يتزوجون حين يقتلهم الملل، والنساء يتزوجن من باب الفضول، ولكنهم جميعا يندمون على ذلك".

***

لورد هنري: "اسمع يا بني إنما يؤمن بالتخصص أصحاب العقول التافهة، وما يسمونه بالوفاء أسميه أنا الكسل الناجم عن العادة، أو أسميه فقرا في الخيال حسب الحالة. إن الإخلاص في الحياة العاطفية يشبه انتظام التفكير في الحياة العقلية، كلاهما أمارة الفشل. ما هذا الوفاء الذي يتحدث عنه الناس! لا بد أن أحلله يوما من الأيام. إنه يقوم على غريزة الملكية، وكم من شيء لا نجدا بأسا من لفظه لولا خوفنا أن يلتقطه الآخرون".

***

"... ما عرفت فنانا قط جذاب الشخصية إلا وكان تافه الفن، أما كبار الفنانين فأشخاصهم تفنى تماما في عملهم، فلا يبقى للعالم من أشخاصهم ما يثير اهتمام أحد. والشاعر الفذ، أقصد الشاعر الفذ بمعنى الكلمة رجل خلت حياته من الشاعرية، أما صغار الشعراء فيسخرون الدنيا بشخصياتهم العجيبة، وكلما انحطت قوافيهم ارتفعوا في عيون الناس، حتى لتجد أن مجرد نشر ديوان من الشعر الركيك يجعل من صاحبه شخصية تأسر القلوب، فصغار الشعراء يمارسون الشعر الذي عجزوا عن قوله، وكبارهم يقولون الشعر الذي خافوا من ممارسته في الحياة".

***

"إن في الحياة سموما عجيبة لا سبيل إلى معرفة خواصها إلا أن تتسمم بها النفس، وإن في الحياة أمراضا غريبة لن يفهمهما بنو الإنسان إلا إذا نزلت بهم ثم خرجوا ناقهين، ولكن ثمرة الاختبار شهية، والحياة حلو مذاقها لمن عرف حقيقتها، وما ألذ أن يتأمل الإنسان العاطفة الرقيقة تقسو حتى تصير كالصارم المشحوذ، والعقل الغليظ يرق وتضفي عليه العاطفة جميل الألوان، ويرى كيف يلتقيان وكيف يفترقان! إن الثمن الذي ندفعه لنظفر بهذه التجربة بخس مهما علا، ولوجدنا بالحياة ذاتها، فالإحساس أثمن ما في الوجود، وفي سبيل الإحساس يهون كل شيء".

***

"إن منشأ احترامنا للآخرين هو خوفنا من ألا يحترمنا الآخرون، وأساس التفاؤل هو فزعنا من الكوارث لا أكثر ولا أقل، وإذا أحسنا الظن بجارنا نسبنا إليه من الفضائل ما قد يعود بالفائدة علينا، فنحن نقرظ مدير البنك لعله يقرضنا بعض المال، ونصف قاطع الطريق بالبطولة لعله يتجاوز عما في جيوبنا".

***

"... إن النساء كما وصفهم ذكي من أذكياء فرنسا يلهبن فينا الرغبة في القيام بروائع الأعمال، ثم يمنعننا من تنفيذ هذه الرغبة".

***

"إن السيجارة هي أحسن مثل لأحسن متعة، فهي لذيذة وهي لا تشبع حواسك تماما".

***

"... نحن نجد لتأنيب النفس لذة عظمى، وحين نؤنب أنفسنا نحس بأن الغير لا يملك حق تأنيبنا، فالاعتراف هو الذي يغسل خطايانا، وليس الكاهن الذي نعترف أمامه".

***

دوريان جراي: "... أنا أحب الفضائح إذا رويت عن الآخرين، أما الفضائح التي تروى عني فلا يهمني أمرها، لأنها لا تأتي بجديد".

***

"إن المرأة تتزوج مرتين إذا كانت تمقت زوجها الأول، أما الرجل فيتزوج مرتين إذا كان يعبد زوجته الأولى. في الزواج تجرب النساء حظهن، أما الرجال فيقامرون بحظهم".

***

"... الحب يحيا بالتكرار، والتكرار يصقل الرغبة ويكسبها صفة الفن. إن الحب واحد مهما تعدد موضوعه، وفي كل مرة يحب القلب لا يبقى فيه إلا حب واحد، والتعدد لا يضعف الحب، بل يذكيه، فالحياة لا تتسع إلا لاختبار واحد عظيم، وسر السعادة أن نكرر هذا الاختبار ما وجدنا إلى ذلك سبيلا".

صورة دوريان جراي
أوسكار وايلد
ت: لويس عوض
المشروع القومي للترجمة 2001

الأحد، 3 يونيو 2012

زوج مثالي – أوسكار وايلد – اقتباسات



"قوة النساء تأتي من حقيقة أنه لا يمكن شرحنا سيكولوجيا. الرجال يمكن تحليلهم، النساء يُعشَقن فقط".

***

"أنا أحب أن  أتحدث عن لا شيء. إنه الشيء الوحيد الذي أعرف شيئا عنه".

***

"كما ترين، إنه من الخطير جدا أن تستمعي. إن استمع المرء ربما يقتنع؛ والرجل الذي يسمح لنفسه أن يقتنع في جدال هو شخص غير عاقل على الإطلاق".

***

"على المرء أن يلعب دوما بنزاهة... عندما تكون لديه الكروت الكسبانة".

***

"ماضي المرء هو ما عليه المرء. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يجب الحكم بها على الناس".

***

"الحياة ليست عادلة.. وربما كونها ليست كذلك هو  شيء جيد بالنسبة لمعظمنا".

***

"هل تعتقد حقا... أن الضعف هو الذي يذعن للإغراء؟ إذن فسأخبرك أن هناك إغراءات كبيرة تحتاج إلى القوة، القوة والشجاعة للإذعان إليها، أن يرهن المرء حياته كلها للحظة واحدة، أن يخاطر بكل شيء برمية واحدة، سواء كان الرهان على القوة أو اللذة، لا يوجد ضعف في هذا. هناك شجاعة كبيرة وعظيمة".

***

"الناس الآخرون بشعون جدا. الصحبة الوحيدة الممكنة هي صحبة المرء لنفسه".

***

"واجبي هو شيء لا أفعله مطلقا... إنه دائما ما يجعلني مكتئبا".

***

"النساء ليسوا موجودات ليحكمن علينا، ولكن ليغفرن لنا عندما نكون بحاجة للمغفرة. المغفرة وليس العقاب هو دورهن".


زوج مثالي
أوسكار وايلد
الاقتباسات من ترجمتي عن النص الإنجليزي

الأربعاء، 30 مايو 2012

امرأة بلا أهمية – أوسكار وايلد – اقتباسات


"الميزة في اللعب بالنار.. هي أن المرء لا يُلسَع أبدا. إنهم الناس الذين لا يعرفون كيف يلعبون بها هم الذين يحترقون".

***

"ليدي هانستون: أنا متأكدة، لورد إيلنجوورث، أنك لا تعتقد أن غير المتعلمين من حقهم أن يصوّتوا؟
لورد إيلينجوورث: أعتقد أنهم الناس الوحيدون الذين يستحقون ذلك".

***

"ليس على المرء أن يأخذ جانب أي شيء.. الميل لجانب هو بداية الإخلاص، ويتبع ذلك فورا الجدية، وهذا يجعل الإنسان مضجرا".

***

"على المرء أن يكون لديه شيء يشغله هذه الأيام. لو لم تكن لديّ ديوني لما كان هناك شيء أفكر فيه".

***

"السيدة ألونبي: شيء عجيب، النساء العاديات غيورات جدا على أزواجهن، أما الجميلات فلسن كذلك!
لورد إلينجوورث: النساء الجميلات ليس لديهن وقت. إنهن دوما منشغلات بكونهن غيورات من أزواج الأخريات".

***

"الكثير من الزواج ليس أمرا جيدا بالتأكيد. عشرون عاما من الرومانسية تجعل المرأة كالطلل؛ ولكن عشرين عاما من الزواج تجعلها أشبه بالمبنى العام".

***

"في المعبد كل الناس عليهم أن يكونوا جادين، عدا الشيء الذي تتم عبادته".

***

"لورد إلينجوورث: أنا لا أمانع أن تكون النساء العاديات متزمتات. إنه العذر الوحيد لكونهن عاديات".

***

"لورد إلينجوورث: هل تعلمين، أنا لا أؤمن بوجود النساء المتزمتات؟ لا أعتقد أن هناك أمرأة في العالم لن تشعر بالإطراء ولو قليلا إن بادر أحدهم بحبها. هذا هو ما يجعل النساء جذابات بشكل لا يُقاوَم".

***

"لورد إلينجوورث: ألا تعرفين أنني دائما أنجح في أي شيء أحاوله؟
السيدة آلونبي: أنا آسفة لسماع ذلك. نحن النساء نعشق الفاشلين، إنهم يعتمدون علينا".
لورد إلينجوورث: أنتن تعبدن الناجحين، وتتمسكن بهم.
السيدة آلونبي: نحن الأكاليل التي تغطي صلعتهم.
لورد إلينجوورث: وهم يحتاجونكن دوما، في غير لحظة الانتصار.
السيدة آلونبي: لا يصبحون مثيرين للاهتمام ساعتها".

***
"كتاب الحياة بدأ برجل وامرأة في حديقة".

***

"السيدة آلونبي: الرجال يريدون دوما أن يكونوا حب المرأة الأول. هذا هو غرورهم الأخرق. نحن النساء لدينا غريزة أحذق. ما نحبه هو أن نكون عشق الرجل الأخير".

***

"السيدة آلونبي: الرجل المثالي يجب أن يتحدث إلينا وكأننا إلهات، ويعاملنا وكأننا أطفال. عليه أن يرفض كل طلباتنا الجادة، ويرضي كل نزوة من نزواتنا. عليه أن يشجعنا على تقلباتنا، ويمنعنا عن مهامنا. عليه دوما أن يقول أكثر مما يعني، وأن يعني دوما أكثر مما يقول... عليه ألا يلاحق نساء جميلات أخريات، لأن هذا سيُظهر أنه بلا ذوق، أو يجعل المرأة تعتقد أن لديه كثيرات. إلا أن عليه أن يكون لطيفا تجاههن جميعا، ولكنه يقول بطريقة ما إنهن لا يجذبنه... إن سألناه عن أي شيء، عليه أن يقدم لنا إجابات تتعلق بنا. عليه دوما أن يمدحنا على كل المميزات التي يعرف أننا لا نملكها. وعليه أن يكون قاسيا، قاسيا جدا في لومنا على الفضائل التي لم نحلم أبدا أن نملكها".

***

"الواجب هو ما ينتظره المرء من الآخرين، وليس ما يفعله المرء بنفسه".

***

"عدم الرضا هو الخطوة الأولى في تقدم الرجل أو الدولة".

***

"الأطفال يبدأون بحب والديهم. بعد وقت يحكمون عليهم، ونادرا ما يحدث أن يسامحوهم".

***

"للالتحاق بأفضل مجتمع هذه الأيام، على المرء أن يُطعم الناس، أو يسلي الناس، أو يصدم الناس، هذا كل ما في الأمر".

***

جيرالد: إنه من الصعب أن تفهم النساء، أليس كذلك؟
لورد إلينجوورث: ليس عليك أبدا أن تفهمهن. النساء صور، الرجال مشكلات. إن كنت تريد أن تعرف ما الذي تعنيه المرأة حقا – وبالمناسبة فهذا دوما أمر من الخطير فعله – عليك أن تنظر إليها، لا أن تستمع لها.
جيرالد: ولكن النساء ذكيات بشكل بشع، أليس كذلك؟
لورد إيلينجوورث: على المرء دوما أن يقول لهن ذلك. ولكن، بالنسبة للفيلسوف يا عزيزي جيرالد، فالمرأة تمثل انتصار المادة على العقل – مثلما الرجال يمثلون انتصار العقل على الأخلاق.

***

"لورد إلينجوورث: تاريخ النساء هو تاريخ أسوأ أنواع الطغيان الذي عرفه العالم، إنه طغيان الضعيف على القوي. إنه الطغيان الوحيد الذي يستمر".

***

"كل امرأة متمردة، وعادة هي في حالة ثورة عارمة على نفسها".

***

"الرجال يتزوجون لأنهم مُتعَبون، النساء لأنهن فضوليات. الإثنان يشعران بالإحباط".

***

"عندما يكون شخص في حالة حب فهو يبدأ بخداع نفسه، وينتهي بخداع الآخرين، هذا هو ما نسميه الرومانسية. ولكن الحب العظيم فعليا نادر نسبيا في أيامنا. إنه امتياز الناس الذين ليس لديهم شيء ليفعلوه".

***

"... العالم صُنع بواسطة الحمقى، والحكماء عليهم أن يعيشوا فيه".

***

"كل الأفكار غير أخلاقية، ماهيتها الأساسية هي الهدم. إن فكرت في أي شيء فأنت تقتله، لا شيء يحيا يتم التفكير فيه".

امرأة بلا أهمية
أوسكار وايلد
الاقتباسات من ترجمتي عن النص الإنجليزي

الجمعة، 11 مايو 2012

برام ستوكر: قرن في الظلال


آرمينتا والاس

بمناسبة مئوية وفاة برام ستوكر (1847-1912)

ت: أمير زكي
أبريل 2012

نُشر بجريدة أخبار الأدب 13 مايو 2012

***

الرجل: ولد لطبقة متوسطة وعائلة أيرلندية، في شارع مارينو في كلونتارف[i]. درس الرياضيات في كلية ترينيتي وحصل على وظيفة بالخدمة المدنية. كانت حياته تقليدية جدا بطريقة ما، ولكن من عقل هذا الموظف المدني المخلص ظهرت أكثر الكلاسيكيات إثارة للقلق في أدب الرعب.

بالنسبة لكاتبي سيرته الذاتية، فمن المغري سرد هذا المنحنى: من بيروقراطي صرف إلى خالق "دراكولا". عنوان كتابه الأول "واجبات الموظفين في الجلسات القضائية الصغيرة في أيرلندا" يساعد في حكاية هذه القصة.

ستوكر التقليدي ظاهريا، كان يحمل حياة غير تقليدية ثرية بداخله ومن سنواته المبكرة. كان الطفل الثالث ضمن أخوة سبعة، كان طفلا مريضا، غير قادر على أن يسير بدون مساعدة حتى سن السابعة. أمه - التي ولدت بدونيجال[ii]، كانت هي نفسها كاتبة وتعمل بشكل جزئي في مجال الخير – كانت تقضي وقتا طويلا مع طفلها طريح الفراش، تقرأ وتحكي له القصص.

"كنت مفكرا بطبيعتي، والفراغ الذي صاحب المرض الطويل أعطى الفرصة للعديد من الأفكار الخصبة بالنسبة لاستخدامها في الأعوام اللاحقة". هكذا وصف ستوكر بإيجاز واقتضاب هذا الوقت من حياته.

التحق بمدرسة خاصة كانت تدار بواسطة ريف ويليام وودز، ثم التحق بترينيتي – حيث انتقلت له فورا عدوى المسرح. بدأ يكتب مقالات في النقد المسرحي لجريدة "دبلن إيفينينج ميل". الجريدة كان يشارك في ملكيتها الكاتب القوطي جوزيف شيريدان لا فانو، وربما يكون - أو لا يكون - قد لعب دورا في تشجيع الناقد الشاب على الاهتمام بالنوع الأدبي المتعلق بالأشباح.

في شتاء عام 1876، حضر ستوكر عرض هاملت في المسرح الملكي بدبلن، وكتب نقدا جيدا للممثل الرئيسي هنري إيرفينج. قابل إيرفينج بعد ذلك بفترة قصيرة. ويمكننا أن نعرف أن لقاءهما ألهم ستوكر لينتقل للندن حيث خصص البقية من حياته لإيرفينج، إذ عمل كمساعده الشخصي، ثم – وحتى وفاته الذي سيمر عليها مائة عام يوم الجمعة – مديرا عاما لمسرح الليثيوم.

حميمية ودوام صداقتهما – مثلها مثل ما يراه النقاد من إيحاءات مثلية في دراكولا – آثارت شكوكا كثيرة في طبيعة ميول ستوكر الجنسية. حقيقة أنه تزوج من ممثلة تدعى فلورانس بالكومب، التي أنجب منها طفلا؛ إيرفينج نويل ثورنلي ستوكر، زادت من إثارة مثل هذه الشكوك، لأن عشيق بالكومب قبل ستوكر لم يكن سوى أوسكار وايلد.

ستوكر كان منضما لدائرة عائلة وايلد، عندما كان طالبا في ترينيتي، قضى الكريسماس في بيتهم. ولكن بعد سجن وايلد بسبب التجاوزات الجنسية، ستوكر أزال كل ذكر لوايلد من ضمنها ما كان في سيرته الذاتية. وبينما دافع بعض أصدقاء وايلد عنه، ظل ستوكر صامتا. دراكولا كتبت بعد شهر مباشرة من سجن وايلد، وإحدى النظريات النقدية ترى أن الرواية كتبت كنوع من التعبير عن ألم ستوكر الداخلي من المحاكمة وعقاب وايلد الاجتماعي.

كل هذه بالطبع من الممكن أن تكون رؤى متأخرة زائفة – وحماس نقاد. خلال حياة ستوكر، فالمثلية الجنسية كانت بعيدة جدا عن أن يلتقطها الرادار الثقافي، حتى الكلمة لم تكن موجودة. مصطلح "الشذوذ الجنسي" كان هو المستخدم، ولم يكن يعتبر شيئا خاطئا فقط، فكما يتضح من التعامل البشع مع وايلد فهو كان يعتبر إجراميا.

بالتأكيد ستوكر لم يكن لامعا اجتماعيا بنفس طريقة وايلد. كان متحفظا جدا لدرجة أننا لا نعرف سوى القليل عن حياته. هو كان ليبرالي ملكي يؤمن بالحكم الذاتي الأيرلندي تحت الإشراف الرشيد للإمبراطورية البريطانية، هو كان معجبا بالسياسي الليبرالي وليام إيوارت جلادستون[iii]. هناك قصة تقول أنه أنقذ رجلا كان على شفا الغرق في نهر التيمز. ولكن الرجل مات على مائدة مطبخ ستوكر مما أزعج زوجته كما عرفنا.

في السنوات الأخيرة، العديد من الأوراق والمقالات المتعلقة بسيرة ستوكر ظهرت لتضيف لمحات جذابة تضاف لصورته الذاتية الغريبة والضبابية. في أكتوبر من العام الماضي، وجد ابن حفيده نويل دوبز مفكرة له تعود لأيام التلمذة في علية بجزيرة وايت[iv]. في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وجدت نسخة مكتوبة على الآلة الكتابة لـ"دراكولا" في اسطبل بشمال غرب بنسلفانيا، كاشفة أن العنوان الأصلي كان "الميت الحي". ولكن في نفس الوقت الذي تثير فيه هذه الشذرات الأرشيفية العديد من الأسئلة عن حياة الكاتب، فهي تزودنا ببعض الإجابات اللافتة.

جزء من المشكلة أننا نميل هذه الأيام بأن نرى حياة ستوكر من خلال عدسات دراكولا. ولكن قصص مصاص الدماء هي مجرد جزء صغير من مجموعة أدبية تكون 18 كتابا تمتد إلى الأدب التجاري من أدب الفتيات مرورا بمغامرات "مقابر المومياوات المصرية" وحتى شيء يشبه الخيال العلمي.

كتاب ستوكر الأول "طريق الزهور" يتتبع نجار من دبلن ينتقل إلى لندن مع زوجته، ويعمل في مسرح ويموت من كثرة الشرب. رواية "منحدر شاستا" رواية رومانسية تقع في شمال كاليفورنيا حيث تقع وريثة إنجليزية في حب صائد دببة يدعي جريزلي ديك.

قليلة – إن لم تكن معدومة - هي الأعمال التي يعاد إحياءها أو يعاد اكتشافها له، وذلك بسبب النجاح الممتد لدراكولا، لا أحد يحتفي بإعادة إصدار "ميس بيتي" أو "ليدي أثلين". إن كنا نقرأ أعماله هذه الأيام، فأعماله ستوضع على أرفف الكتب الخفيفة أكثر من وجودها على أرفف الكتب الجادة.

هل هذا مصير أسوأ من أن تكون ميتا حيا؟


وقت العقاب؟ ماذا قال النقاد وكونان دويل عنه

من الممتع أن نرصد النقاد الذين كتبوا عن "دراكولا" حين ظهرت في مايو 1897، والتي نشرت بواسطة دار نشر "كونستابل" بإنجلترا، "هاتشنسون" بالمستعمرات، و"دابلداي" بأمريكا. ولكن في الحقيقة فالرواية حصلت على ردود فعل مختلطة ولكن إيجابية في العموم – ساعد على ذلك بلا شك بروز الكاتب صاحب الخمسين عاما في المشهد الأدبي بلندن.

"بدأنا نقرأ الكتاب مع مقتبل المساء". يقول الناقد بجريدة الديلي ميل المدافعة عن الفلسفة الأخلاقية البريطانية، "مع قدوم الساعة العاشرة تعلق انتباهنا تماما بالقصة لدرجة أننا لم نتوقف لنشعل غليوناتنا". وفقا لحياة البلد فقد أخذوا الخط الواقعي للقصة، يقول الناقد: "مص الدماء يشبه الهايدروفوبيا (الخوف من الماء) ولكنه أسوأ. وأقصر طريق للتعامل مع مصاصي الدماء هو تدميرهم".

أحد ردود الفعل السلبية كان من مجلة "الأثينيوم" الأدبية: "دراكولا فيها حساسية أدبية، ولكنها تحتاج إلى بناء فني إلى جانب الحس الأدبي العالي"، تضيف المجلة: "إنها تُقرأ أحيانا كمجرد سلسلة من الأحداث الغريبة غير المقنعة؛ ولكن في لحظات أفضل ترينا قوة أكبر، على الرغم من أن هذا حتى ليس مفيدا جدا بالنسبة للاضطراب الذي يريد الكاتب أن يجلبه. كمية كبيرة من الطاقة ومستوى محدد من ملكة التخيل، والعديد من التفاصيل الماهرة والمرعبة موجودة. أحيانا ينجح السيد ستوكر في خلق حس من الإمكانية بداخل الاستحالة، وأحيانا أخرى يطلق أسهم الجمل الخشنة التي تتكلم عن أحداث غير مُصَدَقة".

كمدير مسرح وناقد سابق، ستوكر كان مشجعا لمثل هذه التصريحات. ولكنه كان أكثر تقديرا لملاحظة تلقاها من مخترع شخصية شرلوك هولمز في 20 أغسطس عام 1897:

"عزيزي برام ستوكر، أنا متأكد أنك لن تعتقد أنه من التجاوز أن أكتب لأخبرك كم استمتعت بقراءة "دراكولا". أعتقد أن هذه أفضل قصة شيطانية قرأتها من عدة سنوات. إنه من الرائع أن يكون بإمكانك أن تقرأ الكتاب باهتمام كبير وبدون أي لحظة تعيق المتعة. إنها تستحوذ عليك من البداية، وتنغمس معها شيئا فشيئا حتى تشعر بحيوية محسوسة. البروفيسور الكبير كان الأفضل وكذلك الفتاتين[v]. أنا أهنئك من كل قلبي لأنك كتبت هذا الكتاب الرائع.

مع خالص تحياتي للسيدة ستوكر

صديقك المخلص
كونان دويل"


[i] ضاحية بشمال العاصمة الأيرلندية دبلن
[ii]  مقاطعة بشمال دبلن
[iii]  Ewart Gladstone (1809-1898) سياسي بريطاني، كان رئيس وزراء بريطانيا لأربع فترات مختلفة
[iv]  جزيرة بإنجلترا
[v]  بعض شخصيات القصة، البروفيسور فان هلسينج والفتاتين مينا موراي ولوسي ويستنرا