"ليس بين الكتب كتب أخلاقية وكتب منافية للأخلاق؛ فالكتب إما جميلة التأليف وإما رديئته. تلك هي خلاصة القول".
***
"ما من فنان يشتكي السقم أبدا؛ فالفنان يستطيع التعبير عن كل شيء في الحياة".
***
"اختلاف الظنون في العمل الفني دليل على أن العمل جديد ومعقد ونابض بالحياة، وكلما اختلف النقاد أحس الفنان بأنه أدى واجبه".
***
"الجمال الحقيقي يختفي حين تظهر مخايل الذكاء، والذكاء نفسه إسراف من الطبيعة، والإسراف يفسد التناسب في أي وجه، فالمرء إذا بدأ يفكر، تحول وجهه إلى جبهة كبيرة، أو أنف كبير، أو أي شيء من هذا القبيل. استعرض سائر النابهين في أي مهنة من مهن الفكر تر صورهم نماذج من البشاعة ليس لها مثيل، وقد يستثنى من ذلك رجال الكنيسة، ولكن هذا طبيعي فرجال الكنيسة لا يفكرون البتة، والأسقف يردد وهو في الثمانين ما لقن أن يقوله وهو في الثامنة عشرة".
***
بازيل هولوورد: "إن القدر يكيد لأصحاب الذكاء النابغ والجمال النابغ، ويتعقبهم كما يتعقب الملوك منذ فجر التاريخ بدون إشفاق. والخير لنا أن نكون من طينة العامة، فالأغبياء ودميمو الخلقة أسعد أهل الأرض طرا، لأن في وسعهم أن يجلسوا في اطمئنان، ويحملقوا كالبلهاء من أماكنهم في موكب الحياة الحافل، فإن فاتهم النصر فقد كفوا مرارة الهزيمة. هم يعيشون كما ينبغي أن نعيش جميعا، يعيشون في صفاء، لا يبالون بشيء، آمنين مطمئنين، لا يفسدون حياة أحد، ولا يفسد أحد حياتهم، أما نحن فندفع ثمن التفوق غاليا: أنت تدفع ثمن جاهك وحسبك، وأنا أدفع ثمن ذكائي وفني أيا كان قدرهما، ودوريان جراي يدفع ثمن جماله وشبابه، نعم يا هاري، لسوف ندفع ثمن ما حبتنا به الآلهة من نِعَم، ولسوف نتعذب عذابا أليما".
***
بازيل هولوورد: "... إذا أحببت أحدا من أعماق قلبي كتمت عن الناس اسمه؛ لأن في إعلانه شيئا من الخيانة، ولقد تعلمت الولع بالأسرار، ويبدو لي أن الأسرار هي ما بقى لنا في هذا العصر مما يملأ الحياة غرابة وغموضا، فأتفه الأمور يثير فضولنا إن هو حُجِب عنا، ولذلك تجدني لا أطلع أحدا على وجهتي كلما غادرت لندن في هذه الأيام، فإن فعلت فقدت كل شيء في رحلتي، أعترف لك بأنها عادة سيئة، ولكنها تدخل على الحياة شيئا من سحر الخيال".
***
"... اللذة الوحيدة في الزواج هي أنه يجعل حياة الغش لازمة للطرفين".
***
"إن أردت أن تكون طبيعيا فلا بد لك من التكلف، وأشد أنواع التكلف عندي هو التكلف الذي ألتزمه لأبدو طبيعيا".
***
لورد هنري: "الجبن والضمير اسمان لمدلول واحد يا بازيل، وكل ما هنالك أن الضمير هو الاسم الرسمي، الماركة المسجلة على حد قولهم".
***
"... أعطف من كل قلبي على الكره الذي تبديه الديمقراطية الإنجليزية لما تسميه مساويء الطبقة الراقية، فعامة الشعب تشعر بأن العربدة والغباوة والانحلال الخلقي امتيازات خاصة بها، وإذا اتصف أحدنا بنقيصة من هذه النقائص بدا أنه اعتدى على اختصاصات تلك الطبقة".
***
"... لا جدال في أن العبقرية أطول أجلا من الجمال، وهذه أفظع مأساة في حياتنا الإنسانية؛ ولذا ترانا نتكالب على تثقيف أنفسنا، وفي تنازعنا الوحشي للبقاء نبحث عن ذخيرة باقية؛ ولذا ترانا نحشو أدمغتنا، بالحقائق والترهات على السواء كيلا نفقد أمكنتنا في الحياة، وهي غاية سخيفة، إن المثل الأعلى في عصرنا هو الرجل الذي يعرف كل شيء، وجمجمة الرجل الذي يعرف كل شيء صندوق مزعج، بل هي حانوت من حوانيت العاديات اكتظ بالوحوش الأثرية وأكداس التراب، ولن تجد فيه سلعة لم يبالغ في تقدير ثمنها".
***
"إن تأثيرك في شخص ما معناه أنك تسبغ روحك عليه، مما يملأ رأسه بأفكار ليست أفكاره، ويملأ قلبه بعواطف ليست في طبعه، ويجعل من رذائله رذائل مستعارة من الغير، وبذلك يصبح صدري يردد ترنيمة رجل آخر، أو ممثلا يلعب دورا لم يكتب له. إن غاية الحياة تقدم الذات، وما خلق كل منا إلا لينمي ملكاته، ويصون طبيعته على الوجه الأكمل، ولكن الناس في هذه الأيام يخافون من أنفسهم، وينسون أن واجب الإنسان الأول هو واجبه نحو نفسه، فتراهم يطعمون الجياع ويكسون العراة وأرواحهم جائعة عارية. ولا بد من أحد أمرين، فإما أن شعبنا قد فقد شجاعته، أو أن الشجاعة لم تكن من صفاته في يوم من الأيام، فنحن عبيد الخوف: الخوف من المجتمع وهو جوهر الأخلاق، والخوف من الله وهو جوهر الدين".
***
"... لا نجاة من الغواية إلا بالاستسلام لها، فإن قاومت الغواية ذبلت روحك من شوقها إلى المحظور، وما حظر المحظور إلا رياؤها، وبكت نهما إلى الحرام، وما حرم الحرام إلا يأسها وإشفاقها".
***
"ما هذا اللغو الكثير الذي يردده الناس عن الوفاء! إن الحب نفسه مسألة فسيولوجية ولا دخل للإرادة فيها. أرى الشبان يحاولون الوفاء فيعجزون عنه، وأرى الشيوخ يحاولون الخيانة فيعجزون عنها. هذا كل ما نستطيع قوله عن الموضوع".
***
"... لن يستعيد إنسان شبابه إلا إذا ارتكب حماقاته من جديد".
***
لورد هنري: "لا تتزوج أبدا يا دوريان، فالرجال يتزوجون حين يقتلهم الملل، والنساء يتزوجن من باب الفضول، ولكنهم جميعا يندمون على ذلك".
***
لورد هنري: "اسمع يا بني إنما يؤمن بالتخصص أصحاب العقول التافهة، وما يسمونه بالوفاء أسميه أنا الكسل الناجم عن العادة، أو أسميه فقرا في الخيال حسب الحالة. إن الإخلاص في الحياة العاطفية يشبه انتظام التفكير في الحياة العقلية، كلاهما أمارة الفشل. ما هذا الوفاء الذي يتحدث عنه الناس! لا بد أن أحلله يوما من الأيام. إنه يقوم على غريزة الملكية، وكم من شيء لا نجدا بأسا من لفظه لولا خوفنا أن يلتقطه الآخرون".
***
"... ما عرفت فنانا قط جذاب الشخصية إلا وكان تافه الفن، أما كبار الفنانين فأشخاصهم تفنى تماما في عملهم، فلا يبقى للعالم من أشخاصهم ما يثير اهتمام أحد. والشاعر الفذ، أقصد الشاعر الفذ بمعنى الكلمة رجل خلت حياته من الشاعرية، أما صغار الشعراء فيسخرون الدنيا بشخصياتهم العجيبة، وكلما انحطت قوافيهم ارتفعوا في عيون الناس، حتى لتجد أن مجرد نشر ديوان من الشعر الركيك يجعل من صاحبه شخصية تأسر القلوب، فصغار الشعراء يمارسون الشعر الذي عجزوا عن قوله، وكبارهم يقولون الشعر الذي خافوا من ممارسته في الحياة".
***
"إن في الحياة سموما عجيبة لا سبيل إلى معرفة خواصها إلا أن تتسمم بها النفس، وإن في الحياة أمراضا غريبة لن يفهمهما بنو الإنسان إلا إذا نزلت بهم ثم خرجوا ناقهين، ولكن ثمرة الاختبار شهية، والحياة حلو مذاقها لمن عرف حقيقتها، وما ألذ أن يتأمل الإنسان العاطفة الرقيقة تقسو حتى تصير كالصارم المشحوذ، والعقل الغليظ يرق وتضفي عليه العاطفة جميل الألوان، ويرى كيف يلتقيان وكيف يفترقان! إن الثمن الذي ندفعه لنظفر بهذه التجربة بخس مهما علا، ولوجدنا بالحياة ذاتها، فالإحساس أثمن ما في الوجود، وفي سبيل الإحساس يهون كل شيء".
***
"إن منشأ احترامنا للآخرين هو خوفنا من ألا يحترمنا الآخرون، وأساس التفاؤل هو فزعنا من الكوارث لا أكثر ولا أقل، وإذا أحسنا الظن بجارنا نسبنا إليه من الفضائل ما قد يعود بالفائدة علينا، فنحن نقرظ مدير البنك لعله يقرضنا بعض المال، ونصف قاطع الطريق بالبطولة لعله يتجاوز عما في جيوبنا".
***
"... إن النساء كما وصفهم ذكي من أذكياء فرنسا يلهبن فينا الرغبة في القيام بروائع الأعمال، ثم يمنعننا من تنفيذ هذه الرغبة".
***
"إن السيجارة هي أحسن مثل لأحسن متعة، فهي لذيذة وهي لا تشبع حواسك تماما".
***
"... نحن نجد لتأنيب النفس لذة عظمى، وحين نؤنب أنفسنا نحس بأن الغير لا يملك حق تأنيبنا، فالاعتراف هو الذي يغسل خطايانا، وليس الكاهن الذي نعترف أمامه".
***
دوريان جراي: "... أنا أحب الفضائح إذا رويت عن الآخرين، أما الفضائح التي تروى عني فلا يهمني أمرها، لأنها لا تأتي بجديد".
***
"إن المرأة تتزوج مرتين إذا كانت تمقت زوجها الأول، أما الرجل فيتزوج مرتين إذا كان يعبد زوجته الأولى. في الزواج تجرب النساء حظهن، أما الرجال فيقامرون بحظهم".
***
"... الحب يحيا بالتكرار، والتكرار يصقل الرغبة ويكسبها صفة الفن. إن الحب واحد مهما تعدد موضوعه، وفي كل مرة يحب القلب لا يبقى فيه إلا حب واحد، والتعدد لا يضعف الحب، بل يذكيه، فالحياة لا تتسع إلا لاختبار واحد عظيم، وسر السعادة أن نكرر هذا الاختبار ما وجدنا إلى ذلك سبيلا".
صورة دوريان جراي
أوسكار وايلد
ت: لويس عوض
المشروع القومي للترجمة 2001
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق