هي أسلحة قادرة على إحداث أضرار وخسائر في الأرواح لا مثيل لها. لحسن الحظ، أدت نهاية الحرب الباردة إلى تقليص ملموس في حجم الذخائر النووية لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا، وساعدت معاهدات كمعاهدة عدم الانتشار النووي على التخفيف من خطر الإبادة الشاملة بسبب أسلحة الدمار الشامل النووية.
بيد أن الأسلحة النووية ليست أسلحة الدمار الشامل الوحيدة. فالأسلحة الكيميائية والبيولوجية تقع في الفئة ذاتها. والآن، مع انتهاء الحرب الباردة، يعتبر الكثير من المراقبين أن هذه الأسلحة تشكل خطراً أكبر على الأمن العالمي. فهي من النوع المحمول وسهل الصنع نسبياً وزهيد الكلفة لتكون، بالتالي الأسلحة المثالية بالنسبة "للدول المارقة والإرهابيين" معها.
وإذا كانت الأسلحة الكيميائية هي أول أسلحة استخدمت في الحرب العالمية الأولى وتسببت بآثار مدمرة، إلا أن استخدام العوامل البيولوجية في الحرب يرجع إلى القرن الرابع عشر تقريباً حينما قذف التتار بجثث مصابة بالطاعون إلى مدينة كافا المحاصرة في أوكرانيا. كما إن مواقع أخرى تبين الطبيعة الخبيثة لهذا النوع من الأسلحة .
- في القرن الثامن عشر، قدم الجيش البريطاني بشكل مقصود أغطية ملوثة بداء الجدري إلى الهنود الأمريكيين على أمل أن إصابتهم بالوباء ستخفف من قدراتهم العسكرية.
- خلال الحرب العالمية الأولى، لوث عملاء ألمان طعام الحيوانات والمواشي الحية وأحصنة الخيالة بواسطة عوامل بيولوجية.
- بين عامي 1932 و 1945 في منشوريا، أجرى اليابانيون أبحاثاً مكثفة حول الاستخدامات العسكرية للأنثراكس والعوامل البيولوجية الأخرى. وفي عام 1941، نظراً إلى نقص التجهيزات والتدريب المناسبين، لقي 1700 جندي ياباني حتفه بسبب الكوليرا. كما يقدر وفاة 3000 سجين نتيجة التجارب التي أجراها اليابانيون على برامج الأسلحة.
لم يسجل، منذ العام 1945 ، أي استخدام للعوامل البيولوجية خلال الحروب. ومع أنه قد عرف عن صدام حسين أنه “حول إلى سلاح” عدداً من العوامل البيولوجية بما فيها الأنثراكس، ما من إثباتات تدل على أنه استخدم هذه الأسلحة ضد أعدائه. ولا يمكن قول الشيء ذاته في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية. فمعروف أن العراق قد استخدمها ضد الأكراد خلال الحرب الإيرانية - العراقية ( 1980 - 1989 ).
أما العوامل التي يمكن استخدامها في الأسلحة البيولوجية، فهي تندرج في فئات ثلاث أساسية: نباتية، حيوانية وجرثومية. من ضمن هذه الفئات، نجد مجموعة واسعة جداً من العوامل الفتاكة والتي يصعب تلخيصها بسهولة. هذا لأن هناك عدداً من الأنواع من ضمن المرض الواحد. فالبروسيلا Brucella مثلاً تتضمن أربعة أنواع قاتلة بالنسبة للبشر، بينما يحمل البوتولينوس botulinus سبعة منها. وقد جرى تطوير عملاء من أجل الأسلحة بما فيها الأنثراكس وتوكسين البوتولينوم والتولاريميا والبروسيلا والطاعون والجدري.
تختلف درجة سمية هذه العوامل. فمنها من يؤدي إلى مرض خطير وبعضها قاتل. ويعتبر الأنثراكس Anthrax الأكثر فتكاً بالبشر. طبقاً لمكتب تقييم التكنولوجيا الأمريكي، فإن مئة كيلوغرام من حبيبات الأنثراكس إذا نشرت فوق مساحة 300 كيلومتر مربع في أمسية هادئة قد تقتل ما بين مليون وثلاثة ملايين شخص. ونظراً إلى أنه لم يحدث قط هجوم بأسلحة بيولوجية على منطقة كثيفة بالسكان، فإن الأرقام المطروحة تظل فرضية إلى حد كبير. بيد أنها تقلل من الضرر الممكن الذي تمثله هذه الأسلحة بالنسبة إلى البشر، وبخاصة أن أكثر من نصفهم يعيشون في المدن الكثيفة بالسكان أو بالقرب منها.
نتيجة استخدام العوامل البيولوجية والكيميائية خلال الحرب العالمية الأولى، جرت محاولات لحظر استخدام هذه الأسلحة. وكان بروتوكول جنيف لحظر الاستخدام الحربي لغازات خانقة أو سامة أو غازات أخرى أو طرائق حربية بكتيرية في عام 1925 أول محاولة من هذا النوع. وعلى الرغم من أهمية هذه المعاهدة إلا أنها كانت تحمل شوائب من حيث المفاهيم التي تضمنتها. فلم يكن هناك حظر قانوني ضد إنتاج الأسلحة البيولوجية ولم تنطبق المعاهدة على دول من خارج إطار عصبة الأمم، كما إنها لم تتضمن آليات مؤسسية للمراقبة أو لتنظيم هذه الأسلحة.
في أواخر الستينيات، وقع تقدم ملموس في مجال تنظيم أسلحة الدمار الشامل والإشراف عليها. فقد وقع أكثر من مئة دولة، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق على معاهدة في عام 1972 تمنع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وخلال تلك الفترة، دمرت الولايات المتحدة مخزوناً كاملاً من المواد البيولوجية. بيد أن عدداً من الدول لم توقع بعد على المعاهدة، وهي محط شكوك بامتلاكها أسلحة كيميائية وبيولوجية. ويعتقد أن كوريا الشمالية وإيران وسوريا تمتلك القدرة على إنتاج الأسلحة الكيميائية، بينما وضعية العراق من حيث برنامجها الخاص بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية لا تزال غير واضحة. وما يعتبر مدعاة لقلق مواز هو عدد الدول التي تطور أنظمة تسليم طويلة المدى تعطيها القدرة على إرسال الخوف والرعب إلى ما وراء حدود أراضيها. هذا هو بالتحديد السبب الذي حدا بالولايات المتحدة إلى رعاية نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ. أما الناحية الإيجابية فهي أن الجهود قائمة لتعزيز إجراءات وآليات الالتزام بمختلف المعاهدات. فكانت معاهدة الأسلحة الكيميائية الشاملة في عام 1997 خطوة على هذه الطريق.
من المهم الاعتراف أن الأسلحة البيولوجية والكيميائية تمثل تحدياً مختلفاً بالنسبة لصانعي السياسة إذا وقعت بين أيدي أطراف من غير الدول. فالسياسات والاستراتيجيات المصممة للحفاظ على السلام خلال الحرب الباردة لا تنفع في هذه الظروف الجديدة والمتغيرة. وقد يظل من الممكن ردع دولة مارقة عبر التهديد بالرد الكثيف، إلا أن هذه الاستراتيجيات لا تنفع في التعامل مع المتطرفين سياسياً. فالأسلحة الكيميائية والبيولوجية هي «أسلحة الضعيف »، وهي لذلك تحتاج استراتيجيات مغايرة لمحاربة انتشارها. فهي يمكن شحنها على متن طائرة خفيفة أو تفجيرها في شارع مكتظ أو في مستوعب قمامة بواسطة آلة تفجير عن بعد. والأكثر مدعاة للقلق هو أن أياً ممن يحملون شهادة أولية في علم الأحياء أو الكيمياء يعرف كيف يصنع هذه المواد بكميات كبيرة. كما أن البنية التحتية لأغلبية الدول غير مناسبة للتعامل مع هجوم من هذا النوع. ولا توجد كميات كافية من اللقاحات أو الأقنعة الواقية من الغازات والألبسة المناسبة لحماية مدينة مكتظة بالسكان من هجوم حتى لو كان صغير المدى، هذا عدا عن الهجوم الواسع.
من السهل أن تصاب بالقلق من هذه الأسلحة، خصوصاً حين نعلم أن روسيا قد خزّنت ما يكفي من فيروس الجدري لإصابة كل رجل وامرأة وطفل بهذا المرض على الأرض. كما إن الحوادث ممكنة الوقوع. فلقد توفي 64 شخصاً جراء تسرب عرضي للأنثراكس في سفردلوك (روسيا) في عام 1979 . ولكن من المهم أيضاً أن نتذكر أن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ووكالات أخرى حول العالم تعمل من دون كلل لمراقبة الأطراف من دون الدول ولابتكار طرائق للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق