‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي التاني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي التاني. إظهار كافة الرسائل

السبت، 3 نوفمبر 2012

الموجز في النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة


2. التجربة: 
يميز كونت في هذا السياق بين " التجربة الاجتماعية " التي تطبق على ظواهر المجتمع وبين " التجربة العلمية " التي تُجرى على الظواهر الطبيعية كالكيمياء والبيولوجيا. وما يهمنا ويهم كونت هو التجربة الاجتماعية. 
جوهر التجربة الاجتماعية؟ وصحتها؟ 
في البحوث العلمية حيث تجرى التجارب على الظواهر الطبيعية ؛ وبهدف استخراج القوانين يلجأ الباحث عادة الى إجراء تجارب مقارنة بين ظاهرتين متشابهتين في كل شيء ولكنهما مختلفتين في حالة واحدة وهذا الاختلاف بين الظاهرتين يرجع الى هذه الحالة فقط. ومهمة الباحث هي معرفة هذا العامل ( القانون ) الذي تسبب باختلاف الظاهرتين ثم دراسة مدى تأثير العامل الطارئ هذا على ظاهرة أخرى. 
السؤال هو: هل لدينا وسائل تمكننا من إجراء تجارب من هذا القبيل في علم مثل علم الاجتماع؟ بمعنى: هل يمكن استعمال التجربة كوسيلة في معاينة الظواهر الاجتماعية؟ 
الجواب: يعتقد كونت إن المجتمع مثل جسم الإنسان لا بد وأنه يتعرض الى حالات مرضية سابقة من حين إلى آخر بفعل عوامل طارئة وتيارات ظرفية كالثورات والفتن والانقلابات، وهي حالات تحدث بلا شك طبقا للقوانين الستاتيكية والديناميكية. ولا ريب أن دراسة الحالات الباثالوجية هذه في المجتمع ستؤدي الى تكون رصيد معرفي يساعد في إعادة المجتمع الى سيره المعتاد. 
سؤال آخر: الى أي حد تصلح التجربة كوسيلة فعالة في دراسة الظواهر الاجتماعية؟ 
جواب: إذا تمكن الباحث من الوقوف من قبل على القوانين التي تخضع لها الظواهر في حالتها العادية حتى يمكن الكشف عن العامل الطارئ الذي سبب الحالة المرضية. ومع ذلك ليست التجربة وسيلة مجدية ولا مواتية في كل الظروف والمناسبات وبالتالي فهي غير فعالة. 
3. المنهج المقارن: 
- مفهوم المقارنة 
المقارنة الاجتماعية هي وسيلة منهجية تتأسس على تحديد اوجه الشبه واوجه الاختلاف بين الظاهرتين، ويبين كونت ثلاثة أشكال للمقارنة الاجتماعية كما سنوضح. 
- أشكال المنهج المقارن: 
أولا: مقارنة في مستوى الماكرو وسوسيولوجي " مقارنات واسعة " 
مقارنة المجتمعات الإنسانية ببعضها. 
مقارنة ظاهرتين في مجتمعين إحدهما تطورت بسرعة وأخرى بطيئة التطور. 
ملاحظة وجود مجموعة من النظم في مجتمع بينما لاتؤدي الظاهرة نفس الوظيفة في مجتمع آخر أو ليست بالدرجة نفسها. 
ثانيا: مقارنة في مستوى الميكرو وسوسيولوجي " مقارنات أضيق نطاقا " 
مثلا كأن تقع مقارنة في مجتمع واحد بين الطبقات او الهيئات والمؤسسات او في مستوى المعيشة، والأخلاق، الأذواق العامة، اختلاف اللهجات...الخ، درجة التحضر والتريف. 
ثالثا: مقارنات اكثر شمولا وعمومية وأوسع نطاق 
مثلا مقارنة جميع المجتمعات الإنسانية في عصر ما بالمجتمعات الإنسانية نفسها في عصر آخر للوقوف على مدى التقدم الذي تخطوه الإنسانية في كل طور من أطوارها ومعرفة درجة التطور ما بين الشعوب الإنسانية. 
4. المنهج التاريخي " المنهج السامي " 
- هو آخر حجر في بناء المنهج الوضعي و يقصد به كونت: 
" المنهج الذي يكشف عن القوانين الأساسية التي تحكم التطور الاجتماعي للجنس البشري باعتبار أن هذا الجنس وحدة واحدة تنتقل من مرحلة الي أخرى أرقى منها ". 
- وهو المنهج الذي أقام كونت على أساسه " قانون الأدوار الثلاثة ". 
- وهو منهج يعبر عن فلسفة كونت نفسها أكثر مما يعبر عن حقائق علمية، لان كونت نفسه يقدم وسائل منهجية لدراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية تنسف ما يدعيه لا سيما أن الظواهر تتطور او تبطئ او تؤدي وظائف مختلفة في مجتمعات مختلفة، كما انه يقر بالتباين والاختلاف لنفس الظواهر وما بين المجتمعات. 
- فلماذا ينظر الى الإنسانية كوحدة واحدة في التطور والتقدم؟ وكيف يفسر كونت الآن وجود دول متقدمة وأخرى متخلفة وأخيرة بدائية إذا كان خط التقدم والتطور واحدا؟
المدارس الاجتماعية ما بعد الوضعية 
بعد شيوع الوضعية وتأسيس علم الاجتماع ظهرت العديد من المدارس الاجتماعية التي نشطت في جمع المعلومات عن الظواهر الإنسانية والاجتماعية أو حاولت تفسيرها وتحليلها، ومن هذه المدارس نعرض لبعض منها: 
- المدرسة الاجتماعية البايولوجية: 
لا تعترف هذه المدرسة باستقلالية الظاهرة الاجتماعية بل تعتبرها مظهرا من مظاهر الحياة اليومية. كما ترى أن الظاهرة الاجتماعية في نشأتها وتطورها تسير وفق القوانين التي تسير عليها الظواهر البيولوجية. 
- المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع: 
يتزعمها إميل دوركايم واتباعه مثل مارسيل موس و ليفي بروهل و دي سوسير وبولجيه وهاليفاكس وكوهين وغيرهم. وقد التزمت هذه المدرسة بحدود الوضعية الكونتية بل أنها أرست الوضعية الصحيحة. واعترفت باستقلال علم الاجتماع و الظواهر الاجتماعية وقدمت دراسات ميدانية ممتازة. وتميزت أبحاثها بالدقة العلمية وبذلت جهدا نظريا ضخما في إقامة دعائم علم الاجتماع وتحديد مناهجه وميادينه. 
- المدرسة المادية التاريخية ( كارل ماركس ) 
تذهب هذه المدرسة الى اعتبار أن كل ما يحدث في المجتمع وما ينشأ فيه من ظواهر ونظم انما يرجع الى الطبيعة الاقتصادية. فالظروف الاقتصادية هي العامل الوحيد الذي يشكل نظم الاجتماع والسياسة والأخلاق والدين وبالتالي فالمادة الاقتصادية هي قطب الرحى في التطور السياسي والأخلاقي والاجتماعي. 
- المدرسة الجغرافية ( برون و ميشليه ) 
تعتبر هذه المدرسة ان ظواهر المجتمع هي وليدة البيئة وظروفها العمرانية والطبيعية. لهذا فقد فسرت كل ما يحدث في المجتمع بالرجوع الى الظواهر الجغرافية وقامت بهذا الصدد بتطبيقات تعسفية. 
- المدرسة النفسية ( جابرييل تارد وغوستاف لوبون ) 
وهي المدرسة التي خسرت خصومتها التاريخية مع إميل دوركايم واتباعه. لماذا؟ لأنها لا تعترف باستقلال علم الاجتماع بل تلحقه بعلم النفس وبالتالي فهي تفسر الظواهر الاجتماعية بمبادئ وأصول سيكولوجية. هذه المدسة تعتبر الظواهر الاجتماعية وليدة الارادة الفردية في التقليد والمحاكاة. 
- المدرسة الاثنولوجية ( تين: Tain، ميشليه: Michelet، ممن: Momen ) 
تفسر الظواهر الاجتماعية بالرجوع الى فكرة الجنس 
- مدرسة الانثربولوجيا الاجتماعية = دراسة المجتمعات البدائية: 
مدرسة واسعة تزعمها الكثير من العلماء امثال فريزر وستمارك Frezer Westrmarek و Maclenanو lang وTaylor و Rivers و B. smith و Gillen. وقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة المجتمعات البدائية وأشكالها التي ما تزال قائمة سواء في أمريكا او استراليا او أفريقيا واسيا فتعرف روادها على النظم الاجتماعية الأولى، واتسم الرواد بأنهم جمّاعين مهرة للمعلومات غير انهم اقل قدرة على التحليل، هذا النقص الذي بدأته المدرسة الأنثروبولوجية تداركته مدرسة دوركايم. 
المدرسة الاجتماعية البيولوجية 
هر برت سبنسر / H. spensser 
( 1820 - 1903) 
أولا: حياته العلمية 
- بدأ حياته مدرسا ثم مهندسا. ولكنه ترك وظيفته واشتغل بالسياسة والأدب والاجتماع واعتنق مذهب التطور " في النشوء والارتقاء " ووصل الى حقائق دقيقة قبل أن ينشر داروين بحوثه. ولما نشر سنة 1850 كتابه " الستاتيك الاجتماعية " اخذ نجمه يسطع فكتب بعد ذلك في علم الحياة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والتربية، والسياسة. 
- حاول تطبيق فكرة " النشوء العضوي والتطور " على الكائنات الحية في ميدان علم الأحياء وعلى الإنسان في ميدان علم النفس والأخلاق وعلى المجتمع في ميدان علم الاجتماع والسياسة. 
ثانيا: المبادئ العامة لفلسفته 
‌أ. يتحدث سبنسر عن نفسه قائلا: 
[ " أن جرثومة فلسفتي ظهرت عندما توصلت الى حقيقة بيولوجية أساسها: 
إن الأنواع الدنيا من الحيوان تتألف أجسامها من أجزاء متماثلة لا يتوقف بعضها على بعض واما الانواع العليا من الحيوان فتتألف أجسامها من أعضاء متباينة تعتمد في أعمالها ووظائفها على بعضها البعض. وهذه نتيجة استقرائية وصلت إليها من بحوثي وتجاربي في ميدان الدراسات البيولوجية. وهذه الحقيقة تصدق كذلك على جماعات الأفراد.فكأن المجتمع شأنه شأن أي كائن حي يبدأ متجانسا ثم يميل الى التفرد والانتقال من المتجانس الى اللا متجانس " ]. 
تشتمل مقولة سبنسر عن نفسه المبادئ العامة لفلسفته، وهذه المبادئ تقوم على التكامل / التجانس والتباين / اللاتجانس والعلاقة بينهما. كيف؟ 
انطلاقا من مبدأ " النشوء والارتقاء " يمكن القول: 
أن الارتقاء في جميع مسالك الطبيعة من نبات وحيوان واجتماع إنساني وما يتصل بهذا الاجتماع من شؤون تتعلق بالأخلاق، السياسة، الفنون والعادات إنما يقوم على أساس واحد هو " الانتقال من التماثل والتشابه الى التباين وعدم التجانس ". كيف؟ 
حقائق بيولوجية: 
نماذج الأنواع 
أ. نماذج التماثل والتشابه او التجانس: 
إن الانواع الدنيا من النبات يكون التشابه فيها اكثر وضوحا من الاختلاف في حين أن الانواع العليا من النبات يكون الاختلاف فيها بارزا. كما أن الانواع الدنيا في الحيوان تكون هي الأخرى متماثلة كالأميبيا والإسفنج. 
ب. نماذج الاختلاف والتباين او اللاتجانس: 
في النباتات الراقية يمكن ملاحظة الاختلاف في ميدان التذكير والتأنيث. وفي الحيوان يعتبر الإنسان هو الأرقى ولاشك أن الاختلاف اشد وضوحا. 
مميزات الأنواع 
في الأنواع الدنيا من النبات والحيوان فان الجزء يؤدي حصرا وظيفة الكل فإذا قطعنا جزء من جسم الإسفنج فالحياة مستمرة لان باستطاعة الجزء أن يعيش ويقاوم حتى يصل الى حالة التماثل الأولى وكذلك الأمر في بعض النباتات. هذا يعني أن التطور لن يصل في احسن الأحوال إلا الى حالة التجانس أما اللاتجانس فلا. هذا يعني أيضا أن الجزء مستقل عن الكل حيث قوى النمو والتوالد كامنة فيه. 
أما في الانواع العليا من النبات والحيوان فان الجزء لا يؤدي وظيفة الكل كما أن الجزء مستقل عن الكل نسبيا غير أن التباين والاستقلالية لا تعني الانفصال بل التكامل كما أن العضو مثلا في الإنسان لا تكمن فيه قوى النمو والتوالد لذا فهو يؤدي وظيفة معينة الى جانب وظائف الأعضاء الأخرى بحيث أن عملية التكامل الوظيفي تؤدي الى وحدة القصد والهدف. 
القانون العام: 
من هذه الحقائق البيولوجية يستخلص سبنسر القانون التالي: 
" أن في الحياة ميلا الى التفرد والتخصص والانتقال من المتجانس الى اللامتجانس ومن المتشابه الى المتباين. فالجماد او الجسم غير الحي كذرات التراب، النار والهواء يكون متماثلا وغير متخصص في حين أن الجسم الحي يتمتع بذاتية وينفرد بشخصيته ويؤدي وظيفة خاصة ومحدودة يتعين عليه أن يؤديها وكلما زاد الكائن الحي ارتقاءا زاد تفرده وتخصصه ظهورا ". 
وهكذا يقرر سبنسر أن التخصص هو غاية كل تطور وارتقاء في الموجودات. 
دعائم القانون: 
حسب تحليل سبنسر فالقانون يقوم على دعامتين: 
أولا: كلما ازداد المركب الحيوي تعقيدا ازداد تخصصا وتفردا. 
ثانيا:كلما ازدادت الأعضاء تفردا واختصاصا ازدادت استقلالا 
من الحقائق البيولوجية الى الحقائق الاجتماعية 
"من ميدان البيولوجيا الى ميدان الحياة الاجتماعية " 
نشط سبنسر في تطبيق ما توصل إليه في الميدان البيولوجي على الميدان الاجتماعي: 
1. الأفراد وحياة الفطرة 
اتسمت حياة الجماعات البشرية الأولى بالتشابه والتماثل في انتسابهم الى مجتمع تتشابه فيه طرق المعيشة والحاجات والغايات ووسائل العيش والاقتصاد والنمو والدفاع والأمن والزواج والدين والمعتقدات والأساطير...الخ 
وفي مرحلة ما حدث تطور في الحياة الاجتماعية والانتقال من سذاجة الفطرة الى مرحلة اكثر ارتقاء لوحظ فيه ظهور الفوارق بين الأفراد وتقاسم وظيفي لشؤون الأسرة والعمل وما الى ذلك من شؤون الحياة الاجتماعية. 
وفي مرحلة اكثر تطورا ورقيا لوحظ ازدياد في التخصص والاستقلالية الفردية. 
2. انقسام المجتمعات: 
- كلما ازداد التخصص والتفرد كلما انقسمت المجتمعات الى طبقات اكثر. 
- شيوع ظاهرة التخصص والتفرد في أدق مظاهرها. 
تعقيب / تساؤل: هل التخصص والتفرد يشكلان مصدر قوة أم ضعف للمجتمع؟ تماسك أم تفكك؟ 
إن الإسراف في التخصص لا يعني استقلال كل كائن عن الآخر او كل طائفة اجتماعية عن بقية الطوائف الأخرى في المجتمع وعلى العكس من ذلك فالتخصص ينطوي على التضامن والتعاون ويتجه نحو التآلف ؛ فالعدالة تستوجب ضمانات لتحقيقها كالقضاة والمحامون ووكلاء الدفاع والكتاب والمحضرون بحيث ينصرف كل الى عمله ليتحقق القصد والهدف العام كما أن التآلف ينسحب على الدور التكاملي الذي يؤديه كل من التاجر والصانع والطبيب والمدرس وعامل النظافة والمزارع والجندي والشرطي بحيث ينصهر الجميع في بوتقة واحدة تنزع نحو وحدة القصد والهدف رغم التفرد والاختصاص. 
ملخص نظرية سبنسر 
تتلخص النظرية التطورية عند سبنسر في: 
- الانتقال من التشابه الى التباين او من التعميم الى التخصص او من الاستقلال الانعزالي ( فوضى الشيوع ) الى النظام والتدرج. 
- هذه المعاني لا تتغير، فهو شرحها في كتابه " المبادئ الأولى " وفي كتبه الأخرى " مبادئ علم النفس وعلم الحياة وعلم الاجتماع ". 
ثالثا: نظريته في طبيعة المجتمع 
‌أ. المحددات النظرية: 
إن نظرية سبنسر في المجتمع تنبع أصلا من فلسفته في التطور الاجتماعي هذه الفلسفة ستؤدي حتما الى مماثلة بين المجتمع والكائن الحي ولكن بشرط. أي أن المجتمع فقط يشبه الكائن الحي ولكنه يتطابق معه. كيف؟ 
عبر ثلاث ماهيات. 
1. ماهية المجتمع: 
حسب داروين و هيغل بصفة خاصة يتفق سبنسر على اعتبار المجتمع جزء من النظام الطبيعي للكون وبالتالي فهو يرفض الفكرة التي تعتبره شيئا خارجا عن هذا النظام. 
2. ماهية علم الاجتماع: 
إن اعتبار المجتمع جزء من النظام الطبيعي للكون يستوجب، حسب سبنسر، النظر إليه كفرع من منظومة التفسير الطبيعي التي تطبق على سائر مظاهر الكون وليس على المجتمع فقط. وعلى هذا الأساس فإن علم الاجتماع هو محاولة لمعرفة نشأة المجتمع وتركيبه وعناصره وهيئاته ومراحل نموه وتطوره وما الى ذلك من المظاهر التي تخلفها العوامل الطبيعية والنفسية والحيوية بوصفها عوامل تعمل متضافرة في عملية تطورية موحدة. 
3. ماهية التطور الاجتماعي: 
هكذا فان التطور الاجتماعي ليس إلا عملية تطورية عضوية ليس بالمعنى البيولوجي النصوصي بل بالمعنى الاصطلاحي الذي يخلص سبنسر الى تسميته بالتطور فوق العضوي. 
‌ب. التطور فوق العضوي: ما هو؟ = التطور العضوي؟ 
إن التحدث عن تطور عضوي ( بمعنى بيولوجي ) وتطور فوق عضوي ( بمعنى اصطلاحي ) يعني أن سبنسر بصدد الحديث عن مقارنة الكائن الحي من جهة والمجتمع من جهة أخرى. وبما أن المنهج المقارن يستوجب ضبط التشابهات ( التماثلاث ) والاختلافات ( التمايزات ) فمن الواضح أن سبنسر عندما يتحدث عن عناصر تشابه بين المجتمع والكائن الحي إنما يتحدث أيضا عن فروقات لذا نراه دقيقا في اختياره للمصطلحات والمفاهيم بالقدر الذي يسمح له ببناء نظرية تجد لها موقعا ملائما بين النظريات الاجتماعية التي أعقبت ظهور علم الاجتماع على يد اوجست كونت. 
السؤال: ماهي طبيعة الفرو قات بين التطور العضوي والتطور فوق العضوي؟ 
جواب: لدى مقارنته للمصطلحين في نطاق المجتمعات الحيوانية يرى سبنسر أن التطور فوق العضوي وإن كان موجودا في مجتمعات النمل والنحل مثلا بوصفها مجتمعات راقية إلا انه يبقى اقل وضوحا. إذن المسألة تتعلق بمدى تعقد المجتمعات المدروسة، أي بمدى تخصصها، وفي هذا السياق يعقد سبنسر مقارنة بين المجتمعات الحيوانية والمجتمعات البشرية، فماذا يلاحظ؟ 
يلاحظ أن المجتمعات الحيوانية ليست معقدة كالتعقيد الذي يمكن ملاحظته في المجتمعات البشرية. لماذا؟ وأين يكمن التعقيد؟ مبدئيا فإن الاجتماع الحيواني يشتمل على ضرب من السلوك والأثر ما هو أشد تعقيدا مما لدى الاجتماع الإنساني، غير أن الاجتماع الإنساني ينطوي على تفاعل في مستوى العلاقات الإنسانية وتشابك المصالح والرغبات بين الأفراد مما ينجم عنه ضروبا من السلوك والآثار أشد تعقيدا وأشد تنوُّعا الى الحد الذي يجعله أرقى صورة للتطور العضوي. 
‌ج. محتوى المماثلة البيولوجية 
المجتمع كائن حي؟ 
في ضوء ما سبق، وحسب سبنسر، فإن: 
- المجتمع عبارة عن كائن عضوي أو مركب عضوي يشبه الجسم الحي. 
- عناصر المجتمع وهيئآته تشبه نظائرها في الكائن الحي. كيف؟ 
1. من حيث التشابهات: 
فالمجتمع كالفرد مزود بجهاز للتغذية يتمثل في هيئاته وطبقاته المنتجة، ومزود بدورة دموية تتمثل في نظم التوزيع وطرق المواصلات، ومزود بجهاز هضمي وإخراجي يتمثل في نظام الاستهلاك، ومزود بجهاز عصبي يتمثل في الحهاز التنظيمي والادارة والحكومية التي تتولى قيادة المجتمع والاشراف على مصالحه. 
2. من حيث الفروقات: 
v ان عناصر الكائن الحي تكون كلا متماسكا ومتحددا بصفة مباشرة.هذه الكلية تتمظهر في اتحاد مادي محسوس لجميع العناصر. 
v ولكن في المجتمع فان العناصر / العوامل إنما تؤدي الى الوحدة / الكلية لانها عناصر خارجية وليست عضوية كما هو التركيب العضوي للفرد. وهذه العوامل تتجلى باللغة والعواطف والانفعالات والافكار والمعتقدات والتقاليد والعرف...الخ 
v ان الجهاز العصبي ـ مثلا ـ في عقل الكائن يشغل جزء صغيرا من التركيب البيولوجي \العضوي للفرد، بينما في المجتمع نجده ممثلا بالجهاز التنظيمي والادارة والقيادة. أي أنه موزع بين الافراد ولكل انسان الحق في المساهمه فيه في اطار توجيه المجتمع. 
v المجتمع يشبه الفرد من حيث النشأة والتكوين، حيث ينشأ بصورة بسيطة ضيقة النطاق ثم يأخذ حجمه بالنمو وعدد افراده بالتكاثر. اذن المجتمع يشبه الكائن الحي في حالة النشأة أي في الحالة التي يتبعها تميز في الهيئات والاعضاء والتركيب المعقد [ انتقال من التجانس اللامحدود الي التباين المحدود ] ولكن نمو المجتمع لا يكون عن طريق التزايد البسيط الضيق بل من خلال اندماج هيئاته واتحاد بعض المجتمعات الصغيرة وتفاعل اتجاهاتها والتيارات التي تسودها، هنا تبدأ حالة التعقيد في بنية المجتمع وتركيبه. 
المجتمع بين الاستقرار والانحلال 
يقضي قانون النشوء والارتقاء بخضوع الكائنات الحية لوجهي القانون. فاذا كان الكائن الحي ينشأ وينمو فهو ايضا ينحل. وهكذا المجتمع حين يشبهه سبنسر بالكائن الحي فهو حتما خاضع للوجه الاخر للقانون وهو الضعف والانحلال. 
1. استقرار المجتمع: 
ان نشوء المجتمع مرحلة تتواصل مع مرحلة النمو، وما بين اكتمال نمو المجتمع وتعقيده من جهة وانحلاله من جهة اخرى ثمة مرحلة استقرار يبلغ فيها المجتمع من القوة ما يزيد من اندماج عناصره وهيئآته وتماسكها. في هذه المرحلة يكون المجتمع في أوج استقراره. فما الذي يحدث عند استقرار المجتمع؟ 
ما ان تستمر الحياة لاجتماعية الى حد ما حتى تاخذ الظواهر والنظم الاجتماعية في الارتقاء والتطور، وهذه العملية تعني الانتقال من حالة التجانس الى حالة التباين والتخصص. وخلال انتقالها من حالة الى حالة فإن الظواهر والنظم الاجتماعية ستتاثر بنوعين من العوامل: 
- العوامل الداخلية: 
تتعلق هذه العوامل بالناحية الفردية. أي كل الخواص الفردية ذات الصلة بالتكوين الطبيعي والتكوين العاطفي العقلي للافراد الذين يكوِّنون المجتمع. فالظواهر التي تقوم في المجتمع تنشأ في واقع الامر متاثرة بالخواص الفردية هذه. بمعنى ان الافراد يشكلون ظواهر المجتمع وفق الخواص المشار اليها. 
- العوامل الخارجية: 
هي كل العوامل التي تقع خارج نطاق الخواص الفردية ولكنها تؤثر على الافراد تأثيرا مباشرا وعلى الظواهر الاجتماعية بوصفها نتاج لأوجه نشاط الافراد.هذه العوامل هي البيئة: كالبيئة الجغرافية والطبيعية وظروف المجتمع المناخية وموقعه وما الى ذلك من المؤثرات البيئية. 
2. انحلال المجتمع: 
ان ارتقاء وتطور المجتمع عملية تنسحب على شتى مناحي الحياة الاجتماعية من نمو في الوحدة السياسية ( الاسرة، قبيلة، مدينة، دولة، هيئة، أمم...الخ ) والوحدة الاقتصادية (صناعة منزلية، مهن، ثورة صناعية آلية ثم ثورة صناعية كهربائية، وكذلك نظم الشركات المساهمة والاحتكار والاستعمار...الخ ) ونمو في الوحدة السكانية (عائلة ثم قرية ثم مدينة...الخ )...الخ 
ان التطور كان وما يزال مصحوبا بظاهرة ملازمة هي ظاهرة " تنافر القوى وتنوع الوظائف وتفرع الاختصاصات ". فالعامل الاجتماعي ازداد تنوعا فيما ازدادت المهن والصناعات تخصصا وخضعت مظاهر الانتاج الاخرى لهذه المبادئ. لا بل نجد تنوعا بين خصائص الريف والمدن وبين دولة وأخرى او بين وحدة اقليمية واخرى، وفي كل ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية نجد تطبيقات صحيحة لهذه المبادئ في السياسة والدين والاخلاق والعلم والفن والاقتصاد. 
وفي المقابل نجد انحلال يعقب التطور. إذ ثمة مجتمعات تضعف بعد قوة ومدنا تتقوض وتنحل وتفقد مكانتها، ودولا يحل بها الظلم والهوان والفقر والتخلف بعد مجد وسلطان وأخرى تقوم من جديد وتأخذ بأسباب النشوء والارتقاء في عملية خلق متجددة في الحياة الانسانية. 
تعقيــب 
ولكننا نلاحظ دولا وشعوبا وقبائل تأبى الانعتاق من تخلفها وبدائيتها مقابل دول وشعوبا تصر على ديمومة الارتقاء وعدم الانتكاس. 
رابعا: نظريات سبنسر في شؤون المجتمع 
كثيرة هي النظريات التي يعرض لها سبنسر في فلسفته الاجتماعية، منها ما يتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية وبعضها يتعلق بالشؤون الاخلاقية والدينية. 
نظريته في تصنيف المجتمعات 
يقسم سبنسر المجتمعات باعتبارين: 
1. من ناحية التكوين المورفولوجي: مجتمعات بسيطة أومركبة 
في هذا النوع تكون الوحدات الاجتماعية أو التجمعات البشرية متجانسة بما يشبه الفوضى البدائية شأنها في ذلك شأن الانواع الدنيا من الحيوان ثم تاخذ في النمو كما ينمو جسم الانسان فترتقي وتتجه بالتدريج نحو التعقيد في التركيب والتنوع في الوظائف والظواهر والنظم ومن ثم الاستقرار. ومن الضروري أن يحدث اتحاد بين هذه التجمعات إما عن إرادة وقصد وإما عن طريق القهر والتغلب لكي يحصل الانتقال من حالة التجمعات البسيطة الساذجة الى حالة التعقيد والتركيب. 
2. من ناحية الوظيفة: مجتمعات حربية أو صناعية 
يرى سبنسر أن بعض المجتمعات من يعيش سكانها رغبة في القتال كالتي سادت نظم الحياة الاقطاعية في أوروبا سابقا وهو حال المجتمعات الحربية. وهناك من المجتمعات من يقتصر عيشها على مكافحة المتاعب في الحياة والصراع في معركتها. مثل هذه المجتمعات ليس لها غاية الا العمل للتغلب على مصاعب الحياة وهو حال المجتمعات الصناعية.
النظرية الوظيفية 
اولا: جذور النظرية 
لما نتعرض للوظيفية بالدرس والتحليل والفهم علينا اولا ان نأخذ بعين الاعتبار ان للنظرية الوظيفية: 
1. جذورا ابستيمية ومعرفية تسبق تحول الوظيفية الى نظرية، ولما نبحث عن الجذور فاننا في الواقع نقوم بمقاربة للوظيفية كمفهوم قبل ان نقف عليها كنظرية هذه الجذور المعرفية نجدها لدى علماء الاجتماع الاوائل امثال سان سيمون و اوجست كونت و اميل دور كايم و مارسيل موس وحتى كارل ماركس و ماكس فيبر. وهي في وضعها هذا لا تعدو ان تكون مجرد مقاربة ولكنها قابلة للارتقاء الى مستوى النظرية. 
2. ان النظرية الوظيفية هي نظرية جزئية وليست نظرية كلية في علم الاجتماع وهذا هو حالها فيما لو قارناها بالنظرية الماركسية التي تقدم نظرة شاملة للمجتمع. 
3. بدء من العقود الاولى للقرن العشرين اخذت الوظيفية بالهيمنه على ساحة علم الاجتماع خاصة بعد ان نشطت المدرسة الانجلو سكسونية التي ضمت كلا من روبرت ميرتون و راد كليف براون و تالكوت بارسونز ومالينوفسكي في انجاز ابحاث استندت الى النظرية الوظيفية او ما عرف بالبنائية الوظيفية. 
هكذا علينا أن نقر انه من العبث فهم هذه المقاربة الجديدة قبل ان نرجعها الى جذورها المعرفية الاولى، أي الى المقاربة الوضعية التي انبثقت منها. كيف؟ 
لقد اوجد اوجست كونت قطيعة بين ما يسميه هو بقرون الميتافيزيقيا والقرن التاسع عشر او ما يسميه بالقرن الوضعي العلمي. هذه القطيعة ترتب عليها بروز تصورات جديدة تتعلق بالنظام السياسي والنظام الاجتماعي والنظام المعرفي. كما ان كونت بشر بوراثة العلماء والفلاسفة والصناعيين لرجال العهد الميتافيزيقي البائد، أي انه بشر بنظام اجتماعي وسياسي سيرتكز على العلم والفلسفة والصناعة. وهكذا، فكلما تغيرت المعرفة بالاتجاه العلمي والوضعي كلما امكن التوصل الى اقامة نظام سيلسي وضعي. 
السؤال: ما هي قيمة التصور الوضعي للاجتماع والسياسة والمعرفة؟ 
قيمة التصور الوضعي تنعكس على علاقة المعرفة بواقعها.أي ان المعرفة لم تعد نظرية مجردة بالقدر الذي ستصبح فيه تطبيقية. في هذا الاطار من التصور الوضعي سيكون دور المقاربة الوظيفية هو التعامل الواقعي مع الظواهر الاجتماعية. فهل حصل مثل هذا التعامل؟ 
في واقع الامر نعم. فقد بدأ هذا التعامل الواقعي مع الظواهر مع سان سيمون لما اعترف – مثلا - بمفهوم المواطنة وأعلى من شأنه على حساب مفهوم الكونت، ثم لما اعتبر الدين ظاهرة اجتماعية وجردها من كل مقدس. ولكن مع اوجست كونت كان التعامل الواقعي مع الظواهر ابلغ اثرا حيث جعل من ظاهرة الدولة ظاهرة نمطية فقسمها الى ثلاثة اقسام / انماط تعبر عن ثلاث مراحل هي: 
- الدولة الثيولوجية تعبير عن المرحلة اللاهوتية. 
- الدولة الميتافيزيقية تعبير عن المرحلة الفلسفية \الميتافيزيقية – الطبيعية. 
- الدولة العلمية تعبير عن المرحلة الاخيرة / الصناعية او الفكر الوضعي العلمي. 
بعد هذه التجربة المعرفية في تنميط مراحل التطور البشري الفكري توصل كونت الى تجاوز الفلسفة النظرية المجردة التي اخفقت لانها عجزت عن تحليل واقع الانسان وشرع كونت في بناء شجرة المعرفة متوجا اياها بعلم الاجتماع الذي كان عليه ان يلعب دورا اساسيا في تحليل وافع الانسان. وهكذا ستكون المقاربة الوظيفية ترجمة لكل التصورات التي حصلت داخل المقاربة الوضعية. 

النظرية الاجتماعية المعاصرة


نظرية الصراع الاجتماعي " رالف داهرندوف " R. Dahrendof 




فهرست [إخفاء]
1 مفهوم الصراع الاجتماعي
2 بعض تعريفات الصراع الاجتماعي 
2.1 أولا : رالف داهرندوف
2.2 ثانيا : لويس كوزر
3 مشروعية الصراع الاجتماعي 
3.1 الجذور
3.2 في علم الاجتماع
4 المصادر

مفهوم الصراع الاجتماعي 
يحدث الصراع الاجتماعي نتيجة لغياب الانسجام والتوازن والنظام والاجماع في محيط اجتماعي معين . ويحدث ايضا نتيجة لوجود حالات من عدم الرضى حول الموارد المادية مثل السلطة والدخل والملكية او كليهما معا . اما المحيط الاجتماعي المعني بالصراع فيشمل كل الجماعات سواء كانت صغيرة كالجماعات البسيطة او كبيرة كالعشاثر والقبائل والعائلات والتجمعات السكنية في المدن وحتى الشعوب والأمم. 


والفكرة الاساسية تتجلى في القول ان قضية الصراع بين المجموعات البشرية هي في الواقع ظاهرة عضوية في الحياة الانسانية والعلاقات السائدة بينها . ويمكن ايراد نوعين من الأسباب حول استيطان الصراع الاجتماعي كظاهرة اجتماعية بين المجموعات البشرية : 

1. ثمة ما يسمى بـ" الرموز الثقافية " وهو نوع من الاسباب التي تؤدي إلى انسجام بين البشر أو إلى خصام . والخصام في هذا السياق قد يتجلى في الاختلاف على مفهوم السلطة المادية . فمن له الحق في السلطة وتملكها ؟ ولماذا ؟ هو سؤال يسمح بنشوب صراع . 

2. ومن وجهة نظر ماركسية فان قضية العدالة الاجتماعية تعد متغيرا بنيويا في اثارة الصراعات الاجتماعية طالما ان هناك توزيع غير عادل للثروة . 




بعض تعريفات الصراع الاجتماعي
يقدم علماء الاجتماع السياسي وعلماء الانثروبولوجيا بعض التعريفات التي تساعدنا في التعرف على معنى الصراع في ادبيات العلوم الاجتماعية ، ولنأخذ اثنين من هذه الادبيات : 

أولا : رالف داهرندوف
يقدم عالم الاجتماع الالماني هذا الصراع على انه "حصيلة العلاقات بين الافراد الذين يشكون من اختلاف في الاحداث " . 

ثانيا : لويس كوزر
هو عالم اجتماع امريكي معاصر اهتم بالنظرية الوظيفية وقدم مساهمة في نظرية الصراع الا جتماعي . 

هذه المساهمة تعرف الصراع بـ : 

" انه مجابهة حول القيم او الرغبة في امتلاك الجاه والقوة او الموارد النادرة " . 

وفي هذا السياق للتعريف فان الاطراف المتصارعة لا ينحصر اهتمامها بكسب الاشياء المرغوب فيها بل انها تهدف إلى وضع المناوئين اما في حالة حياد او ان يقع الاضرار بهم او القضاء عليهم . 

مشروعية الصراع الاجتماعي
الجذور 
تهتم النظريات السوسيولوجية باستكشاف اسباب الصراع الاجتماعي وانعكاساتها ، وتحاول ان تطرح رؤىً فكرية بخصوص امكاية نفي المفهوم او التحكم فيه . أي البحث في استعمال المفهوم وتوظيفه لتبرير غايات سياسية او اقتصادية او اجتماعية او حتى فلسفية . ولكن كيف ؟ 

ان الفكر النظري حول الصراع الاجتماعي هو فكر قديم جدا ولعل نظرية كارل ماركس حول الصراع الطبقي تمثل حصيلة لتراكم الزاد المعرفي لهذه النظرية . فالصراع الاجتماعي عند ماركس له جذور اقتصادية تشكل الطبقات الاجتماعية اساسه عند المجموعات البشرية . فالصراع الطبقي حسب الماركسية هو القوة المحركة للتاريخ . 

من جهة أخرى يرى البعض كـ " روبرت مالتوس " صاحب النظرية الشهيرة في السكان بان الثروات وقتل الملايين من الافراد عبر وسائل العنف المتعددة والمتنوعة هي مسألة ضرورية لتقدم البشرية . بعبارة اخرى فالصراع الاجتماعي من هذا المنظور اساسيا وضروريا لإحداث تغير اجتماعي ايجابي وكأن فلسفة التقدم والتنمية التي اجتاحت اوربا في القرن 19م ما كان لها ان تنجح لولا البعد العنفي الكامن فيها . وفي هذا السياق يبدو أن للصراع وظيفة ايجابية . 

في علم الاجتماع
بالنسبة لنظرية الصراع في علم الاجتماع فيمكن الاشارة إلى المعالم التالية : 

فمن جهة تُعَدُّ نظرية الصراع الاجتماعي كطليعة للفكر الماركسي ، ومن جهة ثانية تُعَدُّ بديلا للنظرية البنيوية الوظيفية ، بل انها تمثل مخرجا للنظريتين فهي من جهة تحمل بذورالوظيفية وفي نفس الوقت تحمل بذور الماركسية لذا فهي تستعمل مضامين وجواهر كلا من الوظيفية والماركسية بحيث يستحيل ردّ اطروحاتها إلى أي من هما منفردة . 

كنا قد اشرنا إلى النقد الذي تعرضت له البنيوية الوظيفية على عدة مستويات باعتبارها نظرية محافظة ذات طابع ايديولوجي وغير قادرة على التعامل مع التغيرات الاجتماعية كونها ركزت في انطلاقاتها علىاستقرار البنى الاجتماعية حتى فقدت القدرة على تحليل الصراع الاجتماعي . لذا يمكن القول بان نظرية الصراع الاجتماعي تمثل محاولة قام بها العديد من علماء الاجتماع للمحافظة على الاهتمام بمفهوم البنية والاعتناء بنفس الوقت بمفهوم الصراع . 

ويعد كتاب عالم الاجتماع الامريكي " لويس كوزر" المنشور تحت اسم " وظائف الصراع الاجتماعي 1950 " أول محاولة تنظيرية في هذاالصدد . أي انه أول محاولة امريكية تتعامل مع الصراع الاجتماعي انطلاقا من رؤية البنيوية الوظيفية مما يعني ان كوزر انفرد نوعا ما بنظرة ايجابية للصراع الاجتماعي . ومع ذلك فالبعض يرى ان دراسة الصراع الاجتماعي يجب ان يتجاوز الوظائف الاجتماعية الايجابية لهذا الصراع . فما الذي يعنيه هذا البعض ؟ 


المعنى يكمن في النظرية الماركسية . فلعل ابرز ضعف تشكو منه نظرية الصراع الاجتماعي هو فقدانها لارضية النظرية الماركسية ، ولعل الاستثناء الوحيد في هذا الميدان هو عالم الاجتماع الألماني " رالف داهرندوف " الذي حاول تلقيح نظرية الصراع الاجتماعي بأطروحة الفكر الماركسي فكان كتابه " الطبقة وصراع الطبقات " أهم عمل سوسيولوجي حول نظرية الصراع الاجتماعي . 

ومع هذا فإن داهرندوف يكاد يستعمل نفس الاطار التحليلي الذي تبناه علماء الاجتماع الوظيفيون " البنى والتنظيمات الاجتماعية " . ومن ناحية اخرى فقد نبه داهرندوف إلى أن عناصر النسق الاجتماعي يمكن ان تعمل معا متناسقة ويمكن ان تعرف صراعا وتوترات ذات بال ، فالمجتمعات تتمتع بحركية والصراع هو أحد ملامح هذه الحركية ومثلما ان هناك تناسق اجتماعي فثمة أيضا مجابهات وتوترات اجتماعية . 

وفي النهاية يمكن النظر إلى نظرية الصراع الاجتماعي على أنها مرحلة عابرة في تاريخ تكون النظرية السوسيولوجية . ويعود فشل تبلورها إلى عدم الاستفادة الكافية من الفكر الماركسي الذي كان انتشاره ضئيلا قبل الخمسينات في القرن العشرين بين علماء الاجتماع الأمريكان ومع ذلك فالنظرية الصراعية هيأت الظروف المناسبة لقبول الفكر الماركسي بين المثقفين الأمريكان مع مطلع الستينات من نفس القرن 

المؤسسات الاجتماعية


الاجتماع البشري مع تبعثر أفراده له تنسيق، وكل يعمل في ذلك التنسيق. 

1 ـ لأجل أن البشر خلق هكذا، فهو يحب العمل في ضمن المجموعة. 

2 ـ ولأجل أن التقدم وقضاء الحوائج، إنما يكون بالعمل التنسيقي، وهذا التنسيق يتحقق حتى مع تعارض أفراده بعضهم مع بعض، وكذلك في داخل الاجتماع، تعمل المؤسسات بتنسيق، أي أن كل مؤسسة تكون مع المؤسسة الأخرى في تنسيق. 

فمثلاً: المؤسسة الاقتصادية تقوم بتوفير الجهات الاقتصادية لمؤسسة تربوية، والثانية تقوم بتوفير الجهات التربوية للأولى، وهكذا. 

وهذا التنسيق، سواء كان بين أفراد الاجتماع، أو بين المؤسسات أو بين الأفراد والمؤسسات، يسمى بـ[ـالنظم] وبـ[ـالنظام] وهذا النظم هو روح الاجتماع، بلى يمكن أن يقال بالتساوي بين الأمرين، فالنظام يساوي الاجتماع وبالعكس. 

والفرق بين النظم والنظام، أن الثاني وليد الأول، وإن كان ربما يطلق كل واحد منهما مكان الآخر… وكما أن الإنسان له [فكرة] و [قول] و [سيرة] و [عمل] وأن الثالث عبارة عن كيفية امتداد حياته والرابع عبارة عن فعله وإنتاجه، كذلك المؤسسة لها تلك الأمور الأربعة، إذ المؤسسة تنطوي على فكرة خاصة، كالفكرة التثقيفية، ثم الدعاية والإعلان، ثم منهجها في حياة نفسها، ثم إنتاجها وعملها. 

ومن الواضح أن تغيير فكرة المؤسسة يؤثر في الثلاثة الأخر فإذا كانت مؤسسة اقتصادية نقدية، ثم نظمت نفسها لتكون مؤسسة اقتصادية تجارية، تغيرت كل أساليبها الثلاث الأخر. 

المؤسسة والأعراف الاجتماعية 

والمؤسسة تبقى حية مادامت تعمل، فإذا تركت العمل ماتت وتلاشت. 

والمؤسسة حالها حال الفرد في أنه قد يكون يعمل طبق الموازين العرفية وفي هذا الحال تدوم المؤسسة، أما إذا عملت المؤسسة على خلاف العرف السائد ـ كأن تعمل مؤسسة اقتصادية في البلاد الرأسمالية على طبق الموازين الاشتراكية ـ فإنها تعد منحرفة، فإن دامت في الانحراف، فإما أن يغلقها الاجتماع بمختلف الوسائل والسبل ـ والتي أخيرها القوة ـ وإما أن تتمكن من إثبات نفسها بسبب ما لها من مقومات اجتماعية… وإذا بقيت غيرت من الاجتماع بعض الشيء على لون نفسها. 

وذلك لأن الاجتماع لا يتحمل وجود المخالف، فرداً أو مؤسسة أو جماعة، فهو يغير المنحرف [أولاً] بالنصح والإرشاد [وثانياً] بالاستهزاء والهمز وما أشبه [وثالثاً] بالتفرق من حوله حتى يذوى تلقائياً، [وأخيراً] بالقوة، مثل سجن المنحرف أو قتله، وغلق المؤسسة المنحرفة وهكذا، نعم إذا تمكن المنحرف عن الاجتماع، أو المؤسسة كذلك إثبات صحة طريقته مما أقنع الاجتماع بذلك جلب الاجتماع إلى نفسه، وكذا نرى تقلب الاجتماع بسبب المصلحين، كما نرى تقلبهم بسبب من يلبس ثوب الإصلاح، وإن كان كلاهما رمياً ـ أول عملهما ـ بالانحراف. 

بين المؤسسة والمؤسسات الأخرى 

وكما تعمل المؤسسات في المجتمع معاً كذلك تعمل أجزاء المؤسسة الواحدة معاً، حالهما حال أجزاء بدن الإنسان، وعملهما على ثلاثة أقسام: 

1 ـ العمل في زمان واحد بدون رتبة مثل أن تعمل مؤسسة اقتصادية إلى جنب عمل مؤسسة سياسية. 

2 ـ العمل في زمان واحد مع الرتبة كأن تعمل مؤسسة الحلج في رتبة متقدمة على عمل مؤسسة النسج، وإن كانتا تعملان في زمان واحد. 

3 ـ العمل في زمانين كعمل مؤسسة حصد القصب قبل عمل مؤسسة صنع السكر. 

ومثالها في البدن عمل العين والأذن معاً، وعمل القلب قبل عمل الشرايين ـ رتبة ـ وعمل الجفن قبل عمل العين بالنظر، وإذا كان العمل رتيباً يلزم ملاحظة التنسيق، لا أن يعمل أحدهما أكثر، فإن ذلك يوجب فوضى في عملهما فإذا عمل المتقدم أكثر، لم يطق المتأخر الاستيعاب، وإذا عمل المؤخر أكثر لزم توقفه عند عدم وصول الوقود اللازم إليه. 

والمؤسسات على قسمين: قسم يحتوي على عدة أفراد لهم عمل واحد وقسم يحتوي على عدة مؤسسات صغيرة، إما تعمل كل في اتجاه واحد عام أو في عدة اتجاهات مثلاً: مؤسسة الخياطة تعمل فروعها في أمور شتى، مثل القص، والخياطة والكي وما أشبه، والإطار العام للكل واحد، بينما مؤسسة تربوية كبيرة، يعمل فرع منها في المدارس، وفرع في التمثيليات، وفرع في الطباعة، وهكذا. 

مهمات المؤسسة 

واللازم في المؤسسة ملاحظة أمرين: 

1 ـ التنسيق في العمل والنمو والضمور. 

2 ـ ملأ الفراغ بالقدر الممكن، فإذا كانت مؤسسة سياسية لها فروع التربية السياسية، والدعاية، وتكثير الأفراد، وجمع المال، كان اللازم أن يحصل فرع المال على مقدار من المال يكفي للفروع المذكورة، كما أن على فرع التربية أن يربي بقدر الأفراد المنخرطين في فروع المؤسسة، وهكذا… فإذا ضمر المال مثلاً: قللوا من الكل، وإذا نمى المال أنموا من الكل، وكذلك الحال في سائر الفروع. 

أما بالنسبة إلى ملأ الفراغ: فإن المؤسسات لها إمكانيات تختلف سعة وضيقاً حسب قوة وضعف المؤسسة، والغالب أن المؤسسة لا تملأ فراغاتها، ولا تستغل قدراتها، وبذلك تهدر الطاقات، بما لو استغلت أتت بثمار طيبة… مثلاً: إذا كانت المؤسسة تربوية ولها عشرة أعضاء كان لأولئك مقدار عشرة في المائة من الوجاهة لجمع المال، ولجذب الشباب، لكنهم يصرفون خمسة في المائة من تلك الوجاهة، فتبقى الخمسة الباقية معطلة وهكذا. 

والقدرة على ملأ الفراغ غير أعمال تلك القدرة، فاللازم على المؤسسة وضع المنهاج الكامل لاستنفاذ تلك القدرات: وملأ فراغ تلك الطاقات وبذلك تكون المؤسسة آخذة في التقدم والصعود. 

ومن المعلوم أن قدرة المؤسسة ليست بقدر قدرة أفرادها ـ فرداً فرداً ـ بل تتضاعف القدرة، أضعاف قدرة كل فرد فرد، فإذا كانت قدرة عشرة أفراد مبعثرين بقدر تربية مائة فرد ـ كل فرد يربي عــشرة ـ كانت قــدرة العشرة المجتمعة بقـــدر تربية خمسمائة فرد ـ مثلاً ـ ينظرون في عشرة صفوف، ويتبادل أفراد المؤسسة في الصفوف المذكورة، حسب المنهاج المدرسي المنظم، وبذلك تكون النتيجة خمسة أضعاف نتيجة الأفراد المبعثرين. 

ثم اللازم على القائمين بالمؤسسة، أن يلاحظوا أن لا يتجاوزهم الزمان، فإذا تجاوزهم الزمان يلزم عليهم، أن يلائموا مؤسستهم مع الزمان، وإلا كان صرفاً للطاقات البشرية والمادية في غير مورد… حتى إذا كان الزمان مر بمقدار واحد في المائة، يلزم اللحوق بالزمان وإلا كان هدراً بمقدار ذلك الواحد مثلاً: مؤسسة للمواصلات بين بلدين تستعمل سيارات كبيرة، ثم تغير الزمان وأخذت السيارات الصغيرة تستعمل هناك، فإن بقاء المؤسسة على حالتها السابقة لا ينتج إلا هدر طاقات المؤسسة. 

أنواع المؤسسات 

وكل مؤسسة تصنف في الصنف الذي تعمل لأجله، فالمؤسسة التي تعمل لأجل ترفيع المستوى الثقافي، تصنف في ضمن المؤسسات الثقافية، وما تعمل لأجل الوقاية والعلاج، تصنف في ضمن المؤسسات الصحيحة، وهكذا، والصعب في الأمر أن تصنف المؤسسة في نطاق عمل، بينما هي تعمل لأجل شيء آخر، كما هو الحال في الأعمال الأمنية والأحزاب السرية، حيث أن الحزب مثلاً يعمل لأجل تبديل السلطة إلى سلطة ملائمة في نظر المؤسسة، بينما يضطر أعضاؤها إلى تغطية أعمالهم بغطاء تجاري أو ثقافي أو ما أشبه… وعلى مثل هذه المؤسسة العمل المضاعف سراً واقعاً، وعلناً تغطية. 

والمؤسسة: 

1 ـ قد تؤسس لأجل التوجه إلى داخلها، مثل العائلة، ومؤسسة الرياضة البدنية، حيث أنهما تتوجهان إلى داخل المؤسسة، ولا هم لهما خارج أفراد العائلة، وخارج الأفراد في المؤسسة الرياضية. 

2 ـ وقد تؤسس لأجل الخارج، كالمؤسسة الصحية للأطباء، والمؤسسة الدفاعية للمحامين، حيث أن همهما علاج الفقراء من المرضى، والدفاع عن المعوزين من المظلومين. 

وتقسم المؤسسات إلى ثلاثة أقسام: 

1 ـ المؤسسة الرسمية وهي المؤسسات الحكومية المرتبطة بإدارة البلاد والعباد. 

2 ـ المؤسسة شبه الرسمية، وهي التي تشترك فيها الحكومة والأهالي. 

3 ـ المؤسسة غير الرسمية، وهي التي أسسها الأهالي، وهذه الأسماء على هذه المؤسسات اصطلاح، كما هو واضح. 

والغالب أن المؤسسات الحكومية تخلو من العطف والنشاط والحركة الحارة، وذلك لأن الموظفين في أكثر الأوقات يريدون بالوظيفة المعاش أو المكانة الاجتماعية التي تحصل لهم بسبب انتسابهم إلى الدولة، وبذلك يتمكنون من نيل مكانة مرموقة ـ بقدر رفعة الوظيفة ـ ومن تمشية أمورهم، ولذا لا يهتمون بعد ذلك بالعمل. 

وهذا الجمود يكثر في الحكومات الديكتاتورية، ويقل في الحكومات الاستشارية، حيث تنافس الأحزاب المتصارعة على الحكم… بينما المؤسسات غير الرسمية على العكس من المؤسسات الرسمية، والمؤسسات شبه الرسمية متوسطة بينهما. 

وعلاج أن يكون أفراد المؤسسة بالمستوى المطلوب من العمل: 

1 ـ وجود الإيمان في باطن الإنسان، فإن الإيمان من أشد المحفزات للخدمة والعمل والتقدم، ولا يعادله شيء، ولذا كان للمؤمنين بالله واليوم الآخر ـ على طول التاريخ ـ نشاط وحركة غريبان. 

2 ـ رقابة الدولة رقابة حكيمة. 

3 ـ رقابة الطرف الآخر من حزب أو مؤسسة أو ما أشبه، فإن وقوع الإنسان في التنافس يعطيه دفعاً كبيراً. 

4 ـ أن يكون سعي الإنسان لنفسه، سواء من جهة العلم، أو من جهة القدرة أو من جهة المال، أو من جهة الشهرة، أما أن يعمل الإنسان ليكون سعيه في كيس الدولة، كما في الحكومات الشيوعية، أو في كيس الرأسمالي، كما في الحكومات الرأسمالية، فذلك مما يثبط الإنسان عن العمل. 

ثم المؤسسة إما أن تنشأ للعلاقات الأولية، مثل العائلة فإنها مؤسسة أنشئت من جهة العلاقة الأولية بين الزوجين والآباء والأولاد، وإما أن تنشأ للعلاقات الثانوية مثل إدارة الدولة، حيث أنها تنشأ لا بذاتها، بل باعتبار تنظيم الاجتماع وحفظ العدالة، والغالب أن المؤسسة الأولية يكون بين أعضائها الحرارة والنشاط والحب، بينما المؤسسة الثانوية يكون بين أعضائها الجمود إلا بقدر ما يفرضه العمل من التبادل والتآلف. 

وربما تنشأ في داخل مؤسسة ثانوية مؤسسة أولية، حيث يكون بين جملة من أعضاء تلك المؤسسة الثانوية، صداقة وتآلف وحب، وفي هذه الصورة تنشط المؤسسة الثانوية، حيث أن نشاط المؤسسة الأولية التي في داخلها يبعث على التحرك والاندفاع، ولذا تحاول المؤسسات الثانوية إيجاد هذا النوع من النشاط في داخلها، بسبب منظمة ريــاضية، أو كشافة موســـمية، أو تدريب على الكاراتيه والسلاح، أو جعل جوائز في مجالات تنافسية، أو نحو ذلك. 

ثم المؤسسة: 

1 ـ قد تنشأ لإعطاء الحاجات الأولية للإنسان، مثل المؤسسات الدينية، حيث أن الدين فطري للإنسان، وحتى الذين ينكرون الدين كالطبيعيين، فإنما يغيرون الاسم وإلا فهم يعترفون بدين مبعثه الطبيعة، بينما المتدينون ـ اصطلاحاً ـ كالمسلمين يعترفون بدين ينبعث عن الله سبحانه، ومثل المؤسسات الاقتصادية ونحوها حيث أنها تعطي الحاجات الأساسية للإنسان، ولذا فهذه المؤسسات موجودة حتى في سكان الكهوف والغابات. 

2 ـ وقد تنشأ لإعطاء الحاجات الثانوية: 

أ ـ سواء كانت سهمية في تقديم الحضارة، كالمؤسسات الثقافية والصناعية والأخلاقية والتربوية. 

ب ـ أو لم تكن كالمؤسسات التي تنشأ لأجل السياحة، والسفر، والسباحة، والفن، وما أشبه. 

الانشطار والاندماج في المؤسسة 

وحيث أن الإنسان ذو أبعاد، فالمؤسسة التي تعنى ببعد واحد من أبعاد الإنسان لابد لها من: 

أ ـ الانشطار حيث ترى الحاجة إلى الاختصاص، مثلاً: المؤسسة الطبية لعلاج بدن الإنسان، لا يمر عليها زمان إلا وتنشطر إلى مؤسستين إحداهما للروح [العلاجات النفسية] والأخرى للجسد، وهكذا المؤسسة الجسدية تنشطر إلى مؤسسة للأطفال وأخرى للكبار وهكذا. 

ب ـ والاندماج حيث يدخل الارتباط ببعد في الارتباط ببعد آخر، ففي مثال المؤسسة الطبية تندمج في مؤسسة الصيدلة، لأن الطبيب بحاجة إلى التيقن من الدواء لغرض سلامة المريض… أو تندمج في مؤسسة السياسة، حيث تحتاج المؤسسة إلى من يدافع عن آرائها، وذلك شأن السياسي، مثلاً: ترى المؤسسة الاحتياج إلى التعقيمات الصحية لظهور بوادر الوباء، فإذا لم يكن للمؤسسة جناح سياسي، لم تصل المؤسسة إلى هدفها، فلابد لها من جعل ذلك الجناح وهكذا. 

نفوذ الطبقية في المؤسسات 

وحيث أن المؤسسات غالباً بحاجة إلى الحماية السياسية، وإلى المال، لا لبقائها فقط، بل لنموها وتقدمها، تسرع الطبقية المنحرفة إلى الدخول في المؤسسات [وقلنا: المنحرفة، لأن التفاوت السليم ـ وهو ما كان بقدر حق الإنسان ـ لا خوف منه، بل اللازم وجوده، وإلا كان خلاف إعطاء كل ذي حق حقه]. 

وأحياناً تتحول المؤسسة التي وضعت لخدمة الناس إلى مؤسسة تكون وبالاً على الناس، مثلاً: جماعة يؤسسون محلات تعاونية لغرض إيصال البضاعة إلى الناس بالقيمة العادلة، وإذا بالرأسمالية المنحرفة تدخل أنفها في المؤسسة وتتوسع حتى تأخذ المؤسسة بيدها، وتكون المؤسسة حينئذ آلة لامتصاص المزيد من أموال الفقراء، لتكون دولة بين الأغنياء. 

وكذلك أحياناً تؤسس مؤسسة لتثقيف أولاد الناس، وإذا بالديكتاتورية تدس أنفها في المؤسسة، لتحتكرها لأجل دعايتها، ولأجل أن تمتص منها الدم الجديد، ليكون وقوداً للمزيد من كبت الناس وإرهابهم وتقوية سلطانها. 

ولذا يجب على أصحاب المؤسسات الخيرية، أن يهتموا بجعل الشروط والمواثيق لئلا تنقلب المؤسسة إلى ضد أغراضهم الشريفة. 

الفقراء… والمؤسسات 

ومع ذلك يبقى شيء وهو أن الطبقة الفقيرة ـ الذين ظلموا بتحالف الدولة مع الرأسمالية، أو باستيلاء الدولة على رأس المال، وفي كلا الحالين أكملت أتعابهم ـ هي بنفسها تنسحب عن ميدان تأسيس المؤسسات أولاً، وعن ميدان البقاء في المؤسسات بعد أن أسسوها، وذلك لأن اشتغال هذه الطبقة بأمور معاشها لا يدع لها وقتاً للاشتراك، فلا تؤسس وإذا أسست تنسحب بسرعة لتملأ مكانها الطبقة الغنية التي يسير أمر معاشها بيسر. 

لكن هذا أيضاً تابع لأخذ الفرص من الطبقة الفقيرة قبل ذلك، فالمهم علاج المشكلة جذرياً حتى يكون لكل أتعابه في جو صالح، فإن العلم والقدرة والمال إذا فقدت في طبقة، ووجدت في أخرى، كانت الخيرات للثانية وحرمت منها الأخرى، فإن المؤسسة تحتاج إلى العلم وإلى القدرة وإلى المال وحيث لم تكن الثلاثة متاحة لكل من يسعى استغلها جماعة، وحرم منها جماعة، وبذلك يحرمون أيضاً، عن سائر آثار هذه الثلاثة. 

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، الطبقة الفقيرة لا تقدر على المؤسسات الرفيعة، مثل المؤسسات الحربية، حيث تحتاج إلى السلاح، والمؤسسات الثقافية، حيث تحتاج إلى العلم، والمؤسسات المالية، حيث تحتاج إلى المال، وهذه الطبقة محرومة عن كل ذلك، فإن المؤسسة لا توضع إلا في الجو المناسب لها، فمؤسسة البنوك من نصيب الأغنياء، ومؤسسة صنع الجامعات، من نصيب كبار المثقفين، ومؤسسة استخراج السلاح وتنظيمه من نصيب كبار العسكريين. 

كبر المجتمع يتطلب كثرة المؤسسات 

والمجتمع كلما صار أكبر، وصارت حرياته أكثر، صار أكثر تعقيداً، وكلما كثر تعقيد المجتمع احتاج إلى مؤسسات أكثر، فإن المجتمع الحر ينتج ويصنع أكثر، لأن حرية الظهور تفسح أمام الكفاءات، وكلما كان الإنتاج والصناعة أكثر، كان التعقيد أكثر. 

مثلاً: البلد الذي لا حرية فيه للثقافة لا مجلة له ولا صحيفة ولا راديو ولا تلفزيون ولا نوادي ثقافية، ولا مطابع وما يتبعها [مثل محلات بيع الكتب، والمكتبات، ومعامل التجليد، وهكذا]… 

أما البلد الذي له هذه الحرية فتخرج فيها عشرة صحف، كل صحيفة تحاول تحسين مطالبها، وتكثير قرائها، فإذا دخلت الصحافة في حياة البلد كثرت أعمال أهل البلد قراءة وكتابة و… وبذلك يتعقد الاجتماع، ويحتاج إلى مؤسسات صحافية، ومؤسسات لحماية المستهلك عن الأفكار المنحرفة، وعن غلاء الصحف، وهكذا بالنسبة إلى سائر فروع الثقافة، وكذلك في سائر أقسام الصناعة والإنتاج. 

ولهذا السبب لا يكون تعقيد في الأمم البدائية ولا مؤسسات كثيرة، بل المؤسسة الواحدة كانت تكفي لنجاح عدة أمور، مثلاً: كانت العائلة تؤدي التربية والتعليم، وصنع الغذاء والكساء والمسكن، بل وحتى صنع المركب حيث كانت لها دواب تتوالد بما يكفي الأولاد في المستقبل. 

التعقيد النافع والتعقيد الضار 

وربما يتوهم أن معنى ما ذكرناه مطلق تعقيد الحياة حتى بالنسبة إلى أشغال الناس في الدوائر المعينة، فإذا رأوا أن ثبت ملكية دار يحتاج إلى صرف ساعات من الوقت في الدوائر، قالوا: إنه من تقدم الحياة الموجب للتعقيد؟ 

لا، ليس الأمر كذلك، فهناك تعقيد ناشئ من جهة الحرية والتقدم، وتعقيد ناشئ من جهة سوء التربية، والغرور، والاستغلال، فالتعقيد الملازم للتقدم هو القسم الأول، كما مثلناه في أمر الثقافة، حيث أن الحاجة الجديدة المولودة من التقدم تعقد الحياة بقدرها. 

أما القسم الآخر من التعقيد فهو ناشئ عن الأمور الثلاثة: 

1 ـ سوء التربية، فمثلا: في السابق كان يقتنع عند بيع الدار بورقة يكتب عليها اعتراف البائع والمشتري، وشهادة نفرين من أهل المنطقة، أما حيث ساءت النيات وكثر الاحتيال، احتاج الأمر إلى ضبط أكثر، مما أورث تعقيداً جديداً، وعلاج ذلك تحسين التربية الاجتماعية، لرد ثقة الناس بعضهم ببعض. 

2 ـ الغرور، فإن الحكومات الديكتاتورية، تحتاج إلى المصفقين فيعطون كراسي لمن يصفق لهم، وكل كرسي يزيد الأمر تعقيداً، ولذا أخذت الدوائر تنتفخ بصورة مدهشة، وقد حدد الخبراء احتياج دولة في العالم الثالث إلى مأتي ألف موظف، بينما كان لها مليون وألف موظف، وقال الخبراء: إنه ما دام أن الرئيس يريد المصفقين، فلا علاج لمرض تضخم الوظائف والموظفين. 

3 ـ والاستغلال ثالث أثافي التعقيد الفارغ، حيث أن الديكتاتوريين يحتاجون إلى مال أكثر لإدارة أمورهم من ناحية، وإلى المصفقين الذين هم بحاجة إلى المال أيضاً، ولا يمكن استغلال الناس إلا بالتعقيد وكثرة الدوائر لتتمكن من امتصاص الأموال في اللف والدوران الذي يطوف الدوائر. 

وبهذا النوع من التعقيد [القسم الآخر] تهدر الأموال والأعمار والكرامات، وهذا النوع من التعقيد يسبب: 

أ ـ تضخم الدوائر المحتاج إليها، أمثال دائرة القضاء، ودائرة الجباية، ونحوهما. 

ب ـ إحداث دوائر جديدة لا حاجة إليها، أمثال دوائر الكمارك وغيرها. 

ج ـ ثم في الدول الديكتاتورية، يأتي دور دوائر أخر تزيد الأمور تعقيداً هي الدوائر المشرفة على أعمال أخذتها الدولة من أيدي الناس ـ بألف حجة مكذوبة ـ وإنما أخذتها لتزيد من غرورها، واستغلالها أمثال دوائر القطارات والمطارات والمعامل ونحوها. 

فإن الدولة الصحيحة هي التي تدع الناس يعملون بقدر طاقاتهم، وإنما شأن الدولة الإشراف لعدم الأجحاف، وتكميل النواقص، مثلاً: تحتاج البلاد إلى عشرين مطاراً، وألف مدرسة، فتعلن الدولة، أن للناس أن يبنوا تلك ويديروها، بشرط أن لا يجحفوا في أخذ الأجور ونحوها، فإذا لم يقم الناس إلا بضع عشر مطارات قامت الدولة بصنع الباقي وهكذا. 

وبذلك يخف كاهل الدولة، وتشتغل كل الطاقات الممكنة، وتعطي كل حاجات الشعب، بينما الدول الديكتاتورية تستأثر بكل شيء لنفسها، لملأ غرورها، ولاستغلال الناس أكثر فأكثر، وبذلك تهدر طاقات الناس الخلاقة وتبقى الحوائج معطلة، ويكثر التعقيد، ويزيد الصلف. 

ثم حيث أن الطبقة الفقيرة تشتغل بأمور معاشها، ولا فائض من الوقت والمال لها، ليس لها مجال في بعض المؤسسات أمثال المخيمات الكشافة، والفرق الرياضية وأمثالها، إلا نادراً، وبالعكس من ذلك، فالطبقة الغنية كثيراً ما يكون فرد منها عضواً في أكثر من مؤسسة، حيث له فائض المال والوقت مما يؤهله لمثل ذلك. 

ولا يخفى، أن المؤسسات العاملة في خدمة الإنسان ـ مهما كانت معايبها في الأجواء العالمية المعاصرة ـ فهي أمور حسنة، يلزم الإكثار منها، لأنها تعطي ما لا تعد ولا تحصى من الحاجات، مما لو أغلقت بقيت تلك الحاجات معطّلة، نعم يلزم تهذيبها حسب القدرة.