الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

كرة القدم والادباء





أدباء على خط التماس

بقلم: مهند سعد



في الوقت الذي صرخ محمود درويش لمارادونا: ” لن يجدوا دمًا في عروقك، وإنما وقود صواريخ” كان بورخيس يقول: “كرة القدم منتشرة لأن الغباء منتشر، إن كرة القدم قبيحة استطيقياً، إنها من أفدح جرائم إنجلترا”. وكان يحدد موعد محاضرته في نفس الوقت الذي تلعب فيه الأرجنتين في كأس العالم عام 1978.

ما الذي تفعله كرة القدم لتصنع هذا الإصطفاف المختلف لدى الكتّاب والمثقفين؟ إن ما تقدمه كرة القدم للمشاهد هي زيادة في إفراز الأدرينالين، لكن الأدباء وضعوا عليها يدهم لكي يوقدوا فيها نار الفلسفة والأدب.



عندما بدأ جاليانو كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل” أهداه لأولئك الأطفال العائدين من مباراة كرة قدم في كايا دي لاكوستا صارخين: “ربحنا أم خسرنا، لن تتبدل متعتنا، متعتنا تبقى كما هي، سواء أخسرنا أم ربحنا”. بيتر هاندكه رصد الجانب النفسي في كتابه ” خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء” عندما يصبح البطل “بلوخ” واقعاً تحت الصراع والقلق من المجهول: “من الممكن أن يضع الراكل في حسبانه أن حارس المرمى يفكّر، وحارس المرمى يستمر في تفكيره أن الكرة من الممكن أن تأتي في الركن المعتاد، وهكذا، وهكذا”.

ستبقى كرة القدم لها سر وإعجاز، وشغف وشوق، كما قال جاليانو عندما انتهى من كتابه “وأبقى أنا مع تلك الكآبة التي نشعر بها جميعنا بعد الحب وعند انتهاء المباراة”.



لم يبقَ الأدباء في خانة المتحدثين عن القدم والصانعين منها مادة لمؤلفاتهم ونظرياتهم وإنما أخرجوا نظرياتهم من ممارستهم للكرة، هنا ألبير كامو أحد أهم أخلاقيي العصر، كما وصفه “سارتر” حين كان حارساً لمرمى فريق جامعة وهران في الجزائر يقول: “تعلمت من تلك اللعبة أن الكرة لا تأتي مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها”. الروائي فلاديمير ناباكوف الذي مارس حراسة المرمى يرى في حارس المرمى النسر الوحيد والرجل الغامض والمدافع الأخير. ماركيز كان لاعبًا وأُقصي بسبب الإصابة حين سُددت ضربة إلى بطنه آذت معدته ليتحول وهو بعمر 23 إلى مشجع لفريقه الكولومبي أتلتيكو جونيور.



إدواردو جاليانو كان من أسوأ لاعبي الأوروغواي بإعترافه: “لقد رغبت مثل جميع الأروغوانيين في أن أصبح لاعب كرة قدم، وقد كنت ألعب جيداً، كنت رائعًا، ولكن في الليل فقط، في أثناء نومي، أما في النهار فأنا أسوأ قدم متخشبة شهدتها ملاعب الأحياء في بلادي. لقد مرت السنوات، ومع مرور الوقت انتهيت إلى القناعة بهويتي، فأنا مجرد متسوّل أطلب كرة قدم جيدة، أمضي عبر العالم حاملاً قبعتي، وأتسوّل في الاستادات “.



يرى الفيلسوف الفرنسي سارتر أن كرة القدم مجاز يعبّر عن الحياة كلها؛ مجاز يكفي لكي يصبح لكل دولة شكلها المستقبلي في اللعب، ليراها الكاتب البريطاني جورج أورويل مضرّة ومؤذية لكل إنسان، بينما تبقى لكل دولة أسلوبها الخاص في اللعب، وهو ما يبدو غريباً للآخرين. وبكلمات أخرى يضع سارتر وأورويل كرة القدم في مستوىً جديد يقترب من كونه شكل الحُكم لدى تلك الدول أو سياساتها الخارجية.



حينما “استيقظ” ضمير الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو، أكد أنه يشعر بخيبة أمل كبيرة من كل شيء حدث في استضافة كأس العالم في البرازيل؛ والسبب يعود إلى المبالغ المالية الكبيرة جداً التي صُرفت على الملاعب في بلد يحتاج قبل كل شيء إلى المستشفيات والمدارس ووسائل النقل. خالفه في ذلك الكاتب البرازيلي “أمادو” حين رأى في كرة القدم ما هو أكبر من انشاء المستشفيات حين قال أنها تحدد ثقافة الشعوب وأن عظمة بلاده تسكن بين أقدام الموهوبين.



الكاتب البريطاني ذو الأصول الإيرانية سلمان رشدي، والذي حصل على جائزة مان بوكر عام 1981، يقول: “نشر كتاب جديد أو إنتاج فيلم سينمائي ربما تكون أعمال جيدة، أما فوز توتنهام على مانشيستر يونايتيد يبقى أمراً لا يقدّر بثمن”. ليقتنع الجميع أن الكاتب ينسلخ عن عالمه الأدبي في لحظات من الإمتاع الكروي تجعله يتساءل كما تساءل محمود درويش “أليست تلك اللحظات أشد قسوة ورهافة وتفجيراً للعاطفة الفردية والجماعية من اللحظات، التي يواجهها “مقامر” دستويفسكي، مثلا؟”.



كرة القدم بكل شعبويتها استطاعت أن تدفع بالأدباء إلى مربعها الأخضر وإلى مخالفاتها الصفراء وإلى ارتداد عارضة المرمى أمام ضربة مباشرة، أخضعها الأدباء لعوامل التحليل وصنعوا منها سيرهم الذاتية واستقوا منها بعض نظرياتهم للمجتمع والدول والحكومات، كرة القدم أصبحت موضوعًا للأدب يكفي لكي يضع الكاتب كثيرًا من قواعده ونظرياته وظنونه فيها ويجلس في مقاعد المتفرجين ليرى القرآء يركلونها بعقولهم.

 عن انكتاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق