الأربعاء، 14 يناير 2015

جنة الحيوان لـ طه حسين

الكتاب يطرح بعض مشاكل الإنسان والمجتمع المصري في قوالب نقدية مستخدما المقارنات مع حياة الحيوانات ومع احداث تخيلية من حياة البشر، اما اسلوب طه حسين في صياغة الافكار يتميز بالبلاغة وكثيرا ما كان يستعين بأمثلة من الشعر الأندلسي أو من سيرة أبو العلاء المعري وسير قدماء العرب والقرآن الكريم،
ما يميز الكتاب أيضا رسوم الفنان التشكيلي عفت ذات الطابع الخيالي.

مقدمة


كان مشرق الوجه باسم الثغر خفيف الحركة فصيح اللسان لا يكاد يجلس إلى احد أو يجلس اليه احد الا احس جليسه منه قلبا يضطرب تحمسا للإصلاح و نفسا تتوثب إلى المثل العليا و عقلا لا يرى حوله الا شرا و لا يريد ان يطمئن أو يستقر الا اذا ازيل هذا الشر و محيت اثاره و معالمه و قام مقامه هذا الخير المطلق الذي يشمل كل انسان و كل شيء و الذي يسبغ على من يشمله و ما يشمله جمالا حلو جنة الحيوان هادئا و لكنه قوي ملح كأنه ضوء الشمس لا يمنح الاشياء و الاحباء جمالا و بهاء فحسب و لكنه يبعث فيها و فيهم حياة و خصبا و قوة و نشاطا .
و كان تحمسه للإصلاح و طموحه إلى الخير و دعاؤه إلى العدل يخرج به احيانا كثيرة عن طوره و يتجاوز به الهدوء المألوف إلى شيء من العنف لم يكن المصريون يعرفونه في ذلك الوقت ، و اذا هو لا يستقر في مكانه مهما يكن هذا المكان في دار أو ناد أو قهوة أو ديوان و انما يثب من مجلسه ثم لا يثبت في مقامه ؛ ليتحدث إلى من حوله كما يتحدث الخطيب ، و انما يذهب و يجئ و يأتي من الحركات بيديه ما كان يخيف جلساءه على ما قد يكون حوله من الاشياء و اذا آية الغضب تظهر في وجهه قوية حادة فيظلم بعد اشراق و يعبس بعد ابتسام و يتطاير من عينيه المضطربتين شرر مخيف و ينفجر من فمه صوت هائل يهدر بالجمل التي تتابع سراعا في مثل قصف الموج و عصف الريح العاتية و اذا اصحابه يأخذهم شيء من الدهش لا يلبث ان يستحيل إلى وجوم متصل و ذهول غريب لا يدرون أهما يصوران الاعجاب و الرضى ام هما يصوران الانكار و السخط ام هما يصوران الحذر و الخوف .
و كان من الحق ان يحذروا أو يخافوا فلم تكن الامور في ذلك الوقت تجري في مصر كما أخذت منذ كان في مصر استقلال و حرية و دستور و برلمان و انما كانت الامور تسعى متعثرة لا تكاد تنهض الا لتكبو و لا تكاد تمضي الا لتقف فقد كان في مصر احلال اجنبي يتغلغل سلطانه الظاهر في جميع المرافق العامة و الخاصة و كان في مصر سلطان وطني شديد الارتياب عظيم الاحتياط كثير التلون يميل إلى المواطنين مرة و إلى المحتلين مرة أخرى و يحاول أحيانا ان يرضي أولئك و هؤلاء فلا يظفر الا بغضب أولئك و هؤلاء .
و كان هذا كله يفسد الجو المصري و يجعله خانقا منهكا للقوى ؛ لأن الناس كانوا موضوع النزاع بين هاتين السلطتين لا يكادون يرضون إحداهما الا و في نفسهم اشفاق من الاخرى و كان لكل واحدة من هاتين السلطتين عيونها و جواسيسها قد انبثوا في الأندية و القهوات و الدواوين و اندسوا في المجالس الخاصة . فهم يحصون على الناس ما يقولون ، ثم يصورونه كما يحبون .

بيانات الكتاب

الاسم : جنة الحيوان
المؤلف : طه حسين
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 119
الحجم : 1.5 ميجا
تحميل كتاب جنة الحيوان

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق