‏إظهار الرسائل ذات التسميات صمويل بيكيت. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات صمويل بيكيت. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

كينيث تاينان يكتب عن "في انتظار جودو"

كينيث تاينان يكتب عن "في انتظار جودو"

الأوبزرفر 7 أغسطس 1955
عن كتاب: التراث النقدي الخاص بصمويل بيكيت

ترجمة أمير زكي
ديسمبر 2013

* كينيث تاينان (1927-1980) ناقد دراما ومستشار أدبي ومدير سابق للمسرح الوطني الإنجليزي. في الخمسينيات من القرن الماضي كان واحدا من أبرز نقاد المسرح في إنجلترا. من ضمن كتبه "الستائر" (1961)، و"تاينان على اليمين واليسار" (1967)، و"صوت يدين تصفقان" (1976).

ومقال تاينان التالي متعلق بعرض المسرحية في مسرح الفنون بلندن؛ في أول عرض باللغة الإنجليزية للمسرحية وكان من إخراج بيتر هول.

***

هناك فضيلة خاصة مرتبطة بالمسرحيات التي تُذَكِّر الدراما كيف يمكن أن تمضي بدونها وتظل المسرحية متحققة. بكل المعايير المعروفة فمسرحية "في انتظار جودو" لصمويل بيكيت عبارة عن خواء درامي. نشفق على الناقد الذي يبحث عن الفراغات فيها، لأنها كلها عبارة عن فراغ. بدون حبكة، بدون ذروة، بدون لحظة كشف؛ بدون بداية، بدون وسط، بدون نهاية. ولكن بشكل لا يمكن تجنبه، لديها موقف، وربما تُتَّهَم إنها تتضمن إثارة، طالما أنها تدور حول صعلوكين غير صبورين، ينتظران تحت شجرة شخصا غامضا يدعى السيد جودو، ليفي بموعده معهما: ولكن الموقف لا يتطور، وبنظرة لكتيب العرض نعرف أن السيد جودو لن يظهر. تتخلى "في انتظار جودو" بوضوح عن كل شيء نعرفه كمسرح؛ مثلها مثل شخص يصل للجمارك بدون حقائب أو جواز سفر أو أي شيء ليسافر به، إلا إنها تتحرك كمهاجر يصل من المريخ، إنها تقوم بمثل هذا الشيء كما أعتقد، بالارتباط بتعريف للدراما أكثر أساسية من أي التعريفات الموجودة بالكتب. مسرحية تؤكد وتدعم طريقة أساسية لقضاء ساعتين في الظلام بدون أن تشعر بالضجر.

كاتبها أيرلندي يعيش في فرنسا؛ وهذه حقيقة يجب أن تؤهلنا للخدعة المضاعفة والحقيقية والغريبة التي يلعبها علينا الآن. قضاء الوقت في الظلام كما يشير ليس فقط ما تدور حوله الدراما بل ما تدور حوله الحياة. الوجود يعتمد على هؤلاء المتصعلكين ميتافيزيقيا الذين يعتمدون على الانتظار، في مواجهة كل الجدل العقلاني، انتظار شيء ربما يظهر في يوم من الأيام لتفسير غرض الحياة. من عشرين سنة، جعلنا السيد أوديتس ننتظر ليفتي[i]، المسيا الاجتماعي؛ بشكل أقل سذاجة، يطلب بيكيت منا أن ننتظر جودو؛ المقصد الروحي. صعلوكاه يقضيان وقت النهار كما نقضيه نحن الجمهور في الليل؛ إن لم نكن في المسرح سنكون مثلهما نقضي الوقت في التهريج والشجار، نتخاصم بدون هدف ونختلق الأشياء بدون هدف، كما قال واحد منهما: "لنصل لإحساس أننا موجودون".

لا يتحدث صعلوكا بيكيت عادة بهذه الطريقة، لأنهما في معظم الوقت يتحدثان بجمل تحمل معنيين على طريقة الفودفيل: أحدهما يتحدث بثقة بوستر كيتون، بينما يتحدث الآخر بطريقة شابلن في قمة مرحه وبهائه. حديثهما يشبه الأحاديث التي تدور على الطاولة الجانبية التي يمكن أن تستمتع إليها ولكنك لا تفهمها كلية – حديث إنساني غير مسموع تمام ويعاد إنتاجه بعدم ترابطه الكامل والعبثي. تتدخل شخصيات أخرى من آن لآخر؛ بوتسو البدين؛ في هيئة هامتي دامتي وفي قبضته سوط، يدخن في المكان مع لاكي؛ العبد الصامت. كما هو واضح فهما يمضيان إلى مكان ما في عجلة من أمرهما: ربما يعرفان أين هو جودو؟ ولكن اللقاء يتقلص إلى الفراغ اللويس كارولي. كل ما يظهر هو أن السيد يحتاج إلى العبد كما يحتاج العبد إلى السيد؛ هذا يعطي لكليهما غرضا زائفا؛ ويفكر المرء في لوريل وهاردي كممثلان مثاليان للدورين. عندما يُؤمَر بالتفكير؛ يسرع لاكي بالحديث في خطبة روحية مقززة وبلا نهاية، مكونة من الكليشيهات والثرثرة، وإن كان مضمونها العام هو انه على الرغم من التقدم المادي و"كل أنواع التنس"، فالإنسان يتقلص روحيا. هذا الأسلوب يجبرنا على تذكر أن السيد بيكيت عمل سابقا مع جيمس جويس. في الفصل التالي يعود بوتسو ولاكي ويتحركان بقصد نحو الاتجاه الآخر. يقرر الصعلوكان أن يبقيا مكانهما. يأتي طفل يقدم تحيات السيد جودو ويأسف لأنه غير قادر على المجيء اليوم، وهي نفس رسالة الأمس؛ كل الأشياء كما هي، وينتظران. بطل "الجريمة والعقاب" يفكر في أنه لو كان هناك رجل محكوم عليه بالإعدام "عليه أن يظل واقفا في مساحة صغيرة كل حياته، لألف عام، للأبد، سيكون من الأفضل أن يعيش هكذا على أن يموت على الفور... الإنسان مخلوق حقير! وحقير مَن يقول عليه حقير بسبب". شيء من هذا القبيل دار بعقلي مع نزول الستائر على رواقيي السيد بيكيت الرثين.

ترى المسرحية الوضع الإنساني بمصطلحات البناطيل الفضفاضة والأنوف الحمراء. سريعا ما عبَر جمهور الليلة الأولى عن تقززه القَلِق وزعم أن المسرحية مدعية. ولكن أين يكمن بالضبط ادعائها؟ أن تقول إن البشرية تنتظر إشارة تتأخر على المجيء هو ابتذال لا يمكن لأحد سوى الجاهل أن يفسره على أنه ادعاء بالعمق. ما أظن أنه ضايق أعداء المسرحية هو العكس: إنها ليس مدعية بما يكفي لتُمَكِّنَهم من السخرية منها. أنا لا أهتم كثيرا بنجاحها المبهر في أوروبا في السنوات الثلاث الماضية، ولكن أهتم أكثر بالطريقة التي بها آثارتني وحفزت جهازي العصبي. إنها تستدعي المسرح الهزلي والأمثولات لتقديم رؤية للحياة تنفي انفعالات المسرح الهزلي والسمو المبالغ فيه للأمثولات. جعلتني أعيد النظر في القواعد التي تحكم الدراما؛ ولأنها قامت بذلك فأن تذكر القواعد هنا ليس أمرا مرنا بما يكفي. إنها جديدة بالفعل، وبالتالي أعلن نفسي - بالطريقة التي يقولها الأسبان - جودوتيستا[ii].

أخرج بيتر هول المسرحية بإحساس رائع بإيقاعها المتهرب، وبيتر وودثروب وبول داينمان أعطيا الصعلوكين جنونا متعاطفا لا يستطيع أن يتفوق فيه سوى المهرجين الحقيقيين. بشكل جثماني كان بيتر بول هو بوتسو على المسرح؛ وإن كان يفرط في تحريك يديه أثناء حديثه. تيموثي بيتسون في دور لاكي جعل الألم كوميديا، وكان هذا إنجازا ممتازا، وهو حافظ بشكل منضبط على روح المسرحية.




[i]  الإشارة لمسرحية كليفورد أوديتس "في انتظار ليفتي".
[ii]  Godotistaفيما معناه متحمس أو مؤمن بهذا الاتجاه.

الأحد، 3 نوفمبر 2013

وقع الأقدام - صمويل بيكيت


كتبت عام 1975

ترجمة أمير زكي
نوفمبر 2013

***

ماي (م) شعر رمادي أشعث، معطف رمادي قديم يغطي القدمين، ويصل للأرض.
صوت امرأة (ص) يأتي من أعلى المسرح المظلم.

مساحة الحركة: أسفل المسرح، المسافة تسع خطوات، الطول متر واحد، بعيدا عن الوسط قليلا، يمين الجمهور.





الحركة: تبدأ بالقدم اليمنى (ي)، من اليمين (ي) إلى الشمال (ش)، بالقدم اليسرى (ش) من ش إلى ي.
اللفة: إلى اليمين من ش، وإلى الشمال من ي.
الخطوات: مسموعة كخطو ايقاعي.
الضوء: معتم، أقوى على مستوى الأرضية، أقل على الجسد، أقل على الرأس.
الأصوات: الصوتان ضعيفان وبطيئان دوما.

ستار. المسرح مظلم.
دقة جرس ضعيفة وحيدة. صمت بعد توقف صوت الصدى.
ضوء خافت على المساحة، باقي المسرح مظلم.
تبدأ (م) الخطو نحو ش، تلتف في ش، تخطو ثلاث مسافات أخرى. تتردد، تتوقف، تواجه الجمهور في ي.
م: أمي (صمت، بطبقة الصوت نفسها) أمي.
(صمت)
ص: نعم يا ماي.
م: هل كنتِ نائمة؟
ص: نوما عميقا. (صمت) سمعت صوتِك في نومي العميق. (صمت) لا يوجد نوم عميق لا أستطيع سماع صوتِك فيه. (صمت. تستمر م في الخطو لأربع مسافات. بعد المسافة الأولى، تقول ص بشكل متناغم مع الخطوات) واحد إثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة دوري واحد إثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة دوري. (متحررة من العد) ألن تحاولي أن تحصلي على القليل من النوم؟
(تتوقف م، تواجه الجمهور في ي. صمت)
م: ألا تريدين مني أن أحقنك مجددا؟
ص: بلى، ولكن الوقت مبكر جدا.
(صمت)
م: ألا تريدين مني أن أغير وضعيتك مجددا؟
ص: بلى، ولكن الوقت مبكر جدا.
(صمت)
م: أن أعدل مخداتك؟ (صمت) أن أغير ملاءاتك؟
(صمت) أن أقدم لك القصرية؟ (صمت) قصرية التدفئة؟
(صمت) أن ألصق تقرحاتك؟ (صمت) أن أُحمّيك؟
(صمت) أن أرطب شفتيك الجافتين؟ (صمت) أن أصلي معك؟
(صمت) من أجلِك؟ (صمت) مجددا.
(صمت)
ص: بلى ولكن الوقت مبكر جدا.
(صمت)
م: في أي عمر أنا الآن؟
ص: وأنا؟ (صمت، بطبقة الصوت نفسها) وأنا؟
م: تسعون.
ص: كثير جدا؟
م: تسعة وثمانون، تسعون؟
ص: لقد جلبتك متأخرة. (صمت) في الحياة. (صمت) سامحيني مجددا. (صمت، بطبقة الصوت نفسها) سامحيني مجددا.
(تستمر م في الخطو. بعد انقضاء مسافة واحدة تتوقف وتواجه الجمهور في ش. صمت)
م: في أي عمر أنا الآن؟
ص: في أربعينياتك؟
م: قليل جدا؟
ص: أخشى ذلك (صمت. تستمر م في الخطو. وبعد أول التفاف في ش) ماي. (صمت، بطبقة الصوت نفسها) ماي.
م: (تخطو) نعم يا أمي.
ص: ألن تقومي أبدا؟ (صمت) ألن تقومي أبدا... بتغيير الأمر كله؟
م: (تتوقف) الأمر؟
ص: الأمر كله (صمت) في عقلك التعس. (صمت) الأمر كله (صمت) الأمر كله.
(تستمر م في الخطو، خمس ثوان، يتلاشى الضوء من على المساحة
كل المسرح مظلم. يتوقف وقع الخطوات.
صمت.
رنة جرس بصوت أضعف. تتوقف الأصداء
ضوء أقل على المساحة، باقي المسرح في ظلام
تبدأ م في الخطو ناحية ي
صمت)
ص: أسير هنا الآن. (صمت) بالأحرى آتي وأقف. (صمت) مع قدوم الليل. (صمت) تتصور أنها وحيدة. (صمت) أُنظُر كيف تقف ثابتة، كيف تقف صلبة، ورأسها مواجه للحائط. (صمت) كيف هي ساكنة ظاهريا. (صمت) هي لم تخرج منذ طفولتها. (صمت) لم تخرج منذ طفولتها (صمت) أين هي، ربما يُطرح السؤال. (صمت) لِم، في البيت القديم، البيت نفسه الذي – (صمت) البيت نفسه الذي بَدَأَت فيه. (صمت) حيث بدأت. (صمت) حيث بدأ كل شيء. (صمت) ولكن هذا، هذا، متى بدأ هذا؟ (صمت) عندما كانت الفتيات اللواتي في سنها بالخارج في...  ملعب اللاكروس[i]كانت فعليا هنا. (صمت) في هذا. (صمت) في الأرضية هنا، العارية الآن، التي كانت يوما- (تبدأ م في الخطو. الخطوات أبطأ قليلا) ولكن دعنا نراها تتحرك، في الصمت (تخطو م. عند نهاية المسافة الثانية) أنظر كيف تدور بمهارة. (تلتف م، تخطو. تقول صبإيقاع متناغم مع المسافة الثالثة) سبعة، ثمانية، تسعة، دوري. (تلتف م عند ش، تخطو مسافة أخرى، تتوقف مواجِهة للجمهور عند ي). أقول في الأرضية هنا، العارية الآن، هذه المساحة من الأرضية، التي كانت مغطاة في الماضي بالسجاد، بكومة ثقيلة. حتى جاءت إحدى الليالي، إذ لم تكن أكثر من طفلة، نادت أمها وقالت، أمي، هذا غير كاف. الأم: غير كاف؟ ماي – اسم الطفلة الأول – ماي: غير كاف. الأم: ما الذي تعنيه يا ماي بغير كاف، ما الذي يمكن أن تعنيه يا ماي بغير كاف؟ ماي: أعني يا أمي أنه يجب أن أستمع للأقدام مهما كان وقعها خافتا. الأم: الحركة وحدها غير كافية؟ ماي: نعم يا أمي، الحركة وحدها غير كافية، يجب أن أستمع إلى الأقدام، مهما كان وقعها خافتا. (صمت، تستمر م في الخطو، ومع الخطو) يمكن أن يُطرح سؤال، هل ما زالت تنام؟ نعم، في بعض الليالي تنام، تخاطيف، تضع رأسها البائس على الجدار وتخطف نوما قصيرا. (صمت) ما تزال تتكلم؟ نعم، في بعض الليالي تتكلم، عندما تتصور أنه لا أحد بإمكانه السماع. (صمت) تتحدث عن كيف كان الأمر (صمت). تحاول أن تتحدث عن كيف كان الأمر. (صمت) الأمر كله. (صمت) الأمر كله.
(تستمر م في الخطو، خمس ثوان، يتلاشى الضوء من على المساحة.
كل المسرح في ظلام. تتوقف الخطوات.
صمت.
رنة جرس أضعف، تتوقف الأصداء.
ضوء أضعف على المساحة. الباقي في ظلام.
تنظر م إلى الجمهور في ي.
صمت)
م: تكملة. (صمت. تبدأ في الخطو. تظل الخطوات أبطأ قليلا. بعد مسافتين تتوقف وتواجه الجمهور في ي. صمت) تكملة. بعد وقت قليل، عندما نُسيَت تماما، بدأت في – (صمت) بعد وقت قليل عندما كانت وكأنها لم تكن أبدا، لم تكن أبدا، بدأت في السير. (صمت) مع هبوط الليل. (صمت) تتسلل عند هبوط الليل إلى الكنيسة الصغيرة من بابها الشمالي، المغلق دائما في هذا الوقت، وتصعد وتهبط، تصعد وتهبط عند ذراعها البائسة[ii]. (صمت) في بعض الليالي ستتوقف، كشخص تجمد من رعشة العقل، وتقف متصلبة حتى تستطيع التحرك مجددا. ولكن عديدة هي الليالي التي كانت تخطو فيها بدون توقف، تصعد وتهبط، تصعد وتهبط، قبل أن تختفي بالطريقة التي جاءت بها. (صمت) لا يوجد صوت. (صمت) على الأقل لا شيء مسموع. (صمت) الشبيه. (صمت. تستمر في الخطو. بعد مسافتين تتوقف وتواجه الجمهور عند ي. صمت) الشبيه. ضعيف، على الرغم من أنه غير مرئي بأي وسيلة، في ضوء معين. (صمت) لديه الضوء المناسب. (صمت) رمادي أكثر منه أبيض، ظل شاحب من الرمادي (صمت) مخطط. (صمت) شبكة من التخطيطات (صمت) أنظر له وهو يمر- (صمت) -  أنظر لها وهي تمر بجانب الشمعدان، كيف للهبه، لضوئه... كالقمر وسط الغيوم العابرة. (صمت) بعد ذلك بعدما ذهبت، وكأنها لم تكن موجودة، بدأت في السير، تصعد وتهبط، تصعد وتهبط، في هذه الذراع البائسة. (صمت) عند هبوط الليل. (صمت) أي يمكن القول، في مواسم معينة من العام، وقت صلاة الغروب. (صمت) بالضرورة. (صمت، تستمر في الخطو. بعد مسافة واحد تتوقف وتواجه الجمهور عند ش، صمت). السيدة وينتر العجوز، التي سيتذكرها القاريء، السيدة وينتر العجوز، في نهاية مساء يوم أحد خريفي، وهي تجلس للعشاء مع ابنتها بعد الصلاة، وبعدما تناولت بعض الطعام، وضعت سكينها وشوكتها وأحنت رأسها. ما هذا يا أمي، قالت الابنة، فتاة غريبة جدا، رغم أنها بالكاد تعتبر فتاة... (بصوت متقطع) هذا بشع وغير- ... (صمت. بصوت عادي) ما هذا يا أمي، ألا تشعرين بنفسك؟ (صمت) لم ترد السيدة و فورا. ولكن في النهاية رفعت رأسها وتفحصت إيمي بملء عينيها وقالت – (صمت) – وتمتمت، نظرت إلى إيمي بملء عينيها وتمتمت، إيمي ألم تلاحظي شيئا... غريبا في صلاة المساء؟ إيمي: نعم يا أمي، لم ألاحظ شيئا. السيدة و: ربما كانت هذه مجرد تهيؤات. إيمي: ما هو بالضبط يا أمي الذي ربما كان قد تهيأ لك؟ (صمت) ما هو بالضبط يا أمي الذي ربما تخيلت أنه.. شيء غريب لاحظتيه؟ (صمت) السيدة و: أنت نفسك لم تلاحظي شيئا... غريبا؟ إيمي: لا يا أمي، أنا نفسي لم ألاحظ شيئا، لو عبرت عن ذلك بتهذيب. السيدة و: ما الذي تعنيه يا إيمي بالتعبير عن ذلك بتهذيب، ما الذي يمكن أن تعنيه يا إيمي بالتعبير عن ذلك بتهذيب؟ إيمي: أعني يا أمي أن أقول إنني لم ألاحظ شيئا... غريبا في الحقيقة، أقول ذلك بتهذيب. لأنني لم ألاحظ شيئا من أي نوع، غريبا أو غير غريب، لم أر شيئا، لم أسمع شيئا من أي نوع، فقد كنت غير موجودة. السيدة و: كنتِ غير موجودة؟ إيمي: كنت غير موجودة. السيدة و: ولكني سمعتك تردين. (صمت) سمعتك تقولين آمين. (صمت) كيف يمكنك أن تردي لو كنتِ غير موجودة؟ (صمت) كيف يكون من الممكن أن تقولي آمين وأنتِ غير موجودة كما تدعين؟ (صمت) محبة الله، وشركة الروح القدس، تكون معنا جميعا، من الآن وإلى الأبد، آمين. (صمت) لقد سمعتك بوضوح. (صمت، تستمر في الخطو. تتوقف بعد ثلاث خطوات بدون مواجهة الجمهور. صمت طويل. تستمر في الخطو، تتوقف وتواجه الجمهور عند ي. صمت طويل) إيمي. (صمت. بطبقة الصوت نفسها) إيمي. (صمت) نعم يا أمي (صمت) ألن تقومي أبدا؟ (صمت) ألن تقومي أبدا... بتغيير الأمر كله؟ (صمت) تغيير؟ (صمت) الأمر كله؟ (صمت) في عقلك التعس (صمت). تغيير الأمر كله. (صمت) الأمر كله.
(صمت. إظلام من على المساحة. ظلام تام.
صمت
رنة جرس أكثر خفوتا. تتوقف الأصداء.
ضوء قليل على المساحة.
لا أثر لماي.
توقف لعشر ثوان.
ظلام.)
ستار




[i]  Lacrosseلعبة رياضية جماعية.
[ii]  يحاكي تصميم الكنيسة شكل الصليب، وبالتالي تسير م عند إحدى ذراعي الصليب.

السبت، 26 يناير 2013

"عندما كتب بيكيت (في انتظار جودو) لم يكن يعرف الكثير عن المسرح"


حوار التليجراف مع آنا مكمولان*

حوار: ديزي بوي-سيل

ترجمة: أمير زكي
يناير 2013

بمناسبة مرور 60 عاما على العرض المسرحي الأول لـ "في انتظار جودو"

* آنا ماكمولان؛ أستاذة المسرح بجامعة ريدينج

***

مع بلوغ "في انتظار جودو" عامها الستين، تشرح المتخصصة ببيكيت آنا مكمولان لم تظل المسرحية جذابة.

مسرحية صمويل بيكيت "في انتظار جودو" عرضت لأول مرة بالفرنسية بمسرح صغير في الضفة الشمالية من باريس بمسرح "دي بابيلون" من ستين عاما، في الخامس من يناير عام 1953.

من ساعتها أصبحت واحدة من أهم وأشهر المسرحيات في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وعرضت مرات لا نهائية في العالم كله، المختصة بصمويل بيكيت آنا مكمولان تجيب عن بعض الأسئلة عن هذا العمل الأصيل:

ما هي أهم العروض لـ "في انتظار جودو"؟

كما هو واضح هناك عرض روجر بلين في باريس. عدد من النقاد الفرنسيين الذين شاهدوه قالوا: "نحن لم نر أبد شيئا كهذا، هذا ليس المسرح نفسه الذي نعرفه".

وهناك بالطبع عرض بيتر هول (الذي كان في عمر الرابعة والعشرين ساعتها) والذي أخرج العرض الإنجليزي الأول بعده بعامين، عام 1955، في مسرح الفنون بندن. الناقد المسرحي كينيث تينان قال إنه غيّر قواعد المسرح.

النقاد البريطانيون كانوا مرتبكين في البداية من المسرحية أكثر من الفرنسيين الذين شهدوا أنواع مشابهة من الدراما الوجودية. ولكن بعد ذلك فتينان وعدد من النقاد البارزين بدأوا يكتبون عن المسرحية. من الصعب التذكر الآن، ولكن شيئا مثل هذا لم يُرى من قبل. المسرحية بدأت بتغيير الطريقة التي يفكر بها الناس عن المسرح.

عرض بيكيت نفسه كان مهما أيضا؛ أخرجها بمسرح شيلر في برلين عام 1975. العرض سافر عالميا ووصف بأنه عرض باليهي للغاية. اهتم بيكيت بشكل كبير بالملابس والتصميمات. شوهد العرض كنسخة صارمة، ولكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا إعادة تفسير المسرحية.

العلاقة بين شخصيتي بوتسو ولاكي يمكنها أن تكون مربكة جدا؛ إنها علاقة قمع واعتماد يمكنها أن تقود المسرحية لأن تُفَسَّر في عدد من مواقف الصراع في العالم كجنوب أفريقيا وساراييفو – التفسير الأخير كان بعرض سوزان سونتاج تحت الحصار[1].

هل صنع بيكيت العديد من التغييرات في المسرحية بعدما عرضت لأول مرة؟

نعم، هو صنع العديد من التغييرات، عندما كتبها لأول مرة لم يكن يعرف الكثير عن المسرح، هو كان يحضر المسرحيات وهو شاب، وبعض أصدقائه كانوا يعملون في المسرح، ولكنه تعلم صنعة المسرح عندما حضر بروفات مسرحياته في الخمسينيات.

في الستينيات بدأ يخرج مسرحياته وهنا يمكنك أن تبدأ برؤية بيكيت وهو يكتب حقا للإخراج المسرحي، هو بالفعل أعاد كتابة أجزاء من "جودو" وأضاف العديد من الشروحات أثناء البروفات بمسرح شيلر – الأصول لا تزال موجودة.

إذن فهل كل النسخ ملحق بها هذه التغييرات؟

في الحقيقة ليست كل النسخ، وهناك جدل مثير عن ما هي النسخة التامة حقا.

"فيبر آند فيبر" نشرت مجموعة من المفكرات التي احتفظ بها بيكيت عندما كان يخرج عددا من مسرحياته، ففي النهاية المسرحية هي نفسها – صعلوكان ينتظران جودو – ولكن هذه المفكرات تتضمن نصا مُرَاجَعا، وأي شخص يخرج المسرحية يمكنه أن يطلع على النص المنشور ويستعين بهذه المفكرات أيضا.

ولكنه كان كاتبا ومخرجا دقيقا تماما، وهو لم يكن يحب حقا أن يغير الناس في النص ببساطة.

ما هو المهم في عروض "في انتظار جودو"؟

هناك العديد من الأشياء؛ شخصيتا فلاديمير واستراجون جذبتا عددا من الشراكات التمثيلية؛ هذا يتضمن ريك مايال وآدريان إدمنسون، ستيف مارتين وروبين ويليامز. شاهدت عرضا من جوهانسبرج عندما سافر إلى لندن كان النجمان فيه هما جون كاني وونستون نتشونا، وكانت هذه عروض رائعة للغاية.مؤخرا إيان مكلين وباتريك ستيوارت أديا الدورين في مسرح وست إند. بيكيت الآن مثل شكسبير، هذه الأدوار يتهافت عليها الممثلون.

المسرحية أربكت الكثيرين: ما الذي تحاول أن تقوله في اعتقادك؟

يمكننا أن نتحدث إلى الأبد عن معناها، ولكني في الحقيقة أعتقد، مثل بيكيت، إنها عن اختبار المسرحية، أنت تذهب وتجلس على مقعدك بالمسرح وتمتص ما يحدث، الشخصيات في مواجهتك تنتظر وبينما ينتظرون نشاركهم الزمن نفسه والمكان نفسه ونشاهد بشر وهم يتفاعلون على المسرح. نشاهد هذه اللحظات من اللطف وتلك اللحظات من القسوة وأعتقد إنها بالفعل تعرض لنا الحقائق الأساسية للوجود الإنساني.


[1] أخرجت الكاتب الأمريكية سوزان سونتاج مسرحية "في انتظار جودو" وعرضتها في ساراييفو عام 1993 أثناء حصار الصرب للمدينة

الخميس، 2 فبراير 2012

السياقات الثقافية والفكرية لصمويل بيكيت - رونان مكدونالد - مقدمة كامبريدج لصمويل بيكيت – الفصل الثاني


السياقات الثقافية والفكرية


 هذه هى ترجمة الفصل الثاني من كتاب (مقدمة كامبريدج لصمويل بيكيت - The Cambridge Introduction to Samuel Beckett) للكاتب: رونان مكدونالد*

الكتاب صدر عام 2006


 ترجمة: أمير زكى

يناير 2012

 

* رونان مكدونالد محاضر اللغة الإنجليزية بجامعة ريدينج ومدير سابق لمؤسسة بيكيت الدولية.

 

الفصل الأول

 

***


المشكلة في محاولة وضع بيكيت ضمن أي تقليد قومي أو ثقافي هو كونه أنكر تلك العلاقات في شبابه، وتحت كل الظروف. هو كان يزدري الفن الذي يعلق نفسه بـ"الحوادث المحلية" أو "الماهيات المحدودة"، ويعتقد بدلا من ذلك أن موضوع الفن الحقيقي هو "المأزق اللا موضوعي للوجود". خذ عندك مثلا علاقته بأيرلندا. أسماء شخصياته – مورفي، مولوي، مالون – ولهجتهم في الحديث فيها التواء أيرلندي، بينما طبوغرافيا طفولة بيكيت تسيطر على أعماله، إلا أنه كتب معظم أعماله الرئيسية بالفرنسية، قبل أن يترجمها، وقضى معظم حياته بالخارج. بالإضافة إلى ذلك، وكما تؤكد أعماله النقدية المبكرة امتعاضه من الفن المُسيّس فهو ازدرى بشكل كبير القومية الثقافية. هو تأثر بوضوح بأسلافه الأيرلنديين مثل سويفت وييتس وخاصة سينج، ولكن لم يكن لديه وقت كبير لمشروع الإحياء الأيرلندي الذي سيطر على الحياة الثقافية في مدينته الأم حين كان يعيش هناك. في مقالته "الشعر الأيرلندي الحديث" (1934) انتقد "حافظي التحف" الذين يحافظون على الروح الإحيائية عن طريق الكتابة عن الأساطير والقصص الأيرلندية. الفن عند بيكيت لم يكن متعلقا بالزمن، هذا الذي يتضاد تماما مع السياسة والقومية. هو كان يحتفي برسوم جاك ب. ييتس (أخو الشاعر وأحد أبطال بيكيت) بسبب "الغرابة الكاملة وكأنها تقاوم المزج التقليدي للتراث المقدس، قومي أو غيره". بيكيت بدأ في مقاومة المزج المتعلق بأي سياق ثقافي أو تراث مقدس.

ومع ذلك فهو اختار دوما أن يحمل جواز سفر أيرلنديا. عندما سأله صحفي أيرلندي إن كان إنجليزيا، رد ببساطة: "على العكس". من الواضح أنه من غير الممكن أن يتقيد ببساطة بتقليد قومي أو أدبي واحد. هو ليس شيئا على وجه الخصوص – ليس كاتبا "أيرلنديا" فحسب، ولا هو "فرنسي" فحسب، هو ليس حداثيا فحسب، ولا ما بعد حداثي فحسب. "الخطر يكمن في أناقة التعريفات"، هكذا يبدأ بيكيت مقاله عن كتاب جويس "عمل قيد التحقيق". إنه تحذير يوضع جيدا في الاعتبار حين نحاول قراءة عمله، ولكنه ينطبق أيضا على طرحه من أي تقليد أدبي أو فكري محدد. مثله مثل أي كاتب كبير، هو مقاوم للتصنيف. عندما نناقش علاقة بيكيت بأيرلندا علينا أن ننظر إلى العلاقات وليس الانغماسات، والاستخدامات وليس التطابقات. بيكيت تزود من العديد من الآداب القومية – الأيرلندية، الفرنسية، وحتى الألمانية. والواحدة منها لا تستبعد الأخرى. إنه من السذاجة وضيق الأفق أن نضع المتروبوليتاني في مواجهة القومي، كأن الكاتب بإمكانه فقط الانتماء لواحد دون الآخر. جويس نجح في مزج الإثنين وكذلك بيكيت. ولكن على الرغم من مقاومة بيكيت للحوادث والماهيات "المحلية" إلا أن الوريد الأيرلندي في عمله يمتد بعمق، حتى لو لم يكن مرئيا على السطح.
ليس فقط جنسيته، ولكن أيضا طبقته وطائفته داخل المجتمع الأيرلندي يمكنهما أن تكونا قد أثرتا بشكل كبير في تطوره الفكري والجمالي. كما ناقشت في الفصل الأول فالعزلة السياسية التي تربي فيها بيكيت وسط الطبقة المتوسطة البروتستانتية التي تعيش في الضواحي جعلته بشكل ما يميل لازدراء الالتزام الاجتماعي والفن القومي، كما أظهر في ألمانيا في الثلاثينيات امتعاضه من شكاوي بعض زملائه الفنانين من الاضطهاد الفاشستي. وكأنه ليس السياق السياسي فقط بل الاجتماعي ككل منفصل عن الإبداع الفني، الذي يتعامل مع مستوى أعلى وعابر للتاريخ.

يبدو أن وعيه السياسي تحول مع الحرب وما بعده، إذ فقد صوته السردي نغمته المتعالية والمتهكمة. "مولوى والكتابات الأخرى جاءوا إلى ذهنى عندما أصبحت واعيا بحمقى، عندها فقط بدأت أكتب عما أشعر به"[1]. في عمله فيما بعد الحرب، وعلى الرغم من أنه أصبح أقل اتصالا بالعالم المعروف، إلا أن المرء يستطيع أن يقول، للمفارقة، أنه أصبح سياسيا أكثر، ومتشكلا أكثر بعلاقات القوة المستغلة، والأوامر التى تصدر من فوق، والسرية والغموض وأوصاف العذاب البشري المحض. بيكيت كانت لديه حساسية شديدة وغير شائعة للوعي بعذابات الكائنات الحساسة، ومن ضمنها الحيوانات. حتى في طفولته كانت تصدمه مشاهد القسوة، تلك التي كانت تسيطر عليه لسنوات بعد ذلك. ولكن فقط لأنه في السنوات الشابة، وجزئيا بسبب تربيته المنعزلة، فهذه النزعة لم تجد لنفسها تعبيرا بالمصطلحات السياسية. ودافعه الأول للاشتراك في المقاومة الفرنسية يبدو أنه كان شخصيا. هو ارتعب من اضطهاد اليهود، ومن ضمنهم أصدقاء له، من قبل القوات النازية التي كانت تحتل باريس. ربما تكون هذه لحظة حاسمة في معرفته أنه حتى لو كانت المعاناة الإنسانية لا يمكن تجنبها، لأنها ببساطة نتيجة لكوننا نعيش، فبالتالي سيكون من غير المسموح بشكل أكبر أن يعذب الناس أناسا آخرون أو يظلمونهم أو يذلونهم. هو بدأ في تنمية ما يمكن أن نطلق عليه حسا سياسيا. رعبه من الظلم، وخاصة التعذيب، أظهر نفسه في حياته اللاحقة في رفضه للوحشية الفرنسية في الجزائر، والنظام العنصري في جنوب أفريقيا (رفض أن يسمح بعرض مسرحياته في المسارح التي تشترط التمييز) والإساءات لحقوق الإنسان خلف الستار الحديدي.

ومع ذلك فهناك تيار يستقبل بيكيت ويراه ليس فقط غير سياسي، ولكنه فريد ومستقل، يقف خارج كل التصنيفات الممكنة وكأنه يعمل في الفراغ. هذا جزئيا يتعلق بقوة أصالة بيكيت، عبقريته في السيطرة، وصناعة شكله الأدبي الخاص به والذي عمل عليه. المشاهد المسرحية العارية، الصور المقفرة، التعامل الظاهر مع الأحوال المبدئية والأولية للخبرة، كلها تدعم الانطباع عن كاتب في عزلة عن اللحظة التاريخية. فمع كل الإصرار الموجود قبل الحرب على الملائمة العالمية وغير الموضوعية للفن، من أجل المميزات المجتثة والتي بلا جذور في عمله، فمن غير المرغوب فيه والمستحيل، لحسن الحظ، بالنسبة للكاتب بأن يفصل نفسه تماما عن سياقه إلى هذا الحد. نقتبس من الفيلسوف شوبنهاور عن دانتي: "مم جاء دانتي بمضمون جحيمه، إن لم يكن من عالمنا الحقيقي؟"[2]. عمل بيكيت غزير بانغماسه المكثف في التشاؤم والمعاناة الإنسانية، ومع ذلك بالجمال الكئيب، والكوميديا المظلمة اللاذعة. هل يعتقد أي أحد فعلا أنه من غير الملائم أو من المصادف أن بيكيت عاش خلال (وفي الحقيقة فحياته متزامنة مع..) أكثر القرون ظلاما ووحشية في التاريخ المعروف؟ حربان عالميتان، فظائع ستالين، هولوكوست هيتلر، قفزة ماو العظيمة الكارثية، الحروب الاستعمارية الوحشية في أفريقيا، والتهديد الممتد بالإبادة الذرية أثناء الحرب الباردة، من المؤكد أن هذه الأشياء تسللت إلى العقل المُستقبل بمستوى ما. كلها ولدت بالتأكيد مناخا مؤثرا داخل أخلاقيات ومظهر الثقافة الغربية ككل، التي لا يمكن أن تكون غير مؤثرة على مخيلة خلاقة لفنان متابع.

مراهقة بيكيت في أيرلندا تزامنت مع الحرب الأنجلو – أيرلندية التي تبعت بالحرب الأهلية الأيرلندية. زار ألمانيا أثناء حكم النظام الفاشي، وكما يظهر فهو اشترك في الكفاح ضد السيطرة النازية على باريس. هذه الأشياء ربما لم يحدث وظهرت على سطح أعمال بيكيت، ولكن أثر ما بعد الصدمة الذي انتشر في قيم وعقائد ومواقف المجتمعات التي عاش فيها والفكر تغلغل وإلى حد ما شكّل عقليته الخلاقة.

دمار ويأس القرن العشرين يمكن استشعارهما في حركات فلسفية وأدبية متشائمة عموما، كالوجودية وأدب العبث الذي رسخ في أوروبا في الأربعينيات والخمسينيات، والذي يتم ضم بيكيت له (على الرغم من أن هذا لا يتم دوما بشكل صحيح). الوجودية تظهر بالعديد من الأقنعة، وربما أكثر من أي حركة فلسفية أخرى، فهي لها صورة شعبية ومبسطة وأحيانا كاريكاتورية. المصطلح عموما يُستخدم للإحالة إلى الحركة الفلسفية المتعلقة بعدد من مفكري ما بعد الحرب الفرنسيين، أساسا جان-بول سارتر وألبير كامو اللذان وضعا الفرد أو الذات كمحور البحث، ورأياها كأساس لفهم طبيعة الوجود الإنساني. المصطلح اشتُق كمضاد لـ"الماهوية". كما يشتهر عند سارتر فالوجود يسبق الماهية، فلا يوجد مخطط لما نحن عليه أو عن كيف نسلك، ولا سلطة من الله أو أي حقيقة موضوعية تصادق على وجودنا. الذات وحيدة تماما. أولوية الفرد والاختيار الفردي على حساب كل الأنظمة الحتمية المتعلقة بالتحكم الاجتماعي أو البيولوجي تقودنا إلى التأكيد القوي على مبدأ الحرية الفردية. حريتنا لا مهرب منها، وهي جزء جوهري من وحدتنا واغترابنا. من المغري أن ننكرها، أن نتخلص من واقع فعلنا الكامل لدور خارجي (كوات في منزل السيد نوت)[i] أو نظام وهمي لغرض أو إيمان (في انتظار جودو حتى يأتي). ولكن هذه هي خطيئة "الخداع الذاتي" وفشل في تبني وعي أصيل ملائم لحريتنا في الاختيار.

هناك تشابهات محددة بين بعض مباديء الوجودية وبين أعمال بيكيت – مسرحيته "إليثوريا" (اللفظ اليوناني لكلمة "حرية") على وجه الخصوص، تحمل بعض التوازيات المثيرة للاهتمام – ولكن من الصعب أن نكون متأكدين كم من هذه التوازيات مضت مع بيكيت إلى نتائج متشابهة خلال طريق مختلف وكم هي المناسبات المعتمدة على نفس التأثرات. الاهتمام المهووس بالأنظمة والحتمية فى العديد من كتابات بيكيت، والفكرة المتكررة، التي يضعها هام في "لعبة النهاية" بأن "هناك شيء يمضي في مداره" يضرب الرفض الوجودي للبناء أو التحكم خارج الوعي الإنساني. إنه ليس من المفاجئ قوله لجيمس نولسون، في حوار حول الوجودية أنه منجذب عقليا أكثر إلى الفكرة الحتمية التي ترى أننا محبوسين في جيناتنا، أو عن طريق تربيتنا، أو عن طريق الظروف الاجتماعية أكثر من الفكرة الوجودية عن الحرية المطلقة[3].

هناك ميل آخر لعلاقة بين الوجودية وبين اعتقادات بيكيت، وهي فكرة "العبث" على الرغم من أن الحذر واجب هنا أيضا. بدون أي أساس، أو أي سبب لوجودنا في العالم، فهناك تيار محدد للفكر الوجودي يرى أن الحياة عبثية، مضطربة، وبلا معنى. نحن نوجد صدفة في العالم، ولا توجد خطة أو هدف لحيواتنا، والسؤال الكبير، الذي سأله ألبير كامو في "أسطورة سيزيف" (1942) هو إن كان سنقدم على الانتحار (ومن الملحوظ أنه ميل كبير في "في انتظار جودو") تصنيف "أدب العبث" تم صياغته عن طريق مارتن إسلن[ii]ليدل على مجموعة الكتاب المسرحيين الذين يقدمون تعبيرا فنيا لمعتقد العبث الذي شرحه كامو؛ وهو الإحساس بأن الوجود الإنساني تافه وبلا معنى. الكتاب المسرحيون الآخرون الذين يتم ضمهم إلى هذا المخطط منهم يوجين يونسكو، جان جينيه، آرثر آداموف. وجهة النظر العبثية عامة ما يتم إظهارها في الشكل كما في مضمون المسرحيات، وهي من أجل خلق الأحوال الكابوسية تميل إلى تجاهل البناء المنطقي، وتتخلص من الهوية الشخصية والعلاقات المفهومة بين العلة والمعلول.

بيكيت نفسه ولأسباب قوية، رفض تماما أي علاقة له بمسرح العبث، أو بشكل أخص بالافتراضات التي بُني عليها هذا التجميع النقدي، فبالنسبة له فالمصطلح "حُكمي" للغاية، ومتشاءم للغاية:

"أنا لم أقبل أبدا بفكرة مسرح العبث، هذا المبدأ الذي يتضمن حكم قيمي، إنه ليس من الممكن حتى أن تتكلم عن حقيقة، هذا جزء من المعاناة"[4].

مقاومة بيكيت هنا هي جزء من ابتعاده عن الفلسفة والعقلانية، إلى حالة أكثر ارتباكا وتواضعا معرفيا. هو رفض تشاؤم بروست الحاسم، من أجل نظرة مضطربة ومتألمة للعالم، تلك النظرة التي يمكن إظهارها من خلال التعبير الفني أكثر من "التأكيد الوجودي":

"المرء لا يستطيع أن يتحدث مجددا عن الوجود، المرء عليه فقط أن يتحدث عن الفوضى. عندما يتحدث هايدجر وسارتر عن الفرق بين الوجود والكينونة ربما يكونان على حق، أنا لا أعرف، فلغتهما فلسفية جدا بالنسبة لى"[5].

حقيقي أن بيكيت لم يتدرب كفيلسوف محترف ولكن بداية من انغماسه بعمق خلال التقليد الفلسفي مِمَن قبل السقراطيين ومَن بعدهم، وبداية من أن أعماله، خاصة أعماله المبكرة، مكتظة بالدلالات الفلسفية، فهناك شيء ماكر قليلا في إنكاره. إنه بالأحرى دلالة على عداوته للغة الاستنتاج والفلسفة فيما بعد الحرب، والتي نتذكرها في سخريته في "تفكير" لاكي بـ"في انتظار جودو". عداء بيكيت اللاحق للفلسفة هو مثل عداء المدخن السابق للتدخين، الممتلئ بأثر انغماسه الأول فيه.

مهما كانت الشكوك في علاقة بيكيت بالوجودية وتشاؤم ما بعد الحرب، ومهما كان القلق الذي يضعه في هذا السياق الفلسفي، فمن المهم أن نلاحظ أن المناخ الذي تخصبت فيه هذه التعبيرات والفلسفات المتشائمة، حيث تجذرت فكرة العبث، كانت مهيأة لاستقبال أعماله. إن كانت روح عصر ما بعد الحرب غير مهيأة لاستقبال تعبيرات العبث، فهل كانت ستصل "في انتظار جودو" إلى هذا النجاح؟

بيكيت كان مخترعا ومُجرّبا عظيما في أي شيء استخدمه. هذا أحد الأسباب التي جعلته يوصف على أنه "الحداثي الأخير". نداء عزرا باوند الشهير "إجعله جديدا" يعتبر واحدا من النداءات المشجعة في الحركة الحداثية. الحداثة هو مصطلح ينطبق بأثر رجعي على مجموعة كبيرة من التيارات التجريبية والطليعية في الأدب والفنون الأخرى مع بداية القرن العشرين، وهي تضم الرمزية، والدادية، والدورانية، والشكلانية، والتعبيرية، والمستقبلية ومدارس أخرى كثيرة على العد. من الخطير تحديد عناصر مشتركة بين العديد من المذاهب الفنية المختلفة، ولكن خلال التيارات المتنوعة، فالحداثة تميل لمشاركة وعي كثيف عن العالم المعاصر، بدقة كشيء "حديث"، وهو حس غيّر السياقات الثقافية والاجتماعية والعقلية التي تتطلب أشكالا فنية وأدبية جديدة. واقعية القرن التاسع عشر اعتبرت غير قادرة وغير ملائمة على التعبير عن أحوال الحداثة. بيكيت يشير في "بروست" إلى "الخطأ المنفر في الفن الواقعي" – "التعبير البائس للجملة والسطح"، والسوقية الرخيصة لأدب الترميز. الكتاب الحداثيون يميلون لأن يروا أنفسهم كطليعيين، منفصلين عن القيم البرجوازية، ويزعجون قراءهم عن طرق تبني أشكال وأساليب صعبة ومعقدة. في "الشعر الأيرلندي الحديث" بيكيت يقسّم الشعراء ضمن مَن يُظهرون وعيا بـ"الأشياء الجديدة التي حدثت"، أي "الصدع في تعبيرات التواصل". وبين هؤلاء المتأخرين والتراثيين الذين "يحلقون بعيدا عن الوعي". كلا من الحس واللهجة يظهران صفات الموقف الحداثي. هذا ليس مفاجئا، طالما أن مرحلة مهمة من نشأة بيكيت الفنية تمت في باريس في دائرة جويس. أكثر روائيين أثرا على بيكيت هما بروست وجويس. "يوليسيس" جويس تعتبر مثالا بارز على الرواية الحداثية، بتجريبها المجهد وأساليبها الأدبية والنظرية، وبحركتها الأسطورية وإحالاتها الكثيفة. "يقظة فينيجان" والتي ساعد فيها بيكيت عمليا جويس ذو العينين الضعيفتين أثناء كتابتها، كانت أكثر مراوغة وصعوبة. بيكيت ذو الثلاثة وعشرين عاما كتب مقالا يدافع فيه عن الرواية ويسجل إعجابه بالانصهار بين الشكل والمضمون ويعلن: "وإذا لم تفهموها سيداتي وآنساتي، فهذا لأنكم متدهورين جدا على فهمها". 

المقال نشر أول مرة في مجلة "ترانزيشن" وهي مجلة أدبية طليعية عنوانها الفرعي "فصلية عالمية عن التجريب الخلاق"، وهي أصبحت منبرا للأدب والفن المضادين للبرجوازية. بالإضافة إلى مقاله عن "عمل قيد التحقق" نشر بيكيت أيضا قصته القصيرة الأولى "افتراض" في هذا العدد[6]. من الصعب أن تكون هناك انطلاقة حداثية أكثر صراحة من هذه في مهنة الأدب. النثر والشعر الذي بدأ في نشره في الثلاثينيات استمر في استخدام العديد من الأساليب المضادة للواقعية وغالبا ما تتجنب تسلسل الأحداث وتتباهى بمميزاتها السردية ومثلها مثل العديد من الأدب الحداثي تظهر ثقافتها للعيان. 

لم يعد موجودا في الظل، ولم يوجد ظل في القرن العشرين أكبر من ذلك الذي ألقاه جويس. العديد من المقلدين والتلاميذ ذووا بتأثيره. بيكيت كان واعيا بهذا الخطر (الذي لاحظه في روايته الأولى "حلم جميل لنساء عاديات"، بقوله إنها "نتانة جويس") وواجه ذلك أولا وفي أعماله المبكرة من خلال السخرية. كما رأينا بالفعل في الفصل الأول، فهو وجد حل أكثر ثباتا عن طريق الانتقال تحديدا إلى الجهة المضادة، بعيدا عن العلم والقدرة الكليين إلى فن العجز والجهل، متخلصا من إحالات ضمير الغائب العارف والصوت السردي نحو سرد لضمير متكلم أكثر باطنية وانفعالية. 

الرغبة في التخلي يمكن استشعارها في مسرحياته، وهي من البداية (إذا استثنينا فريق العمل الكبير في إليوثيريا) تبنت بناءا مسرحيا محدودا وغير مزخرف. ولكن ليس فقط أدوات المسرح وفريق العمل تلك التي أهملها بيكيت، وإنما هجر أيضا أعراف الكتابة المسرحية، فكرة أن المسرحية يجب أن يكون لها بداية ووسط ونهاية، فكرة أن الشخصيات يجب أن تكون متماسكة ومقنعة، افتراض أن الفعل والحبكة ضروريان لخلق الطاقة الدرامية. في العالم المتكلم بالإنجليزية، "الصعوبة" والتجريب الحداثيين لم يؤثرا على الدراما بنفس قدر الشعر والرواية، ومن أسباب ذلك أن المسرح لديه متطلباته التجارية الإضافية. هناك عبء أكبر على المسرح ليلائم الذائقة والتوقع العامين، ليقدم ليلة مسلية وترفيهية. المسرح الشعبي، وقبل قدوم السينما والتلفزيون، كان يميل لتقديم الميلودرامات والكوميديات الخفيف. حتى زميل بيكيت بمدرسة بورتورا أوسكار وايلد، وعلى الرغم من أن مسرحياته المعقدة والتي تناسب أكثر من مستوى تخفي أفكارا مخلخلة عن تناقض الهوية، إلا أنه اختار شكلا تقليديا من كوميديا غرف المعيشة، الفودفيل ومسرح المنوعات، مع عروض متنوعة للغناء والرقص والمشاهد الفكاهية التي تتضمن غالبا ثنائيا كوميديا – أسلاف كلا من لوريل وهاردي وفلاديمير وإستراجون – كانت هي التسلية الشائعة. مؤسسا الدراما الأوروبية الأدبية الجادة واللذان قدما رؤى اجتماعية ونفسية كانا النرويجي هنريك إبسن (1828-1906) والروسي أنطون تشيكوف (1860-1904). وإبسن كان له تأثيرا كبيرا على جورج برنارد شو (1856-1950)، عملاق المسرح البريطاني في النصف الأول من القرن العشرين.

بيكيت بالتأكيد ليس أول كاتب مسرحي يشق التقاليد الواقعية أو يلقي الضوء على الطبيعة الخيالية للمسرح. مبكرا في العشرينيات لويجي بيرانديللو كان يكتب مسرحيات تتجنب سهولة الوهم أو الرغبة في إيقاف عدم الإيمان، مع اللحظة التي يشارك فيها المتفرجون المفترضون في الفعل بتقدمهم نحو المسرح، هذا الأسلوب الذي استخدمه بيكيت في "إليوثيريا". الكاتب المسرحي الماركسي برتولت بريخت (1898 – 1956) مسرحياته اللا واقعية الكثيفة كان لها وجهة نظر سياسية في تقويض أي تحديد بين الجمهور والشخصيات واتجه بدلا من ذلك إلى تأثير الاغتراب الذي سيعلي من الوعي التاريخي وسينتقد التشييء الرأسمالي. بريخت كان واحدا من أبرز الكتاب المسرحيين في عصره ولكن اهتمامه بالسياسة كان بالتأكيد تعليمى جدا وسياسي جدا بالنسبة لبيكيت. بإمكان المرء أن يتخيل عدم رضاه إن كان بريخت قد نجح في طموحه قبل أن يموت بأن يكتب مسرحية مضادة لـ "في انتظار جودو" وفيها كانت ستصلح العلاقة بين بوتسو ولاكي وفقا للنظرة الماركسية للتاريخ[7].

مدى قراءة بيكيت كان واسعا، تشبعه بالفلسفة والدب والدراما والفن والموسيقى الأوروبيين كبير جدا على التلخيص. هو قرأ بشكل في واسع في أربع لغات على الأقل، الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية. أي قائمة بتأثراته ستتضمن راسين، موليير، سويفت، صمويل جونسون (وعنه، وقبل سنوات الشهرة، كتب مسرحية غير مكتملة بعنوان "الأماني الإنسانية")، جوته، سينج، بروست، وجويس. وربما علينا أن نذكر بشكل خاص دانتي أليجيرى (1265-1321)، وهو الكاتب الإيطالي لـ"الكوميديا الإلهية" ويمكن القول إنه مصدر إعجاب ممتد من قبل بيكيت. بطل "نخسات أكثر منها رفسات" بيلاكوا شوا، تمت تسميته على اسم الشخصية الكسلانة في "مطهر" دانتي. خلال أعماله ستجد صور ملحوظة يعاد استخدامها من المعاناة مستمدة من عمل دانتي الأبرز. يناسب ذلك أن نسخة بيكيت الدراسية من "الكوميديا الإلهية" ستكون بجانب السرير الذي سيموت عليه في ديسمبر 1989.

هو قرأ الكثير من الفلسفة في بداية الثلاثينيات، وهذا يتضمن من قبل السقراطيين، القديس أوغسطين، ديكارت، والظرفيين، والأسقف باركلي (الذي ألهمه فيلم "فيلم")، سبينوزا، ليبنيتز، كانط، شوبنهاور، موثنر، وبرجسون. واهتماماته وتأثراته الفنية لم تكن بالتأكيد منحصرة على الكلمة المكتوبة. فولعه بالرسامين الكبار ظل معه خلال حياته وهو كان معجبا بالعديد من الرسامين المحدثين. أصدقاؤه الشخصيين كان من ضمنهم برام و جير فان فيلد، هنري هايدن وأفيجدور أريخا، وهو كان يمتلك رسوما لكل هؤلاء الفنانين. في أيام الفقر في حياته المبكرة، دفع نفسه إلى فقر أفظع ليشتري لوحة لجاك ب. ييتس. هو عازف بيانو بارع ومحب لموسيقى شوبرت وبيتهوفن وشوبان وموتسارت. المميزات البصرية القوية لمسرحه المتأخر والذي يبدو أقرب إلى الرسم والنحت منه إلى المسرح العادي كان بدوره له تأثير عظيم على العديد من الرسامين والفنانين البصريين المحدثين. ولعه بالفن والموسيقى كان أساسيا لسموه بالشكل، والإطار والسيمترية في عمله الأدبي والمسرحي.



[2]Arthur Schopenhauer, The World as Will and Representation, trans. E. F. J. Payne, 2 vols. (New York: Dover, 1966), I: 325
[3]James Knowlson (text) and John Haynes (photographs), Images of Beckett (Cambridge:Cambridge University Press, 2003), p. 18.
[4]Charles Juliet, ‘Meeting Beckett’, trans. and ed. Suzanne Chamier, TriQuarterly 77 (Winter, 1989–90), p. 17. An extract from Rencontre avec Samuel Beckett (Saint-Cle´ment-la-Rivie`re: Editions Fata Morgana, 1986).
[6] Transition 16/17 (Spring–Summer, 1929).
[7] Cronin, Samuel Beckett: The Last Modernist, p. 494.


[i]  الإشارة لرواية وات Watt لصمويل بيكيت.
[ii]  مارتن إسلن Martin Esslin (1918-2002) ناقد وكاتب مسرحي من أصل مجري.