الكسندر ويلنر(*) – أنتونى كوردسمان( **)
عرض ومراجعة: نسرين جاويش - باحثة في العلوم السياسيةتصاعدت حدة التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين حول أنشطة الأولى النووية ذات الطابع العسكري، منذ نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول أنشطة إيران النووية أوائل نوفمبر 2011، إذ سبق التقرير تصعيد سياسي إسرائيلي على أعلى المستويات تجاه إيران، والتهديد بشن غارة عسكرية على منشآتها النووية؛ حماية لأمن إسرائيل، ومنع إيران من تطوير قدراتها العسكرية النووية.
وفي هذا السياق، نُشر تقرير من جانب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية Center for Strategic and International Studiesأعده الكسندر ويلنر وانتونى كوردسمان، والذي يتعرض بالدراسة والتحليل للتنافس الأمريكي- الإيراني في منطقة الخليج، والمحيط الهندي، والمشرق العربي، والذي هو في حقيقته - طبقا للتقرير - منافسة على الهيبة العسكرية والمكانة الدولية، من خلال استخدام القوات العسكرية للتأثير في سلوك الدول الأخرى. وهو ما يستوجب طرح الأفكار المُتضمنة في هذا التقرير، لاسيما في ظل اتهام إيران لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (يوكيا أمانو) بالتحيز، ومحاباة الدول الغربية، والذي يُعد مؤشراً على اتجاه العلاقة بين إيران والوكالة إلى التصعيد.
عرض التقرير لخلفية التنافس الأمريكي – الإيراني، التي يرجعها التقرير إلى سقوط نظام الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979. ومن وقتها، وإيران تُعد أشد أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة مع سعيها لتكون القوة المُهيمنة في المنطقة، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتحجيم هذا النفوذ، بداية من دعمها للعراق أثناء الحرب العراقية – الإيرانية (1980 - 1988) ببيع الأسلحة والمساعدات التكنولوجية، ثم بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، وفرض حصار حول إمكانية حصولها على الأسلحة من دول أخرى، وكذا تقديم الدعم العسكري المتطور لحلفائها من دول الخليج العربي كالمملكة العربية السعودية، وحصولها على أسلحة متطورة من أمثلة AH-64المروحية من طراز أباتشي، ودبابات أبرامز M1، و15 S، لتوفير رادع رئيسي للقوات الإيرانية آنذاك.
أبرز محطات التنافس
عرض التقرير– أيضا –لأهم محطات التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران منذ عام 2001 إلى 2011، فيبدأ بمارس 2001 بتوقيع اتفاقية تعاون بين طهران وموسكو، ثم في أبريل تم توقيع اتفاق أمنى بين طهران والمملكة العربية السعودية بهدف مكافحة الإتجار بالمخدرات والإرهاب. وفى الربع الأخير من العام نفسه، تم توقيع اتفاق عسكري بين طهران وموسكو، متضمناً بيع صواريخ وطائرات مُقاتلة، ثم إدانة المرشد الأعلى "على خامنئي" للضربات الجوية الأمريكية بأفغانستان.
وكذا إصدار وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتقرير تتهم فيه طهران بامتلاك واحد من برامج الأسلحة النووية الأكثر نشاطاً في العالم، بالإضافة إلى أن إيران تسعى للحصول على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية من روسيا والصين وكوريا الشمالية.
وفي يناير 2002، وصف الرئيس بوش في خطاب له بأن إيران والعراق وكوريا الشمالية هى "دول محور الشر". وفى سبتمبر من العام ذاته، قامت إيران ببناء أول مُفاعل نووي لها في بوشهر بمساعدة روسية، وهو ما تمت مواجهته باعتراض كبير جدا من جانب الولايات المتحدة، أعقبه اتهام لها في ديسمبر بامتلاك إيران لبرنامج سرى لتصنيع الأسلحة النووية في ناتانز.
وعقب غزو الولايات المتحدة للعراق، قامت إيران وسوريا بتكثيف التعاون فيما بينهما لضمان أنهما لن تصبحا أهدافا لواشنطن، من خلال دعم الجماعات المُسلحة في العراق، وتوسيع التعاون الثنائي في مجال الدفاع. هذا وقد اقترح دبلوماسي سويسري إجراء محادثات ثنائية مع الحكومة الأمريكية، وهو ما لم يتم النظر إليه بجدية من قبل إدارة بوش الابن.
وفي نوفمبر 2004، وافقت إيران على تعليق تخصيب اليورانيوم، مقابل الحصول على تنازلات تجارية من أوروبا. وكذا في يونيو 2005، قامت إيران وسوريا بتوقيع اتفاق تعاون عسكري للدفاع بهدف توحيد الجهود الدفاع، وتعزيز الدعم المُتبادل بينهما.
وفى يونيو من العام ذاته، تم منح إيران لقب مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، ولكن تم تعليق العضوية الكاملة لها في مارس 2008 بسبب العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة. وفى أكتوبر، قام الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" بالدعوة لأن تختفي إسرائيل من صفحات الزمن، وهو ما اعتبر بمثابة تهديد موجه لإسرائيل.
ويشير التقرير إلى نفى الولايات المتحدة في أبريل 2006 ما تردد عن توجيه ضربة نووية تكتيكية ضد منشآت إيران النووية تحت الأرض، وما استتبعه تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، عقب تقديم مشروع قرار بفرض عقوبات ضدها بمجلس الأمن؛ لتتقدم الولايات المتحدة بطلب للاتحاد الأوروبي للدخول في مفاوضات مباشرة مع طهران، إذا وافقت على تعليق تخصيب اليورانيوم. وفى ديسمبر من العام نفسه، صدر قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
يبدأ عام 2007 بالقبض على أعضاء من الحرس الثوري الإيراني في العراق بغرض الترويج للعنف، كما أعلنت حينذاك القوات الأمريكية، لينتهي العام نفسه بزيادة التوتر بينهما، عقب تقرير للاستخبارات الأمريكية يفيد بأن إيران علقت برنامجها للأسلحة النووية، ولكنها مستمرة في تخصيب اليورانيوم.
وفي عام 2008، اتهمت الولايات المتحدة إيران بأنها الراعي الرائد للإرهاب في العالم، ودعمها للمتمردين الأفغان. وفى يوليو من العام ذاته، قامت طهران بإجراء تجارب ومناورات بصواريخ شهاب 3 الباليستية متوسطة المدى، خلال المناورات العسكرية التي عرفت باسم "النبي العظيم 3".
ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة استمرت في اعتبار إيران دولة راعية للإرهاب، في حين ترد إيران بأن الولايات المتحدة ليست في موقف اتهام دول أخرى، في ضوء تصرفاتها بمعتقل جوانتانامو، لتقوم إيران في منتصف مايو 2009 باختبار الصاروخ الباليستى ساجيل 2، الذي يبلغ مداه 1500 ميل. وفى سبتمبر من العام ذاته، تعترف طهران ببناء منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة قم، وتعلن أنها مخصصة للأغراض السلمية. وفى نهاية الشهر ذاته، تجرى طهران تجارب على عدد من الصواريخ الباليستية شهاب 1، شهاب 2، توندار 69، وفاتح 110.
ويصل التقرير إلى عام 2010 بمقتل مسعود على محمدي، أستاذ الفيزياء الإيراني في انفجار بطهران، في حين أنه لم تعلن أي جماعة مسئوليتها عن الحادث، إلا أـن الحكومة الإيرانية تدفع بأن الولايات المتحدة وإسرائيل هما وراء هذا الحادث. وتقوم طهران بتوقيع اتفاقية أمنية مع قطر لمكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الأمني، ثم تقوم طهران بإجراء مناورة "النبي الأعظم 5" لتستخدم فيها صواريخ مضادة للسفن، بالإضافة إلى اختبارها نسخة جديدة من فتح 110، وهى صواريخ باليستية قصيرة المدى تصل إلى 155 ميلا.
وفي بداية عام 2011، تعلن طهران امتلاكها التكنولوجيا اللازمة لصنع لوحات قضبان الوقود لمفاعلاتها النووية. وفى فبراير، تكشف النقاب عن "فارس الخليج"، وهى صواريخ باليستية مضادة للسفن، قادرة على تدمير حاملات الطائرات. وفى يوليو، تقوم بتجارب صواريخ في مناورة "النبي الأعظم 6" لتختبر صواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى كشفها عن صوامع صواريخ تحت الأرض.
أنماط التنافس العسكري
يشير التقرير إلى أربعة أنماط للتنافس العسكري الأمريكي- الإيراني في منطقة الشرق الأوسط عامة، وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، والتي تتمثل في:-
النمط الأول- القوات التقليدية الإيرانية:فإيران تسعى إلى تحسين هذه القوات بهدف توسع نفوذها، والحد من خيارات الولايات المتحدة العسكرية. وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى حرمان طهران من الأسلحة التقليدية والحديثة.
لكن إيران تفاوضت مع روسيا بشأن مبيعات لأنواع متقدمة من الطائرات المُقاتلة الحديثة، وصواريخ أرض جو، ودفاعات صاروخية باليستية. ومن ثم، فالنتيجة النهائية هي التحدي المستمر والمتزايد للولايات المتحدة في منطقة الخليج.
النمط الثاني- الحرب غير المتكافئة وغير المنتظمة:فقد بذلت إيران جهوداً كبيرة لتحسين قدراتها في مجال الحرب غير المتكافئة، وبخاصة فيلق الحرس الثوري. وقد أثبتت إيران بالفعل قدرتها على استخدام قواتها في الحرب غير المتكافئة وغير المنتظمة بطرق عديدة، منها، على سبيل المثال لا الحصر( حرب الناقلات الإيرانية مع العراق، وتسرب النفط والمناجم العائمة في الخليج، واختبارات الفضاء والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتوسيع نطاق برامج الصواريخ، وسلسلة التدريبات العسكرية للحرس الثوري الإيراني في الخليج للتدليل على قدرتها على مهاجمة الأهداف الساحلية والمنشآت البحرية).
النمط الثالث- توسيع مجالات العمل والتأثير:فالتنافس بين الولايات المتحدة وإيران امتد لأنحاء كثيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وآسيا الوسطى والجنوبية. وعلى الرغم من تقدم إيران باطراد في الحرب غير المتكافئة، فإنها لا تزال عرضة للقوات الأمريكية التقليدية والهجمات الدقيقة المدمرة لقواتها العسكرية والأصول الاقتصادية.
النمط الرابع- الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل: أعلنت إيران عن امتلاكها للأسلحة الكيميائية والصواريخ بعيدة المدى، وتسعى لامتلاك الأسلحة النووية. هذا، وتحاول الولايات المتحدة السعي لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية مع تطوير الخيارات لردع إيران. هذا، وتشير التقارير إلى إحراز إيران تقدماً في تصاميم أجهزة الطرد المركزي، والصواريخ بعيدة المدى، بما في ذلك من تطوير نظم الوقود الصلب، وترجح كذلك قدرتها على تصنيع غاز الأعصاب، وربما القدرة على تصنيع وامتلاك الأسلحة العنقودية.
وعلى الرغم من أن إيران هي إحدى الدول المُوقعة على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، فإنه ليس هناك من دليل على عدم امتلاكها لهذه الأسلحة أو تطويرها، إما كمكمل أو كبديل للأسلحة النووية. هذا، وتفيد التقارير بأنه يمكن لطهران امتلاك القدرة على تطوير أسلحة أكثر تطوراً من الأسلحة البيولوجية المُعدلة وراثياً في غضون السنوات الخمس القادمة.
اختلاف وجهات النظر
وفي الختام، يشير التقرير إلى اختلاف القوي الدولية، التي تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة، وكذلك الدول العربية وإسرائيل، حيال التعامل الأمريكي مع الأزمة النووية الإيرانية. وفي المقابل، تتبني إيران وجهة نظر مغايرة للتعامل الأمريكي والإسرائيلي مع أزمتها النووية.
ففيما يخص وجهة النظر الأمريكية، أشار واضعا التقرير إلى أن صناع القرار الأمريكي والمخططين الأمريكيين يرون أن قيام إيران بتطوير قدراتها النووية والصاروخية هو خطر يهدد منطقة الخليج بأسرها، بما في ذلك العديد من دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اعتبارها تهديداً محتملاً لأوروبا، وللصادرات النفطية الخليجية وأسواق النفط العالمية، وكذا تراها واشنطن تهديداً لعملية السلام العربية- الإسرائيلية.
وفى إطار محاولة استبعاد أي عمل عسكري ضدها في الوقت الحالي، وفى ظل تورط الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، يكون اللجوء لفرض العقوبات والمفاوضات، وبالتالي الخيارات الدبلوماسية، هو الحل الأمثل، ومع ذلك تظل الخيارات العسكرية خيارا مطروحا.
ومن جانبها، ترى إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية هى التهديد الرئيسي لها، ثم يأتي التهديد الإسرائيلي في المرتبة الثانية. وتدافع إيران بأن "استراتيجيتها العسكرية هي دفاعية في طبيعتها، ولكن في الوقت نفسه تمتلك التكتيكات الهجومية".
هذا، ويجب على الولايات المتحدة إدراك أن الأمة الإيرانية لا يمكن إضعافها حتى بفرض العقوبات، فإيران تصور نفسها القوة الفاعلة في منطقة الخليج، والزعيم الإقليمي القادم. ويدلل التقرير على ذلك بجزء من خطاب للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 5 مايو 2011 فيقول: "عندما ندرس التاريخ، نصل إلى استنتاج بأن الأمة الوحيدة القادرة على المرور من منحنى لآخر هى الأمة الإيرانية".
ويري كاتبا التقرير أن التنافس العسكري بين الولايات المتحدة وإيران ينطوي على مجموعة كبيرة من اللاعبين الآخرين. وفى الوقت الذي أنشأت فيه طهران تحالفا غير رسمي مع سوريا وحزب الله في لبنان، فإنها تأمل في التنافس على النفوذ العسكري في العراق ودول جنوب الخليج ومعظم العالم العربي.
ويشيران إلى أن إسرائيل تختلف في تصورها للمنافسة العسكرية مع إيران. فإسرائيل ترى أن إيران تُشكل تهديداً وجودياً لها بسبب الصواريخ بعيدة المدى، ودعمها لحزب الله في لبنان، وتسليح حماس في غزة.
ويختتم التقرير بالقول إنه نظراً لأهمية منطقة الخليج في مجال أمن الطاقة العالمي، فإن التنافس سيستمر قائماً بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة في ظل هدف إيران بأن تصبح قوة إقليمية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط. هذا، وتُقدم استراتيجية إيران غير المتماثلة تحدىا فريدا من نوعه بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية، بمحاولاتها تنويع قدراتها غير التقليدية والنووية والصاروخية، في محاولة منها لتقويض الوجود الأمريكي في المنطقة. وهو ما يتطلب من الولايات المتحدة وضع تصور دقيق للتنافس العسكري بينها وبين إيران، خاصة مع وضع مضيق هرمز الاستراتيجي الحرج في المنطقة.
(*) لمزيد من التفاصيل والرسوم البيانية التوضيحية في النص الأصلي للتقرير
U.S.and Iranian Strategic Competition: The Gulf Military Balance
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق