سِفرى المفضل بالكتاب المقدس
مقال لهارولد بلوم
ترجمة: أمير زكى
سبتمبر 2011
***
ربما يبدو من الحمق أن أتحدث عن أفضل سفر فى الكتاب المقدس، ولكن سفرى المفضل إلى حد بعيد هو (يونان). سفر رائع وحاذق يتكون من أربعة إصحاحات قصيرة. سفر يونان ظهر فى رواية هرمان ملفيل (موبى ديك) حيث كان مضمون نص عظة الأب مابل العظيمة. السفر مختبئ مع أسفار الأنبياء الصغار[1]، مع أنبياء حادين مثل عاموس وميخا، ولكن يونان خارج هذا السياق، كان لا بد أن ينضم لكتابات مثل نشيد الأنشاد، أيوب، لأنه يملك أيضا أسلوبا أدبيا عاليا. أقرب إلى نموذج الأمثال ولكن فى ثياب القصة القصيرة. سخرية الكاتب (J)[2]تتجدد عند كاتب يونان، الذى ربما كان أيضا يتهكم على جدية النبى يوئيل. رؤيا يوئيل كانت عن دمار الطبيعة "يوم غزو الجراد"، رؤيا يونان المقابلة هى عن الحياة، والاستقلال فى مقابل النزوات الإلهية.
انجذبت ليونان لأول مرة كصبى صغير فى المعبد فى ظهيرة يوم الغفران، عندما قرئ كاملا بصوت عال. بدا لى ذا اختلاف كبير عن بقية ما قرئ فى الخدمة، من حيث شكله ومضمونه، إنه ذو تأثير كافكاوى.
مؤلف سفر يونان غالبا ألفه فى فترة متأخرة بالنسبة للتقليد النبوى، فى وقت ما أثناء القرن الثالث قبل الميلاد. هناك نبى يدعى يونان فى سفر الملوك الثانى (14-25) ولكنه لا يشبه فى شىء يونان المهمل الذى بُعث ليعلن لأهل نينوه أن الله ينوى أن يدمر مدينتهم ليعاقبهم على شرورهم. يونان المبكر هو نبى حرب، بينما يوناننا يهرب بدهاء من مهمته، ليركب سفينة تتجه لترشيش.
لا أحد يبدو مثيرا للإعجاب فى سفر يونان، سواء الله أو يونان أو قائد السفينة ورجاله، أو ملك نينوى وشعبه. حتى اليقطينة التى كانت تحمى يونان من الشمس انتهت نهاية سيئة.[3]هناك بالطبع السمكة الكبيرة (ليست حوتا للأسف)[4]التى ابتلعت يونان لثلاثة أيام قبل أن تخرجه بأمر الله. ليست مثل موبى ديك، فلا تشعرك بالخوف ولا الحسرة.
ويليام تيندل[5]، ترجم سفر يونان، مزودا نسخة الملك جيمس بنصه الأساسى، ولكن ليس بالمرح الذى يظهر من خلال المراجعات. فى مقدمة أقرب إلى أن تكون سلبية لنسخته (قطعة سرد قوية)، تيندل قارن بحقد بين اليهود الذين رفضوا المسيح وبين شعب نينوه الذى صدق يونان وتاب. هذه مقارنة ضعيفة ولكنها تذكرنى بأن تيندل الكاتب العظيم كان أيضا متعصبا.
سفر يونان يعتبر من الأدب العظيم لأنه طريف جدا. التهكم لا يمكن أن يكون أكثر بريقا حتى عند جوناثان سويفت. يونان نفسه نبى متمرد ولا يريد العمل، جبان وسىء الطباع. لا يوجد سبب فى أن يكون نبى موثوق فيه على هذه الشاكلة: إيليا وإليشع قاسيين، إرميا يعانى من اكتئاب ثنائى القطب، حزقيال رجل مجنون. البارانويا والنبوة يبدو أنهما يتحركان معا، وكاتب سفر يونان يسخر من كل من بطله ويهوه فى عودة للسخرية العظيمة للكاتب (J) صاحب الصوت الأرستقراطى الشكاك المرح، المقلل من الظهور الذكورى، الذى لا يؤمن بشىء ولا يرفض شيئا، والمهتم بشكل خاص بحقيقة الشخصيات.
النبى يونان الغارق بين أمثلة ونصوص إشعيا وإرميا ويوئيل مستاء حقا من وضعه كشخص يعانى متأخرا من قلق التأثير النبوى. فلو تجاهلته نينوه فسوف يتم تدميرها، جاعلة من مهمته بلا جدوى، ولو أخذته مأخذ الجد فسوف يثبُت أن رسالته كاذبة. فى كلتا الحالتين فمعاناته بلا جدوى، ويهوه أيضا لا يُظهر تجاهه أى اهتمام. وهو عندما يصلى من بطن السمكة يحاكى بتهكم كُتّاب المزامير بغض النظر عمن هم.
بالنسبة لنينوى المسكينة التى ارتدت – حتى حيواناتها - المسوح وتغطت بالرماد فقد أرجأ يهوى تدميرها. وترك يقطينة غريبة الأطوار كانت حياتها قصيرة جدا ودمارها حث غريزة الموت عند يونان. وما تبقى هو سؤال يهوه البليغ اللاهى:
"أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التى يوجد فيها أكثر من إثنتى عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم و بهائم كثيرة"[6]
من المحتمل أن تكون البهائم (الحيوانات فى النص العبرى) قادرة على تحديد الاتجاهات على عكس سكان نينوه أو أورشليم أو نيويورك. وضع يونان مع الأنبياء الصغار كان خطأ أدبيا ارتكبه جامعى الكتاب. أو ربما هم حكموا على السفر الصغير بشكل جيد، ولم يريدوا إخفاء الملمح السويفتى عن الأنبياء والنبوة.
[1] أسفار الأنبياء الصغار هى اثنا عشر سفرا بالعهد القديم بالكتاب المقدس، وهى أسفار قصيرة لذلك سميت بأسفار الأنبياء الصغار. (المترجم)
[2] وفقا لإحدى نظريات نقد الكتاب المقدس فأسفار موسى الخمسة مستقاة من كتابات العديد من الكتاب: الكاتب اليهوى أو الكاتب (J) هو كاتب جنوبى وربما يكون أيضا قد كتب فى قصر داود وسليمان. (بلوم)
[4] الترجمة العربية تذكر كملة (حوت)، بالإضافة إلى التنويعة القرآنية على قصة النبى يونس التى تذكر أن حوتا ابتلعه أيضا. (المترجم)
[5] William Tyndale (تقريبا 1494-1536) مترجم إنجليزى بروتستانتى، ترجم أجزاء كبيرة من الكتاب المقدس إلى الإنجليزية (المترجم)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق