‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 11 مارس 2015

الغصن الذهبي * حوار مع جيمس جويس * أرثر باور * pdf * كاملاً

الغصن الذهبي حوار ممتد مع جيمس جويس لـ آرثر باور





وجدت في كتاب آرثر باور "حوارات مع جيمس جويس" ما ساعدني على فهم صاحب "صورة الفنان شابًا" ومعرفة آرائه في الفن والأدب عمومًا. لذا ارتأيت نقله إلى العربية ببعض التصرف، فلعل أحباء جويس من الكتاب والمثقفين العرب يجدون فيه ما يشفي غليلهم. 
كان آرثر باور فنّانًا شابًا يعيش في باريس في العشرينات من القرن الماضي لما تعرف على جويس، وظل يلتقي به عدة مرات في الشهر لسنوات طويلة. مسجلاً خلال كل لقاء به آراءه حول الأدب والفن عمومًا، وحول كتّاب من مختلف العصور والثقافات … لذا يمكن القول أن هذا الكتاب مفتاح جيد لفهم عالم صاحب "أوليسيس" وسبر أغوار فنان عظيم أحدث ثورة هائلة في مجال الكتابة خلال القرن العشرين. 


المترجم: حسونة المصباحي

حسونة المصباحي من مواليد قرية «الذهبيات» في ريف القيروان عام 1950، ودرس الآداب الفرنسية في جامعة تونس. بعد أن أمضى أكثر من عشرين سنة في مدينة ميونيخ الألمانية، عاد إلى بلده تونس، حيث يقيم ويعمل الآن في مدينة الحمامات. - صدرت له ثلاث مجموعات قصصية هي «حكاية جنون ابنة عمي هنية» تونس 1986، (جائزة القصة- وزارة الثقافة التونسية)، «ليلة الغرباء» تونس 1997، «السلحفاة» دار جلجامش باريس 1997، طبعة ثانية عن الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 2000. - أصدر حتى الآن خمس روايات هي: «هلوسات ترشيش» دار توبقال، المغرب 1995، «الآخرون» دار تبر الزمان، تونس 1998، «وداعا روزالي» دار الجمل، ألمانيا 2001، «نواره الدفلى» الدار المتوسطية للنشر، تونس 2004، «حكاية تونسية» عن دار كليم للنشر في دبي 2008. ترجمت أعماله إلى اللغة الألمانية، وفازت «هلوسات ترشيش» بجائزة Toucan لأفضل كتاب للعام 2000 في مدينة ميونيخ. كما اختيرت قصته «السلحفاة» التي نشرتها مجلة «بانيبال» بالإنكليزية، في القائمة القصيرة لجائزة «كين» للأدب الأفريقي، وكان رئيس لجنة التحكيم الحائز على جائزة نوبل ج م كوتزي. كما ترجم حسونة المصباحي من الفرنسية إلى العربية عشرات المؤلفات منها «أصوات مراكش» لإلياس كانيتي، «قصص للأطفال» جاك بيرفير، «الحب هو البراءة الأبدية» منتخبات من الشعر العالمي. ووصف الأديب المصري الراحل يوسف إدريس قصص حسونة المصباحي، قائلاً: «يكفي أن تقرأ قصة واحدة لحسونة المصباحي لكي تعرف كيف يعيش الإنسان التونسي، وكيف يفكر، وما هي حكاياته وأساطيره الخاصة كما لو انك عشت في تونس عشرات السنين».

نص الخطاب الذي ألقته الكاتبة الجزائرية آسيا جبار عند دخولها الأكاديمية الفرنسية / مترجم / مقالات مختارة

نص الخطاب الذي ألقته الكاتبة الجزائرية آسيا جبار عند دخولها الأكاديمية الفرنسية، يوم 22 جوان عام 2006


نص الخطاب الذي ألقته الكاتبة الجزائرية آسيا جبار عند دخولها الأكاديمية الفرنسية، يوم 22 جوان عام 2006


السيدات و السادة أعضاء الاكاديمية
         أريد أولا ذكر الشاعر جان كوكتو، الذي جرى استقباله هنا في أكتوبر 1955، في نفس التاريخ الذي دخلت فيه المدرسة العليا للأساتذة بباريس، وهو ما يتذكره إثنان أو ثلاثة من الذين درسوا معي وصديقاتي الحاضرين اليوم بيننا .
         "جان كوكتو" إذن بسمو وعذوبة غير متكلفين في كتاباته وصوره، قال في مقدمة خطابه:” يجب علي أن أتجنب كلمات المناسبات، التي يدفعنا نحوها لاشعوريا المكان التاريخي”.
          هل أتجنب كلام المناسبات بدوري؟ المجازفة بالنسبة لي أكبر: لست أملك ظرافة ولا حمية جان كوكتو، المُحتفى به طيلة حياته في المجتمعات الرفيعة ووسط الجماهير المتنوعة. على الأقل الكلمات الأولى لشاعر ألف قصيدة حقول الغناء التي ألقاها في هذه القاعة بالذات، تأتي إلي لأعبر لكم عن تشكراتي لأنكم قبلتموني إلى جانبكم . صوت كوكتو هذا يتدخل كهامس في مسرح يسمح لي بالسيطرة على تصلب ناشئ من حيائي أمامكم.
         لأن هذا المكان يسكنه الكثيرون من الذين كانوا على مدار أربعة قرون تقريبا يتناوبون في عمل دؤوب على اللغة الفرنسية، وحملتهم إلى هنا أعمالهم ذات الطبيعة العلمية، الخيالية، الشعرية أو القانونية. وسط هذا الشعب من الحاضرين/ الغائبين، الذين نسميهم إذن ” الخالدين” أختار كملاك حارس ثان، دونيس ديدرو، الذي لكم يكن مثل فولتير، أكاديميا، لكن شبحه سيكون لي وهذا ما أحسه، الظل الحارس.
         “تهيأ لي، كتب الفيلسوف سنة 1751، أنه ينبغي أن أكون بالمرة في الداخل و الخارج”. وهكذا حدد ديدرو مساره بينما هو ينهي رسالته عن الصم البكم.أستعير منه زاوية المقاربة هذه، لأضع نفسي ” في آن واحد في الخارج وفي الداخل” لأقوم بالثناء كما جرت العادة على من سبقـني في الجلوس على الكرسي رقم 5 العميد جورج فيدل.
أيتها السيدات و السادة و هي تابعة للسابقة…
         اسمحوا لي بالتحدث عنها الآن : فرنسا على مدار أكثر من نصف قرن واجهت الحركة العالمية التي لا تراجع فيها المتعلقة بتصفية استعمار الشعوب، وحدث أن جرى على الأرض التي ولدتُ بها ترك إرث كبير من حياة البشر الذين جرى سحقهم، وتضحيات خاصة وعامة لا عدّ لها، وهذا مؤلم على جانبي التمزق .
           كان الأمر يتعلق أيضا بمواجهة أكثر اتساعا لأوروبا مع كل العالم الثالث، وعلى فلاسفة التاريخ أن يقدروا لماذا أخذت الحربان العالميتان جذورهما دون شك في أن ألمانيا وهي قوة توحدت سنة 1870 وجدت نفسها مستبعدة من التقسيم الكولونيالي لأفريقيا في القرن التاسع عشر.
         أفريقيا الشمالية في زمن الإمبراطورية الفرنسية ـ كبقية أفريقيا بالنسبة لمستعمريها الإنكليز، البرتغاليين أو البلجيكيين- عانت طيلة قرن ونصف بالتمام من سلب خيراتها الطبيعية. ومن تدمير أساساتها الاجتماعية، وبالنسبة للجزائر، الإقصاء من التعليم بلغتي هويتها، البربرية الضاربة في جذور التاريخ، واللغة العربية، التي لم أتمكن حينها من ملاحظة خاصيتها الشعرية إلا في آيات القرآن التي بقت عزيزة علي . الاستعمار جرحٌ كبير عاشه أجدادي لأربعة أجيال يوما بيوم.
          السيدات و السادة، الاستعمار عاشه أجدادنا يوما بيوم على مدى أربعة أجيال على الأقل، وكان جرحا كبيرا!جرحا فتح البعض ذاكرته مؤخرا ، وبخفة من خلال مسخرة الحسابات الانتخابية. قبلها في 1950 ضمن “خطاب حول الاستعمار” بين الشاعر الكبير إيمي سيزار بنفس كلماته القوية، كيف أن الحروب الكولونيالية في أفريقيا و آسيا، وبالفعل “نزعت غطاء الحضارة” و “وحشت” كما قال أوروبا.
           في قلب حرب الجزائر من جهتي، على العكس استفدت من حوارات دافئة مع المعلمين الكبار لسنوات الخمسينات: لويس ماسينيون، دارسٌ للإسلام من نوعية نادرة، لأجل أبحاثٍ حينها حول التصوف النسوي في القرون الوسطى، المؤرخ شارل أندري جوليان الذي كان عميدا لي في جامعة الرباط في حوالي 1960، وأخيرا عالم الاجتماع المستعرب جاك بيرك الذي وقف إلى جانبي ويا للحسرة مباشرة قبل موته في قلب العنف الإسلامي خلال العشرية الماضية المسلط على المثقفين في الجزائر.
           سأضيف إلى هذه القائمة، الصديق السابق الذي لا يظهر غاستون بونور الذي من مصر جاء ليُـنهي حياته العملية كأستاذ في المغرب. كان واحدا من القلائل الذين شجعوني في بداياتي كروائية، وهو ما فعل في وقت متأخر الشاعر بيار إيمانويل الذي أخذ مكانه بينكم.
         أنتهي بالخصوص إلى ذكْــر امرأتين أعطتاني القوة لأكون ما أنا وأقصد مؤلفة تكتب بالفرنسية: احداهما السيدة بلاسي، في مدرسة البليدة، بقراءتها البسيطة لشعر بودلير- كان عمري 11 سنة-، الأخرى في باريس، الأستاذة دينا دريفوس التي مررت لي من خلال دراسة ديكارت وكانط شيئا من الصرامة، كنت في التاسعة عشر…
         أريد أن أضيف، وأنا أفكر في الكثير من الجزائريات اللاتي يكافحن اليوم من أجل حقوقهن كمواطنات، اعترافي بجميل جيرمان تيليون، التي سبقتنا جميعا، بأعمالها في الأوراس، كان ذلك في الثلاثينات، وبعملها الحواري في خضم معركة الجزائر سنة 1957، وأيضا لكتابها “الحريم وأبناء العم” الذي كان لنا منذ الستينات “الكتاب المضيء”، عمل واضح الرؤية أكثر مما هو مثير للجدل.
         مثل جورج فيدل، توجهت للفلسفة. متحمسة، كنت في الواحدة والعشرين، بالمنزلة الرفيعة لأبن رشد، ابن رشد هذا العبقري الأندلسي الذي كان أحيت جرأة تفكيره الموروث الغربي، لكن وحين تعلمت الإنكليزية، اللاتينية والإغريقية، ومثلما رغبت دون جدوى في تحسين عربيتي الكلاسيكية، كان علي أن أقلص من طموحي والقبول مكرهة لأصير مؤرخة. في هذا المنحى أحادية اللغة الفرنسية التي تم فرضها في الجزائر المستعمرة، كانت تريد تقليل قيمة اللغات الأم، وتدفعنا أكثر للبحث عن أصولنا.
        وهكذا أقول نبضت “رغبتي الملحة في اللغة”، لغة متحركة، لغة أصنع إيقاعاتها لأقول لنفسي أو لأعبر على أنني لا أحسن الحديث لنفسي، وإلا يا للأسف أحيانا في الجرح… وإلا في الصراع بين لغتين، لا بين ثلاث لغات، وفي هذا المثلث غير المتساوي الأضلاع، على مستويات قوة أو تواضيح مختلفة علي أن أجد مركز توازني أو اهتزازي لأضع كتابتي، وأجعلها تستقر بدل المخاطرة بجعلها تهرب مني.
         اللغة الفرنسية، لغتكم أيتها السيدات والسادة، صارت لغتي، على الأقل كتابة، الفرنسية إذن مكان تنقيب لأعمالي، فضاء لتأملاتي أو لأحلامي، هدف لطوباويتي ربما، ولأقول حتى أنها إيقاع تنفسي اليومي: ما أريد وضعه الآن، أو أن أبقى خيالا واقفا على عتبتكم.
         أتذكر العام الماضي في جوان 2005، اليوم الذي انتخبتموني فيه عضوا لأكاديميتكم أجبت الصحفيين الذين كانوا يريدون معرفة ردّ فعلي قائلة “كنت سعيدة لأجل الفرنكوفونية في البلاد المغاربية”.
         الرصانة تفرض نفسها، لأنه تملكني إحساس فيزيائي تقريبا أن أبوابكم لن تنفتح لي وحدي، ولا لكتبي فقط، لكن لظلال زملائي التي لا تزال حية - كتابا، صحفيين، مثقفين، نساء ورجال الجزائر الذين دفعوا في عشرية التسعينات حياتهم ثمنا للكتابة، ولعرض أفكارهم، أو فقط لأنهم مارسوا التعليم باللغة الفرنسية. منذئذ، بفضل الله بدأت بلادي شيئا فشيئا تكوي جراحها.
           سيكون ربما مفيدا أن نذكر أنه في طفولتي في الجزائر تحت الاستعمار (كانوا يسمونني حينها “فرنسية مسلمة”) بينما هم يعلموننا أن “أجدادنا الغاليين (من بلاد الغال)” في تلك الفترة تحديدا الغاليين، أفريقيا الشمالية (التي نسميها أيضا نوميديا) أرضي العريقة كانت لديها كتابة أدبية رفيعة النوعية، باللغة اللاتينية…
          سأذكر ثلاثة أسماء كبيرة: أبوليوس، المولود سنة 125 بعد المسيح في مادور (مداوروش الحالية بسوق أهراس) في شرق الجزائر، كان طالبا في قرطاج ثم في أثينا، يكتب باللاتينية، يلقي محاضرات رائعة بالإغريقية، له أعمال أدبية كثيرة، أبرزها “الحمار الذهبي أو التحولات”، وهي رواية عن التشرد، حافظت حيويتها، وحريتها و قهقهاتها على عصرنة عجيبة… يا لها من ثورة، ينبغي ترجمتها للعربية الشعبية أو الأدبية، لا يهمّ، الأكيد أن ذلك سيكون لقاحا منقذا يجب القيام به الأصوليات من كل حدب التي ظهرت اليوم.
           بينما ترتوليان الذي ولد وثنيا في قرطاج سنة 155 بعد المسيح، و الذي اعتنق المسيحية فيما بعد، فهو مؤلف لحوالي ثلاثين عملا منها دفاعاته ذات الصرامة النقية ويكفي أخذ جملتين أو ثلاثة التي برزت من القرن الثاني المسيحي واللاتيني لتبدو فجأة وكأنها كلمات خطيب منبر يبغض النساء وغير متسامح من أفريقيا. مثلا لنأخذ مقطعا من تأليفه “عن حجاب العذارى” وفيه هذا التأكيد: ” كل عذراء تكشف نفسها – يكتب ترتوليان- تتعرض لنوعٍ من الدعارة !” و في مكان آخر يقول ” منذ أن كشفتم عن رأس هذه الفتاة، لم تعد عذراء كاملة في نظرها”.
           نعم، لنترجمه بسرعة إلى العربية، لنثبت لأنفسنا، على الأقل أن الهوس بكره النساء الذي يختار دائما الجسد الأنثوي كقضية ليس فقط تخصصا “إسلاميا”.
           في منتصف القرن الرابع، مرة أخرى في الشرق الجزائري ولد أكبر أفريقي من ذاك الزمن القديم، ولا شك أنه كذلك في كل أدبنا: أوغسطين، ولد لأبوين بربريين تأثرا باللاتينية… ولا فائدة من التطرق لتفاصيل مسار معروف لأب الكنيسة هذا: تأثير أمه مونيك التي تتبعته من قرطاج حتى ميلان، ونجاحاته الفكرية والمجتمعية، ثم مشهد الحديقة الذي اهتدى إثره، وعودته إلى منزل والده في تاغاست، وبداياته كقسيس في هيبون (عنابة الحالية) وأخيرا كفاحه الطويل لما لا يقل عن عشريتين، ضد الدوناتيين، من البربر الذين اعتنقوا المسيحية، لكنهم بقوا متصلبين بشدة في انشقاقهم.
           بعد عشرين سنة من النضال ضد هؤلاء الذين كانوا بمثابة “المسيحيين الأصوليين” في وقته، والذين كانوا على اتصال مع أتباعهم الذين يتكلمون البربرية، اعتقد أوغسطين أنه هزمهم: بالتحديد تصور أنه انتصر عليهم سنة 418 في قيصرية ( شرشال) موريطانيا (مدينة عائلتي و جزء من طفولتي).
          كان مخطئا. بعد ذلك بثلاثة عشر سنة، مات سنة 431 في هيبون التي حاصرها الوندال الذين جاؤوا من إسبانيا والذين على سواحلها قاموا خلال عام واحد بتدمير كل شيء تقريبا.هكذا يشكل هؤلاء الكتاب الكبار جزءا من تراثنا، ينبغي أن تتم دراستهم في الثانويات المغاربية: باللغة الأصلية أو في ترجمات فرنسية وعربية .
          علينا التذكير أنه لقرون رافقت العربية انتشار اللاتينية والإغريقية في الغرب حتى نهاية القرون الوسطى. بعد 711 وحتى سقوط غرناطة سنة 1492 عربية الأندلسيين أنتجت أعمالا جليلة من مؤلفيها ابن بطوطة الرحالة المولود في طنجة، ابن رشد الفيلسوف الذي شرح أرسطو ليرد على الغزالي، وأخيرا المتصوف الكبير في الغرب الإسلامي ابن عربي، الذي سافر من بجاية غلى تونس ومنها عاد إلى قرطبة ثم إلى فاس.
            العربية كانت حينها أيضا لغة علوم ( طب، فلك، رياضيات و غيرها). وهكذا ففي لغة الآخر (البدو من الجزيرة العربية أدخلوا البربر في الإسلام ليغزوا معهم إسبانيا) كان أجدادي الأفارقة يكتبون ويخترعون. آخرهم وجه للحداثة يرمز للقطيعة كان ابن خلدون الذي ولد بتونس، وكتب تاريخه عن البربر في الجزائر، في منتصف القرن الرابع عشر وأنهى حياته سنة 1406 في المشرق، كما فعل تقريبا قبله بقرنين ابن عربي. بالنسبة لهذين العبقريين المتصوف الأندلسي والمتشكك مخترع علم الاجتماع كانت لغة الكتابة محركا لهما، هما ينتميان للعالم، اختارا المنفى على موطنهما على أن يتركا التأليف.
         فيم تنفعني اليوم لغتي الفرنسية ؟ أطرح السؤال على نفسي بصراحة مذ كان عمري 20 سنة، لقد اخترت تدريس التاريخ المغاربي في الجامعة.
        مثل العميد فيدل أحب في هذه المهنة حرية الفكر التي تضمنها، وكذا الاتصال بالمفكرين الشباب لنوصل لهم ما نحب، ونبقى يقظين معهم لأنهم يوجهون بوصلتنا بينما نحن نتقدم في السن. لم أفعل بعد كل شيء سوى أنني مددت في عمر نشاط والدي الذي كان معلما في الثلاثينات في قلب جبال الجزائر، وحيدا في مدرسة لا تصل إليها الطريق، يعلم الأطفال بالفرنسية، ويضيف دروسا للكبار من جيله، يضمن لهم تكوينا سريعا في الفرنسية ويهيئهم بذلك لمزاولة وظائف صغيرة في الإدارة لكي تحصل عائلاتهم على مواد منتظمة.
         منذ الخامسة عشرة انتميت إلى مفهوم ساخن للأدب.” أكتب لأتعرف على نفسي” يقول الشاعر هنري ميشو، وتبنيت بصمت هذه المقولة.
         الكتابة صارت لدي نشاطا ليليا في الغالب، بأي حال نشاطا دائما، بحث تتقطع معه الأنفاس… أكتب بحمية “الاجتهاد” يعني بالبحث المصوب نحو ماذا، نحو الذات أولا. أتساءل، مثل من ربما بعد كل شيء مثل بطل أبوليوس المتحول الذي سافر إلى تيساليا، سوى أنني لا أريد أن أحتفظ من هذا التقارب الرنان بغير حركة و تسكع لوسيوس، نظير المؤلف ابن بلدي قبل تسعة عشر قرنا…
        هل تتساءلون انني أكتب متحولة، مقنعة وهذا القناع الذي لا تريدون مع ذلك نزعه هل هو اللغة الفرنسية ؟
        منذ عقود لم تعد هذه اللغة عندي لغة للآخر- تقريبا جلدي الثاني، أو لغة متغلغلة في داخلي، نبضاتها ضد خفقات القلب، قريبة جدا من الشريان التاجي، ربما تحيط بعقبك بعقدة خيط متدلية، لتصنع إيقاع مشيتك (لأنني أكتب و أمشي، يوميا تقريبا في حي سوهو أو على جسر بروكلين)… ولا أحسّ حينها سوى بنفسي سوى عينان تنظران وسط عالم عملاق يولد. فرنسيتي تصير طاقة باقية تساعدني على تجرّع الفضاء الأزرق الرمادي، كل السماء.
         كان يمكن أن أصبح في نهاية السبعينات بالمرة سينمائية بالعربية و روائية بالفرنسية. رغم فيلمي الطويلين، الذين احتفي بهما في البندقية و برلين، لو أنني أصررت على الكفاح ضد ذكورية الممسكين بسينما الدولة في بلادي، بصورها الكاريكاتورية من الماضي، و صورها الشعبوية المثيرة للأسى، كنت سأختنق كما كان مصير العديد من السينمائيين الذين تم تكوينهم بجدية. هذا العقم الهيكلي كان ينبئ في العمق في الجزائر بموجة اللاتسامح والعنف الذين عرفتهما عشرية التسعينات. كنت إذن سأغامر بالعيش صماء و عمياء بطريقة ما، لأنني ممنوعة من الإبداع المرئي-المسموع.
         لكن من خلال استطلاعي لأخذ ذاكرة نساء الجبال في الظهرة بالعربية وأحيانا البربرية المستعملة كصمام لذكريات الذبيحة المؤلمة تلقيت صدمة نهائية. كانت عودة للمنابع، لأقل حتى أنه كان درسا أخلاقيا وجماليا من نساء من أعمار مختلفة من قبيلة أمي، كن يتذكرن حياتهن أيام حرب الجزائر، وأيضا حياتهن اليومية.
          تحررت ألسنتهن مع صور مفاجئة، نصف كتابات، مرة وغريبة، تترك إيمانا قويا أو مطمئنا كنبع ماء يغسل و يمحي الأحقاد. نساء جبل شنوة أعدن لي بصيرتي وفرنسيتي تنورت بهن تعلمت الرؤية من جديد، ومع رغبة في التوصيل بطريقة شبه فرجيلية لهذا الواقع، استعدت الوحدة الداخلية، بفضل تلك الكلمات المحفوظة من أخواتي، وحيائهن اللامعلوم، وأيضا الصوت الأصيل الذي بدأ يختمر في قلب فرنسية كتابتي، و هكذا مسلحة أو متصالحة اتجهت نحو آفاق رحبة.
           هناك على الضفة الجنوبية التي تركتها، من ينظر بعد الآن إلى كل امرأة التي لم تكن لها من قبل حقّ النظر، تمشي بخطى صغيرة مطأطئة، عيناها نحو الأسفل، تغطي وجهها، جبهتها وكل جسدها بثياب شتى، من صوف وحرير وقفاطين؟ أجساد متحركة صارت بينما كان تمدرس البنات من كل الأعمار مفروضا في أصغر قرية فيما يبدو تحت الرقابة بصورة أشد ؟
          المهندسة المعمارية الشابة في نوبة نساء جبل شنوة، تعود إلى منطقة طفولتها، نظرتها إلى القرويات تطلب تبادل الكلام، وتتداخل حواراتهن.
        هل من الصدفة أن كل أعمال النساء في السينما تضيف للصوت وللموسيقى ولنبرة الأصوات المأخوذة والمفاجأة بعدا أكثر عمقا من الصورة ذاتها ؟ كما لو أنه ينبغي الاقتراب أكثر من الشاشة، وملئها، لكن الصوت ممتلئ، حادّ كصخرة، هش وغني كقلب بشر.
        هكذا توجهت للعمل في مجال الصورة والصوت، لأنني كنت أقترب من لغة أم لا أريد رؤيتها إلا في الفضاء، أرغب في أخذ هيئتها نهائيا، لغة كضربة الشمس تصنع إيقاعا خارج أجساد المرأة الماشية، الراقصة ، التي دائما في الخارج، تحد أساسي.
      أما بالنسبة للفرنسية في نهاية أي ترحال بشري يمكن أن نصنع ظفيرة للغة تبدو واضحة في نسيج أصوات أخواتي ؟ كلمات كل لغات العالم تتلامس، تتهجأ، تطير مثل سنونوة تصنع عشها.. نعم الكلمات يمكن أن تتنفس، لكن شكل رسمها ، لا يلغي أجسادنا الحاملة للذكريات.
        القول دون تصنع إن كتابتي بالفرنسية تحمل بذور أصوات وإيقاعات الأصل، مثل الموسيقى التي جاء بيللا بارتوك ليسمعها سنة 1913 حتى في قمم الأوراس. نعم لغة كتابتي تنفتح على المختلف، تتخفف من محظورات الاختراق، تتمطط لكي لا تبدو كغطاء مائدة مملوء تشده خيوط الصمت.
          فرنسيتي تنورت منذ عشرين سنة من ليلة “نساء جبل شنوة” وبدا لي أنهن لا زلن يرقصن من أجلي في مغارات سرية، بينما يشعّ البحر المتوسط عند أقدامهن، إنهن يحيينني، يحمينني . حملت إلى ما وراء الأطلسي ضحكاتهن، صور “شفا” – نطقتها بالعربية- يعني للبرء. لأن فرنسيتي، مغلفة بالمخمل، لكن أيضا بأشواك لغات كانت مخفية، ستجعل ربما جروح الذاكرة عندي تندمل.
           السيدات و السادة، أنها رغبتي الأخيرة في “الشفاء” لنا جميعا، لنفتح واسعا “كتاب الشفاء” - نطقتها أيضا بالعربية - كتاب شفاء (الروح) لابن سينا، المسلم من اصفهان الذي كان سباقا للعلم في شتى تخصصاته، وفاجأ قبل بيك دو لا ميراندول بأربعة قرون القراء والعلماء المتابعين…
        لا يمكنني من أجل أن أختم، ألا ألتفت نحو فرانسوا رابلي ” العابر الكبير للطرقات الخطرة” كما يسمى، رابلي إذن الذي كان في مونبيليي يدرس الطب، انغمس في كتب الشفاء. وفي رسالته من غارغونتيا إلى بنتاغريال سنة 1532، أي قبل قرن من إنشاء الأكاديمية من قبل الكاردينال دوريشليو قدم النصيحة بتعلم ” أولا الإغريقية، ثانيا اللاتينية، بعدها العبرية للآداب المقدسة، والعربية لنفس السبب” وأضاف غارغونتيا سريعا للبرنامج ” القانون المدني، أريد أن تعرف عن ظهر قلب كل النصوص الجميلة”.
           ولهذا أتصور أيتها السيدات أيها السادة أنه في هذه اللحظة فوق رؤوسنا يتحاور فرنسوا رابلي في الأعالي مع ابن سينا، بينما أضحك أنا هنا تجاه العميد فيدل الذي بفضلكم أخلفه اليوم.


ترجمة عمر شابي
منشور بالكامل بالفرنسية على الموقع الرسمي للأكاديمية.

مغامرات مؤرخة في أدب التراجم * كاثرين درينكر بوين * pdf

مغامرات مؤرخة في أدب التراجم 
تأليف - كاثرين درينكر بوين
ترجمة: محمود عزت موسى
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة
الطبعة: 1962
294 صفحة

حول الكاتبة 

كاترين درينكر بوين ولدت في 1 جانفي 1897 في هارفورد ،  ، توفيت في 1 نوفمبر 1973 في هارفورد كاتبة امريكية عرفت بكتاباتها حول السير الذاتية ،وفازت بالجائزة الوطنية الامريكية للكتاب للكتب غير الخيالية للعام 1958. 



------------
[ منتدى سور الأزبكية ]

الجمعة، 6 مارس 2015

أدب الصمت: إيهاب حسن ترجمة: محمد عيد إبراهيم/ كاملاً

أدب الصمت: إيهاب حسن
ترجمة: محمد عيد إبراهيم



1

تبدو فكرةُ الطليعيين اليومَ بالغةَ البساطة. وقد خسرنا، بتعوّدنا على تحمّلِ الأزمة، حسَّ الثقةِ بالتوجّه. أيّ طريقٍ تلوح؟ فالأدب، يتحوّلُ ضدّ ذاته، ويتوقُ إلى الصمت، يمضي في تلميحاتٍ مقلقةٍ من الانتهاكِ(1) والرؤيوية(2). وإن وجِدَ طليعيٌّ في عصرنا، فقد ينوءُ بالكشفِ عن انتحارٍ. يأتي مصطلحُ "لا أدب" بإزاءَ "لا مادة"، للترميزِ فقط وليس انحرافاً لأشكالٍ، بل لنوايا وطاقةٍ تنقلبُ للخارج. فهل يكونُ المستقبلُ عندئذٍ، وبكاملهِ، شريداً وكارثةً لكلّ مَن يزاولُ الأدبَ؟   
مع أني لا أثقُ في أن الكلمةَ تُنهك إمكاناتِ الروح، إلا أني أعترفُ بأن الكارثةَ تذهب وتعود بترنيماتٍ حاذقة. ولقد زعمَ الصوفيون دائماً أن الكتابةَ هي سبيلٌ للخروج، وأن نهاياتِ الأشياء تؤذِنُ ببداياتِ الجديد ـ مفارقةٌ سلبية، كما ندّعي اليوم، لكنها صيغة للمفارقة برغم ذلك. فالصمتُ في الأدب ليس نذيراً بموتِ الروح، بالضرورة. 
هذه النقطةُ التي توضّح الأدبَ الجديد مختلفةٌ: فمهما كانت الجدّة حقاً فهي تتحاشَى المِعيارَ الاجتماعيّ والتاريخيّ والجماليّ الذي أعطى هُوِيةً للطليعيّ في فتراتٍ أخرى. إن قوةَ المراوغةِ أو الغيابَ، في الأدبِ الجديد، متطرّفةٌ في الواقع؛ فهي تضربُ في الجذورِ والتياراتِ، استعارياً، بصمتٍ رائع. لكن القوةَ نفسها، تتصاعدُ في الجذع والأوراق، لتنفجرَ بصخبٍ بابليٍّ(3) هائل. ما نسمعه أكثرُ هو صرخةُ الانتهاك، صوتُ الرؤيوية. ألمحَ كلٌّ من هنري ميللر(4) وصامويل بيكيت(5) إلى الصمتِ، فهما ثرثاران متسلّطان، وفيما بينهما، صدرَت ملاحظاتٌ كاملة عن الكلامِ الأجوفِ الجديد. وليس اقترانهما بذلك خيالاً طفيفاً. فقد وقفا كمرآةٍ تبدعُ خيالاً عصرياً، ثم انتهيا إلى تأمّل افتراضاتٍ غريبة. وبأسلوبِ الكلام القديم ذاته، صارا اليوم، من أكبرِ الطليعيين. 

النص كاملا هنا .

الترجمة وحقوق النص حقوق لمدونة جورج باتاي . كل الحقوق محفوظة .

الخميس، 26 فبراير 2015

كتاب الكشف عن حافة الزمن pdf

كتاب الكشف عن حافة الزمن


الكشف عن حافة الزمن يتناول أكثر ما أفرزه العلم الحديث من إثارة ، إنها الثقوب السوداء الأمر الذى أثار الذعر والهلع بقدرته على التهام كل من يقترب منه ، وسوف تجول فى غرائب الخيالات العلمية التى يعرضها هذا الكتاب فما من باب يفتحه الإنسان على الطبيعة بغُية فهمها إلا وينفتح بدوره على أبواب من الألغاز ، سوف يظل الإنسان يكدح فى هذه المطاردة مع الحقيقة إلى أن يلاقى ربه . فهذ الكتاب " الكشف عن حافة الزمن " يعتبر هو الاساس الذى بنيت عليه افلام الخيال العلمى ، ويبين لنا أن بحور العلم فيها ما فيها من نظريات خارقة للتصور البشرى تفوق أقصى ما يمكن أن يصل إليه خيال الإنسان .
استمتع بقراءة وتحميل كتاب " الكشف عن حافة الزمن " من الرابط التالى

الخميس، 5 فبراير 2015

كتاب المترجم pdf – هشام فهمي 2015

كتاب المترجم pdf – هشام فهمي


المصدر موقع طلاب





بين يديك مجموعة من قصص ومختارات لم تقرأها من قبل في أغلب الاحوال.. هي نتاج اختيارات تمَّت بعناية لمجموعة من أروع الكتابات بين الرعب والدراما والفانتازيا والرومانسية .. في هذا الكتاب ستكون في حضرة كتاب مشهورين يكتبون بطريقةٍ لم تألفها ويحكون عن أشياءٍ لم ترها، منهم تشاك پالانيك، نيل جايمان، فرانز كافكا، ڤيرچينيا وولف، وآخرون؛ بالإضافة لسينمائيين كانت لديهم تجارب مهمَّة في مجال الكتابة، من عينة المخرج وودي آلن والنجم چوني دپ وغيرهما.



الجمعة، 30 يناير 2015

"بوشكين" ترجم قصائد المتنبي


 "بوشكين" ترجم قصائد المتنبي

الخميس 29/يناير/2015 - 08:29 م 

محمد نبيل ونرمين البركاوي - مصدر جريدة التحرير 




فجر الشاعر المصري أحمد غراب مفاجأة للحاضرين خلال الأمسية الشعرية الأولى بمعرض الكتاب حيث قال أنه أكتشف أثناء سفره روسيا، أن الشاعر الروسي "ألكسندر بوشكين" قد ترجم عدد من قصائد المتنبي.


وأضاف "غراب"، أن من بين القصائد التي ترجمها بوشكين، كانت قصيدة "صحب الناس يوماً ذا الزمان" موضحاً أنه استطاع أن يتوصل إلى قصائده أثناء نفيه في بلاد "القوقاز" حيث هناك تأثر بالثقافة الإسلامية وشعراءها واصفاً المتنبي بالشاعر الكوني.

يذكر أن الأمسية الشعرية الأولى ضمت عدد من كبار شعراء مصر من بينهم أحمد غراب، ومحمود عودة، وهبة عصام، وأدار الندوة الشاعر السماح عبد الله والذي أهدى الامسية للمتنبي.

الثلاثاء، 13 يناير 2015

النور والفراشة / النص الكامل للديوان الشرقي / غوته / ادب الماني مترجم

التحميل من الرابط التالى

مما قاله غوته في وصفه للغة العربية " ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد"، وقد عكف غوته على دراسة الشريعة الإسلامية دراسة متعمقة، وأطلع على الأشعار والملاحم العربية وتأثر بعدد من الشعراء مثل المتنبي، وقام بإدراج بعض من ملامح أشعاره في روايته "فاوست"، كما تأثر بأبي تمام، والمعلقات السبع فقام بترجمة عدد منها إلى اللغة الألمانية عام 1783 م بمساعدة معلمه هيردر، وقرأ لفحول الشعراء مثل امرؤ القيس، طرفة بن العبد، عنترة بن شداد، زهير بن أبي سلمى وغيرهم، وكانت للأشعار والمفردات العربية تأثير بالغ على أشعار وأدب غوته.


الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

اللغة العربية تاريخها ومستوياتها وتأثيرها / pdf




هذا الكتاب – الذى بين أيدينا – مقدمه حسنه لتعريف القارئ العربى بنظريات تطور اللغه العربيه وتاريخ البحث فيها، كما أنه يحاول أن يلقى نظره عامه وكليه – ولو أنها بسيطه – على مجالات بحث العربيه فى الوقت الحالى وأساليب دراسه لهجاتها، وسوف يلاحظ القارئ النظريات والأبحاث والإسهامات الكبيره فى دراسه تاريخ اللغه العربيه والجوانب الاجتماعيه واللهجاتيه.


اللغة العربية تاريخها ومستوياتها وتأثيرها 
منسقا مفهرسا 282 صفحة 
كيس فرستنغ 
ترجمة محمد الشرقاوي
الطبعة الأولى 2003 م
الرابط ميديا فاير

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب لـ تشارلز سيميك / شعر / pdf

العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب لـ تشارلز سيميك اختيار وترجمة: سامر أبو هواش






تشارلز سيميك (بالإنجليزية: Charles Simic) شاعر ومترجم وكاتب مقالات أميركي من أصل صربي (1938 -...) ولد في مدينة بلغراد بيوغوسلافيا السابقة. عاش سنين الكارثة التي حلت بأوربا خلال الحرب العالمية الثانية وهاجر بعدها في سني مراهقته إلى أمريكا (1953).. وهناك واجه مصيرا صعبا حيث اضطرته ظروفة للعمل المرهق لتدبير معيشته وماتتطلبه الدراسة في الجامعة، فأشتغل بائعا للقمصان ثم بائعا في متجر للكتب وحين نشر أولى قصائده عام 1959.. لم يتمتع بنشوة النشر الأولى إذ وجد نفسه فجأة مدعوا للخدمة العسكرية في الجيش الأ مريكي.. هناك حيث تعرضت تجربته الشعرية إلى تحولات شتى وضغوط نفسية شديدة. وبعد تجربة الخدمة في الجيش وبأصرار كبير اصدر بعد تخرجه في جامعة نيويورك 1966 مجموعته الشعرية الا ولى "ما الذي يقوله العشب" عام 1967. بلغت كتبه أكثر من عشرين مجموعة شعرية وكتب أخرى تضم مقالاته، وبحوثه. ومن كتبه المنشورة: "محيطي الكتوم" 2005، و(قصائد مختارة 1963- 2003) وقد حصلت هذه المجموعة على جائزة جريفين الدولية للشعر عام 2004، وسرعان ما جذب المزيد من الاهتمام النقدي وخصوصا عند نشره قصائد له بالإنكليزية وترجمات شعرية لشعراء يوغسلاف.. ونال شعره جوائز عديدة أخرى، منها: جائزة البوليتزر لعام 1990 عن ديوانه "العالم لا ينتهي: قصائد نثر" وجائزة "والاس ستيفنز" عام 2007. وانتخب لمنصب ملك شعراء الولايات المتحدة عام 2007. من عناوين مجموعاته الشعرية:
-تعرية الصمت 1971.
-مدرسة لأفكار سوداء 1978.
-أغاني بلوز لا تنتهي 1986.
-أرق الفنادق 1992.
-عرس في الجحيم 1994.
-اصطحاب القطة السوداء 1996.
-نزهة ليلية 2001.
-ستون قصيدة 2008.


 العودة الى مكان مضاء بكوب حليب لتشارلز سيميك

حسين علي يونس
المصدر : جريدة الاتحاد 


يتميز شعر سيميك بالاقتصاد رغم انه عادة ما يكثف قصائده، فان شعره يظل شعرا ايحائيا يضيء بؤرة قصيدته ولكنه لا يتركها عارية امام الضوء ثمة احاجي والغاز تسكن نصوصه،ربما يكون سيميك شاعر القصيدة اليومية ايضا فهو ينطلق عادة من مشهد ما يمكن مصادفته في الطريق او في حانة ليست قليلة في هذه المختارات حصرا القصائد التي تتحدث عن الشاعر سارد القصيدة ذاتها وهو يأكل سندويجة في مطبخه او قرب المدفاة وهو يستمتع بدفء النار المنبعثة من الموقد.


او وهو يتأمل الباب بينما يبتلع الضباب الخارج برمته وثمة اشباح وعوالم اخر يمكن التكهن بالمستقبل من خلالها ان اتساع شاعرية سيميك لا تختفي خلف لغته وحدها وحدها، فهو من اصول اخرى غير اميركية وهذا ما منحه مساحة اكبر للتحرك في جغرافية المكان واللغة سبق لسيميك ان ترجم من قبل الشاعر الكبير سركون بولص في مجلة شعر وهذه ليس المرة الاولى التي يترجم فيها الى اللغة العربية فلقد سبق وان قدم عبر قصائد متفرقة في بعض الصحف والدوريات العربية ربما تكون ميزة" العودة الى مكان مضاء بكوب حليب" انها قدمت هذا الشاعر بصورة اوضح واشمل لم تتوفر للقارئ العربي و(العراقي) وذلك لسنوات الحصار العجاف ولضحالة الايدلوجية التي صورت لنا ان كل شيء ياتي عبر امريكا لا امل فيه وضد الانسانية رغم ان ماركس كان قد قال في يوم ما ان امل الانسانية لا يمكن ان ياتي الا عبر بلد هائل في غناه.
يقول سيميك في قصيدته
"تاريخ"
في مساء رمادي
من قرن رمادي
اكلت تفاحة
ولم يرني احد.
تفاحة صغيرة حامضة
بلون الحطب
قمت بمسحها اولا
بكم القميص
ثم مددت رجلي
الى اقصى حد
وقلت لنفسي
لم لا اغمض عيني الان
قبل نشرة الاخبار والطقس.
يعتبر الشاعر احد العلامات البارزة في الشعر الاميركي صاحب حضور والمعية بوأته جائزة بوليتزر 1989 على مجموعة قصائد النثر وعلى جائزة والاس ستيفنز 2007 كما توج بلقب شاعر امريكا المتوج في السنة ذاتها.
للشاعر ما يرويه العشب 1967 مدرسة للافكار القاتمة 1978 تفكيك الصمت 1971 مراقص كلاسيكية 1971 العالم لا ينتهي قصائد نثر كتاب الالهة والشياطين وغيرها.

أنا أيضا أغني أمريكا لـ لانغستون هيوز/ PDF / شعر

أنا أيضا أغني أمريكا لـ لانغستون هيوز اختيار وترجمة: سامر أبو هواش



لانغستون هيوز (بالإنجليزية: James Mercer Langston Hughes) كاتب صحفي ومسرحي وروائي وشاعر وناشط اجتماعي أمريكي. ينحدر لانغستون هيوز من اعراق مختلفة فهو من اصول أفريقية واسكوتلاندية واوربية يهودية وكذللك جذر من الهنود الأمريكان.

ولد لانغستون هيوز في ولاية ميسوري، وهو الابن الثاني في العائلة، قام والده بهجرهم هربا من العنصرية التي كانت سائدة في الولايات المتحدة انذاك، وبعد انفصال والديه تربى هيوز في كفالة جدته من جهة امه التي تركته مسافرة بحثا عن عمل. أول اعمال لانغستون هيوز قام بنشرها عام "الزنجي يكلم الأنهار" وهي قصيدة أصبحت فيما بعد من أهم الاعمال التي اشارت اليه، اعماله من الشعر والادب القصصي عبرت وصورت حياة الطبقة الكادحة من السود في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتخلل معظم اعمال الفخر بهويته الأمريكية من اصول أفريقية وثقافتها المتنوعة.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

قصة قصيرة لـ توم هانكس في مجلة النيويوركر

آلان بين زائد أربعة .. قصة قصيرة لـ توم هانكس في مجلة النيويوركر



ترجمة : محمود حسني .


السفر إلى القمر أصبح أقل صعوبة هذه الأيام مما كان عليه الأمر عام 1969، كما برهنا نحن الأربعة على ذلك بدون أن يثير هذا فضول أو اكتراث أي شخص. أترى، بدا الأمر وكأنه يشبه تناولنا للبيرة الباردة في فناء المنزل ونحن نتأمل القمر وهو في طور الهلال مثل أميرة لطيفة تظهر منخفضة على مقربة من الغرب. أخبرت ستيف ونج أنه إذا رمى مطرقة مثلا بقوة كافية، فمن الممكن أن تقطع 25 ألف ميل في طريقها إلى القمر لتدور من حوله عائدة من جديد إلى الأرض بحيث أنها تأخذ مسار الذهاب والإياب على هيئة رقم ثمانية "8"، أليس هذا رائعا حقا؟ 



ستيف ونج يعمل في مستودع، ولهذا فهو يتعامل مع الكثير من المطارق والأدوات الأخرى. وقد عرض علي أن نجرب الأمر مع بعض هذه المطارق. وقد تسائل شريكه في العمل "م.داش"، والذي اختصرت اسمه القبلي الطويل على طريقة نجوم الراب، كيف يمكن للمرء أن يمسك بمطرقة ساخنة بل قريبة من الاشتعال وهي تسقط بسرعة عشرين ميل في الساعة؟! "آنا" التي تعمل في تصميم صفحات الويب قالت أنه لن يكون هناك شئ لنمسكه لأن المطرقة ستحترق وهي في طريقها إلينا مثل شهاب. وقد كانت على حق. هذا بجانب أنها لم تكن تستسيغ بساطة نظرتي لعملية "رمي - انتظار - رجوع" المطرقة. فدائما ما كانت متشككة في صدق برنامجي الفضائي. وقد قالت لي ذات مرة أنني أتظاهر وكأنني قائد "أبوللو 13" أو "لنكهود". كما انني ابدأ في تزوير التفاصيل لكي أبدو بمظهر الخبير. ولقد كانت على حق بشأن هذا أيضا. 



لقد احتفظت بكل قصصي وخيالاتي في "كوبو" القارئ الإلكتروني، وقد بدأت اتصفح فصل بعنوان: ليس هناك من طريقة يا إيفان، لماذا "CCCP" ضلت طريقها في السباق إلى القمر. وقد كتب هذا الفصل بواسطة أستاذ مهاجر، وتبعا لما قاله، ففي منتصف الستينيات أمل السوفيت في المزايدة على نجاح مشروع أبوللو عن طريق إطلاق مهمات إلى القمر تأخذ مسارات على هيئة رقم ثمانية "8" ومن ثم تعود. حيث لا دوران، ولا هبوط، فقط التقاط للصور ومحاولة الشماتة من مشروع أبوللو. ولقد أرسلوا "سوريوز" وهي مركبة بدون طيار، فقط وضعوا فيها عارضة أزياء وألبسوها بدلة رائد فضاء. ولكن الأمور خرجت عن السيطرة ولم يجربوا فعل ذلك ثانية ولو حتى مع كلب. 



"آنا" نحيلة وذكية كسوط، ولقد كانت مندفعة ومتحمسة بشكل أكبر من أي امرأة قد واعدتها من قبل "ولمدة ثلاثة أسابيع مُرهِقة". لقد وجدت التحدي الذي تريده، كانت تريد أن تنجح فيما فشل فيه السوفيت. قالت: سيكون شيئا ممتعا حقا أن نذهب جميعا. ولكن متى سنقوم بذلك؟ لقد اقترحت جدولة الإقلاع ليكون مع الذكرى الخامسة والأربعين لأبوللو11، رحلة الفضاء الأشهر عبر التاريخ. ولكن ذلك كان يعوقه أن ستيف ونج لديه عمل حتى الأسبوع الثالث من يوليو. ماذا عن نوفمبر؟ عندما هبط أبوللو12 على القمر فوق محيط من العواصف وهي أيضا ستكون الذكرى الخامسة والأربعين. ولكن هذه الذكرى منسية من قبل 99.999% من سكان الأرض. بالإضافة إلى أنه سيكون على آنا أن تلعب دور وصيفة الشرف في حفل زفاف أختها بعد أسبوع من الهالوين. ولذا أصبح الميعاد المناسب للمهمة هو السبت، 27 سبتمبر. 



رواد الفضاء في حقبة أبوللو كانوا يقضون آلاف الساعات في التدرب على قيادة الطائرات النفاثة والحصول على درجات عليا في الهندسة. كان عليهم التدرب على الهروب من مخاطر الإطلاق بالإنزلاق أسفل الكابلات الطويلة في المخابئ الآمنة المبطنة جيدا. كان يجب عليهم أن يعرفوا كيف تعمل "المسطرة الحاسبة". نحن لم نفعل أي من هذا، لقد قمنا بتجربة طيران في الرابع من يوليو عند مدخل أوكسنورد ولقد قام بهذه التجربة ستيفن ونج مستخدما الكثير من المفرقعات والألعاب النارية. لقد أملنا أن نغادر الأرض في سماء ليلة ما دون أن يلاحظنا أحد، ولقد تمت المهمة. والصاروخ الذي أطلقناه يدور الآن حول الأرض كل تسعين دقيقة، دعني أوضح شيئا ما، إن لم يصطدم بإحدى وكالات الفضاء الحكومية المتعددة والتي تدور حول الأرض فلربما يظل في مداره من 12 إلى 14 شهرا. 



"م.داش" والذي ولد في قرية جنوب الصحراء الكبرى، إنه رجل صاحب عقل عبقري وغير عادي. في الثانوية ومع الحد الادنى من مهارات اللغة الإنجليزية، نجح في الحصول على جائزة العلوم من معامل "ميريت" العلمية عن مواد الجر وهي تشبه الألعاب النارية ولكنها أكثر تطورا، والتي تعمل على إشعال النيران بشكل يثير البهجة والسعادة في نفوس الجميع. ومنذ عمله على الدرع الواقي من الحرارة لمركبتنا كان شعار عمله ضمنيا هو كيف يمكن أن نعود سالمين إلى الأرض. م.داش كان مسئولا عن كل الأشياء التي لها علاقة بعملية الإطلاق. أما "آنا" فكانت هي المسئولة عن الحسابات الرياضية ونسب الحمل والرفع والميكانيكية المدارية وخليط الوقود الذي سنحتاجه وكل الأشياء التي أدعي أنني أعرفها ولكنها تظل ضبابية في تفاصيلها بالنسبة إلىّ. 



كانت مساهمتي تنحصر في عملية القيادة للحجرة كروية الشكل والتي بها الكثير من أدوات الدعم والإشارات اللاسلكية وأجهزة التحكم. ماهذا الجحيم الذي ينتظر من يدخل إلى مجال الفضاء كمبادرة فردية. هذه المبادرات هي من أكبر ممولي ناسا بسبب ما يحتاجه المبادر من أدوات ومعدات بمئات الآلاف من الدولارات. ولقد حصلنا على كل ما نحتاجه لعمل مركبتنا قبل عطلة نهاية الأسبوع و واتفقنا على تسمية مركبتنا الفضائية "آلان بين" تكريما لرابع أمريكي يمشي على سطح القمر ضمن طاقم أبوللو12، والوحيد الذي قابلته في هيوستن بمطعم مكسيكي عام 1986. لقد كان يدفع للكاشير كأي شخص مجهول أصلع الرأس ولا شئ أكثر من ذلك. عندها صحت به: يا إلهي، انت آل بين! ولقد اعطاني حينها أوتوجراف ورسم لي رائد فضاء صغير فوق اسمه.



عندما نكون حول القمر، لن يكون لدينا مهمة تحكم، ولهذا مزقت كل وسائل الاتصال. ولقد أبدلت كل ترباس، مسمار، مفصل، موصل، بشرائط لاصقة!! كما أننا جلبنا ستارة حمام من أجل الخصوصية. لقد سمعت من مصدر خبير أن السفر تحت جاذبية مقدارها صفر سوف يجعل ملابسك ترتفع من فوق جسمك في الهواء مما قد يتسبب بالتأكيد في أن تتعرى. ولهذا ربما كان الاهتمام بفكرة الخصوصية أمر مهم للغاية. ولقد استبدلت الفتحات الخارجية بسبائك من الصلب ذات نافذة كبيرة. وفي فراغ الفضاء، سوف يجبر الضغط داخل "آلان بين" النافذة على أن تنغلق بإحكام. إنها قاعدة فيزيائية بسيطة. 



إعلان أننا سوف نسافر إلى القمر جعل كل من يستمع إلى هذا الخبر يظن أننا سنهبط عليه ونجمع بعض الأحجار ونعود إلى المنزل. لا شئ من هذا سوف يحدث. سوف ندور حول القمر وفقط، أما الهبوط فهو أمر مختلف تماما. 



ولقد احتجنا إلى يومين لتجميع سفينة "آلان بين" الفضائية، وقد نجحنا في أتمام هذا على ثلاث مراحل. في البداية عبئنا المياة في زجاجات ضغط عالي، ثم تم ضخها مع الأكسجين السائل من أجل اتمام مرحلتي تعزيز الاشتعال التلقائي بالإضافة إلى المواد الكيميائية التي سوف نحتاج إليها لإطلاق المركبة. ومن شأن هذا الصاروخ الصغير الذي يحتوي على كل هذه التركيبات أن يذهب بنا إلى مدار القمر في الموعد الذي حددناه. الكثيرين من أوكسنارد أتوا ليلقوا نظرة على "آلان بين". لا أحد منهم كان يعلم من هو آلان بين أو لماذا أطلقنا اسمه على مركبتنا الفضائية. ووجدنا الأطفال يتوسلون إلينا من أجل إلقاء نظرة على السفينة من الدخل ولكننا كنا مترددين بشأن ذلك الأمر. كانوا متعجبين لما نحن خائفين إلى هذه الدرجة، ولكننا آثرنا الاحتياط. ولقد طلبت من كل الحضور أن ينصتون جيدا، ثم شرحت مسارات الإطلاق التي سنتخذها عن طريق تطبيق "MoonFaze" المجاني، وكيف يمكن أن نتقاطع مع جاذبية القمر في لحظة بعينها لكي نتمكن من الدوران حوله. 



هانحن على وشك إطلاق وبعد أقل من اثنان وأربعين ثانية ستبدأ أول مرحلة من مراحل الإطلاق بحرق كافة ماسكي المزالج والتي أخبرنا تطبيق "Max_Qapp" بـ 0.99 دولار أنها تساوي 11.8 مرة من وزننا عند سطح البحر. في الحقيقة لم نكن في حاجة إلى الآيفون ليقول لنا هذا. لقد كنا نقاتل من أجل التنفس أثناء عملية الإطلاق وقد أخذت "آنا" تصرخ وقد شعرت وكأن هناك من يقبع فوق صدرها، ولكن في حقيقة الأمر هي من كانت تجلس فوقي وتصدمني. لقد تأكد "داش" من أن مفرقعات الديناميت مهيئة للإنفجار ومن ثم بدأت المرحلة الثانية كما كان مخططا لها. وبعد ذلك بدقيقة، الغبار، فك الزوائد عن جسد المركبة، وجدنا أقلام الحبر سابحة في الهواء، لقد نجحنا ووصلنا إلى مدارنا حول الأرض!!



لقد وجدنا أن حالة انعدام الوزن هذه ممتعة للغاية ومرحة لأقصى قدر ممكن أن تتخيله. ولكنها مربكة أيضا لمن يمر بها للمرة الأولى، فغالبا يقضي معظمنا الوقت في البداية ملتصقا بالسقف. وبعد أن استقرت الأمور شيئا فشيئا، جلس ستيف ونج إلى مقعد القيادة المشترك، في مكان ما فوق أفريقيا، فتحنا صمامات المحرك وبدأ عمل المركبات الكيميائية وبدأت المرحلة الثالثة من المراحل التي خططنا لها، وها نحن نفلت من مدارنا حول الأرض وبسرعة سبعة أميال في الثانية. وفي هذه اللحظات أخذت الأرض تبدو أصغر فأصغر من نافذة المركبة. 



الأمريكيين الذين ذهبوا إلى القمر من قبل كان لديهم حواسب بدائية للغاية. ولهذا لم يكن يستطيعون استقبال رسائل على بريدهم الإلكتروني أو يتمكنوا من استخدام جوجل لتحديد إتجاهاتهم. والآيباد الذي كان معنا به سعة تخزينية تساوي سبعة ملايين من التي كانت لدى رواد الفضاء في حقبة أبوللو. لقد استخدمه م.داش ليشاهد الجزء الرابع من "Breaking Bad". ولقد أخذنا المئات من صور السيلفي مع الأرض من نافذة المركبة. كما لعبنا البينج بونج وكانت "آنا" دائما ما تفوز في هذه اللعبة من بيننا جميعا. 



أما الحدث الأكثر الأهمية فقد كان في تخطينا لخط غير مرئي افتراضي يحدد مدى جاذبية الأرض عبر الفضاء. ولقد كانت الأرض حتى هذه اللحظة تجذبنا وتؤخر من مهمتنا وكأنها تريد منا العودة إليها من جديد حيث الماء والهواء ومجال الجاذبية. وما إن تخطينا هذا الخط، حتى شعرت أن جاذبية القمر تأخذنا إليها وكأنه يهمس إلينا: هرولوا إلي أسرع فأسرع. 



بعد اللحظة التي وصلنا فيها إلى مجال جاذبية القمر، واحتفالا بهذه المناسبة العظيمة، أهدتنا "آنا" رافعات عملت عليها على طريقة "الأوريجامي" وقد شكلّتها من رقائق الألومنيوم، فوضعنا هذه الرافعات على قمصاننا وكأنها أجنحة. ثم وضعت "آلان بين" على وضع تحكم الطاقة السلبي، ثم اطفئنا الاضاءات كما أننا أغلقنا النوافذ حتى لا يتسلل ضوء الشمس إلى الكابينة، ومن ثم نمنا بارتياح لأول مرة منذ أن انطلقت رحلتنا. 



عندما أخبر الناس أننا رأينا الجانب الآخر من القمر ربما يظنون أننا رأينا الجانب المظلم منه. ولكن في الحقيقة كلا الجانبين يحصلان على نفس القدر من ضوء الشمس، ولكن الأمر يحدث في دورات متتابعة، هذا هو كل شئ. وفي هذه الظلمة، حيث لا ضوء آتي من الشمس، كما أن القمر يمنع انعكاس الضوء الآتي من الأرض، كنا نرى المجرة باتساعها وألوانها الخفية "الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق" كانت المجرة تمتد أمامنا إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه أعيننا. وقد كان هذا مشهدا ليس من السهل نسيانه على أيّ منا. 



بعد ذلك ظهر شئ من الضوء، حتى ظننت أن م.داش قد فعل شيئا ما، ولكن عندما نظرت إلى أسفل رأيت سطح القمر. واو!! رائع، لقد أخبرنا تطبيق "LinaTicket" بـ 0.99 دولار أن مسارنا يتحول من الجنوب إلى الشمال، ولكننا كنا نشعر وكأننا ضعنا في الفضاء. لقد كان سطح القمر فوضويا، به خليج رمادي مغطى بشئ لم نتبينه، هذا هو القمر إذن. لقد تحركت "آلان بين" بسرعة زيادة عن المعدل الطبيعي قدرها 95 ميل، وقد كانت هذه السرعة هي أكبر من سرعة إطلاق رصاصة. وكنا نشعر أن القمر يقترب منا بسرعة كبيرة للغاية وكأننا ننجرف اتجاهه. ثم وجدنا أنفسنا نهبط في منطقة مليئة بالعواصف كما كان الحال قبل ما يزيد عن أربعة عقود ونصف. ولقد قضينا مع "آلان بين" يومين لجمع الصخور والمشي والتقاط الصور، إنني حقا رجل محظوظ!



لقد كانت عقولنا مأخوذة للغاية بما نشاهده فتركنا هواتف الأيفون الخاصة بنا تسجل كل شئ. ولقد وضع ستيف ونج بعض الموسيقى في المشغل ليضفي شيئا من المرح على الرحلة، وبعدها أخذنا نتجادل حول الأغاني التي نود الاستماع إليها متذكرين كل الأغاني التي كانت تؤثر فينا ونحن على الأرض حتى وجدنا أعيننا تذرف الدموع دون أن نتمكن من منعها. جميعنا بكى وقد احتضنتني "آنا" بقوة، فدلل لي هذا العناق على أنني مازلت رفيقها الحميم. 



لقد كنا نرغب في العودة من جديد إلى الأرض واستعادة ذكريات هذه الرحلة ونشاهد صورنا من على هواتف الآيفون والآيباد، ولكن ظل سؤال يلحّ علينا جميعا، ماذا سنفعل بعد عودتنا إلى الأرض من جديد. هل فقط سنضع صورنا على انستجرام؟ هل سوف نذهب في رحلة أخرى على متن "آلان بين"؟ ثم بدأت رحلة عودتنا من على القمر. ها نحن نخترق الغلاف الجوي للأرض، وفجأة قالت آنا: آواه!! لقد كان الدرع الواقي الخاص بنا قد أكد فعاليته بحمايته لنا ضد الكثير من المذنبات الصغيرة للغاية، ولكن يبدو أن الأمر أخذ يسوء ونحن فوق الدائرة القطبية الشمالية، والجاذبية تأخذنا من جديد مرة أخرى إلى الأرض. وبسبب تصادم المركبة مع الغلاف الجوي، أخذت المركبة ترتج بشدة ففقد داش توازنه وجُرِح في رأسه جرحا ونزف دماءا كثيرة، وبمضي بعض الوقت وجدنا أنفسنا فوق أوهاوا والدماء على جبهة داش وهناك جرح صعب للغاية بين حاجبيه، فحاوت "آنا" تضميد الجرح بمنديل، ولكن بشكل عام، كان هذا أقل المساوئ المتوقعة من رحلة ذهاب إلى وعودة من القمر. 



وهانحن وجدنا أنفسنا في النهاية مستقرين في مركبتنا على سطح المحيط الهادي، بعد أن نفذنا هبوطا بالمظلة، ولقد اطلقنا الكثير من المشاعل لكي يمكن لأي شخص أن يستدل علينا، ثم نزعنا خزانات الوقود لنحرر الكابينة من ثقلها، وبعدها رفع ستيف ونج الغطاء الزجاجي للكابينة الرئيسية، وفجأة شعرنا بنسيم المحيط وكأنه قبلة الأرض وكأنها تعيد إحيائنا من جديد. 



بعد يوم في كبينتنا والتي كنا نستعملها مثل قارب، وصلنا إلى فندق هيلتون في كهالا، هذه الجزيرة التي كان ممتلئة بالسباحيين الغرباء الذين ما إن رأونا في الماء حتى انسحبوا ليسهلوا علينا عملية خروجنا من الماء. وقد قال المتحدثين بالإنجليزية أن رائحتنا بشعة، بينما أفسح الأجانب مساحة واسعة لنا من أجل أن نلتقط أنفاسنا. 



بعد الاستحمام وتغيير الملابس تناولت سلطة الفواكه التي كانت على طاولة البوفيه في الفندق، حينها سألتني سيدة إن كنت ضمن المجموعة الذي كانت على متن هذا الشئ الذي هبط من السماء، فقلت: نعم، لقد قطعنا المسافة إلى القمر وعدنا إلى الأرض سالمين مثل آلان بين. 



فقالت: مثل من ؟؟!!

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

هاروكي موراكامي: أحب أن أومن بقوة القصص /

متلقياً جائزة دي فيلت للأدب
هاروكي موراكامي: أحب أن أومن بقوة القصص


الأديب هاروكي موراكامي (أرشيف)



 أحمد شافعي
مصدر: موقع 24 


نشرت صحيفة غارديان البريطانية، أمس الأحد، الكلمة التي ألقاها الكاتب والمترجم الياباني هاروكي موراكامي، في مراسم تلقيه جائزة دي فيلت للأدب.

واستهل موراكامي كلمته بالقول: "ربع قرن مضى الآن على سقوط سور برلين الذي كان يفصل برلين الشرقية عن الغربية، كانت زيارتي الأولى لها سنة 1983، وفي ذلك الوقت كانت المدينة لم تزل مقسمة إلى شرقية وغربية بالسور الهائل، كان بوسع الزوار أن يذهبوا إلى برلين الشرقية، ولكن كانوا يمرون بعدد من نقاط التفتيش على أن يعودوا إلى برلين الغربية، قبل أن تعلن دقات الساعة منتصف الليل، تماماً شأن سندريلا في الحفلة".

وتابع "ذهبت مع زوجتي وأحد الأصدقاء لحضور عرض الناي السحري لموتسارت في أوبرا برلين الشرقية، كان العرض والجو رائعين، لكن الفصول أخذت تتالى، ومضت الساعة تقترب من منتصف الليل، وأتذكر كيف سارعنا في طريق العودة لنعبر نقطة تفتيش تشارلي، فأدركناها في الوقت المناسب بالضبط، ولكنه كان موقفاً بالغ الصعوبة، ويبقى ذلك العرض، من بين مختلف عروض الناي السحري التي حضرتها، هو الأكثر إثارة".

وأضاف "عندما سقط سور برلين في عام 1989، أتذكر أنني تنفست الصعداء، وحدَّثت نفسي قائلاً، ها هي الحرب الباردة انتهت، وإنني على يقين من أن عالماً مسالماً إيجابياً في انتظارنا، وأحسب أن كثيرين في شتى أرجاء العالم شعروا بمثل ذلك، لكن إحساس الارتياح ذلك لم يطل كثيراً، فقد ظل الشرق الأوسط غارقاً في النزاع، ونشبت حرب البلقان، وتتابعت الهجمات الإرهابية واحدة تلو الأخرى، ثم وقع بالطبع الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك سنة 2001، وانهارت آمالنا في عالم أسعد فلم يبق منها ما يكاد يُرى".

وتابع الروائي البارز قائلاً "طالما كانت الأسوار عنصراً مهما بالنسبة لي كروائي، ففي روايتي (أرض العجائب ونهاية العالم) رسمت مدينة خيالية يحدق بها سور شاهق، فهي مدينة من المدن التي لا تكاد تدخلها حتى يستحيل عليك الخروج، وفي روايتي (حوليات الطائر الزبركي) يجلس البطل أسفل سور، ثم يعبر من خلال حجارته السميكة لينتقل إلى عالم آخر، وحينما تلقيت جائزة القدس ألقيت في القدس كلمة عنوانها (أسوار وبيض)، تكلمت فيها عن الأسوار والبيض الذي يتكسّر عليها، ففي مواجهة الأسوار ما أقل حيلتنا! كان ثمة حرب ضروس تدور رحاها في غزة بينما كنت ألقي كلمتي".

وقال "الأسوار بالنسبة لي رمز لما يفصل الناس عن الناس، لما يفصل منظومة قيم عن أخرى، وقد تكون لنا في السور حماية في بعض الأحيان، لكن في حمايته لنا، إقصاء حتميا لغيرنا، وذلك منطق الأسوار، والسور في نهاية المطاف يستحيل إلى نظام ثابت، يرفض منطق أي نظام مغاير، وأحياناً ما يكون رفضه عنيفاً، وما من شك في أن سور برلين كان مثالاً صارخاً على ذلك، وأحياناً يبدو لي أننا لا نهدم سورا إلا لنقيم آخر، قد يكون سوراً حقيقياً ذلك الذي نقيمه، أو خفيا يحدق بعقولنا، ومن الأسوار ما ينهانا عن التقدم إلى أبعد مما نحن فيه، والأسوار تنهى الآخرين عن المجيء إلينا، وقد ينهار في نهاية المطاف سور، فيتغير العالم، ونتنفس الصعداء، ليبهتنا أن سوراً آخر قد انتصب في مكان آخر من العالم، سوراً من العِرْق، أو الدين، سوراً من التعصب، من الأصولية، سوراً من الجشع، سوراً من الخوف، فهل ترانا عاجزين عن العيش دون نظام الأسوار؟".

"الأسوار لنا نحن الروائيين عقبات علينا أن نذللها، هي هكذا لا أكثر ولا أقل، ونحن بكتابتنا الروايات نعبر الأسوار مجازاً، نعبر الأسوار الفاصلة بين الواقع واللاواقع، بين الوعي واللاوعي، نرى العالم القائم في الجهة الأخرى من السور، ونرجع إلى جهتنا نحن فنصف حتى أدق التفاصيل إذ نكتب ما شهدناه، ونحن لا نصدر حكماً على معنى السور، على فضائل الدور الذي يلعبه ورذائله، إنما نحاول ان نرسم بدقة المشهد الذي رأيناه، وذلك عمل الروائيين الذي يمارسونه من يوم ليوم".

"وحينما يقرأ شخص الأدب القصصي ويتأثر به، فقد يعبر هو الآخر ذلك السور بصحبة الكاتب، وبالطبع، يغلق ذلك الشخص الكتاب فإذا به في المكان نفسه الذي بدأ منه القراءة، فإن انتقل منه فلا يكون ذلك إلا لسنتيمترات عشرة أو عشرين على أقصى تقدير، وإذ الواقع المحيط بنا لم يتغير، ولم تنته مشكلاته الفعلية إلى حلول، ومع ذلك يبقى لدى القارئ ذلك الإحساس الفارق بأنه عبر السور، فكان في مكان آخر ورجع منه، وإذا به الآن ينتابه شعور بأنه انتقل من النقطة التي بدأ منها، ولو لمسافة ضئيلة، ولطالما اعتقدت أن المرور بخبرة ذلك الشعور الحسي هي أهم ما في القراءة كلها، ذلك الشعور الفعلي بأنك حر، وأنك إن شئت قادر على اجتياز الأسوار والذهاب إلى حيثما تشاء، وإنني أكتب أكثر ما أستطيع من القصص التي تجعل ذلك الأمر ممكناً، وأشرك في هذه النوعيات من القصص أكبر عدد يتسنى لي من البشر".

"وبديهي أن حل المشكلات التي تواجه عالمنا اليوم لا يتمثل في ذلك النوع من الوعي المشترك، فليس للروايات، من سوء الحظ، هذا النوع من الأثر الفوري، وإننا بالقصة قادرون على أن نتخيل بوضوح عالماً مغايراً للذي نعيش فيه، وفي مواجهة الواقع المعتم العنيف الساخر الذي نحياه، قد يبدو ذلك في بعض الأحيان رجاء عابراً عديم الحيلة، لكن القدرة التي يمتلكها كل فرد على التخيل موجودة في هذا على وجه التحديد، في الجهد الهادئ، والمستديم، الرامي إلى مواصلة الغناء، وحكي القصص، دونما يأس".

واختتم "في عالم الأسوار، قد يفضي بنا تخيل عالم بلا أسوار، ورؤيته في وضوح بعين الخيال، إلى أن نراه ماثلا أمام أعيننا في الواقع، ولو في بعض الأحيان، وإنني لأحب أن أبقى على إيماني بأن للقصص هذه القوة".

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

هاروكي موراكامي .. لا أعرف لم أنا مشهور!


هاروكي موراكامي .. لا أعرف لم أنا مشهور!






في سبتمبر الماضي، وبعد أن قابلت هاروكي موراكامي بلندن، أخذت جولة بداية من بيكاديلي إلى واتر ستون، حيث يمكنك أن ترى عاصفة الشهرة التي تلاحق أعمال موراكامي بمكتبات في هذه المناطق العريقة. بالطبع أنا أعرف أن موراكامي اسم كبير في اليابان. فلقد تهافت معجبيه وقراءه على اقتناء ما يزيد عن المليون نسخة من آخر أعماله "تاسكورو تزاكي عديم اللون وسنوات حجه"، وهي روايته الثالثة عشر في أول أسبوعين فور صدورها. ولكن حتى في لندن، فالأثر الذي يتركه يبدو أنه ليس ببعيد عن الحال في اليابان. فالمئات من القراء اصطفوا في طوابير من المساء منتظرين أن تفتح المكتبات أبوابها صباح اليوم الذي أعلن أنه ستتاح فيه الترجمة الإنجليزية لعمله الجديد بكافة مكتبات لندن. وباستثناء ج.ك.رولينج، قال أحد أصحاب المكتبات: أنه لم يكن هناك زحام بهذا القدر من قبل سوى عندما جاء كتاب "ديفيد بيكهام". ربما هذا يوضح لنا حجم الدهشة التي اعتلت أوجه الكثير من البريطانيين الذين راهنوا على فوز موراكامي بنوبل هذا العام ولكنهم في النهاية خسروا رهانهم.


إنه لمن الصعب حصر شعبية هذا الأديب الذي أصبح بمثابة نجم، في الوقت الذي يتحلى فيه بالكثير من التواضع وعدم الادعاء وهو في الخامسة والستين من العمر، عندما قابلته في غرفة اجتماعات مجلس إدارة دار النشر الوكيلة عنه. في رأيي، يبدو موراكامي أصغر بعقد من سنه الحقيقي. هذا الأمر نتيجة النظام اليومي الصارم الذي يضعه لنفسه حيث يبدأ اليوم بفترتين للجري والسباحة. يقول "لأكثر من ثلاثين عام أجري كل يوم نفس المسافة تقريبا التي كنت أجريها وأنا أصغر، ولكن الأحوال اليوم تبدو أنها آخذة في السوء". هو شخص اجتماعي ومهذب كما أنه يميل للصمت، يبدو هذا عليه بشكل واضح. والأمر هنا مختلف عن المقاطع المثير للعاطفة التي تتضح بسهولة في أعماله الروائية. يقول "كل شئ عبارة عن سيرة، ولكن في الوقت نفسه فأنا أغير كل التفاصيل عندما أكتب عمل روائي. من ناحية أخرى، فأنا أتطلع دائما لمعرفة ما سيحدث في الكتاب القادم، هذا الامر يساعدني على إيجاد إجابة على السؤال الذي يؤرقني حول سبب وجودي هنا في هذه الحياة". الشئ المقلق بشكل أكبر ربما يكون الحديث معه حول أن انطباعات القراء عن أعماله تنحصر في تصنيف أعماله على أنها ماورائية، غرائبية. يقول وهو يهز كتفيه مستهجنا "الأمر ليس كذلك، إنها عفوية للغاية، أنا أكتب ما أود أن أكتب. وسوف أكتشف ما أود أن أكتب أثناء عملية الكتابة".


آخر أعمال موراكامي التي ترجمت إلى الإنجليزية هي "المكتبة الغريبة". وهو كتاب ساخر ظهر لأول مرة كقصة قصيرة في مجلة يابانية منذ ثلاثين عاما، وقد تمت مراجعته عام 2008، والآن يتم العمل على طباعة ترجمته إلى الإنجليزية ليكون متاحا في الأسواق، ليظل اسم موراكامي موجودا على أرفف المكتبات. وقد أضيف إلى الكتاب رسومات مستوحاة من كتب قديمة بمكتبات لندن العريقة. ومثل الكثير من أعمال موراكامي، "المكتبة الغريبة" غرائبية ولاذعة السخرية وبها شئ من روح شريرة. كما أن مسارات الأحداث فيها غير واضحة، ومن الممكن القول أنها قصة سريالية موجهة إلى الشباب ولكن عبر أحداث بها الكثير من الوحشية والفقد. حدث هذا عندما كان يزور طفل مكتبة ما ليبحث عن كتاب عن الضرائب في العهد العثماني. هذا الطفل الذي لم يذكر اسمه طوال القصة يتم اختطافه وحبسه في مخازن المكتبة من قبل رجل عجوز غاشم وكلب مريع. ليظهر بعد فترة من الوقت، شخصية غريبة وغامضة تدعى "راعي الغنم" وهو شخصية تكررت أكثر من مرة في أعمال أخرى لموراكامي. يأتي هذا الرجل لزيارة الطفل وعمل كعك الدونتس من أجله، كما تظهر فتاة بكماء يتم التواصل معها بإشارات اليد. وفجأة ينتهي كل شئ وسط أجواء من العزلة والحزن.


وبشكل بسيط كما هي طبيعتها، تتشارك "المكتبة الغريبة" مع باقي أعمال موراكامي مجموعة من ملامح والخواص المميزة. ليس فقط "راعي الغنم" الذي يظهر في القصة. ولكن أيضا فكرة بطل الروية الذي يجد نفسه فجأة في عالم كافكائي(درامي)، كما تجد أيضا المرأة ذات الروح الغامضة التي تسعى للإيقاع بالبطل. بالإضافة إلى ولع موراكامي الدائم بعوالم ما تحت الأرض. الأمر الذي يُظهر ثيمة استكشافية محببة لمعجبين وقراء موراكامي، حيث تتجلى اللمحات الماورائية المخترقة لحجاب الزمن لتُحدث أثرا في الهواجس المتكررة لشخصيات رواياته المختلفة. وبالطبع يخرج القارئ من العمل بقوائم من موسيقى الجاز، وأنواع متعددة من الاسباجيتي.


ولكن موراكامي باعترافه يقول "أنا لست الرجل الأمثل الذي يأتي من أجل تنوير أوروبا وأمريكا، الناس يقولون عن كتاباتي أنها نوع من كتابات ما بعد الحداثة، أو أنها تنتمي للواقعية السحرية. ولكنني لست مهتما بمثل هذه الأشياء أو التعريفات. فأنا لا أعد نفسه قارئ عتيد لتوماس بينشون أو أي من كتاب ما بعد الحداثة المعروفين".


أسئله: أي أنك لا تتفق مع من يقول أنك تنتمي لعالم الواقعية السحرية؟ فيقول "ربما، أنا أحب ماركيز، ولكنني لا أظن أن أسلوبه في الكتابة هو ما يدعى "واقعية سحرية". أتعلم، إنه مجرد أسلوب في الكتابة. بالنسبة لي، أتوقع أن ماركيز كان يكتب عن واقعيته هو، وأعتقد أنني أقوم بالشئ نفسه. فأنا أكتب عن واقعيتي، عالمي الحقيقي. لو حدث شئ ما غير متوقع، يبرهن ذلك على أنني أقوم بعمل جيد، شئ يستحق أن نعتبره عمل حقيقي. لذلك، لو أن "راعي الغنم" ظهر في عمل لي، يكون هذا الأمر قد حدث بحق معي. أتعلم، لا رمزية هنا، لا مجازات، فقط أنا وهو".


ولكن الشخصيات الرمزية التي تأتي من عالم الموت حقا رائعة. منذ وقت قريب، وقبل أن نتقابل، أخبر موراكامي مستمعيه في احتفال بأحد كتبه أن حلم حياته أن يجلس في قاع بئر. يقول وهو يهز رأسه موافقا"نعم، لقد أخبرتهم بذلك، دائما ما اعتدت على أن أشعر أنني أذهب إلى أماكن مظلمة عندما أشرع في الكتابة. فقط في الظلام استطيع أن أرى حكايتي. لا أظن أن لدي موهبة خاصة أو استثنائية. لا أفكر في الأمر على هذا النحو. ولكنني أذهب أسفل في الظلام واتسائل: أممم.. وماذا بعد !! .. أه .. وهكذا .. "


يسكت قليلا ثم يقول وعلى وجهه إشراقة "الأمر يشبه الولوج إلى بدروم منزل ما، ولكن في حالتي أدخل إلى بدروم داخل بدروم. الكثير من الناس تستطيع أن تمكث في بدروم منزل، ولكن في حالتي فأنا أذهب إلى بدروم بداخل هذا البدروم". ينظر إليّ وعلى وجهه شئ من الحزن ويكمل "إنه مكان مظلم للغاية، لذا عندما كتبتThe Wind Up Bird Chronicle -وهو كتاب رائع لموراكامي- كتبت عن البطل الذي يجلس في قاع بئر عميق، حيث العتمة والعزلة والصمت التام. هذ ما أفعله وأشعر به وأنا أكتب رواياتي".


تحليل وتفكيك المل في رأيه مهمة الكتاب كما هي مهمة القارئ، يقول "شعفي الأساسي هو كتابة الروايات والقصص. أفعل ذلك لكي أعرف من أنا، إنني في الخامسة والستين من العمر، ولكني ما أزال لدي فضول لمعرفة من أكون وماذا يمكن أن أجد في نفسي، وإلى أي شئ سوف أصير؟ أتعلم، أنا شخص مشهور نوعا ما، لقد بدأت مشواري مع الكتابة منذ أكثر من 35 عاما. بشكل ما أنا ناجح ولدي قراء على مستوى العالم، ولكنني لا أفهم لماذا يحدث هذ لي. إن الأمر يشبه المعجزة في وجهة نظري. فأنا لست شخص عظيم، أو ذكي أو موهوب، ولكنني أكتب، فقط أود أن أعرف لماذا يحدث هذا لي وليس لآخرين، فقط يحدث لي!"


أما قراء موراكامي ومعجبيه، فلديهم رغبة حقيقية في مساعدته على معرفة ذلك. عندما كتب رواية "كافكا على الشاطئ". تصفح موراكامي موقعه ليرى كيف وجد القراء الرواية وما هي أسئلتهم حولها، يقول "أشعر أن الأمر يكون أفضل عندما يكون ديموقراطي. لدي رغبة حقيقية في التحدث إلى قراءي، ولكنني أصبحت أشعر بالإنهاك أسرع مما مضى، فأقول: هذا يكفي. أظن أن الفهم الحقيقي هو تراكم من سوء الفهم متتالي. هذا هو ما اكتشفته. كل قارئ يرسل لي أراءه، والكثير منها ليست أراء صحيحة في وجهة نظري، هم بشكل أو آخر لم يصل إليهم ما أردت إيصاله. ولكن عندما أقرأ رسائل آلاف القراء أقول لنفسي: نعم، إنهم يفهمونني. لهذا أنا أثق في رأي مجموع القراء، ولا أثق في رأي كل قارئ على حدة".


يقول " الرواية تبدأ معي من فقرة، جملة، منظر طبيعي أو لقطات من فيديو. أجد نفسي أرى المشهد الذي علق في ذهني مئات المرات بل أحيانا آلاف المرات كل يوم. وفجأة أقول لنفسي حسنا، سأكتبها". يجد أن الكتب مثل سيمفونيات بيتهوفن التي تتكون من نغمات ذكورية عريضة وأخرى أنثوية حادة. ويجد أن القصص القصيرة تقع في منطقة ما في المنتصف بين هذين النوعين. يقول "استطيع استخدام أصوات متعددة، أشخاص، أساليب حياة، وأنا أستمتع بذلك. وفي الوقت نفسه هو نوع من التدرب بالنسبة لي".


حسنا ماذا أيضا، يقول "لا أفكر في نفسي على أنني مبدع، ولكنني أعشق الروتين المحدد وألتزم به. مهما كنت محبطا، وحيدا، أو حزينا، روتين العمل المحدد يساعدني على التخلص من كل ذلك، إنني أحب ذلك حقا. في الحقيقة، أفكر في نفسي على أنني مهندس أو بستاني، أو شئ من هذا القبيل، لا أفكر في نفسي أبدا كمبدع، يبدو هذا ثقيلا للغاية بالنسبة لي، لست هذا النوع من الناس، أنا فقط ألتزم بروتين العمل الذي وضعته لنفسي. إنني أركض كل يوم منذ أكثر من ثلاثين عاما، إن هذا الأمر أعطاني شئ ما خاص للغاية. لو فعلت الشئ نفسه لمدة ثلاثين عاما فبالتأكيد ستصل لشئ".


يقول "سأشرع في العمل على كتابي الجديد، بنهاية هذا العام، ولكني لا أعلم عن أي شئ سوف يكون، هناك بعض الأفكار في ذهني، هناك أيضا الكثير من الفقرات في درج مكتبي، ربما يكون الكتاب القادم كبير نوعا ما".
ثم أضاف بشئ من الحسم "ربما يكون كتاب مغامرات!"


رواية "تاسكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه" متاحة الآن بالمكتبات، و"المكتبة الغريبة" ستكون متاحة بداية من 2 ديسمبر 2014.


---------------------------
مقال لـ تيم مارتن بصحيفة التليجراف
ترجمة: محمود حسني نشرت الترجمة بعدد جريدة القاهرة بتاريخ 18 نوفمبر2014

الأحد، 23 نوفمبر 2014

تحميل رواية السلطان سليمان القانوني سيد العصر الرائع - أوقاي ترياقي أوغلو pdf


تحميل رواية السلطان سليمان القانوني سيد العصر الرائع - أوقاي ترياقي أوغلو pdf



رواية السلطان سليمان القانوني سيد العصر الرائع - أوقاي ترياقي أوغلو
السلطان سليمان القانوني سيد العصر الرائع هو الجزء الثاني من ثلاثية “السلطان”
للروائي التركي أوقاي ترياقي أوغلو، نقلها .إلى العربية عبد القادر عبد اللي.


وفي العصر الرائع يتابع أوقاي ترياقي أوغلو الحديث عن بنية الدولة العثمانية وعلاقات القوة بين الأتراك والتركمان، وبينهم وبين الأوروبيين وعن السلطان سليمان القانوني أقوى سلاطين بني عثمان ففي عصره تمت أعظم الفتوحات الإسلامية من بلاد فارس حتى فيينا؛ فتحتَ إشراف سلطان السلاطين تحوّل الكثير من الضعفاء إلى محاربين أشداء، والكثير من القتلة إلى رجال ينجزون المهمات، وسمت مكانة الانكشارية وبرز دورها من خلال أعمالها التي لم تنقطع. وفي هذا العصر أيضاً تأست شبكة "الهلال الفولاذي" الذائعة الصيت بقيادة "وهيمي أورخون جلبي: الجاسوس القوي المحنك الذي اشتهر بصراعه مع عملاء الفاتيكان في شتى أنحاء العالم. وبخاصة ما ظهر من نشاط للجواسيس البندقيين والألمان والبرتغاليين في هذه الأثناء. إلى ذلك برزت بوضوح اضطرابات جديدة في الدولة العثمانية تم قمعها أشار إليها الروائي بالفتنة الصفوية.

أما السلطانة حرم. زوجة السلطان سليمان القانوني التي كتب عنها الكثير والتي عرفت بالسلطانة الغادرة القاسية، فهي حاضرة أيضاً في هذه الرواية؛ بطموحها وسعيها لاكتساب المزيد من القوة والتحكم والقيادة.

في هذه الرواية سنشهد بحق عصراً رائعاً، فيه الكثير من الأحداث والشخصيات التاريخية، والكثير من الأسرار والرؤى؛ مثل أي عصر ذهبي لأي إمبراطورية مرت في التاريخ... يحاول الكاتب في هذه الرواية أن يكشف الستار عن أسرار هذا العصر بأسلوب روائي مشوق.


السبت، 15 نوفمبر 2014

عيون إلز/ لويس أراغون / من روائع الشعر الفرنسي


عيون إلزا.. لويس أراغون



عيناك من شدة عمقهما رأيت فيهما
، وأنا أنحني لأشرب،
كل الشموس تنعكس
كل اليائسين يلقون فيها بأنفسهم حتى الموت
عيناك من شدة عمقهما.. أني أضعت فيهما ذاكرتي
***
في ظل الطيور يوجد المحيط المضطرب
ثم فجأة يشرق الطقس الجميل وتتغير عيناك
الصيف يطوق الطبيعة العارية بمئزر الملائكة
السماء لم تكن أبداً زرقاء كما هي فوق القمح
***
الرياح تذرو بلا طائل أحزان الزرقة
عيناك أكثر صفاء منها عندما تتألق فيهما دمعة
عيناك تجعل السماء التي تعقب المطر غيورة
الزجاج لا يكون أبداً أشد زرقة إلا عند تحطمه
***
أم لسبعة أحزان يا أيتها الضياء المبتلة
سبعة سيوف اخترقت مخروط الألوان
النهار أشد حسرة وهو يبزغ بين الدموع
قوس قزح يثقبه سواد أشد زرقة من أن يكلل بالحزن
***
عيناك في الحزن تفتحان شقاً مزدوجاً
عن طريقه تقع معجزة الملوك
عندما رأوا ثلاثتهم، بقلب خفاق،
رداء مريم معلقاً في الحظيرة
***
فم واحد يكفي في شهر مايو كلمات
لكل الأغاني وكل الحسرات
قليلة جداً رقعة السماوات لملايين الأنجم
كانت تلزمهما عيناك وسحرهما التوأمان
***
الطفل الذي تسيطر عليه الصور الجميلة
يحدق بعينيه باتزان غير كثير
وعندما تحدقين بعينيك لا أدري إذا كنت تكذبين
كأن المطر الغزير قد فتح أزهاراً برية
أتخفيان بروقاً في هذا العشب العطري حيث
تضرم حشرات حبها العنيف
لقد سقطت في شباك النجوم الطائرة
كصياد يموت في البحر في أوج شهر أغسطس
***
لقد استخرجت هذا الراديوم من طبقات المعدن
وحرقت أصابعي في هذه النار المحرمة
أيها الفردوس الموجود المفقود مائة مرة
عيناك هما (بيرو) التي لي و(جولكوند) وجزر الهند
***
حدث ذات مساء جميل أن تهشم الكون
على صخور الشاطئ التي أشعلها القراصنة
أنا قد رأيت تتألق فوق البحر
عينا إلزا عينا إلزا عينا إلزا
……….
ترجمة: عبد الوهاب البياتي وأحمد مرسي.