ثورة 25 يناير في الإعلام الدولي |
ثورة 25 يناير في الإعلام الدولي :
كشفت ثورة الخامس والعشرين من يناير عن اهتمام إعلامي كبير، وتقدير عالمي، يبدو غير طبيعي في تعامل الإعلام الدولي مع ثورات العالم النامي، هذا التقدير والإعجاب امتد ليشمل العديد من عناصر ومكونات المجتمع المصري بكل شرائحه
، إلى الدرجة التي دفعت تحليلات وتقارير إعلامية إلى القول إن الصورة الجديدة لمصر.فاجأت ثورة الخامس والعشرين من يناير العالم قاطبة بمفردات جديدة في قاموس الثورات الشعبية كان لها وقع الصدمة التي جعلته يقف مشدوهاً في إجلال لتك الملحمة المتفردة في طبيعتها وأسلوبها وسمات مُفجريها، وترافُقها مع احتضان الشعب وحماية وانحياز الجيش لها، ما جعلها مصدر إلهام لربيع الثورات العربية التي تموج بها المنطقة حالياً، ونموذجاً حضارياً فريداً حريٌ أن يُدرس ويؤرخ، ولا غرو في ذلك بعد وصف العديد من الكتابات والتعليقات الثورة المصرية بأنها أعظم ثورة مصرية في التاريخ المعاصر.
دفع هذا التفرد والطابع الحضاري الذي عكسته الثورة المصرية إلى حالة من التباري سادت دوائر الرصد الإعلامي ومراكز البحث وصناعة القرار العالمية لاستقراء بواعث الثورة وتفاعلاتها والتغييرات التي أحدثتها وفاقت توقعات أكثر المتفائلين يقيناً.
وفي هذا الكتاب يقدم الباحث، في قالب اعتمد بشكل رئيسي منهج تحليل المضمون، بانوراما من عشر فصول لتناول الإعلام الدولي لثورة 25 يناير، نحت أحيانا، إلى اقتراب سياسي وقانوني في التعامل مع بعض القضايا مثل التعديلات الدستورية على سبيل المثال، وذلك على مدى فترة زمنية، بدأت مباشرة باليوم الأول لاندلاع الثورة وشهدت نهايتها في الثاني عشر من أبريل 2011 تحولاً دراماتيكيا ببدء التحقيقات مع الرئيس السابق حسني مبارك.
الحضور الإعلامي للثورة
تكشف دراسة الإعلام الدولي بمختلف أدواته "صحف، وكالات أنباء، شبكات تليفزيونية، وسائط إلكترونية" عن حضور إعلامي "لافت" و"طاغ" للثورة المصرية في غالبية الدوائر الإعلامية الدولية (الأمريكية والكندية، والأوروبية، والإسرائيلية، والعربية، والأفريقية، والأسيوية) اتسم بأعلى درجات الإيجابية حيث وصفت افتتاحيات كبريات الصحف العالمية ثورة مصر والمصريين بشكل عام بسمات يندر أن نجدها في الإعلام الغربي، وذلك بالتوازي مع اهتمام متنام من قبل العديد من مراكز البحوث والدراسات العالمية، مثل معهد "كارنيجي" ومؤسسة "بيو" ومعهد "واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، هذا الاهتمام العالمى كرّس لحقيقة مفادها أن الثورة مثلت علامة فارقة في تاريخ مصر والشرق الأوسط، وهو ما يمكن اعتباره بمنزلة دعاية "مجانية" عن مصر في الخارج، وأداة من أدوات تغيير صورة مصر بتراكماتها السلبية في مرحلة ما قبل الثورة التي ارتبطت ببعض الأحداث ذات الدلالات السلبية مثل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحوادث العنف الطائفي في بعض الفترات.
دور الجيش المصري
سلط الباحث الضوء على الدور الذي لعبته القوات المسلحة المصرية في حماية الثورة وانحيازها إلى إرادة الشعب، وهو ما أكسب الجيش مزيداً من التقدير وضاعف رصيد الاحترام على المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي انعكس في هذا الزخم الإعلامي عبر مضامين ومعالجات أجهزة الإعلام الدولي لدور المؤسسة العسكرية في الثورة، سواء من خلال تعاملها الراقي والحضاري، وممارسة أعلى درجات الانضباط الوطني خلال الثورة وقبل وعقب تنحي الرئيس "مبارك"، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية المفصلية الراهنة.
وعزى ذلك التوجه الايجابي في التناول الإعلامي لدور الجيش إلى جملة من الأسباب:
أولاً: الدور التاريخي للجيش المصري والنظر إليه باعتباره العمود الفقري للدولة المصرية الحديثة.
ثانياً: الموقف الايجابي للجيش من الثورة وتعهده باحترام مطالبها.
ثالثاً: تفاعل المؤسسة العسكرية مع الأحداث المتسارعة عبر بيانات أزالت الكثير من اللبس حول بعض القضايا، وأبرزها موقف مصر من المعاهدات الدولية، مما ساهم في خلق درجة عالية من الثقة والطمأنينة في الأوساط الدولية.
رابعا: موقف الجيش من التحول الديمقراطي، وتعهده بانتقال سلس للسلطة إلى سلطة مدنية، وقد انعكس ذلك في رعايته وإدارته لعملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أول اختبار ديمقراطي حقيقي نال تقديرا إعلاميا ملحوظا، وهو أمر خالف الكثير من القراءات التي كانت تتحدث عن انقلاب عسكري.
خامسا: تركيبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي تضم خبراء على أعلى مستوى في كافة المجالات، أخذوا على عاتقهم إدارة مرحلة والتغيير تحديد إطارها ليسلم الإدارة بعد ستة أشهر إلى المدنيين.
ورغم الطابع الايجابي العام في التغطية الإعلامية، إلا أن التناول الموضوعي كشف اهتمام بعض مصادر الإعلام - وبخاصة الأمريكي، والبريطاني - بمناقشة جوانب سلبية مختلفة للشأن المصري، جاء على رأسها اتهامات للجيش بالسعي للحفاظ على سلطته وامتيازاته، وانتقادات حول أسلوب إدارته المرحلة الانتقالية في مصر.
تفاعلات مرحلة ما بعد (25) يناير
حرصت الدراسة على سبر أغوار المعالجات الإعلامية الدولية راصدة التمايز الإعلامي الذي أفرز عدداً من القضايا الداخلية وأخرى ذات بعد إقليمي ودولي أضحت مثار ومحور الاهتمام بمستقبل مصر بعد الثورة، منها ما هو سياسي، خاصة ما يتعلق بآفاق التحول الديمقراطي الذي تعايشه البلاد، والجدل الذي واكب عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهاجس صعود وبروز التيارات الدينية على الساحة السياسية ودورها المرتقب.. واقتصادي، ركز بالضرورة على مستقبل الاقتصاد المصري في ضوء ضبابية الرؤية بشأن ملامح السياسات الاقتصادية فيما بعد الثورة، ولُوحظ في هذا الصدد تبني الصحافة الأمريكية اتجاها تحذيريا من تدهور الوضع الاقتصادي، وعقبات تعتري مناخ الاستثمار والأعمال في مصر.. ولم يكن الملف الأمني بمنأى عن هذا كله في ظل حالة الانفلات الأمني التي أعقبت الثورة، إلى الحد الذي دفع صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية إلى التلميح برغبة بعض المصريين في استمرار العمل بقانون الطوارئ - ذي السمعة السيئة – وذلك لأسباب تتعلق بضرورة استرجاع الأمن المفتقد بما يعكس تزايد الشعور بالخوف بسبب الافتقاد إلى الأمان.
على جانب آخر شغلت توجهات السياسة الخارجية المصرية الجديدة، وفي القلب منها ملفي العلاقات مع إيران وإسرائيل، حيزاً من اهتمامات وسائل الإعلام العالمية التي رجحت استعادة مصر دورها الريادي كفاعل أساسي في منطقة الشرق الأوسط بما تلمسه من تحول جار في مسار الدور الإقليمي المصري، ومؤشرات تعكس رغبة مصرية في صياغة أجندة خارجية مستقلة .
وبالنسبة لإسرائيل، يمكن القول إن مستقبل اتفاق السلام مع مصر كان هو الشغل الشاغل للإعلام الإسرائيلي، إضافة إلى ملف الغاز، حيث ساد ترقب حذر للأوضاع في مصر وتوقع أي سيناريو مفاجئ بما فيه احتمالات وصول نظام أصولي لسدة الحكم، وسط اتجاه عام بأن أُفول نظام "مبارك" في مصر وضع إسرائيل في مشكلة إستراتيجية وهي: أن تبقى تقريبا بدون أصدقاء في الشرق الأوسط.
التعديلات الدستورية
رغم حالة الجدل التي واكبت طرح والاستفتاء على التعديلات الدستورية إلا أن الخطاب الإعلامي تجاه مسار تلك العملية برمتها اتسم بشكل عام بالايجابية، وضعاً في الاعتبار ما تمثله هذه الخطوة من دلالات على صعيد مسار الانتقال السلمي الديمقراطي في مصر.
وفى هذا الإطار رصدت الدراسة مناقشة الإعلام الدولى لهذه القضية ، حيث جاءت غالبية المعالجات بسمات ايجابية ، تكشف عن مرحلة جديدة للتطور الديمقراطى فى مصر.
وأخيراً تنبع أهمية هذه الدراسة من جملة اعتبارات موضوعية وعلمية، فهي تمثل بداية اقتراب علمي لإبراز موقف الإعلام الدولي من الثورة المصرية، وصولاً إلى فهم الصورة الجديدة لمصر في الأوساط الإعلامية، فيما أضاف التركيز على محاور التناول الإعلامي الدولي في رصده للتطورات على الساحة المصرية في أعقاب الثورة بعداً مهما آخر وصولاً إلى بناء إستراتيجية إعلامية وطنية مستقبلاً، تستفيد من مكتسبات الثورة إعلاميا ودوليا، وتسهم في تحسين صورة مصر على الساحة الدولية في العهد الجديد، وذلك إضافة إلى كونها تندرج تحت توصيف "التوثيق الإعلامي والسياسي" لهذه الحقبة المهمة من تاريخ مصر.
مصدر المقالة : الهيئة العامة للاستعلامات
المؤلف: رمضان قرني محمد
الناشر : الهيئة العامة للإستعلامات - القاهرة
الحجم : 1 م.ب.
عدد الصفحات : 206
معاينة الكتاب : Archive
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق