‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي السادس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي السادس. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

النظرية النقدية الكنزية

تمهيد:
تقوم النظرية النقدية الكينزية على مبادئ وأسس تختلف في جوهرها عن تلك الأفكار والقوانين التي اعتمدها تحليل التقليديين في بناء النظرية النقدية.
1- الأوضاع التاريخية و الاقتصادية لميلاد النظرية النقدية الكينزية:
أ- أزمة نظام قاعدة الذهب: بدأت صعوبات تطبيق النظريات الاقتصادية التقليدية مع الحرب العالمية الأولى، وتجلى ذلك على الخصوص في عيوب نظام النقد الذهبي (نظام المسكوكات) الذي كانت تسير عليه جل دول العالم نتيـجة استنفاذ احتياطاتها من الذهب، لأغراض تمويل الحرب، ولم تشفع العودة إلى هـذا النظام(نظام السبائك) في سنة 1925 ، فنهـار هذا النظام تحت وطأت أزمة الكساد العالمي (29- 1933) .
ب_أزمة الكساد العالمية: كانت أزمة الكساد قد ألقت بثقلها على معظم الدول الرأسمالية ،خاصة الأوروبية منها ،فتوقفت الآلة الإنتاجية، نتيجة ضعف الطلب الكلي عن العرض الكلي للإنتاج، مما أدى إلى غلق معظم المؤسسات المالية والإنتاجية، وإفلاس العديد منها، نتيجة تحقيق خسائر معتبرة، فادى ذلك إلى ضعف دافع الاستثمار، فكانت النتيجة الحتمية والمباشرة لذلك، تصريح العمال، وانتشار البطالة، فبعدما كانت لا تتعدى البطالة في أوروبا سنة1926 بنسبة2%،وصلت نهاية سنة1933 إلى حوالي25%. أما الأسعار فعرفت انخفاضا محسوسا، تجاوز60% خلال سنوات الأزمة. وهو ما اثر على أرباح المستثمرين،وعلى دخل كل أفراد المجتمع من عمال ومنظمين ومستثمرين.

2- فرضيات التحليل الكينزي:
قام التحليل الكينزي على فرضيات تختلف تماما على فرضيات التقليديين، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
- كان لـ"كينز" الفضل في إنقـاذ النظام الرأسمالي مـن الانهيـار بسبب أزمة الكساد التي حلت به ،ومنه تخليص الفكر التقليدي من الأخطاء التي وقع فيها، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخـدمها والوسائل التي استحدثها، فكانت نظريته بمثابة ثروة في علم الاقتصاد، وثورة على الفكر الاقتصادي التقليدي الرأسمالي والفكر الاشتراكي .
- منذ البداية كان تحليل"كينز" تحليلا نقديا بحتا، حيث عمل على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي، بخلاف التقليديين الذين عملوا على الفصل بينهما.
- إعتبر أن سعر الفائدة ظاهرة نقدية تتحدد بعرض النقود والطلب عليها ، وهي لا ترتبط مباشرة بين الادخار والاستثمار عند مستوى التوظيف الكامل كما ترى النظرية التقليدية.
- وجه"كينز" اهتمامه إلى دراسة الطلب على النقود(نظرية تفضيل السيولة) وذهب إلى أن الأمر ليس البحث في العلاقة بين كمية النقود والمستوى العام للأسعار، وإنما البحث في العلاقة بين مستوى الإنفاق الوطني والدخل الوطني، وأوضح أن الأفراد قد يفضلون الاحتفاظ بالنقود لذاتها (تفضيل السيولة)، والسبب أن للنقود دوافع منها المعاملات والاحتياط و المضاربة.
- قام"كينز" بتحليل الطلب على النقود كمخزن للقيمة (دافع المضاربة) وتحليله هذا هو ما يميزه حقا على تحليل التقليديين.
- جاء "كينز" بنظرية عامة للتوظيف، فهي تتميز عما سبقها من نظريات العمالة ،إذ تعالج كل مستويات التشغيل، بينما تعنى النظرية الكلاسيكية بدراسة حالة خاصة هي حالة التشغيل الكامل، وتؤمن بانها هي الحالة العامة،. و أوضح "كينز" أن الحالة الغالبة من التوظيف هي تحقيق مستوى يقع دون التوظيف الكامل.
- اهتم"كينز" بالتحليل الكلي للمعطيات الاقتصادية،ولم يول اهتماما كبيرا بالجزئيات، فالظواهر العامة التي يستخدمها في تحليله تدور حول المجامع،كحجم التشغيل العام، الدخل الوطني، الإنتاج الوطني، الطلب الكلي والعرض الكلي، الاستثمار الكلي وادخار المجتمع الخ…
- رفض "كينز" في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون"ساي" وبين عدم وجود قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث اختلال.كما أقر بحدوث التوازن عند أي مستوى من مستويات التشغيل، وعلى ذلك طالب بضرورة تدخل الدولة لعلاج أسباب الأزمات التي قد تعترض الاقتصاد الوطني، فعمل على تحديد معالم السياسة الاقتصادية الجديدة التي ينبغي أن تتبع حتى يصل الاقتصاد إلى التوظيف الكامل ،ويتحقق التوازن للدخل الوطني. ولعلاج ذلك يرى كينز انه من الضروري تدخل الدولة عن طريق السياسة المالية والرفع من مستوى الإنفاق العمومي والسياسة النقدية بزيادة المعروض النقدي، أو ما يسمى سياسة النقود الرخيصة والتمويل عن طريق التضخم.
- -اهتم "كينز" بفكرة الطلب الكلي الفعال (الطلب الكلي الفعال هو ذلك الطلب على مختلف السلع الإستهلاكية والسلع الإستثمارية المدعم أو المصحوب بقوة شرائية) لتفسير أسباب عـدم التوازن التي وقع فيها النظام الرأسمالي في أزمة الكساد، فهـو يرى أن حجم الدخل الوطني، إنما يتـوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال. وذلك كما هو مبين في المخطط التوضيحي.
 
 
 
 
 
 
 - نظرية الاستثمار والادخار والدخل:
أ- العلاقة بين الاستثمار والادخار والدخل: لقد ابتعد"كينز" في تحليله لنظـرية الفائـدة عـن تحليل التقليديين، فقد عالج التقليديون هـذا الموضـوع من مدخل نظرية كمية النقود، أما "كينز" فمدخله كان الدخل الوطني من تحليله لمفهوم الاستثمار، ولتوضيح العلاقة بين الاستثمار والادخار والدخل، نستعمل الرموز التالية: ( Y):الدخل، (I):الاسـتثمار،(S):الادخـار،(Q): الإنتـاج ،(C) الاستهلاك. وعليه فنظرة "كينز" لهـذه العلاقـة تظهـر في المعادلة التالي:
الدخل= قيمة الإنتاج Y = Q…..(1)
الدخل= الاستهلاك + الاستثمار Y = C + I ….(2)
الاستثمار= الدخل – الاستهلاك I = Y - C ….(3)
الدخل= الاستهلاك + الادخار Y = C + S ….(4)
الادخار= الدخل – الاستهلاك S = Y - C ….(5)
و من المعادلة (3)و (5) نجد: الاستثمار= الادخار S = I
من هذا الاستنتاج يتبين أن" كينز" لم يأت بجديد على تحليل التقليديين، حيث سلم بشيء من الغموض أن الادخار الكلي يساوي الاستثمار الكلي ، وعليه بات الاختلاف بينهما في الأسباب دون النتائج . فأي زيادة في الادخار تؤدي إلى زيادة في الاستثمار ، إلا أن ما أضافه "كينز" في نظريته هو البحث عن تحديد من هو المتغير التابع ، ومن هو المتغير المستقل ، فتوصلت النظرية التقليدية ببداهة مطلقة إلى أن الادخار يؤثر مباشرة في الاستثمار ، أما "كينز" فتوصل إلى عكس ذلك ،فجعل الاستثمار هو الذي يؤدي تلقائيا إلى الادخار من خلال ما يحدثه الاستثمار من تغير في الدخل عن طريق مضاعف الاستثمار .
ب- نظرية مضاعف الاستثمار: تقوم نظرية " كينز" في مفهومها العام على أن التغير في كمية النقود، يؤثر على الاستثمار الذي بدوره يحدد مستوى الدخل و الإنتاج و التشغيل، وذلك عن طريق ما يسمى بمضاعف الاستثمار والذي يقصد به ذلك المعامل العددي الذي يبين مدى الزيادة الكلية في الدخل الوطني و التي تتولد عن حدوث زيادة في الاستثمار المستقل، ذلك أن الميل الحدي للاستهلاك يلعب دورا أساسيا في تحديد قيمة مضاعف الاستثمار ، و لتوضيح هذه الفكرة رياضيا نقوم بما يلي .
فإذا رمـزنا لمضاعف الاستثمار(T) ، والزيادة في الاستثمار (dI) و الزيادة في الدخل (dy) ، والزيادة في الاستهلاك (dC). ولما كان مضاعف الاستثمار يعتمد على الميل الحدي للاستهلاك وحيث أن هذا الأخير يقاس بالنسبة بين التغير في الاستهلاك (dC) إلى التغير في الدخل (dY)، وبما أن العلاقة بين المضاعف والميل الحدي للاستهلاك هي علاقة طردية فكلما ارتفع هذا الأخير، ارتفع المضاعف ،و العكس صحيح ،أي أن المضاعف يتناسب عكسيا مع الميل الحدي للادخار. ويمكن توضيح ذلك رياضيا على النحو التالي :
بما أن المضاعف : d Y = T. d I …(1)
T = dY /d I ….(2)
و لما كان Y = C + I
فان d Y = d C + d I …(3)
أو d I = d Y - d C…(4)
و بقسمة طرفي المعادلة (4) على d Y نحصل على المعادلة التالية :
d I /d Y = 1 – d C/d Y…(5)
و بقسمة 1 على كل من الطرفين للمعادلة (5) نحصل على المعادلة الآتية:
d Y / d I = 1 / 1- d C/d Y…(6)
أي أن مضاعف الاستثمار: الميل الحي للاستهلاك / 1- 1 T =
ولما كان الميل الحدي للادخار = 1 – الميل الحدي للاستهلاك، فان مضاعف الاستثمار: الميل الحدي للادخار / 1 T = ، أي أن المضاعف يساوي مقلوب الميل الحدي للادخار .
وتظهـر الدراسة أهمية نظـرية المضاعف في الواقع العملي ذات آثر بالغة ، حيث تسمح لنا بشكل عام أن نعرف إذا ما قامت المشروعات المختلفـة بزيادة إنفاقها الاستثماري ، و كانت هناك طاقات إنتاجية معطلة في الاقتصاد ، فمن المتوقع أن يترتب على ذلك حـدوث زيادة أكبر منها في الإنتاج و الدخل و العمالة ، كما يمكننا معرفة مقدار الزيادة في الاستثمار و الميل الحدي للاستهلاك الخاص بالمجتمع ( أو الميل الحدي للادخار )، أن نقدر مقدار الزيادة التابعة في الدخل الوطني.

4- تفضيل السيولة:
أ- عرض النقود: نقصد بعرض النقود تلك الكمية من النقود المتوافرة في فترة زمنية معينة ، و التي تتحدد عادة من قبل السلطات النقدية، أو هي الكمية النقدية المتمثلة في وسائل الدفع بجميع أنواعها . ومن ثم يمكن التمييز في المعروض النقدي بين ثلاثة مفاهيم أساسية:
1- المفهوم الضيق (M1):يعرف بمجموع وسائل الدفع و يشتمل على النقود الورقية الإلزامية و النقود المساعدة و الودائع الجارية الخاصة ، وهي كلها أصول نقدية تتمتع بسيولة عالية جدا .
2- المفهوم الواسع (M2): تعرف بالسيولة المحلية الخاصة ، وتشتمل على (M1)مضافا إليها الودائع لأجل وودائع الادخار قصيرة الأجل بالبنوك وودائع التوفير لدى صناديق التوفير ،و هي أقل سيولة من (M1).
3- مفهوم السيولة المحلية (M3): وتشتمل على (M2)السيولة المحلية الخاصة زائد الودائع الحكومية لدى البنوك كالسندات وأذون الخزانة ، وهي أقل سيولة من (M2).
ب- الطلب على النقود: يقصد "كينز" بتفضيل السيولة الدوافع التي تحمل الفرد ( المشروع ) على الاحتفاظ بالثروة في شكل سائل (نقود)، و يعبر عنها بالدوافع النفسية للسيولة ، وهي أن رغبة الأعوان الاقتصادية في حيازة أرصدة نقدية يرجع إلى كون النقود بمثابة الأصل الأكثر سيولة ، نظرا لأنها تمثل الأصل الوحيد الذي يمكن تحويله إلى أي أصل آخر في اقصر مدة وبدون خسارة ، أو الأصل الوحيد الذي لا يحتاج إلى إسالة (1). ويرجع "كينز"دوافع الطلب على النقود (تفضيل السيولة )إلى ثلاثة أغراض :
1-دافع المعاملات (الطلب على النقود لغرض المعاملاتdT): يقصد بدافع المعاملات (المبادلات ) رغبة الأفراد في الاحتفاظ بنقود سائلة للقيام بالنفقات الجارية خلال فترة المدفوعات ، أي الفترة التي يتقاضى فيها الشخص راتبه الدوري ، ورغبة المشروعات في الاحتفاظ بالنقود السائلة لدفع نفقات التشغيل من ثمن المواد الأولية و أجور العمال والنفقات الضرورية لسيرورة المشروعات كإيجارات العقارات و غير ذلك (تمويل راس المال العامل). والعامل المهم والأساسي الذي يعتمد عليه الطلب على النقود لهذه الغرض هو الدخل، باعتبار أن العوامل الأخرى (العام للأسعار ،و مستوى العمالة ..) لا تتغير في العادة في مدة قصيرة، فالطلب على النقود لغرض المعاملات هو دالة لمتغير الدخل أي: dT = f (Y)
2-دافع الاحتياط (الطلب على النقد لغرض الإحتياطd p): يقصد بدافع الاحتياط (الحيطة)رغبـة الأفـراد (المشروعات)في الاحتفاظ بنقود في صورة سائلة لمواجهة الحـوادث الطارئة و غير المتوقعـة كالمـرض و البطالة ،أو الاستفادة من الفرص غير المتوقعة كانخفاض أسعار بعض السلع. والعامل الأساسي الذي يتوقف عليه هذا الدافع هو مستوى الدخل، باعتبار العوامل الأخرى (كطبيعة الفـرد و الظـروف النفسية المحيطة بـه ودرجة عـدم التأكد السائـدة في المجتمع (فترة الأزمات )...) لا تتغير عادة في المدة القصيرة. وعلى ذلك فالطلب على النقود بدافع الاحتياط هو دالة لمتغير الدخل أي dp = f(Y).


3- دافع المضاربة: ويعني إحتفاظ الأفراد بأرصدة نقدية بالبنوك انتظارا للفرص السانحة التي تحقق لهم أرباحا نتيجة التغير في أسعار الأوراق المالية في البورصات(الأسواق المالية) ،حيث ترتفع قيمتها أو تنخفض وفقا لتغيرات أسعار الفائدة في السوق النقدي .أي أن الأفراد يفاضلون بين التنازل في الحاضر عن فائدة مالية بسيطة انتظار فائدة أكبر قيمة في المستقبل.إن الطلب على النقود بدافع المضاربة سيكون شديدة المرونة بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة بحيث تقوم علاقة عكسية بين دالة الطلب على النقود لغرض المضاربة وبين سعر الفائدة ،ويمكن كتابة ذلك رياضيا ،فاذا رمزنا(d s) للطلب على النقود لغرض المضاربة، نحصل على العلاقة التالي : ds = f( R)

النظرية الكينزية

نصب تحليل كينز على تفضيل السيولة باعتبارها عامل من عوامل الطلب المباشر أو الطلب الذاتي على النقود حيث تخطى كينز أفكار أساتذته بكامبردج فيما يختص بتحليل تفضيل السيولة حيث اعتقد كينز أن تفصيل السيولة إنما يرتبط ارتباطا عكسيا بالتغير في مستوى أسعار الفائدة مستندا في ذلك على الواقع العملي لقد أرجع كينز تفضيل السيولة .(الطلب على النقود لذاتها إلى 3عوامل نفسية :
- الطلب على النقود لغرض المعاملات
- الطلب على النقود لغرض الاحتياط
- الطلب على النقود لغرض المضاربة
و بشكل عام فان الطلب على النقود غرض الاحتياط لا يعتبر مستقلا عن الطلب على النقود لغرض المعاملات بل هو مكملا له أن ناتجا منه ذلك أن الطلب على النقود لغرض الاحتياط يقصد منه التأكد من إتمام المعاملات الطارئة
1-
الطلب على النقود لغرض المعاملات : يستمد دافع المعاملات وجوده من وظيفة النقود كوسيلة للتبادل حيث يتم استخدام النقود ني تسوية المبادلات و دافع المعاملات يقصد به رغبة المتعاملين الاقتصاديين سواء كانوا أفراد أو مؤسسات في الاحتفاظ بقدر معين من النقود في شكلها السائل بغية مواجهة نفقاتهم الجارية و يعتبر هدا الدافع من أهم و أكثر الدوافع انتشارا لطلب على النقود و يتعلق هدا الدافع بحاجة كل من القطاع العائلي و قطاع الأعمال للنقود سواء لتحقيق المعاملات الجارية أو التجارية ولذا أرجع كينز هذا الدافع إلى سببين :
أ-
دافع الدخل: فمن المعروف أن الأفراد يتسلمون دخولهم في نهاية فترة زمنية معينة و لذا نجد أن هناك فترة تقضى ما بين سلم هؤلاء الأفراد لدخولهم و بين إشباعهم لحاجيتهم أي أن هناك فاصل زمني ما بين استلام الدخل و إنفاقه في صورة إنفاق جاري
في خلال هذا الفاصل الزمني لابد للأفراد أن يحتفظوا بمقدار معين من النقود في صورة سائلة لتحقيق طلباتهم العاجلة
ب-
دافع المشروع: و هدا الدافع يتعلق بسيولة المشروع فمن المعروف أن هناك حد أدنى من السيولة لابد أن يحتفظ به المشروع لكي يستطيع مواجهة طلباته العاجلة و إلا فقد سيولته و من تم فان جميع المشروعات تحتفظ بجزء من أموالها في صورة سائلة كهامش أمان تستطيع أن تحقق به توازن هياكلها المالية
و نلخص من ذلك أن الطلب على النقود لهدا الغرض يتوقف على مستوى الدخل القومي بمعنى إن زيادة مستوى الدخل القومي سوف يسمح بتحقيق مستوى مرتفع من العمالة و هذا يؤدي إلى زيادة الإنتاج و من تم زيادة دخول الأفراد و تولد دخول جديدة مم يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي الفعال و هذا معناه زيادة الطلب على النقود بغرض المعاملات الجارية و التجارية
و عليه يمكن استنتاج أهم العوامل المساهمة قي تحديد الطلب على النقود لغرض المعاملات هي:
-
فترة الدفع (سرعة التداول ) :كلما كانت فترة الدفع كبيرة تؤدي إلى ازدياد الطلب على النقود لغرض المعاملات
-
درجة التكامل بين المشروعات: كلما ازدادت كلما قل الطلب على النقود لإجراء المعاملات فيما بين تلك المشروعات و العكس
-
حجم المعاملات: بحيث كلما ازداد حجم المعاملات ازداد الطلب على النقود لاتمام هذه المعاملات

2
/ الطلب على النقود لغرض الاحتياط : يرجع أساسا إلى ظاهرة عدم التأكد إلى تلازم الحياة الاقتصادية و هذه الظاهرة تكون على مستويين : المستوى الأول : تتعلق بلحظة الإنفاق فالاحتياطات النقدية تسمح بمواجهة المصروفات الغير المنظورة و اهتمام المشروع بلحظة الإنفاق هو ما يفسر ضرورة الاحتفاظ بمبالغ نقدية في الصندوق و يعتمد الطلب على النقود بدافع الاحتياط على مستوى الدخل شأنه في ذلك شأن الطلب على النقود بدافع المعاملات وجود علاقة طردية و يمكن القول أن الطلب على النقود بدافع الاحتياط يعتمد على الدخل و سعر الفائدة

3 / الطلب على النقود لغرض المضاربة :إن هدا العامل ينبع من الشعور بعدم التأكد شأنه في ذلك شأن دافع الاحتياط إلا أنه بالنسبة لعامل المضاربة فان عدم التأكد ينصب أساسا على التغيرات في أسعار الفائدة السائدة و منه نجد أن تفضيل السيولة من أجل المضاربة ارتباطا عكسيا بمستوى أسعار الفائدة السائد
إن توقع ارتفاع الأسعار يدفعه لتخلي عن السيولة و توقع زيادة سعر الفائدة يجعله تحتفظ بقدر من السيولة يتحقق التوقع
نلخص من أن تفضيل السيولة من أجل المضاربة إنما يرتبط أساسا بعامل عدم التأكد و توقع حدوث تغيرات في أسعار الأوراق المالية و أسعار الفائدة السائدة
التوازن النقدي عند كينز: يقرر كينز في هذا المجال أن التغيرات في مستوى النشاط الاقتصادي ينشأ نتيجة لقيام رجال الأعمال بتعديل خططهم الاستثمارية فيرتفع مستوى النشاط الاقتصادي إذا قرروا زيادة الاستثمار و العكس صحيح
و لمعرفة التأثيرات التي يتعرض لها الدخل من جراء التغيرات في كمية النقود
1- ثبات دالة التفضيل النقدي
2-تبات الكفاية الحدية لرأس المال
3-تقرير السلطات النقدية زيادة كمية النقود المتداولة
بناءا على هذه الافتراضات يمكن تباين أثار زيادة كمية النقود وفقا لما يلي :
أ-انخفاض سعر القائدة نتيجة لزيادة عرض النقود المخصصة لغرض المضاربة
ب-إن انخفاض سعر الفائدة يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستثماري على اعتبار أن سعر الفائدة يعتبر تكلفة للاستثمار و بتالي بانخفاض هذه التكلفة يزداد الإنفاق الاستثماري
ج - يترتب عن زيادة الإنفاق الاستثماري زيادة في الدخل (بفعل مضاعف الاستثمار) إلى أن يصل إلى المستوى بتوازني و هو ذلك المستوى الذي تتحقق فيه زيادة في المدخرات تعادل الزيادة الأولية في الاستثمار
ولقد حاول (هيكس) تحديد الشروط اللازم توقرها في المستوى بتوازني للدخل عن طريق إيجاد علاقة بين سعر الفائدة والدخل النقدي و هذه العلاقة تنشأ في نوعين من الأسواق:
1-السوق النقدي
2-السوق السلعي
وشرط التوازن العام هو تمتع كل من هذين السوقين بالتوازن على اعتبار أنه لو حدث اختلال في أحد السوقين لا بد و أن ينعكس ذلك في
السوق الثاني
حيث أن شرط التوازن في السوق النقدي هو التعادل بين كمية النقود والتفضيل النقدي أما شرط التوازن في السوق السلعي فهو التعادل بين الادخار و الاستثمار وبذلك فان المستوى التوازني للدخل النقدي يتحدد عندما يتوفر الشرطان معا:
أ/ التعادل بين التفضيل النقدي وكمية النقود المتداولة
ب/التعادل بين الادخار و الاستثمار
التوازن العام : لابد أن يتوفر الشرطان معا لكي يتحقق هذا التوازن

1
-التوازن في الأجل القصير: و هو التعادل بين التفصيل النقدي و كمية النقود المتداولة ( أي تعادل بين الطلب على النقود و عرض النقود ) .
2
-التوازن في الأجل الطويل : و هو التعادل بين الادخار و الاستثمار

الأحد، 3 يونيو 2012

عن القبائل والأضرحة الجديدة


رشيد الحاحيبيان اليوم : 03 - 06 - 2012

يرتبط مفهوم النسب الشريف في المغرب، وفي التمثلات والثقافة السائدة مند عدة قرون، بتلك الشجرة السلالية التي اعتمدها العديد من متزعمي وحماة النسب «الشريف» لربط أسمائهم وأنسابهم وتاريخهم العائلي بأصول دينية واجتماعية متميزة، حيث يعتبرون أن هذا النسب أللاجتماعي والرمزي يخول لهم عبر مدخل الصفوة والبركة التميز عن عامة الشعب، والاستفادة من فرص التواجد في مختلف وأعلى مراتب الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية في الدولة والمجتمع.
كما يرتبط مفهوم الضريح بتقديس الموتى وبتلك الشعائر والزيارات والمواسم التي تقام حوله، وبصندوق الإتاوات الذي يستغله القائمين على المزار والساهرين على قدسيته وهالته وإكرامياته. أما القبيلة فتحيل على شكل تنظيمي وبنية علاقات مرتبطة بالعرق والنسب والوحدة السلالية، وتتكتل وتبرز هذه العلاقات من خلال الحرص على المصالح ومواجهة الخصوم والدفاع عن الكيان القبلي.
لكن ليس موضوع كتابتنا هذه تحليل تاريخ وبنية القبيلة و»الشرف» والأضرحة في شكلها الاجتماعي والسياسي التقليدي، فما نسعى إليه من خلال مقالنا هذا هو معاينة كيف امتدت بنية وأشكال القبيلة والضريح و»الشرف» وحمولتها الرمزية إلى مجالات الحياة والمؤسسات العصرية، من خلال ما يرتبط بها من سلوكيات وبنية علاقات وطقوس الانخراط والترقي وأشكال تقديم الإتاوات... ، حيث يمكن النظر إلى العديد من أشكال التنظيم والعمل السياسي والمدني والاقتصادي، وبنية العلاقات وطقوس المؤسسات العصرية كاستمرار وتمظهر لثقافة الأضرحة والقبائل والزوايا.
لم تعد تسمح تحولات المجتمع وبنية العلاقات القائمة باستمرار نفس نمط التبادل ومشروعية الشرف والأضرحة التقليدية وبنفس الدرجة والشكل السابق، ولم تعد توظيفات النسب الشرفاوي والعلاقات المرتبطة به تقتصر على بعض العائلات ذات الحضور الاجتماعي في البوادي والأوساط البعيدة عن المراقبة المباشرة للمراكز الحاكمة، ومجالات نفوذ الزوايا والأضرحة والمزارات، كما كان ذلك سابقا
هذا رغم أن إطار الامتياز الرمزي والسيادي لهذه الأنساب وأبعاده الاجتماعية والسياسية، لا يزال يشتغل على مستوى المتخيل السياسي والاجتماعي وآليات تدبير السلطة، حيث لا تزال علاقات الإتاوات والامتياز الرمزي والاستغلال قائمة، وعلى مستويات عليا في البلاد. بل أن جوانب عديدة من المشهد السياسي والحياة الاقتصادية والثقافية في المغرب، وعلاقاته الدولية، تبقى مؤطرة بامتداد وخلفيات هذا الانتساب الذي يبحث له عن مشروعية اجتماعية وثقافية تصل حد المقدس من خارج أرض وموطن الانتماء.
فبنية المتخيل الشرفاوي وما يرتبط به من قدسية النسب وثقافة الضريح وصندوق الإتاوة وتنظيم الموسم... وغيرها من السلوكات والطقوس، لم تعد تقتصر على مجال الحياة الاجتماعية التقليدية، بل أنها تسربت كأنموذج ثقافي إلى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية المعاصرة، حيث صرنا نشاهد فئات «الشرفاء الجدد» الذين يستمدون امتيازهم الريعي من انتسابهم العائلي والفئوي الذي يؤسس «لسلاليتهالجديدة» انطلاقا من الوضع الهيمني والحضور الاستحواذي لهذه العائلات والمجموعات المصلحية والأحزاب السياسية في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية الوطنية.
فكلمات الحزب والائتلاف والاتحاد والرابطة والتجمع والهيئة والتكتل والجبهة... تحيل على بنية علاقات وسلوكات تنظيمية، وإن كانت حديثة في مسوغاتها الشكلية والقانونية، فهي لا تخفي تقاطعها مع أنموذج الضريح والقبيلة والزاوية في العديد من الهواجس والصراعات والتقاليد التنظيمية التي تخترقها وتتحكم في متخيل شيوخها ومريديها وشرفائها وزوارها .
يعج فضاء المغرب المعاصر بالعديد من الإطارات والمجموعات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب... التي تمثل مسوغات جديدة لأنموذج القبيلة والضريح وعائلات «الشرفاء الجدد» الملتفة حوله، والتي تنظم مواسمها الخاصة، من لقاءات ومهرجانات ومؤتمرات، وتتهافت على صناديقها وما تستقدمه من إتاوات، سواء من دعم الدولة والمؤسسات العمومية أو منح المنظمات والشركات والمحتضنين من داخل المغرب وخارجه، وذلك داخل أفق تدبير وأشكال استغلال وطيدة الصلة بثقافة الشرف والإكراميات والصالحين.
كما أن ثقافة المزارات وجدت منفذا لتصريف أنموذجها المتخيل عبر مجالات الحياة المعاصرة وما توفره من إطارات وفرص وحاجيات جديدة. فبعض المدن ومقرات المؤسسات الكبرى، والإقامات والإدارات التي يقطنها ويعمل بها «الشرفاء الجدد»، والملتقيات والمؤتمرات والنوادي المغلقة والمفتوحة التي ينظمها ويحضرها أصحاب الجاه ومالكو مفاتيح «طقوس الشروع» والحظوة والامتياز، كلها صارت فرصا لتقديم وممارسة أشكال مختلفة من الولاء، والتبرك بكرامات «الشهداء والرموز والموتى» و»الأولياء الجدد»، وممارسة طقوس «المزارات العصرية» والاستجابة لشروط نيل بركتها، وتداعيات ذلك على مستوى المصالح الشخصية والفئوية.
أفلا يمكن الحديث اليوم في المغرب عن قبيلة الاستقلال التي لا تخفى روابطها السلالية والعائلية وحرصها على مصالحها الفئوية، وعن ضريح الاتحاد الذي بنى «شرفيته» النضالية والسياسية على الماضي، وعشيرة التوحيد والإصلاح التي تجمعها رابطة الأخوة وإكرامات الصالحين، والمزار السابق للأصالة والمعاصرة ببنكرير...، إضافة إلى العديد من صناديق الإتاوات ومواسم الأضحية وطقوس التبرك التي تملكها وتقيمها الأحزاب والجمعيات الكبرى ؟
كاتب صحافي
 

عرض حول فصلين من كتاب : المكان و السلطة لبول كلافال / ترجمة د.عبد الأمير ابراهيم شمس الدين


عرض حول فصلين من كتاب : المكان و السلطة لبول كلافال / ترجمة د.عبد الأمير ابراهيم شمس الدين




تقديم :
يثير عنوان هذا الكتاب منذ الوهلة الأولى عدة تساؤلات ، إذ يكتنفه الغموض الناتج عن سذاجتنا الأولية بما تحويه دفتيه من أفكار ومضامين ، والواقع أن جوهر" المكان و السلطة " على حد تعبير الدكتور "عبد الأمير إبراهيم شمس الدين" يتضمن استعراضا شيقا للمجتمعات في بنائها وارتقائها من الأسرة إلى العشيرة والقبيلة و الدولة البدائية ثم الدولة واتحاد الدول (...) من جهة . كما يعرض فيه  "بول كلافال" من جهة أخرى لكيفية بروز السلطة في القديم قبل الحضارات
/  ثم في عصرها وبعدها ، والأشكال التي اتخذتها و الأصول التي نبتت منها ، ومنها ما يكون نابعا من أديان سماوية وقوى عليا  لها وكلاء على الأرض يمارسون فيها سلطتهم تارة في جو من السلام وتارة أخرى في جو من العنف ، أو عن إيديولوجيات وعقائد موروثة تغلفها طقوس وشعائر، أو تكون ناشئة عن تركة موروثة لسلالة أو عرق تغذيها مصاهرات ومحالفات..أو تكون نتيجة صراع وثورات أو ايديولوجيات سياسية وقومية؛ إن نتيجة لامتلاك الأراضي أو موارد الطاقة أو التقدم التقني ، وكلها مواضيع شيقة تجذب  القارئ لقراءتها وتفتح أمامه أفقا واسعا من المعرفة بالسلطات و أنواعها من دكتاتورية استبدادية أو إقطاعية أو ليبرالية أو اشتراكية ثم شيوعية ووجههما البارز الكليانية .
أما فيما يخص المكان ودوره في هذا الكتاب فيرى بول كلافال بأن لجغرافية المكان و مناخه وحدوده  وغيرها من الأمور تغير من شكل تمثلاتنا للمجتمع  ومن ثم السلطة أي أن للمكان تأثير كبيرا على قيام السلطة واستقلالها. ويرى بأن تاريخ المجتمعات هو تاريخ تنظيم وبناء وإعادة تنظيم وبناء المجال، و الذي ما هو إلا إعادة لتنظيم السلطة؛  حيث يربط كلافال المكان بالسلطة على اعتبار أن هناك نوعا من العلاقة الجدلية بين المفهومين كما سنرى فيما بعد .
يعلمنا كلافال في هذا الكتاب بأن للمكان سلطة وقدرة على التأثير و الفعل اللامحسوس و  اللامادي ، حيث ينتظم المكان على أشكال ونطاقات يحد من حرية الأفراد ويخضعهم  لنمط جديد للحياة المنظمة التي تمليها طوبولبوجية المكان الذي يقيد استقلالية الاختيارات.
تساؤلات العرض ؟
لطالما شكل مفهوم "السلطة" سجالا بين الفلاسفة ورجالات الفكر قديما وحديثا إذ يندرج ضمن الإشكاليات المعقدة المستعصية على الفهم و التحليل بوصف  السلطة مفهوما زئبقيا يتخذ أشكال متعددة وفقا لمتغيرات الزمان و المكان .
إن السلطة هي غاية الغايات..  فمن يمتلك السلطة يسعى للحفاظ عليها  ومن لا يمتلكها قد يسعى جاهدا لامتلاكها  من اجل الإخضاع و الهيمنة،  فالسلطة بهذا المعنى رأسمال رمزي يستهوي  الجميع،  ما يفسر اندلاع ثورات وحروب مدمرة على مر التاريخ وتعاقب الأجيال بغية الهيمنة و الوصول إلى السلطة العليا .
و الواقع أن السلطة بهذا المعنى قد ماتت تقريبا في المجتمعات الحية لكنها لا تزال حية في المجتمعات الميتة " العوالم المتخلفة "  حيث تنزل عمودية من الفوق إلى القاع . ومع بول كلافال سنرى استعراضا لكيفية بروز السلطة واتخادها لشرعيتها السياسية و الاجتماعية  اعتمادا على الإرث الفيبري في هذا الصدد و الذي ميز بين ثلاثة أنماط من السلطة ؛ الأولى تستمد شرعيتها من التقليد و الثانية من كاريزما السيد و الثالثة من العقل ، وسنرى مع كلافال  باعتماده على هذه المعطيات كيف سيربط كل نموذج بمجتمع- أي بمكان له خاصياته وشروطه الموضوعية الخاصة ، كيف يحلل أسباب سقوط هذه المجتمعات بسبب تأثيرات المجال .
إذا كيف تنشأ السلطة وكيف تؤثر على المجال وكيف يؤثر المكان على قيام السلطة واحتلالها المكان  وما هي أهم الخاصيات المميزة للمكان الفاعل القادر على التأثر و الهيمنة ؟

محاور العرض:
الفصل الأول : المجتمع و السلطة
·       جذور السلطة
·       المكان ، الحياة الاجتماعية والسلطة
         الفصل الثاني : هندسة الأشكال الأولية للسلطة
·       السلطة البحتة والمكان
·       الولاية
·       التأثير الإيديولوجي
·       التأثير الاقتصادي
 خلاصة تركيبية

الفصل الأول : المجتمع و السلطة
في هذا الفصل يتحدث بول كلافال عن الجغرافية السياسية ؛ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل  أثر المسافة و الامتداد في تأثير بعض الأفراد وفرض إرادتهم على الآخرين ، ورغم أهمية هذا الموقف إلا أن الحدود المكانية تختلف من حيث تأثير الأفراد عليها؛  " فهناك أمكنة لا تخضع للهيمنة و السيطرة."
في هذا الفصل كذلك يحاول بول كلافال أن يوجد طريقة جديدة لتحليل السلطة وذلك برؤية علمية جديدة ترى في المكان و السلطة نموذجا لبناء جغرافية سياسية تنبري لتحليل مسار السلطة في المجتمعات الإنسانية.
وقد اعتمد صاحبنا في هذا الصدد على الإرث الفيبري الذي حدد أصل الولاية و السلطة من خلال تمييزه بين ثلاثة أنماط من السلط وهذا ما سنتطرق إليه  لاحقا .. و الهدف طبعا من كل ذلك كما عبر عن ذلك كلافال نفسه هو "..محاولة فهم أهم مظاهر الجغرافية السياسية لنتفهم البنية المكانية للمجتمعات، وندرك فعل اللاتناسق الذي يحد ممارسة الحرية وفي نفس الوقت يحميها.
إن الدرس الكبير الذي نأخذه من وقائع  السلطة، هو أنه لا يوجد في نطاق المكان حرية بدون حد أدنى من التنظيم، لكن هذا التنظيم هو تهديد لكل شخص ويقيد استقلال الاختيارات: إن ارتهانات الإنسانية الحديثة ترجع في أصلها إلى تطور السيطرة ، الضرورية مع ذلك لتكوين مساحات واسعة الحركة وسهلة الانتقال.
1)   جذور السلطة :
في محاولته بحث جذور السلطة اعتمد بول كلافال كثيرا على أبحاث ماكس فيبر الذي ميز بين ثلاثة أنماط من السلط:
نمط السلطة الكاريزماتية:  حيث تكون العلاقة غير متكافئة، " فالآمر" لا يخضع تماما لمن يقودهم وبإمكانه أن يستخدمهم كوسائل ليصل إلى غاياته المرسومة، يتصرف بإعطاء الأوامر وجعل هذه الأوامر منفذة بدون معارضة.
أما في نمط السلطة التقليدية : فتكون فيه ممارسة السلطة سهلة عندما يقبل الخاضعون لها الوضع كما لو أنه صادر عنهم ويعترفون بشرعية السلطة.
في حين أنه في نمط السلطة العقلاني:  فيتم الخضوع للسلطة بعقلانية ؛ اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب .
لا ينظر بول كلافال إلى المجال نظرة ضيقة بوصفه مجرد تنظيم فيزيقي مادي، و إنما هو أيضا ثقافة مرجعية وشخصية قاعدية بعبارة علماء النفس، وهذه الثقافة المرجعية هي التي توفر للطفل و للناشئة الحب و الأمان و التأقلم  وكل ما يمكنه من تطوير ملكاته ومؤهلاته، ومن جهة  أخرى هذه الثقافة المرجعية هي التي تخضع الطفل للتجربة الغامضة لعلاقات السلطة وهنا إشارة واضحة لتأثير المجال على الأفراد بدءا بإرادة  ذويه،  وإرادة ذويه تستمد من إرادة الثقافة المرجعية  التي تنتمي إليها هذه الأسرة ، و بالتالي فالسلطة موجودة في المجال أصلا وهي التي تجعل الطفل و الناشئة الجديدة تتأقلم وتتكيف مع معطيات و أهداف هذا المجال و الذي ما هو إلا ثقافة تستمد من قاطنته.
على صعيد آخر  يعتبر كلافال بأن السلطة هي النتيجة الطبيعية لأشكال اللامساواة الاجتماعية وتأخذ السلطة بعدها الاجتماعي في أشكال المنازعات التي تنشأ بين الطفل و أبيه وبين مختلف الفاعلين في المجتمع أو التنظيم .
ويمكن للسلطة إن تنشأ إلى جانب تلكم العوامل السالفة الذكر من الإكراه المادي كذلك وذلك بفرض الأقوياء لإرادتهم على الضعفاء،  هذا فضل عن قوة التأثير حيث يكون لبعض الناس القدرة على التأثير من خلال قوة الخطاب نموذج هتلر و موسوليني.
و إذا كانت للسلطة جذور و أسس موضوعية أو رمزية ترتكز عليها لتؤسس مشروعيتها على صعيد المجال فإن للمكان بدوره تأثير وسلطة يمارسها على الأفراد ، فالمحيط قد يقف عائقا في وجه مبادرات الناس عندما يكونون منعزلين حيث لا يستفيد هؤلاء من بعض المشاريع المنجزة، يعتبر بذلك التنظيم و الاندماج وسيلة مثلى للاستفادة من المجال و خصائصه التي لا تحصى، فإذا كانت العلاقات مؤسساتية كانت نتائج الاستفادة من المجال جيدة لكن هذا بالمقابل يفتح الباب للأشكال الاجتماعية للسلطة ( الفاعل الاستراتيجي بمفهوم ميشيل كروزيي )حيث أن القواعد التي تحكم العلاقات ليس محايدة دائما، فهي تسمح للبعض بمراكمة المنافع على حساب الآخرين وهذا الوجه المنحرف للسلطة لا يجوز، لهذا اقترح كلافال القبول بسلطة تسلسلية شرعية تحترم حقوق كل فرد . وهذا هو المنطق الذي تتأسس عليه "الولاية ".
2)   المكان، الحياة الاجتماعية و السلطة
يرى بول كلافال بأن المكان يتدخل بأشكال مختلفة في الحياة الاجتماعية منها " لعبة السلطة " .
"يتدخل المكان في حياة التواصل و التنقل ويشكل قاعدة للنشاط الرمزي وسنتطرق في هذا الشق إلى ثلاثة أشكال يتدخل فيها المكان ويؤثر في الحياة الاجتماعية ":
·       المكان هو دعم للحياة وللنشاط ويتدخل بالمدى : وهنا إشارة إلى جغرافية المجال وتأثيره في الزراعة أو الاستثمار أو استخراج الثروات و إقامة التجهيزات ونحو ذلك وكذا لتلكم الجغرافيات التي قد تستعمل لعدة أغراض وبدون عوائق تذكر ، وهناك أراضي مزروعة تكون مقفلة في وجه القطعان  و المنتزهين ( سلطة المجال ).
كما أن التعامل مع بعض المجالات يستدعي حدا أدنى من التنظيم ( احترام متطلبات الزراعة ، الغابات = وهذا يدرج المجال كمصدر خصب للتزود بضروريات الحياة ، لهذا  يستدعي حالة من التنظيم الأكثر دقة عندما تكون موارده نادرة.
عندما يتزايد عدد السكان " الضغط " ويصبح الضغط على الأرض شديدا لا يعود  بالإمكان ترك الوصول إليها سهلا وقد أصبحت نادرة بتخطيها إلى أفراد أو جماعات محدودة .
يستلزم التعامل مع المجال الزراعي الاهتمام بجودة الأرض  ومعالجتها من الأعشاب الضارة ، و بالتالي فهذه الأرض تمارس سلطة على مربي الماشية المطالب بتحصين حاضرة ماشيته من أجل تلافي إتلاف المحاصيل.
لقد أصبح من يمتلك الأرض  يمتلك السلطة و التأثير وذلك عبر تحويل المجال إلى مصنع أو تنظيم وقد ينتج عن ذلك آثار خارجية وهامشية ( إزعاج الساكنة مثلا ) من هنا جاءت التشريعات المدينية حول تقسيم المدن إلى مناطق وغايتها أن تحد من هذه الآثار السلبية الناتجة عن الاستخدامات غير المراقبة
·       المكان حاجز أمام التواصل : وهنا إشارته إلى تلك الجغرافيات ذات الحدود التي تمارس دور الوصاية و الضغط و التأثير على تنقل الأفراد و السلع حيث تجعل من عملية التنقل كثير الكلفة ( تخطي الحدود أضحى أمرا صعبا ) .
المكان أيضا يعيق تنقل المعلومة حيث لا يتم الاتصال جيدا إلا بعد الفرز المرتبط بالترميز وفك الرموز للرسائل مع أقل خسارة في الخطوط ، وهنا يشير كلافال لدور مراكز ربط الشبكة في المدن و الذين يكونون في مراكز أفضل من غيرهم ، حيث يتمركزون في أعلى مستويات النظام التسلسلي . " إن إقامة بنى تحتية للتنقل و  الاتصال يولد إذا تنويعا في المكان يعطي بعض الأماكن مزايا بالنسبة للأخرى ، هذا مصدر اللامساواة و التأثير " ص 23
·       المكان قاعدة للنشاط الرمزي : حيث تتأثر الحياة الاجتماعية في نظره بوجود أنظمة إشارات معروفة لمن يتواجدون على اتصال وهذه  الإشارات هي التي تسهل  تبادل المعلومات وعقد  المحادثات و التغلب على القلق  الذي يولد العزلة. وتختلف الرموز التي تعقد وترتكز  عليها المبادلات ( اللغة) تعطي للفرد إمكانية التعبير ، وتكتسب هذه الأشكال الاعتباطية خلال التكيف و التأقلم الثقافي و الاجتماعي، لهذا تبقى حسب كلافال أنظمة الاتصال عادة حبيسة مساحات ثقافية ( حيث الرموز مشتركة بين الجميع ومعروفة ) .
وعلى هامش المساحات تتغير الإشارات و الرموز وينبغي بذل جهد في الترجمة و التفسير و الفهم و التعلم لفهم الرسائل ومضامينها . لهذا  فالحياة الاجتماعية ككل تجد نفسها متأثرة بهذه التقاطعات الكبرى للمكان الإنساني .
إلى جانب التبادل الرمزي ( التواصل) هناك تواصل مادي اقتصادي ( النقود ) التي تنشط الحياة الاقتصادية لكن هناك في نظر كلافال نقود أثمن من نقود الاقتصاد  " فكل الأعمال تتلون بقيمتها المعنوية " وهنا إشارته إلى  القيمة الرمزية للحظوة أو النفوذ فهي في نظره تشكل نقودا غير مرئية لكنها مرغوب فيها كالذهب .
ويعتقد كلافال بأن الحظوة على الرغم من أهميتها إلا أنها أكثر تعقيدا وغموضا  إذ تأخذ بحسابها مميزات كل حضارة ، كل نظام للقيم ، وبالتالي فهي تبقى محصورة في أماكن ضيقة .
إن تمثل المجال يختلف من شخص إلى شخص  وفقا للقيمة التي يحتلها هذا المجال في حياة الأفراد أو الجماعات، حيث يتحول المجال إلى صورة عقلية  مهمة في حياة الإنسان .


الفصل الثاني : هندسة الأشكال الأولية للسلطة
وفيها ما يلي :
·       السلطة البحتة و المكان
·       الولاية
·       التأثير الايديولبوجي
·       التأثير الاقتصادي

فاعلية السلطة في نظر كلافال كانت محدودة عندما قامت على العرف أو التهديد بالقوة المادية. وعلاقة الولاية هي أكثر توفيرا للحرية لأنها تستخدم بفطنة أكبر تدفقات اتصال – لكنها تقوم على اتفاق مشاعر ترجع إلى التأثير الإيديولوجي.
أما التأثير الاقتصادي فيرتبط حسب كلافال في الاقتصاديات المفتوحة بالشكل الخارجي للمراكز الاقتصادية، فئات قليلة هي المحرومة منه لكن هذا لا يعني بأنه موزع بنفس الشكل .
1)   السلطة البحتة و المكان :
السلطة البحتة ( الشكل البسيط لممارسة السلطة الاجتماعية = العلاقة القائمة بين رئيس قادر على فرض قوته  بالإكراه و الذين هم خاضعون له، لا يتلقى المخضوع بالمقابل أي شيء ولا مصلحة له في الوضع)
تكون السلطة البحتة فعالة كلما ترافقت مع رقابة مستمرة أو فرضت خوفا يضاعف من فاعلية هذه الأخيرة.
لكي تبلغ هذه السلطة غايتها يقتنص الأمر تطبيقها في كل مكان بدون ثغرات وفراغ. " يجب أن تغطي بنفس القوة كل الحقل الذي  ينتشر فيه نشاط الذين هم موضع المراقبة ".
تتطلب إذا ممارسة السلطة تنظيما خاصا للمكان " قيمة الحراسة أو المراقبة " و أهمية قسيمة المكان إلى تقسيمات صغيرة كلما أراد " السيد " أن يحكمها ومن هنا أهمية التقسيم الإداري لمراقبة التحركات ، ( هذا هو نموذج للدول الاستبدادية حيث تنزل السلطة عمودية من الفوق الى القاع لتخضعه و تهيمن عليه ...)
إن تمفصل المكان إلى مساحات محددة جيدا في نظر كلافال متلازم مع السلطة البحتة . فبدون هذا التقسيم التربيعي تبقى أوامرها غير مطابقة ، لأن الجماعة كلما شعرت باستطاعة الإفلات بدون مخاطرة فعدم الخضوع يزيد شيئا فشيئا .
وتتطلب ممارسة السلطة البحتة مجهودات كبيرة وتكاليف باهظة فالسهر على مراقبة الأمكنة باستمرار ليس أمرا سهلا وخصوصا كلما ارتفعت كثافة السكان وتزايدت عبر المكان .
تأخذ الأوامر طريقها من الأعلى إلى الأدنى عن طريق الإعلام ( أي عن طريق من يفوضهم صاحب السلطة بالإشراف على نقل المعلومات... الوسطاء لهم مصلحة  في المحافظة على بعض ما يعرفوه لأنفسهم وهنا يضطر الحاكم المستبد لتعيين جواسيس يراقبون من عهد عليهم بالإشراف . وهذا في نظر كلافال يضعف من مسألة  صعوبة نقل المعلومة أو تنقل بطريقة غير كاملة، وهكذا تنقص فاعلية النظام بتزايد المسافة إلى المركز الرئيسي. ( صعوبة نقل المعلومات كاملة إلى المركز وراء انتقاص فاعلية النظام و بالتالي ضعف السلطة البحتة ..)
إن السلطة البحتة غير قادرة أن تعطي من يمارسها ثمرة السيطرة السهلة على أمكنة واسعة ومجموعات كثيرة.
1)   الولاية :
بعد عرضه لعلاقة السلطة البحتة ومنطقها الذي يقوض نفسه بنفسه يعرض بول كلافال لعلاقة الولاية، و التي يبدو فيها السيد كمالك لولاية شرعية ، فهو ليس مطالبا بأن يراقب كل شيء ؛ لأن القواعد التي ينشئها يقبلها الجميع وتدخل في ضمائرهم ؛ كل واحد  منهم يقبل الأوامر وينفذها بدون حاجة لقوة مادية تهدده، أو لمن يشرف عليه ويجبره بالقوة .
ولمعرفة حالة تقدم وسير المهام لا يكون السيد في هذا الوضع ملزما بإقحام جواسيس أو شبكة لجلب المعلومات لتراقب ، فعلاقة السلطة هنا ليست عمودية بحتة و إنما تسود علاقة ثقة بين من يحكم ومن ينفذ .
رغم أهمية علاقة الولاية إلا أن المشكلة الكبرى التي تطرحها تتجلى أساسا في الحصول المسبق على الضمائر ؛ " فعلى الأطراف أن يقبلوا بتفويض  الحق  بالتقرير الذي يملكونه عادة " .
ترتكز الولاية  على موافقة عميقة؛  ينتقد الرئيس إذا كان غير كفء لوظيفته لكن مبدأ تفويض السلطة لا يكون موضع اتهام ( معظم الثورات التي شهدها التاريخ السياسي لا تصب أبدا في خانة تغيير البنية فأسبابها عدم كفاءة الأسياد و الحكام و لم تولد من الرغبة في تغيير النظام ..)
ما أصل الولاية ؟
يفسر كلافال أصل الولاية اعتمادا على أبحاث ماكس فيبر الذي ميز بين ثلاثة أنماط من السلطة كما سبق و أن تطرقنا إليه في إحدى المحاور السابقة :
فالمصدر الأول يرى بأن أصل الولاية هو " التقليد " حيث تؤول الولاية وفقا للعرف  إلى هذا الفرد أو ذاك أو إلى هذه العائلة أو تلك  او لهذه المؤسسة أو تلك.
المصدر الثاني يرى بأن أصل الولاية هو الرئيس" الريادي" أو الكاريزماتي  القادر بالتدرب على السلطة أن يستخرج شرعية جديدة ويبرر بتحركه الخاص  به السلطة التي يمارسها ( نموذج الإمام في جماعة صغيرة ) ، ينصب الرئيس  نفسه كمدافع عن القاعدة الكبيرة ويعتبر نفسه ممثلهم وملهمهم وصمام أمان لتوجهاتهم وطموحاتهم ويخاطب في الناس عواطفهم ويزرع فيهم أحاسيس تثبت أن له الحق بالاحترام و الطاعة.
أما المصدر الثالث فيرى بأن أصل الولاية هو " العقل" فالناس  لا يفوضون جزءا من  قدرتهم على التقرير  إلا لأنهم  يرونه كفئا لذلك.
ممارسة النموذج التقليدي  لا يمكن أن يكون سوى النتيجة للحصول على نفس القيم و الإذعان لنفس المبادئ العليا ويستدعي تشكيلها ضمان انتقال كمية كبيرة من المعلومات من جيل إلى جيل وهذا غير مؤمن و غير مضمون نظرا للمتغيرات السوسيوثقافية التي تقف حائلا دون إحداث نوع من التغيير ،/ و بالتالي فالولاية التقليدية محكوم عليها  بأنها ستجد صعوبات جمة في توسيع نطاقها في ظل الاتجاه نحو تعميم التثقيف.  نفس الأمر ينطبق على الولاية الريادة  المحكوم عليها كذلك بعدم القدرة على الاستمرارية ، تعد بذلك الولاية العقلية أكثر نجاعة و أكثر قدرة على الاستمرارية ، إذ لا تتحول إلى تسلطية و بالتالي فهي: " تنسجم مع الحضارات المتطورة المقيمة في أماكن فسيحة " .
الولاية على عكس السلطة البحتة لا تضع حيز التنفيذ مبدأ أرضيا؛  لا لزوم لرقابة دائمة ولا حاجة لتقسيم تربيعي دقيق ، لكن الإيديولوجية التي تبررها تنتشر عادة داخل مكان متجانس في بلد مثلا ، تلك هي حالة الاعتقاد بالقومية التي أصبحت أساسية منذ قرنين و التي تماثل بين الحاكم و الجماعة الملتحمة بالثقافة ، اللغة ، التاريخ ، العادات أو الدين ، للولاية من النوع التقليدي كذلك قاعدة مكانية محددة فهي تقوم على المشاركة في المعتقدات التي هي نتيجة تثقيف متشابه يحدث هذا بشكل خاص في المساحات الثقافية المترابطة جيدا .
كخلاصة لما قيل يمكن القول بأن المكان الذي تتطور فيه الولاية مشكلة من الرؤية الجماعية فهو خاص في ذهن أولئك الذين يستندون إلى نفس السيد ؛ يظهر في صورة هي أرضية بشكل عام لكن ليس بالضرورة ، نظرا لوجود قوميات على أساس عنصري أو ديني تستطيع أن تعيش بدون قاعدة مكانية ، كما نرى منذ بعض الأجيال  ظهور ارتباطات إيديولوجية تخرج عن التحديدات المحلية.

التأثير الايديولوجي:
تفترض علاقة الولاية  توحيدا مسبقا لأشكال المعتقدات، وهذه المهمة على عاتق الزعيم الملهم شخصيا ، فهي في حالة السلطة اللدنية نتيجة عمل في العمق  مستقل نسبيا عن السلطة،  فهي تعبير عن التأثير الايديولوجي . وتستمد  قوة التأثير الايديولوجي  من تلكم المكتسبات التي يستمدها الشخص من ثقافته ؛ أي من خلال امتلاكه لجملة من القواعد التي تحدد الخير من الشر داخل المجتمع  ( إشارة كذلك إلى دور التطبيع الاجتماعي في ترسيخ فلسفة المجتمع في صنوف الناشئة وتهيئهم للتكيف مع مناخهم الاجتماعي ) .
في المجتمعات الغربية يعتبرون بشكل عام أن الفرد يملك بفضل وعيه وسيلة للتمييز بين الخير و الشر ( الاستقلال الذاتي في الحكم ).
في هذا الشق يشير بول كلافال الى التأثير الايديولوجي الذي يمارسه المجتمع على الأفراد من خلال جملة من القيم و المعايير الثقافية التي تحدد مواقفهم وتوجهاتهم ، غير أن هذا التأثير يختلف من مجتمع لآخر حسب السياق العام الذي تعيش في كنفه المجتمعات ، فالتأثير الديني الذي يتخذ الشكل الديني يكون قويا في بعض الجغرافيات، في حين أن الاحتكام للغة المنطق هو الطاغي في مجتمعات أخرى ( الغرب ) و يذهب إلى إن  التأثير الإيديولوجي هو احتكار للجماعات وهو نوع من الإرهاب الفكري الذي يمارس ضد الأفراد ؛ حيث يمنعهم من الاحتكام للغة العقل بفعل قوة الترهيب أو الترغيب ( الجنة و النار ) ، كما أن رجال الفكر في مثل هذه المجتمعات لا يؤثرون كثيرا بسبب محدودية الوسائل التي بإمكانها أن تنجح عملية التواصل و تغيير طبيعة المجتمع .
التأثير الاقتصادي :
بدون الأساس الاقتصادي يصبح تأسيس السلطة حسب كلافال أمرا غير ممكن في معظم المجتمعات. كما أن إبراز التأثير الاقتصادي في هذا السياق أمر سهل إذ لا يمكن العيش بدون موارد ، كما أن تأمينها في حالة نذرتها أو انعدامها ضرورة حتمية من أجل البقاء .
إن الاقتصاد يؤثر على الأفراد ، كما أن المجتمعات ذات الموارد الاقتصادية و المعروفة بقوة وسائل إنتاجها و تقنياتها المستعملة في الإنتاج و التنظيم هي الأكثر تأثيرا في المجتمع ويصبح بذلك كل من يشتغل في الدائرة العامة للاقتصاد هو من يمتلك وسائل التأثير.
المجتمعات الليبرالية المعاصرة هي بلا انقطاع مهتزة بحركات الإضراب التي تشوه وتخذل جهود مختلف القطاعات لزيادة حصتها من الدخل الإقليمي العام.
لا يرتبط التأثير الاقتصادي فقط بالعمل السلبي ( استئثار الذين يملكون مركز القوة بحصة الأسد من منافع المبادلات أو الصناعات ) ، بل له أيضا القدرة على التأثير عبر الابتداع و التجديد ومن هنا قيمة المقاولات و تأثيراتها على محيطها السوسيوثقالفي.
لا يكون التأثير الاقتصادي حكرا على فئة صغيرة من السكان هو يكشف عن تأثيرات طبقية. تارة يكون منفذا بفئة مهنية وتارة أخرى بفئة قانونية..
إن سلطة المجال تكمن على  المستوى الاقتصادي في ما يزخر به من ثروات  فهناك نقاط مكانية ترتكز فيها الثروات تمارس تأثيراتها على المجتمعات. هذه النقاط الحيوية تصبح في أيدي عدد قليل من الناس.
تبين أعمال السلطة و الولاية بوضوح التسلسلية التي تسيطر على الحياة الاجتماعية في حين أن دراسة المؤثرات الإيديولوجية و الاقتصادية تركز على تأثيرات الطبقات ، يتطلب هذا منا أن نقوم بتحليل البنية الاجتماعية التي نتصدى لها الآن في المكان.

عرض حول : مفهوم المجال المعاش، مادة المجال و المجتمع



 

 اعداد الطلبة:
                                                                        
عبدالعالي الصغيري                                                                      Abdelaali sghiri
فدوى الكحشة     Fadoua elkahcha                                                                            
عبدالرحمن السيدAbderrahman essaied                                                                  
إيمان الخطري                                        Elkhoutri imane            
l

المحاور :
                      تقديم:
                      1- أعمال الجغرافيين
                      أ-التيار الفكري
                      ب-ابحاث في طور الانجاز
                      2-مساهمات العلوم الإنسانية
                      أ-العشائر و المدارات
                      ب-القرية
                      ج-المدينة
                      3-خاتمة



تقديم :
ان مفهوم المجال المعاش قد عمل على زعزعة مختلف النظريات المعتادة لعلماء الجغرافيا حول المجال، على اعتبار ان المجال ، الجهة أو الأماكن لا يمكن اعتبارها كحقائق موضوعية كنتاج للافتحاص و النظرة الباردة للعلم كما قدمها الجغرافيون حول المجال . فالجهة  يمكن اعتبارها او هي في الأساس حقيقة معاشة ، اي انها محسوسة و ملاحظة و هي عبارة عن منتوج مملوء بالقيم من طرف الانسان ، من هنا نستنتج ان الزاوية التي ينظر من خلالها الجغرافيون للتركيبات الجهوية ينبغي اعادة تقييمها .
هكذا اذن برزت ابحاث جديدة اهتمت بكل ما هو ملاحظ او معاش و اهتمت كذلك بالعلاقات النفسية و العاطفية بين الانسان و مجال عيشه، وهي مؤشرات معقدة ، الا انها اكثر مصداقية لحقيقة شاملة ، مقارنة مع ما هو في صلب اهتمام الجغرافيين الذين يدعون الموضوعية.
هذا المقال له اهداف محددة ، ويقدم لنا نظرة سريعة حول بعض الابحاث المعاصرة المعدة من طرف جغرافيين فرنسيين حول هذه التساءلات فيما لايخص المجال ، والمقال لم يأخد بعين الاعتبار أعمال الباحثين السابقين و لا تجارب الكتاب الانجلوساكسونيين ، لكن و بعيدا عن كل ما هو جغرافي فانه لا يمن ان يغفل الأهمية الأساسية للعلوم الإنسانية في ميدان الجغرافيا.
1-أعمال الجغرافيين:
لقد اهتم علماء الجغرافيا الفرنسيين و منذ امد بعيد بعلم نفس الشعوب او الامم ، ) les valaques ou les slovaques de martonne,les couchois de sions,les britanique de demangeon ( كل هذه الشعوب تميزت بالشخصية الجماعية ، لاكن هذا الاهتمام اعتبر نوعا من التطفل اذ حب المعرفة فقط و المعرفة الممنهجة لاي جزء من هذه المكونات الجغرافية ، فالعلاقة السيكولوجية التي تربط الانسان بالمجال عولجت في الكثير من الحالات بطريقة بسيطة تسمح بتمييز و تحديد الجهات، لكن هذا التفسير يبقى فقيرا من الناحية التصورية ، لانه يصب كل الاهتمامات بالاساس على الجهة و ليس على الانسان ، وبالتالي يفقد كل تفكير معمق في هذا المعنى .
لذلك اصبحنا نرى وحسب « ارموند فريمون   » و منذ وقت قصير نظريات جديدة تهتم بالمجال المعاش و ما يقلبله من مصطلحات و مفاهيم . 
أ-التيار الفكري:
يرجع الفضل في فتح افاق جدبدة للابحاث الجغرافية الفرنسية للباحث j.gallais -1968- حيث قام بدراسة بعيدة كل البعد عما هو كلاسيكي و ذلك بالنيجر وخلال هذه الدراسة و من اجل شرح التكوين الجغرافي للمنطقة ، ارتكز على العلاقات التي تربط كل قبيلة اثنيا بمكونات المجال ، فكل قبيلة لها خصوصيتها من حيث السلوكيات و العلاقات مع المجال ، من خلال نظرتها الخاصة للاشياء . فهاته الدراسة مكنت من التحول من دراسة تعتمد على البعد الجغرافي الى دراسة اكثر شمولية ترتكز على البعد التكويني للمجال ) دراسات تطبيقية لفهم الفوارق الاجتماعية في القبيلة الواحدة( و البعد الشعوري او العاطفي للمجال ) الاهتمام بالقيم الموجودة و السائدة( ثم البعد الايكولوجي ) وهنا نتحدث عن كل ما يهدد هذا المجال ويحول دون سيرورته الاعتيادية ( .
في الوقت نفسه كانت هناك ابحاث و اعمال اخرى اهتمت بدراسة نظريات جديدة للمجال نذكر من اهمها:
دراسة R.rochefort -1961-1978- إذ لوحظ الاهتمام بالجغرافيا الاجتماعية ، ويحضر ايضا في هذا السياق P. claval  و الذي قدم العديد من الدراسات حول مجال العيش القروي دائما في إطار الجغرافيا الاجتماعية .
هناك ايضا دراسة كل من A.metton &M.J.bertrand  اذ قاما بدراسة جغرافية و بسيكوسوسيولوجية ساهمت في تعميق مجال البحث في المجال الحضري ، وهذه الابحاث كان لها الفضل في اعطاء نتائج اولية حول المقاييس و المعايير التي نحدد من خلالها مكونات المجال وكيف يتكون و يتشكل هذا المجال في النهاية ، ثم مكنتنا من معرفة الخصائص النفسية و الابداعية للمجال المعاش .
Armand prément وبعد بحثه حول تربية الدواجن في normandie  ،اذ قام بتعريف الجهة مع المجال المعاش ولكن دون ان يضع منهجية واضحة ، وقام كذلك بتفسير مجموعة من السيرات الذاتية و قام بتحليلها انطلاقا من الناحية المجالية او من منطلق المجال و ساكنوه ، وذلك من اجل تعميق التفكير في هذا المفهوم.
ونجد في النهاية S.rimbert اذ يقدم لنا دراسته حول الرؤية الطبيعية و المجالية للمدينة ، اذ استطاع المرور من علم نفس المدينة الى الانسان ومن الانسان الى المدينة انطلاقا من رسم اولي للتحليل النفسي في انتاج المدينة.
هنا نتحدث خط تفكير تميز بمنظور ظهر بفرنسا في نهاية الستينيات و بداية السبعينيات ، اذ العديد من الباحثين تأثروا بشكل او باخر بالجغرافية الانجلوسكسونية الجديدة امثال )  Metton;claval;rimbert (  لكن وفق تصور جديد اطلق عليه « الجغرافيا الجديدة الجديدة »و التي لا تعطي الاهمية لما هو نوعي بل لما هو كيفي .
وفي هذا الإطار ظهرت عدة مفاهيم تتداخل فيما بينها ، لكن دون ان تضع صورة واضحة، يمكن من خلالها التمييز بين مختلف تركيبات المجال من قبيل مجال معاش ، مجال اجتماعي ، مجال عقلي ، مجال الحياة أ صورة جهوية ...
ان المفاهيم الجديدة ، المعمق فيها والتي اتت بها العلوم الانسانية كان لها تأثير كبير خصوصا على الجغرافيين الذين اعتادوا كل ما هو مرئي و ملموس ، لذلك كان هذا التوجه لدى العلوم الانسانية يعد اغناء ذو قيمة مضافة لدراسة المجال و تصحيح بعض النظريات ، ففي كل عمق و اتساع للمجال المعاش و الذي تتخلله و تعتريه الكثير من التحولات ، يجب البحث عن الانسان و تموقعه في الجهوي و المجال الذي ينتمي اليه.
ب-ابحاث في طور الانجاز:
في هذا الاطار نجد ان مجموعة من الباحثين انتقلوا من مرحلة التنظير الى مرحلة التطبيق ،ف R.schwab وE.juillard  اهتموا بالمجال المعاش من خلال ابحاث حول الهجرة في منطقة alsace .وكذلك ابحاث كل من chevalier J. و  P.coulmin  وFixot في المدن الصغيرة في وسط غرب فرنسا ، ونجد a.metton  قد درس المجال الحضري و الجهة الباريسية ، ثم  p.claval و p.gallais قامو بدراساتهم في الدول التي في طور التقدم كالبرازيل ، الهند ... كما ان المشاركين في RCP فكروا في مواجهة منهجيتهم ونتائجهم من اجل تقديم مساهمة في تعميق مفهوم الجهة بتحاليل و افاق جديدة. كما ان مجموعة من اطروحات الدولة تطرقت بشكل هامشي لمفهوم المجال المعاش .

   J.chevalier  درس المجال المعاش بنواحي فرنسا الغربية حيث ساهم في تطوير تحليله للمفهوم بعيدا كل البعد عن كل ما هو كلاسيكي و تعويضه بمفهوم رالمنتوج )اجتماعي ،ثقافي ،اقتصادي ، اديولوجي...( بحيث القيم هي معارف مكتسبة او تمثيلية لايديولوجيا مهيمنة.
   P.coulmin  قام بمقارنة بين مبتكري التطور الفلاحي و بين الفلاحة التقليدية.
   A.M.fixd  احتفظت بنفس المفهوم كمؤشر للعلاقات الانسانية بين العمال الصناعين في جهةnormandie .
   P.low اشتغل في ابحاث حول المجال المعاش من اجل تحديد تكوين ازقة مدينة تونس.
   كذلك تبين دراسة  p.lowy التباين الحاصل بين كل من المجال الحضري للرجل و المراة حيث انتقل من مجال مغلق اي اللا تواصل الشخصي و بالتالي تطغى عليه الفردانية .
كل هذه الدراسات تبقى بعيدة عن المفهوم و لا تتعدى بعض الاشتغالات الاساسية،فدراسة المجال اكتفت بتحليل الاماكن المقصودة من طرف شخص او من مجموعة لمجال العيش. ولكن حسب chevalier  يجب ان تهتم كذلك بشحنة القيم التي يتبادلها الانسان مع المكان و مع الانسان، فمجال العيش هو مجال للتفكير و التمعن و منه يجب الاخد بعين الاعتبار كل تعبيرات الحياة و المجتمع البشري ، وحسب low و chevalier فالاسرة تلعب دورا رئيسيا في تكوين المجال الشخصي ، نظرته و كذا السلوكات التي تطبع كل من المراة و الرجل .
و في تعريق اخر لكل من chevalier و coulmin فالمجال لا يمكن فهمه دون الرجوع الى مختلف الطبقات الاجتماعية و صراعها الذي يغتبر احدى اهم انتاجاتها .
فالعديد من الدراسات اهتمت بتحديد بعض المشاكل المنهجية حيث من الصعب دراسة المكان انطلاقا من نظرة الناس له ، او حسب نظرتك الخاصة، من ذا السياق جاءت نظرية frémont  بعد دراسته للسيرة الذاتية، لكن تم تجاوز دراسته هاته لانها بقيت غير مؤكدة ولانها ايضا تحلل فقط مجال الشخص ، وفي نفس السياق تم انجاز استمارة ولقاءات بصيغة شبه موجهة من طرف طلبة normandie اذ درسوا مجموعة من الساكنة حسب مكان الاقامة ) سكان الجماعات القروية و سكان الاحياء الحضرية حسب انتماءهم السوسيومهني(.
من خلال كل هذا يتبدى لنا انه قد انجزت عدة ابحاث حول المجال المعاش و التي عرفت تقنيات عدة للبحث العلمي كالاستمارات و المقابلات ، الا ان فهم المجال المعاش لا يقتصر على هاته التقنيات بل هناك وسائط تحدد القيم التي تربط الانسان بالمجال الجهوي .) الاشهار ، الادب ، الصحافة الجهوية...(ان الابحاث التي اجريت في هذا الموضوع تتطلب منم الجغرافيين اساليب منهجية و نظريات جديدة حيث ان بعض الجغرافيين يتساءلون عن هذه الانماط . حيث لا زلنا نتكلم ونتحدث عن الجغرافية خصوصا فيما يتعلق بالمفاهيم ، و الاهتمامات و انواع التحليل التي تحدد نفسها اكثر في العلوم الانسانية الاخرى.
في الحقيقة مساهمة هذه العلوم في مجال البحث تبقى اولوية ، وهذا ما يرغب فيه صاحب المقالة.
2-مساهمات العلوم الانسانية:
ان الجغرافيين لم يعودو مسيطرين على مجال الجغرافيا بحيث اصبح هذا المجال و منذ عشرون سنة او اكثر مدروس من طرف مجموعة من المقالات السوسيولوجية و الاثنولوجية و الانتروبولوجية و التاريخ ، اذن فدراسة هذا المفهوم و تحديده في مقالة يعتبر ضربا من الجنون ، حيث يعتبر مجال خصب للتفكير .
أ – العشائر:
ان الجغرافيين اعتبروا دراسة  العشائر من خلال عملهم العلمي دراسة لا يمكن ان نتجاوزها دون اعمال الاثنولوجيين التي كانت من قبل حول هاته العشائر لانه كان لديهم نفس الهدف ، armand frémant  اعتبر انه لا يمكن ان يخاطر باشتغاله العلمي لولا اعمال ليفي ستراوس خصوصا كتابه المدارات الحزينة بحيث تكمن اهميته في دراسة الانسان كما هو بدون تاثيرات خارجية ، فعندما يحاول الجغرافي دراسة هذا الانسان و سيرورته يقع له نوع من الانفصام المعرفي و المنهجي .
فالمجال هو دائما حاضر كمسار ضخم لكن يتبين انه يتضمن تسلسل لا عقلاني حيث يطغى عليه طابع فلسفي ، مثلا اذا استحضرنا الوصف المحلي للمجال – غابة الامازون- فيتكم هذا الوصف انطلاقا من معطيات دقيقة و القدرة على جلب معطيات اخرى ، لكن و في الان نفسه تكون هناك معيقات تحيط بهذه المنطقة و تخلق علينا تشويشا .
من خلال كل هذا يتبين ان الجغرافي يبقى عاجزا لاخد تموقعه داخل المجال وفهم ما يجري حوله.
فهناك دروس يجب ان يتعلمها الجغرافي سواء في دراسة الامازون،او مناطق في اسيا ، وكلها ستجعل الجغرافيين يفكرون في اليات لدراس المجال المعاش .
فالرحلة كتنقل من مكان الى اخر لها ابعاد متعددة للمجال ، حيث يعتبر التنقل مسالة غير كافية، فهي تتبدل في المكانو و الزمان و في التراتب الاجتماعي ، حيث لا يمكن فهم هذه المسألة دون الرجوع الى هذه المحدد.
فالتفكير في المدينة هو بمثابتة اعداة تعريف قوية لاهداف البحث الجغرافي بحيث يجب تقديم تعريف جديد له ، وربما لا يمكن ان نقاربها اي المدينة ك قصيدة او ابداع ، لكن المدينة هي ايضا ابداع انساني ، فالمدينة تأتي بين ما هو طبيعي و بين ما هو مصطنع و بالتالي فهي اكثر قيمة و نوعية ، بخلاف الاقتصار على الجانب الادبي او الطبيعي فقط.
فالمدينة هي في نفس الوقت مولود بيولوجي و ابداع فني و موضوع ثقافي ، فهي معاشة و محلوم بها من طرف الفرد و الجماعة و مجال مفتوح لا متناهي للخيال و الابداع لذلك لا يمكن ان يدرسها الجغرافي برؤية باردة .
وهنا يقدم صاحب المقال مثالا على قرية bororot حيث ان هاته القرية و شاكلة تقسيمها يشكلان مفارقة بين الشكل و المضمون الذي يتبين في هوية ساكنيها .
القرية :
يعرض armand frémont  في محوره هذا مساهمة علماء الاجتماع و خصوصا المهتمين بالمجال القروي في هذا الموضوع .
فيرى صاحب المقال ان المجال لا يوجد بصفة ملموسة في تفكيرهم او في تحليلاتهم بل هو مجسد دائما . حيث الهوس \الذي يطبعهم وهو التطلع نحو دراسة العلاقة بين الجماعات القروية و مجالها ، وذلك بكشف التغيرات التي تطرأ على الاداراكات الداخلية لهاته الجماعات تحت تاثير ما يسمى بالمثاقفة acculturation ، فهذا يتجلى في مجموعة من الكتابات عرضها frémont  مثل دراسة «  بيرنو » و « بلون كارت » حول قرية nouvill ) هي قرية فرنسية ( ثم دراسة موران حول مورفولوجية مدينة بلوديمي سنة 1967 .
ولكن ركز بالخصوص على اعمال رومبود الذي قام بوصف المجال المنزلي للعائلة القروية في المجتمعات القروية بالاضافة الى دراسته لظاهرة التحضر ، حيث استنتج ان هناك امكنة او مجالات جديدة تولد بفعل سيرورة التحضر و بالتالي فالمجال المعاش منا هو الا انعكاس للاسرة ن بحيث يبقى دورها هو ترسيخ القيم الملائمة بشكل دائم .
اذن قسيرورة المثاقفة تتجلى في البوادي الاكثر عزلة بالمقارنة مع المدينة حيث الصور و الاحداث الجذابة و المستصاغة تلعب دورا في حياة الافراد اليومية ، كما تسهل اتخاذهم للقرارات وبالتالي فهي توفر اطر مرجعية للعالم القروي .
فالمجتمع القروي يعرف تغييرا جد عميق ذلك انه لم يعد مرتبط بالطبيعة وانما  بالافراد و بالعلاقات الاجتماعية، اذن فالمجال الجغرافي سار مبتذل ، حيث يعتبره ارموند عنصرا من مجموع المجال المعاش ، هذا الاخير الذي يتم تشكيله بواسطة مجموعة من القوى الداخلية المرتبطة به، حيث اعطى مثالا على مسألة التحضر و الذي يبقى في عمقه يغير المحتوى و المضمون بالنسبة لمقولة المجال ) خصوصا القروي( .
اذ يكتسي بعدا يشبه الى حد بعيد صورة المدينة عند المهاجرين .و هنا استحضر اعمال بيير بورديو حيث اعتبرها من اجود الدراسات و ادقها خصوصا في دراسته حول الفلاحيين الذين سلبت اراضيهم ، في الجزائر ، و الذين يطلق عليهم باللغة المحلية «  الزرايبيين «  des zribat ، فكاريكاتورية المدينة لم تبدأ الا خلال الحرب ، حيث يتم تحرير صنفين من التنظيم للمجال وهذا يعكس موقفين اثنين سادا في العالمحيث ان صنف رجح الحميمية و بالتالي السماح للغريب بالولوج الى قلب المجال المنزلي ، وصنف اخر ادعى عكس ذلك حيث اعتبر المجال المغلق مجال للحرمة و الشرف .
فالمجال في وعي القرويخاصة المجال المنزلي هو مجال محصور ، بمعنى انه ةمجال معاش متميز كما يعتبره بورديوا و مجال له نكهته الخاصة تكاد تشبه شيءا ما التكبر و الانفة .
عموما فالمجال عند الفلاح او القروي يمكن ان يعاش بطريقة درامية تطبعهخا الوحدة و العزلة.وهذا ما نلاحظه مثلا في عمل دوفينيو الموسوم بالشبيكة «  .
المدينة:
يبدأ ارموند محور المدينة باستعارة مفادها ان العلوم الانسانية عبارة عن نهر ، حيث كل شهر يصنف انتاجا جديدا فتحضر كل العلوم في هذه المقاربات ، و هذه الوفرة من الكتابات لها دلالتها كما كتب ذلك ستراوس في كتابه vécu et réveé من هنا طرح صاحب المقال سؤال الا يمكن اعتبار المدينة مجالا انسانيا بامتياز ؟ فاعطى مثال بعبارة شعرية المدينة التي جعلها p.sansot عنوانا لاحد كتبه و اعتبرها خير مثال على هذه الحقيقة اي انسنة المدينة فاعتبر المنهج مستوحى من الوصف المجالي و الذي بدوره يعتبر فجر هذه الفكرة ، اذا فهذا الاختصاص ربما يكون لدارس الادب و بالتالي يبقى الجغرافي تائها.
رغم ان هذه الافكار اعبرها فلسفية اي يطبعها شيء من التجريد الا انها ضرورية وهنا اعطى مثال بمقال يتناول باريس قبل سنة 1940، حيث يدل على الاتجاهات الشعرية وكذا الجمال و بالتالي حضور النفس الشعري في الواقع المعاش .
ويصور سانسوت كيفية انتاج الانسان في المدينة بروح شعرية .
فمجموعة من الدارسين اعتبروا المجال الحضري ليس كباقي المجالات حيث تختلف النظرة حوله من طرف معايشيه و هنا تكمن سيادة الفردانية في المدينة و بالتالي افلاس الحميمية و الرابط الاجتماعي .
من هنا يستحضر صاحب المقال اعمال يجب على الجغرافيين التحلي بها و بالتالي ادى به المطاف الى طرح سؤوال هل من السهل فعلا ان نرسخ كل ما يتعلق بنا في المجال المعاش؟
ارموند يعتبر الصيغة القديمة في تهيئة المدن ما هي الا لغة ميتة و بالتالي فمن الواجب اعطاء لغة حية للمدينة و التحضر حيث استحضر دراسة لودريت » المعنونة ب » المجال الاجتماعي للمدينة » حيث تتناول ما يتعلق بصورة المدينة و التي من خلالها كشفت التناقضات المتنوعة للادراكات و السلوكات بالنسبة للانظمة و العلامات و الرموز التي يتحلى بها التحضر وذلك من اجل الاحاطة  باشكال الترابط الاجتماعي في المدينة اضافة الى الترابط بين مختلف الطبقات و هذالانقد عبر عنه « شاو » في الانتولوجية النقدية..
اذن فمقولة المجال المعاش لا يمكن التعبير عنها تطبيقيا و لكنها كامنة في كل شيء تقريبا كالاوصاف التي ترتبط بالعالم و بالمون و التي تاسس في مجموعها على نقد الحياة اليومية .
ولكن على الرغم من ذلك فان هذا المجال يمكن ان يكون ثوريا و ذلك حسب رموز اكدها «  ازوف’ في دراسته حول المواكب الثورية و المدجينة خلال الثورة الفرنسية و كذا دراسة « كربلاي » حول المدينة السوفياتية .
اذن هنا نجد المدينة تتموقع بين الحتمية و الخيال اي بين حتمية كتلة البنيات الاجتماعية و تطلعات الحاضر كما يتمناها المواطنون.
خاتمة :
      ان المجال المعاش حسب بعض الجغرافيين ما هو الا قتل لذوق اليوم او ما هو الا ضرب من الموضى و اللعب بالكلمات لذلك يجب تعميق النظرة حوله و هذا يأتي  عبر ثلاث مراحل :
اولا :لا بد من معرفة جيدة بالعلوم الانسانية .
ثانيا: التعميق يحتاج الى اعادة تجديد في المنظورات و المناهج الجغرافية ، لكي نستطيع قراءة الواقع الاجتماعي .
ثالثا : لا بد من رفع الرهانات و ذلك بانتقادالتهييئات الحضرية و التهيئة الخاصة بالمناطق المحلية و التي تتجاهل الاحلام و الوقائع المعاشة بالنسبة للافراد، كذلك يجب انتقاد اوهام وعي زائف لعلم موضوعي لاسيما حينما يتبنى هذا الاخير كثيرا من المصداقية في الوسائل الموظفة في الواقع المعاش.فلا يوجد علم بدون و عي ،وبدون الاخد بعين الاعتبار الوعي بالترابط الاجتماعي و الصراعات و الامال و كذا السلوكات.
الانتقادات الموجهة لصاحب المقال:
رغم كل ما قدمه ارموند فريمون من محاولات و ابحاث لكنها تفتقد لمنهجية واضحة لدراسة المجال ، و هي فقط بقيت كمحاولات اولية لوضع ارضية من اجل تقديم ابحاث اخرى معمقة ، محاولا بذلك تقديم مقاربة و براديكم جديد ، لكن بقيت دراسته كفضول او انشغالات شخصية لفهم علاقة الانسان بالمجال .
بالاضافة الى تعامله مع العلوم الانسانية بنوع من الانتقائية كما هو الحال في انتقائه لاعمال ليفي سترواس الانتروبولوجية .