‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 23 نوفمبر 2014

حفلة التفاهة / فصول من الرواية


حفلة التفاهة /فصول 



آلان‮ ‬يتأمل السرة‮ ‬...

كنا في شهر‮ ‬يونيو،‮ ‬وشمس الصباح تتبدي من بين‮ ‬السحب وآلان‮ ‬يمضي ببطء في أحد الشوارع الباريسية‮. ‬يتطلع إلي الفتيات،‮ ‬اللائي ــ جميعهن ــ‮ ‬يبينّ‮ ‬سرتهن العارية بين البناطيل ذات الأحزمة والقمصان النسائية القصيرة للغاية‮. ‬كان مفتونا،‮ ‬ومضطربا‮: ‬كأن قوة الإغراء لا تتركز في الأفخاذ،‮ ‬ولا في المؤخرات،‮ ‬ولا في النهود،‮ ‬وإنما في هذا الثقب الصغير الكائن في وسط الجسد‮.‬
وهذا حرضه علي التفكير‮: ‬إذا رأي رجل‮ (‬أو عصر‮) ‬إلي مركز الإغراء‮ ‬النسوي في الأفخاذ،‮ ‬كيف‮ ‬يتم وصف وتعريف خصوصية هذا التوجه الايروتيكي؟ ارتجل إجابة‮: ‬طول الأفخاذ الصورة المجازية للطريق،‮ ‬الطويلة والفاتنة‮ (‬ولهذا من الضروري أن تكون الأفخاذ طويلة‮)‬،‮ ‬التي تفضي الي الكمال الايروتيكي،‮ ‬في الواقع،‮ ‬كما قال آلان في نفسه،‮ ‬تفضي الي الجماع،‮ ‬اذ أن طول الفخذين‮ ‬يمنح المرأة‮ ‬سحرا رومانتيكيا‮ . ‬
اذا رأي رجل‮ (‬أو عصر‮) ‬مركز الاغراء النسوي في المؤخرات،‮ ‬كيف‮ ‬يتم وصف وتعريف خصوصية هذا التوجه الايروتيكي ؟ ارتجل اجابة‮ : ‬وحشية،‮ ‬بهجة،‮ ‬الطريق الأقصر نحو الهدف،‮ ‬هدف بالأحري مثير بما أنه مزدوج‮.‬
اذا رجل‮ (‬أو عصر‮) ‬الي مركز الاغراء النسوي في النهود،‮ ‬كيف‮ ‬يتم وصف وتعريف خصوصية هذا التوجه الايروتيكي ؟ ارتجل اجابة‮ : ‬تقديس المرأة،‮ ‬العذراء ترضع اليسوع،‮ ‬العضو الذكري‮ ‬يجثو أمام نبالة رسالة العضو النسوي‮. ‬
ولكن كيف‮ ‬يتم تعريف ايروتيكية رجل‮ (‬أو عصر‮) ‬يري‮ ‬أن مركز الاغراء النسوي الكائن في وسط الجسد،‮ ‬في السرة ؟
رامون‮ ‬يتنزه
في حديقة لوكسمبرغ‮ ‬
في نفس اللحظة تقريبا التي كان آلان‮ ‬يفكر‮ ‬في‮ ‬مختلف أصول الاغراء النسوي،‮ ‬ألفي رامون نفسه أمام متحف‮ ‬يقع بالقرب من حديقة لوكسمبرغ،‮ ‬حيثما تعرض لوحات شاغال،‮ ‬منذ شهر‮. ‬يريد أن‮ ‬يراها،‮ ‬بيد أنه‮ ‬يعرف مقدما أنه لا‮ ‬يجد في نفسه القوة لكي‮ ‬يتحول طواعية الي شئ من هذا الطابور الطويل الذي‮ ‬يزحف متمهلا نحو شباك التذاكر‮. ‬يراقب الناس التي شل السأم وجوهها،‮ ‬يتخيل الصالات التي تحجب أجسادهم وثرثراتهم الخفيفة اللوحات،‮ ‬قبل أن‮ ‬يشيح بوجهه ويسلك طريقا نحو الحديقة،‮ ‬في أقل من دقيقة‮.‬
هناك،‮ ‬المناخ لطيف،‮ ‬الجنس البشري‮ ‬يتبدي أقل وأكثر حرية‮ : ‬كان هناك من‮ ‬يركض،‮ ‬ليس لأنهم متعجلون وانما لأنهم‮ ‬يحبون الركض،‮ ‬هناك من‮ ‬يتنزه ويتناولون الجيلاتي،‮ ‬وعلي الأعشاب‮ ‬يقوم مريدو مدرسة آسيوية بحركات‮ ‬غريبة وبطيئة،‮ ‬بعيدا،‮ ‬في حلقة كبيرة،‮ ‬كان هناك تماثيل بيضاء كبيرة لملكات ونبيلات فرنسيات وبعيدا،‮ ‬علي الأعشاب وسط الأشجار،‮ ‬في جميع اتجاهات الحديقة،‮ ‬تماثيل لشعراء،‮ ‬رسامين،‮ ‬علماء‮. ‬يتوقف أمام مراهق برونزي،‮ ‬جذاب،‮ ‬عار تحت سرواله القصير،‮ ‬يعرض عليه أقنعة لبلزاك،‮ ‬برليوز،‮ ‬هوغو،‮ ‬دوما‮. ‬لا‮ ‬يستطيع رامون أن‮ ‬يمنع بسمة علي شفتيه وتابع تسكعه في هذه الحديقة،‮ ‬حديقة العباقرة،‮ ‬المتواضعين،‮ ‬المحاطين بلا مبالاة المتنزهين اللطيفة،‮ ‬مما‮ ‬يشعرهم بحريتهم حتما،‮ ‬لا‮ ‬يتوقف أحد لكي‮ ‬يراقب وجوههم أو‮ ‬يقرأ النقوش المحفورة علي القواعد‮. ‬هذه اللا مبالاة،‮ ‬تنفسها رامون كسكينة تواسيه‮. ‬
لا وجود للسرطان
في نفس اللحظة التي عدل رامون فيها عن الذهاب الي‮ ‬معرض شاغال واختار التسكع في الحديقة،‮ ‬ارتقي دارديلو الدرج المفضي الي عيادة طبيبه‮. ‬هذا اليوم،‮ ‬ثلاثة أسابيع بالضبط قبل عيد ميلاده‮. ‬قبل سنوات عديدة،‮ ‬بدأ‮ ‬يكره أعياد الميلاد‮. ‬بسبب الأرقام التي تلتصق بها‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬لا‮ ‬يصل الي التفاخر بها،‮ ‬اذ أن بهجة الاحتفال تستدعي اليه خجل الشيخوخة‮. ‬لأن‮ ‬يجب عليه اليوم أن‮ ‬يعرف نتائج جميع الاختبارات التي تقول له اذا كانت الأعراض المشكوك فيها المكتشفة في جسده سرطانية أو لا‮. ‬دخل الي صالة الانتظار وردد في نفسه،‮ ‬بصوت مرتجف،‮ ‬أنه سوف‮ ‬يحتفل بعيد ميلاده البعيد نوعا ما وموته القريب نوعا ما في آن واحد،‮ ‬أنه سوف‮ ‬يحتفل بحفلين‮.‬
‮ ‬غير أنه حينما رأي وجه الطبيب المبتسم،‮ ‬فهم أن الموت ألغي‮. ‬ضم الطبيب‮ ‬يده بأخوية‮. ‬الدموع في العينين،‮ ‬لم‮ ‬يستطع دارديلو أن‮ ‬يتكلم‮.‬
‮ ‬تقع عيادة الطبيب في شارع الأوبزرفاتوار،‮ ‬علي بعد مائتي متر من حديقة لوكسمبرغ‮. ‬وبما أن دارديلو‮ ‬يسكن في شارع صغير في الناحية الأخري من الحديقة،‮ ‬كان عليه أن‮ ‬يجتازها‮. ‬كانت النزهة تجعل مزاجه رائقا الي حد ما،‮ ‬وبالأخص حينما‮ ‬يحاذي حلقة تماثيل ملكات فرنسا،‮ ‬المنحوتة بالرخام الأبيض،‮ ‬تماثيل كاملة،‮ ‬في وقفات احتفالية تبدت له طريفة،‮ ‬ان لم تكن منتشية،‮ ‬كأن هذه السيدات مبتهجات بالأخبار الجديدة التي تلقتها‮. ‬لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يسيطر علي نفسه،‮ ‬يحييهن مرتين أو ثلاثا بيده المرفوعة ويتفجر ضاحكا‮.‬
الجاذبية السرية لمرض عضال‮ ‬
علي بعد خطوات من هنا،‮ ‬قرب السيدات المنحوتات من‮ ‬المرمر،‮ ‬التقي رامون بدارديلو الذي كان زميلا له،‮ ‬خلال العام الفائت،‮ ‬بمؤسسة لا‮ ‬يثير اسمها اهتمامنا‮. ‬توقف كل منهما قبالة الآخر،‮ ‬وبعد التحية المعتادة،‮ ‬بدأ دارديلو،‮ ‬بصوت مستثار بغرابة،‮ ‬يحكي‮ :‬
‮»‬صديقي،‮ ‬تعرف لا فرانك ؟ قبل‮ ‬يومين،‮ ‬مات حبيبها‮«‬
توقف لبرهة وفي ذاكرة رامون تبدي وجه المرأة الجميلة المشهورة التي لا‮ ‬يعرفها الا عبر الصور‮. ‬
‮»‬احتضار مؤلم للغاية،‮ ‬تابع دارديلو‮. ‬عاشت معه كل شئ‮. ‬كم عانت‮ !«‬
‮ ‬مفتونا،‮ ‬بدأ رامون‮ ‬ينظر الي الوجه المرح وهو‮ ‬يحكي له قصة محزنة‮.‬
‮ «‬تخيل أنها في مساء اليوم الذي توفي فيه بين ذراعيها،‮ ‬كانت تتناول العشاء معي وبعض الأصدقاء،‮ ‬لن تصدق،‮ ‬كانت مرحة نوعا ما‮ ! ‬أنا معجب بها‮ !‬هذه القوة‮ ! ‬هذا الحب للحياة‮ ! ‬كانت تضحك،‮ ‬ولم تزل العينان حمراوين من البكاء‮ !‬ومع ذلك،‮ ‬نعرف كم أحبته‮ ! ‬كم عانت هذه المرأة قوية‮ !‬
بالضبط مثلما جري قبل ربع ساعة لدي الطبيب،‮ ‬كانت الدموع تتلألأ في عيني دارديلو‮. ‬لأنه كان‮ ‬يفكر في نفسه،‮ ‬وقتما كانا‮ ‬يتحدثان عن قوة لا فرانك المعنوية‮. ‬ألم‮ ‬يعش هو الآخر شهرا بطوله في حضرة الموت؟ أ لم تكن قوة شخصيته خاضعة لتجربة قاسية ؟ حتي أصبحت ذكري سهلة،‮ ‬ظل السرطان معه كنور مصباح صغير‮ ‬يثير الدهشة خفية‮. ‬ولكنه توصل الي كبح مشاعره وتكلم بنبرة عادية‮ : «‬في الوقت المناسب،‮ ‬ان لم أخطئ،‮ ‬تعرف أحد ما‮ ‬يستطيع تنظيم حفل كوكتيل والاهتمام بالطعام وكل شئ‮».‬
‮-‬في الواقع،‮ ‬قال رامون‮.‬
ودارديلو‮ : «‬سوف أقوم بتجهيز حفل بسيط لعيد ميلادي‮.‬
بعد الكلام المثير حول الشهيرة لا فرانكا،‮ ‬مكنت النبرة الخفيفة للجملة رامون من الابتسام‮ :»‬أري أن حياتك سعيدة‮«.‬
بفضول،‮ ‬لم تنل هذه الجملة اعجاب دارديلو‮. ‬كأن هذه النبرة الخفيفة للغاية تمحي الجمال الغريب لمزاجه الموسوم سحريا بتفخيم الموت الذي لم تكف ذكراه عن ملازمته‮ : «‬نعم،‮ ‬قال،‮ ‬كل شئ علي ما‮ ‬يرام‮» ‬وبعد لحظة صمت،‮ ‬أضاف‮ : »... ‬حتي اذا‮...«.‬
ثم صمت ثانية،‮ ‬وقال‮ : «‬تعرف،‮ ‬قدمت لتوي من عند طبيبي‮».‬
أعجبه الارتباك الذي تبدي علي وجه محادثه،‮ ‬يطيل من أمد الصمت،‮ ‬الي حد أن رامون لم‮ ‬يجد أمامه سوي سؤاله‮ : »‬وماذا بعد ؟ هل هناك مشكلة؟‮«‬
‮-‬كانت هناك مشكلة‮. ‬
من جديد صمت دارديلو،‮ ‬ومن جديد لم‮ ‬يجد رامون

أمامه سوي سؤاله‮ : »‬ما الذي قاله الطبيب ؟‮«.‬
وقتئذ نظر دارديلو،‮ ‬في عيني رامون،‮ ‬الي وجهه
الحقيقي كما في المرآة‮ : ‬وجه رجل عجوز،‮ ‬ولكن وسيم دوما،‮ ‬موسوم بشئ من الحزن الذي جعله حتي هذه اللحظة جذابا،‮ ‬قال في نفسه أن هذا الرجل الوسيم الحزين سوف‮ ‬يحتفل بعيد ميلاده وأن الفكرة التي داعبته قبل زيارته للطبيب تنبجس في رأسه،‮ ‬فكرة فاتنة عن حفل مزدوج‮ ‬يحتفي بالميلاد والموت في آن واحد‮. ‬تابع النظر في عيني رامون،‮ ‬ثم قال بصوت هادئ وناعم للغاية‮ : »‬سرطان‮...«.‬
تمتم رامون بشئ ما،‮ ‬ولمس بيده،‮ ‬برعونة وأخوية،‮ ‬ذراع دارديلو‮ : »‬ولكن عليك بمراعاة صحتك‮...«.‬
‮-‬تأخر الوقت،‮ ‬ولكن أنس ما قلته لك،‮ ‬لا تتحدث عنه الي أحد،‮ ‬وفكر بالأحري في حفل كوكتيلي‮. ‬من اللازم العيش‮ !»‬،‮ ‬قال دارديلو،‮ ‬وقبل أن‮ ‬يواصل طريقه،‮ ‬رفع‮ ‬يده بالتحية،‮ ‬وكان لهذه الحركة الرزينة،‮ ‬شبه الخجول،‮ ‬سحرا مفاجئا هيج مشاعر رامون‮. ‬
كذبة‮ ‬غامضة،‮ ‬ضحكة‮ ‬غامضة
أنتهي لقاء هذين الزميلين بهذه الحركة الجميلة‮. ‬ولكنني لا أستطيع تحاشي سؤال‮ : ‬لماذا كذب دارديلو ؟
هذا السؤال طرحه دارديلو نفسه بعد ذاك ولم‮ ‬يجد له اجابة‮. ‬لا،‮ ‬لم‮ ‬يخجل من الكذب‮. ‬ما حيره،‮ ‬عدم القدرة علي فهم سبب هذه الكذبة‮. ‬من الطبيعي،‮ ‬اذا كذب المرء فهذا لكي‮ ‬يخدع شخصا ما وجني مكسب معين‮. ‬ولكن ماذا‮ ‬يربح من كذبة السرطان ؟ بفضول،‮ ‬مرورا بلا معني كذبته،‮ ‬لم‮ ‬يمنع نفسه من الضحك‮. ‬وهذه الضحكة،‮ ‬هي الأخري،‮ ‬كانت‮ ‬غير مفهومة‮. ‬لماذا ضحك ؟ هل وجد سلوكه الهزلي ؟ لا‮. ‬علاوة علي ذلك،‮ ‬لم‮ ‬يكن حس الهزل قوته‮. ‬ببساطة،‮ ‬كل شئ،‮ ‬من دون معرفة السبب،‮ ‬سرطانه الخيالي‮ ‬يفرحه‮. ‬واصل طريقه وتابع ضحكه‮. ‬يضحك ويستلذ بمزاجه الرائق‮.‬
رامون في زيارة لشارل
بعد ساعة من لقائه لدارديلو،‮ ‬كان رامون لدي شارل‮. ‬‮»‬أحمل لك دعوة الي حفل كوكتيل علي سبيل الهدية،‮ ‬قال‮«.‬
‮- ‬أحسنت‮ ! ‬نحن في حاجة اليه هذا العام،‮ ‬قال شارل الذي دعا صديقه الي الجلوس أمام طاولة واطئة،‮ ‬في مواجهته‮.‬
‮- ‬هدية لك‮. ‬ولكاليبان‮. ‬فضلا عن ذلك،‮ ‬أين هو ؟
‮- ‬أين‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون ؟ في البيت،‮ ‬لدي امرأته‮.‬
‮- ‬ولكن أتمني أن‮ ‬يكون موجودا لديك في حفلات الكوكتيل‮.‬
‮- ‬بالتأكيد‮. ‬المسارح تسخر كثيرا منه‮»‬
لاحظ رامون كتابا سميكا نوعا ما علي الطاولة‮. ‬أنحني ولم‮ ‬يستطع اخفاء دهشته‮ : «‬ذكريات‮» ‬لنيكيتا خروشتشيف‮. ‬لماذا ؟
‮- ‬أنه مديرنا الذي منحه لي‮.‬
‮- ‬وما الذي وجده مديرنا مثيرا فيه ؟
‮- ‬سطر لي بعض الفقرات‮. ‬ما قرأته كان مسليا‮.‬
‮- ‬مسل؟
‮- ‬قصة أربعة وعشرين طيرا من الحجل‮.‬
‮- ‬ماذا ؟
‮- ‬قصة أربعة وعشرين طيرا من الحجل‮. ‬أ لا تعرفها ؟ ومع ذلك،‮ ‬من هنا بدأ التغير الكبير في العالم‮ !‬
‮- ‬التغير الكبير في العالم ؟ فقط ؟
‮- ‬فقط‮. ‬ولكن قل لي،‮ ‬أي شراب كوكتيل ؟
شرح رامون وسأل شارل‮ : »‬ومن هو دارديلو ؟ أحمق مثل كل زبائني ؟‮«‬
‮ - ‬بالتأكيد‮.‬
‮ - ‬وحماقته،‮ ‬من أي نوع ؟
‮-»‬من أي نوع حماقته‮...«‬،‮ ‬ردد رامون مفكرا،‮ ‬ثم قال‮ ‬،‮ »‬تعرف قاقوليك ؟‮«.‬
درس رامون
حول اللامع والتافه‮ ‬
‮»‬صديقي العجوز قاقوليك،‮ ‬تابع رامون كلامه،‮ ‬أحد كبار‮ ‬العدائين الذي عرفته في لحظة معينة‮. ‬ذات مرة،‮ ‬ذهبت الي سهرة كان،‮ ‬دارديلو وهو،‮ ‬حاضرين بها‮. ‬وبالمصادفة وجدا نفسيهما في نفس الصالة المزدحمة،‮ ‬الي حد أن دارديلو لم‮ ‬يلحظ وجود صديقي‮. ‬كانت هناك نساء جميلات،‮ ‬وكان دارديلو مجنونا بهن‮. ‬كان مستعدا لفعل المستحيل لكي‮ ‬يهتممن به‮. ‬ومن عقله خرجت أشياء كما الألعاب النارية في هذا المساء‮.‬
‮- ‬محرض ؟
‮- ‬بالعكس‮. ‬حتي أن دعاباته دوما أخلاقية،‮ ‬متفائلة،‮ ‬دقيقة،‮ ‬ولكن في نفس الوقت مصاغة جيدا،‮ ‬غامضة،‮ ‬صعبة علي الفهم بحيث تجذب الانتباه من دون تحقيق أي صدي فوري‮. ‬من الضروري انتظار ثلاث أو أربع ثوان قبل أن‮ ‬ينفجر،‮ ‬هو نفسه،‮ ‬ضاحكا،‮ ‬ثم بضع ثوان قبل أن‮ ‬يفهم الآخرون ويجاملونه ضاحكين‮. ‬وهكذا،‮ ‬في اللحظة التي كان الجميع‮ ‬يضحك فيها ــ وأتمني أن تقدر هذا اللطف‮ ! ‬ــيصبح جادا،‮ ‬كأنه لا مبال،‮ ‬ضجر الي حد ما،‮ ‬يتأمل الحاضرين،‮ ‬وهو مبتهج من ضحكهم،‮ ‬في خفية وبخيلاء‮. ‬سلوك قاقوليك عكسه تماما‮. ‬ليس لأنه ظل صامتا‮. ‬حينما‮ ‬يكون بين الناس،‮ ‬يهمهم بلا انقطاع بشئ ما بصوته الضعيف الذي‮ ‬يصفر عن كونه‮ ‬يتكلم،‮ ‬ولكن لا شئ مما‮ ‬يقوله‮ ‬يثير الاهتمام‮«.‬
ضحك شارل
‮»-‬لا تضحك‮. ‬الكلام بدون جذب الانتباه،‮ ‬أمر‮ ‬غير سهل‮ ! ‬أن‮ ‬يكون المرء موجودا بكلامه ومع ذلك‮ ‬يبقي‮ ‬غير مسموع،‮ ‬هذا‮ ‬يتطلب شيئا من البراعة‮ !«‬
‮»- ‬معني هذه البراعة فاتتني‮«.‬
‮»- ‬الصمت‮ ‬يجذب الانتباه‮. ‬يستطيع أن‮ ‬يثير المشاعر‮. ‬أن تكون‮ ‬غامضا‮. ‬أو‮ ‬غامضا نوعا ما‮. ‬هو ما‮ ‬يريد قاقوليك تجنبه‮. ‬كما في هذه السهرة التي أتحدث عنها‮. ‬كانت هناك امرأة جميلة تثير اعجاب دارديلو‮. ‬ومن وقت الي آخر،‮ ‬كان قاقوليك‮ ‬يتوجه اليها بكلمة بسيطة للغاية،‮ ‬غير مهمة،‮ ‬لا قيمة لها،‮ ‬لا تتطلب أي رد ذكي،‮ ‬أي وجود للعقل‮. ‬بعد فترة،‮ ‬لاحظت قاقوليك لم‮ ‬يعد موجودا‮. ‬لقد نبس دارديلو بكلمة من كلماته الجميلة،‮ ‬وتبعها صمت من خمس ثوان،‮ ‬ثم انفجر ضاحكا،‮ ‬وبعد ثلاث ثوان،‮ ‬قلده الآخرون‮. ‬في هذه اللحظة،‮ ‬المكتومة خلف ساتر الضحك،‮ ‬ابتعدت المرأة متجهة نحو المدخل‮. ‬دارديلو،‮ ‬معجبا بما حققته كلماته الطيبة،‮ ‬واصل عروضه الشفهية‮. ‬بعد ذاك،‮ ‬لاحظ أن المرأة‮ ‬غير موجودة‮. ‬ولأنه لا‮ ‬يعرف شيئا عن وجود قاقوليك،‮ ‬لم‮ ‬يستطع تفسير اختفائها‮. ‬لم‮ ‬يفهم شيئا،‮ ‬وحتي اليوم لا‮ ‬يفهم شيئا عن قيمة التافه‮. ‬هي ذي اجابتي عن سؤالك حول نوع حماقة دارديلو‮.‬
‮-‬عدم جدوي أن‮ ‬يكون المرء لامعا،‮ ‬نعم،‮ ‬كما فهمت‮.‬
‮-‬أكثر من عدم الجدوي‮. ‬الأذية‮. ‬حينما‮ ‬يعمل رجل لامع علي اغواء امرأة،‮ ‬تشعر هذه المرأة بأنها في حالة منافسة‮. ‬تشعر برغبتها في اللمعان أيضا‮. ‬لا تمنح نفسها من دون مقاومة‮. ‬بينما‮ ‬يحررها التافه‮. ‬يواجهها بالاحتياطات‮. ‬لا‮ ‬يقتضي أي وجود للعقل‮. ‬يجعلها لا مبالية وسهلة البلوغ‮. ‬ولكن لنغير مجري الكلام‮. ‬مع دارديلو،‮ ‬لا علاقة لك بما هو تافه وانما بالنرسيسي‮. ‬وأنتبه للمعني الدقيق لهذه الكلمة‮ : ‬نرسيسي ليس متعجرفا‮. ‬المتعجرف‮ ‬يحتقر الآخرين‮. ‬يبخس قيمتهم‮. ‬النرسيسي‮ ‬يبالغ‮ ‬في التقدير،‮ ‬لأنه‮ ‬يلاحظ في عيني كل واحد منهم صورته ويريد أن‮ ‬يجاملهم‮. ‬بالتالي،‮ ‬ينشغل برقة بمراياه كلها‮. ‬وما‮ ‬يهمكما أنتما الاثنين‮ : ‬أنه طيب‮. ‬بالتأكيد،‮ ‬بالنسبة لي أنه نفاق علي وجه الخصوص‮. ‬ولكن هناك شئ ما تغير بيننا‮. ‬تعلمت أنه مريض مرضا عضالا‮. ‬ومنذ هذه اللحظة،‮ ‬أراه بصورة مختلفة‮.‬
‮ -‬مريض؟ بم؟
‮ - ‬سرطان‮. ‬اندهشت من درجة الحزن التي أصابتني‮. ‬ربما‮ ‬يحيا شهوره الأخيرة‮.‬
‮ ‬ثم،‮ ‬لحظة صمت‮ : «‬تأثرت بالطريقة التي حادثني بها‮... ‬مقتضبة للغاية،‮ ‬وكذا محتشمة‮. ‬وفجأة،‮ ‬ربما للمرة الأولي،‮ ‬شعرت نحو هذا الأحمق بشئ من التعاطف‮... ‬تعاطف حقيقي‮.‬
‮ ‬

السبت، 22 نوفمبر 2014

الطريق إلى القدس رواية لـ يان غيو / pdf



الطريق إلى القدس رواية لـ يان غيو


فى عام البركة 1150 ولد آرن ماغنوسون فى مقاطعة أرناس الواقعة على بحيرة فانيرن ، ترعرع الشاب آرن على يد الرهبان فى دير فارنيم ، وتشرب علوم زمانه الروحانيه والدنيوية . واتقن استعمال السيف والترس ، والرمح والقوس . وبالطبع ، أدرك كهنة فارنيم ورهبانها ، إن هذا الشاب لم تكتب عليه حياة الرهبنة ، بل أن مشيئة الرب أرادت أن يكون واحدا من المحاربين الذين سيلتحقون بصفوف جيشه المقدس فى الأرض المقدسه وعندما غادر ارن ، دير فارنيم ، فى السابعه عشرة نم عمره ، انخرط فى الصراع الدائر حول من سيكون ولى العهد انذاك . وحكم عليه بالسجن عشرين عاما ، أى نصف عمره . لكن ارن فهم بأن الغفران الذى ناله فيما بعد لم يكن غفرانا حقا ، لأنه سوف يفارق حبيبته سيسيليا - التى انسحب ذلك العقاب هى عليها ايضا !!.



الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

رواية «الحياة المسكونة» جاك كيرواك

«الحياة المسكونة» لملك جيل البيت جاك كيرواك يُنشر أخيراً
لا جويس ولا أودن ولا كافكا يملكون أي شيء يقولونه لأميركي حقيقي





إعداد وترجمة فوزي محيدلي


لا نغالي إذا قلنا، مع جاك ماك كلينتوك، الذي أجرى آخر مقابلة مع جاك كيرواك، نُشرت في 12 تشرين الأول عام 1969، وتوفي بعدها بتسعة أيام الروائي والشاعر عن 46 سنة، بأن كيرواك كان «ملك الهائمين الجوّالين، على الدرب المفتوحة». صحيح أن الشاعر ألين غينسبيرغ غدا يومها معلماً روحياً، يشق دربه من حرم جامعة إلى أخرى ومن تظاهرة إلى تظاهرة، لكن ملك جماعة «التينيك»، «ملكهم جميعاً»، كان ملك رواية «على الدرب» (أو «على الطريق») بنثرها العفوي. وإذا كان جون كليلان هولمز من جهته سمّى الجامعة «الجيل الضائع» فإن كيرواك، المتأثر بموسيقى الجاز، أسماها في الخمسينات «جيل البيت».

بعد 45 عاماً على وفاة كيرواك وُجِد أخيراً العمل الضائع، الذي من المفترض نشره هذه الأيام. العمل هو الرواية القصيرة «الحياة المسكونة»، التي اعتقد الرجل أنه نسيها في المقعد الخلفي لسيارة أجرة نيويوركية صفراء. الحقيقة هي أن كيرواك، الذي لم يكن لديه الصبر الكافي لتزويد كتابته بالنقاط والفواصل، ولا حتى البقاء في مكان واحد، نسي، على الأرجح، مخطوطة روايته هذه في خزانة الغرفة الجامعية لصديقه ألين غينسبرغ، الذي كان يدرس يومها في جامعة كولومبيا.

لعل فائدة ما نتجت عن ضياع المخطوطة. فهذا الذي كان يحمل دفتراً أو مفكرة للكتابة عليها في حلّه وترحاله، لم يستطع إقناع دور النشر بمخطوطة روايته الكبيرة «على الطريق»، حين أنجزها عام 1951، بسبب خوف الناشرين مما احتوته، من عدم سوية جنسية إلى الكثير من الممنوعات. وهنا لا بد من ذكر أن كيرواك هو أول من صاغ كلمة «بيت» مع أنه لاحقاً احتقر ما ألحق بها من معاني ودلالات.

قبل الدخول في عالم «الحياة المسكونة» لا بدى من التطرق إلى سبب استمرار ألق كيرواك حتى الألفية الثالثة، بعد 92 سنة على ولادته، فضلاً عن رحيله المبكر. يرى البعض ذلك في تأكيده على التململ أو الحراك، وتنقله الدائم. ويرى البعض الآخر أن السبب يعود لإضاءته على موضوعات غير عادية وغير مقبولة، ومن بينها حالات الوعي أو الشعور المتحوّلة. لكن الكل يتفق تقريباً على أن العامل الأكثر جذباً في كتابة كيرواك كان «صوته»، تلك الصفة المؤتمِنة على الأسرار الشخصية في نثره، والتي تولّد في القارئ إحساساً بالحميمية وحتى بالصداقة.

وكما يكتب جاك آتكينسون واضع كتاب «طريق الجنة: جادة جاك كيرواك المفقودة وبحثي عن أميركا» لم يكن كيرواك رجل اجوبة بل صاحب فورة بشرية من الأسئلة المروّسة»، ومن هنا فإن كتبه الفضولية تتحوّل إلى صديق مرافق للشباب والقرّاء القلقين. لكن كيف تشكّل صوته على الدرب؟ ما القوى التي «تآمرت» داخل كيرواك الشاب العمل الذي أنجزه كيرواك في يفاعته مثل «الحياة المسكونة» يمكنه إلقاء بعض الضوء على هذه المسألة.

قبل الولوج إلى حيثيات وحبكة هذا العمل لا بد من الإشارة إلى ولع جاك بالكتابة منذ الصغر. عرف الصبي جاك باكراً أنه أراد أن يصبح كاتباً وقصد كاهن في بلدته «لويل» لاستشارته بخصوص ميله هذا. كان الأب آرمان موريسيت في الخدمة ليلتها في كنيسة سان جان المعمدانية حين قدم له المراهق نفسه. قام الكاهن لاحقاً بنشر نسخته عن محادثتهما:

جاك: الكل يضحك ساخراً مني.

الأب: موريسيت: لماذا؟

جاك: لأني أريد أن أصبح كاتباً.

الأب: أنا لا أسخر منك.

جاك: ألا تسخر مني لذلك الخيار؟

الأب: لا، أعتقد أن الأمر بديع.

جاك: حسناً سأكون كاتباً. سأكتب العديد من الكتب.

الأب: ليمنحك الرب المزيد من الطاقة. الكتّاب بأشخاص مثلنا. لكن دعني أحذرك. ستعرف العديد من الخيبات.

جاك: لا يهمني.

الأب: مبروك لك. سأعمل على مساعدتك، إذا استطعت. يمكن للكتّاب أن يكونوا مهمين جداً. يمكنهم التأثير على أعداد لا تحصى من الناس.

(أخبر الأب موريسيت جاك أن عليه الذهاب إلى نيويورك إذا أراد أن يصبح حقاً كاتباً، ولأن جاك فقير اقترح عليه طلب منحة دراسية عند الانتساب إلى الجامعة. وتحقق له المنحة بانتساب إلى فريق كرة القدم الأميركية في الجامعة).

ما هي «الحياة المسكونة»

تتمحور أحاديث الشبان في هذا العمل حول بعض المسائل التي شغلت بال المثقفين الأميركيين في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين: نهاية فترة الكساد الكبير، دخول الولايات المتحدة الحرب الكونية الثانية، واستغلال الطبقات العاملة وإمكانية وجود هروب رومانسي من تلك المعضلات.

يطلق تود تيتشين، الذي حرر «الحياة المسكونة»، على ذاك العمل صفة «عمل سردي مرضٍ مفتوح النهاية». يرى البعض أن إطلاق تسمية رواية على هذا العمل ينطوي على كرم غير قليل، لأن القسم الأساسي من النص يتوزع على خمسة فصول من سبعين صفحة وهو أقرب إلى سلسلة من رسم تخطيطي، أو «إسكتشات» لشخصيات متميزة بقدر من التجريب الروائي.

كتب كيرواك عمله هذا في عمر الثانية والعشرين، في سنة 1944 المضطربة من حياته، سجن لتورط غير مباشر في عملية قتل أقدم عليها صديق له بداعي التحرش الجنسي به، وكذلك في السنة ذاتها التي تزوّج فيها زوجته الأولى إدي باركر لتدفع عنه كفالة إطلاق. كتب كيرواك في مفكرته يومها «يجب أن أكون قد حظيت الآن بمادة لكتاب بديع... حب، جريمة، مناقشات شيطانية.. «لكن أياً من هذه المواضيع الواعدة لم تجد دربها كما يجب إلى «الحياة المسكونة» بل جل ما ظهر هو تمرين على استكشاف أشبه بالسيرة الذي سيشكل قاعدة عمل كيرواك الأول الرئيسي «البلدة والمدينة».

تتمحور فصول العمل المكتوبة حول بيتر مارتن الذي يعود إلى بلدته غالواي (تمثل بلدة كيرواك الحقيقية لويل) بعد سنته الأولى في جامعة بوسطن. غدا الشاب نجماً رياضياً، لكنه غير راض عن التصنيفات التقليدية للنجاح الملقاة عليه من قِبَل والده، جو مارتن، وعمّته ماري. هو يتشوّق ليكون كاتباً كبيراً، فيتخلص من الاهتمامات المحلية للحياة في غالواي بحثاً عن تحفيز فكري أنضج وأسلم.

يتشارك بيتر سأمه مع غارابيد توريان وديك شفيلد، وهما يمثلان صديقين له من حياته الحقيقية وطفولته، سابستيان سامباس وبيلي تشاندلر اللذان قضيا في الحرب العالمية الثانية قبل وقت قليل من كتابته «الحياة المسكونة». يتحادث الثلاثة بخصوص طموحاتهم المغامراتية، حالمين أنهم ربما سينضمون ذات يوم إلى بحارة السفن التجارية أو الجيش لرؤية العالم. لكنهم الآن عالقون في بلدتهم غالواي مكتفين بحياة غافلة ووجود بلا أحداث. يتعارض عالم الشباب المتخيل هذا مع عالم الجيل الأكبر ممثلاً بوالد بيتر، جو مارتن، الشاكي دائماً من تدهور القيم الأميركية. ويبقى عالما والده وهو متنازعين حتى نهاية العمل. واقعاً، لا يحصل الكثير من الأحداث في هذه الحبكة. ويرى البعض أن ذلك قد يكون بسبب عدم اكتمال هذا العمل السردي وضياعه، لأن كيرواك أراد مدّه إلى ثلاثة أجزاء. ويتساءل البعض لماذا الاهتمام الآن بهذه «الرواية» مع أن شخصيات ومواضيع مشابهة جرى توسيعها في رواية كيرواك التالية «البلدة والمدينة». على هذا التساؤل يرد الباحث في أعمال كيرواك تودتيتشين: «يقدم هذا العمل، الحياة المسكونة، لمحة كاشفة على الحياة المبدعة والقدرات التخييلية لكيرواك في لحظة دقيقة من نموه الفني». لكن هذا لا يعدم من ضم العمل شذرات من أسطر تنطوي على «أسلوب كيرواك النثري العفوي». مهما يكن يقول تروي بوزيروكايدس: «يشكل هذا العمل مثالاً على كمية العمل المترنّح التي يستلزمها كاتب ليعثر على صوته، هو شهادة على سنوات كيرواك التي جاهد فيها الرجل قبل أن يبتكر أسلوباً خاصاً به»، مدافعاً رغم حداثته عن «الشعور الأميركي» تجاهه رأيه «لا جويس، ولا أودن، ولا كافكا يملكون أي شيء ليقولونه لأميركي حقيقي».



مقتطف من الرواية مترجم للعربية هنا .

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

قراءة في رواية الطريق الى الملح للمبدع عبد الكريم العامري/ نقوس المهدي


مدخل لا بد منه

 نقوس المهدي

تولد رواية ” الطريق الى الملح” للأديب عبد الكريم العامري في النفس العديد من التداعيات الاليمة، وتحرك في اعماق النفس الكثير من الذكريات الدفينة.. هكذ ا وجدتني مشدودا بحبل سري بابطالها كانهم احبابي واهلي.. الحب نفسه الذي اختزنته لسنوات متتالية لكاتبها عبد الكريم العامري. ولصديقي مضر حمد السعيد الفتى البغدادي والشاعر الطموح الذي افتقدته في أتون حرب الخليج الاولى.. لا هو من بين اسماء قوائم الشهداء ولا من عداد المفقودين.. ابتلعته الارض الى يومنا هذا.. والذي تعرفت من خلاله على روايات الحرب لــ ” إيريك ماريا ريماك”.. وادب الواقعية الاشتراكية عند مكسيم غوركي وخورخي أمادو ، وتنظيرات انطونيو غرامشي .. وقرات عن طريقه اشعار حسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف.. وعرفني على تاريخ النضال الجماهيري في الخليج.. والمعارك العقائدية والفكرية المحتدمة بين صفوف الطلبة العراقيين.. والاغتيالات والاختطافات التي تطال المناضلين.. وقصيدته الحزينة “شهادة عن مناضل اغتيل ذات مساء عند مدخل البار العتيق” .. واوراقه التي بعثها الي من ساحة المعركة ووسمها باوراق صفراء من زمن الحرب تحدث من خلالها عن ملابسات يومياته في الميدان ومعاناته وآماله العريضة الواسعة المتدفقة الرقراقة التي التهمتها الحرب اللعينة.. وتاريخ الحزب الشيوعي و”الرفيق فهد” وجريدة “الطريق” التي نشرت بها بعض الخربشات المبكرة.. وسلكت بعدها الطريق الشاق لــــ ” أحمد الصالح ” في سبيل البحث عنهما فلم اعثر لصديقي مضر على اثر.. فيما دلني على صديقي الآخر من غرناطة المبدع محسن الرملي..


قراءة في العتبة


العنوان مفتاح تاويل النص.. هكذا يحيلنا عنوان الرواية المكون من جملة اسمية على الطريق وركوب الاهوال وتكبد المشاق من اجل البحث عن الزمن الضائع.. اي على الرحلة.. ذلك ان الرحلة كتابة في المدى، والكتابة رحلة على الورق. اذ “يخيل إلي أن كل كتابة رحلة في الزمان والمكان ( الفضاء). وقبل كل شيء هي رحلة في المساحة اللامتناهية لجغرافية الكلمات” بحد تعبير الناشر الفرنسي الشهير فرانسوا ماسبيرو. ومن جانب اخر على الملح حيث هناك شخص تقاسم معه الراوي الخيز والملح كما نقول في المتخيل الشعبي.. وهو بوابة تتدفق عبرها بشكل لامتناهي جملة من المتتاليات التي تتولد في رحم الغيب.. وتحيلنا على عالم روائي مؤثت بالاحتمال والتوجس والمفاجاة والشوق والحنين المعشش في الحنايا والذكريات الحارقة والتاريخ الضمني لشخوص ينبضون املا ورقة وبساطة.. الأم رمز الارض، والجد رمز التاريخ العريق، ومعتوق الحداد الذي يحيل اسمه على العتق والتحرير، ونازك التي يرمز اسمها الى الرمح انظر لسان العرب ص 498، وما جاء في الحديث ” ان عيسى يقتل الدجال بالنيزك “.. وكل هذه المؤشرات الايقونية تكتسب دلالات تعج بالارادة والاصرار على تحرير مدينة الصبا ومرتع الشباب…. وترمز في نفس الآن للحياة والأمل والإستمرارية.. وتحاول التأريخ بهذه المعطيات لثالوث الانسان والمكان والزمان عبر أوبة الراوي بعد زمن طويل من الغياب القسري الى كنف مدينته المحررة العابقة بجمال مدبنة ” الفــــــاو “. والتي عمدتها دماء 52848 شهيد عدا العديد من الاسرى والمفقودين والمعطوبين .. وهذه احصاءات رسمية تختفي وراءه اكمتها الوجه الحقيقي والسافر للانظمة السنبدة.. والصورة البشعة للحروب، وما تجره من ويلات ومآسي من ترميل النساء وتشريد الاطفال وتشتيت العوائل، وتكبيد البلد العديد من الخسائر الاقتصادية والسياسية الفادحة .. على هذه الصورة تبتدئ الرواية وتبدو المدينة بعد ان يعود اليها البطل وهي محررة من المحتل وفي زمن ” بدأت الارض تخضر… والاشجار تستعيد عافيتها” ص 9.. بعد ان دمرت وحطمت الحرب كل شئ فيها، واقتلعت رؤوس النخيل… وعبر الاستعانة بالتذكر والاسترجاع ” الفلاش باك” يلملم الراوي شتات ذاكرة منهكة وضبابية لرصد حياة “احمد الصالح”، وايام الصبا والشيطنة والعفرتة والجنون والحب والعبقرية والجندية .. مسلطا كاميرته على تحولات المكان وهواجس البطل وجزئيات حياته الشبه الشطارية .. ذكريات جارحة تسربت عبر نافذة السيارة محمولة على هودج الريح الشرقية الملتهبة والحارقة دافعة الراوي الى هوة الماضي السحيقة ص11.. وركوب قطار الذكريات واستحضار سيرة مدينة عزيزة في سبيل البحث عن احمد الصالح مسلحا بالامل والرغبة الاكيدة وصورة الصاحب ومفتاح صندوق الذكريات الجميلة والعديد من الاشارات و المؤشرات الدقيقة.. ذلك لان مصير الرواية اية رواية هو بحث في بعض التفاصيل الصغيرة لنستدل عن طريقها على ما هو اهم.. ذلك أن “ميخائيل باختين” يعتبر الرواية جنينا، لم يكتمل بعد، كجنس أدبي قائم بذاته؟ طبعا ليس بالمعنى التصغيري أو التحقيري؟ على العكس من (الفن الْملحمي) …


المكان في الطريق الى الملح


“بإمكان كاتب أن يُهدي مدينةً شُهرةً عالميّة من خلال كتاب” هكذا تقول احلام مستغانمي .. وفي اقصى الحالات الإجرائية تتحول العديد من الامكنة الروائية في وجداننا الى اماكن حميمية، و الكثير من الشخوص الى اصدقاء ملحميين حميمين من حيث لا نعلم و لا نحتسب كانما تربطنا بهم صلة قرابة قوية.. ونعشق عن طريقهم تلك الاعمال بعوالمها وامكنتها وافضيتها الصغيرة المحدودة المضغوطة بين دفتي الورق والموشومة بالحبر .. و التي تغدو افتراضيا اكبر من حجمها في الواقع.. وننسج معهم علاقات ضمنية اقرب الى الحميمية واقوى من الخيال.. من منا لم تشده قاهرة نجيب محفوظ، واسكندرون حنا مينا، واسكندرية ادوار الخراط ولورنس داريل، وبصرياثا محمد خضير، وسومر حسب الشيخ جعفر، وطنجة محمد شكري وبول بولز، ودبلن جيمس جويس، وبيونس ايرس خورخي بورخيس، وباريس بودلير، ولشبونة فرناندو بيسوا، وبراغ كافكا، واسطنبول باورهان باموك .. ويتجلى ذلك الارتباط عن طريقة حديثهم الاسطوري عنها في كل حين كرد فعل لتاثيرات بصمها ذلك المكان على ارواحهم، واصبحت قطعة من حياتهم.. يكتب كافكا في احدى رسائله لأحد أصدقائه: “لن تخلي براغ سبيلنا، لهذه الأم الصغيرة مخالب، ينبغي الإذعان لها …” .


هكذا تخلق تلك الامكنة و الاشياء الحميمية في نفوسنا ذلك الفضول الآسر لاقتفاء آثارها خارج الحيز الورقي وتدفعنا لمتابعة تطورات الاحداث في رواية “الطريق الى الملح” عبر تتبع معاناة الانا والاخر.. “الانا” الراوي الذي ليس حتما الكاتب الذي يستلهم على مستويات عدة مرجعية السيرة الذاتية في تشكيل الخطاب الروائي.. و”الاخر” الذي يمثله احمد الصالح البطل الايجابي الذي يرمز في بحثه الى الامل واللقاء والمحبة والبساطة وهلم جرا من تلك الاوصاف النبيلة النابعة من اعماق الارض الطيبة المحتضنة لامال واحلام الناس الطيبين..


رؤى حول الرواية


تبتدئ الرواية في منطقة تماس بين زمنين يمتزج عبرهما الماضي بالحاضر الذي يتولد من رحمه المستقبل.. زمن ماض يستدعي التاريخ والمعالم والذكريات والرؤى والاطياف والاخيلة.. و زمن حاضر يستحضر الرغبة في اللقاء ويستنطق السجلات ويتحرى فيهم عن مصير احمد الصالح في دواليب الادارات والدوائر الحكومية وعبر مساءلة رفاق السلاح .. والمستقبل الباسم لكن الضبابي في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد البلد ..


الطريق الى الملح من نوع السهل الممتنع بيساطة توليفتها وهرمية نسقها المعماري .. ومؤثثة بالشعر والنوستالجيا والشوق والتشويق واللهفة والاكتشاف لتتبع مجرى نهر الرواية وتتبع مساره ليمضي بنا صعدا لاهثين لمعرفة النهاية الحتمية للاحداث.. واقتناص المصير الغامض لكن المشرق والايجابي للبطل الذي ينبعث من جديد عبر الطفل رمز التجدد والعطاء والاستمرارية والتجدد، وعبر الحكاية اللامتناهية، واغراء القارئ وايهامه باكتشاف الاوراق المرتقبة التي ستنطلق في الفضاء الكبير كسرب حمام “ص112… والتي وعد بها – وهو من سيقترح ذلك بلسانه – في الجزء القادم من الرواية، كما يوحي بذلك آلبرتو مانغويل في أنه ” يعرض أمام القارئ كنزا من الروايات في حالة جنينية، وبذورا لحكايات، ليست في حاجة لتنمو زيادة حتى تمتعنا وتدهشنا.” وآخذا بقول احمد فؤاد نجم ” عشقي للكلام غالب سكوتي وكرهي للسكات جالب شقاي”


خلاصة


عموما الطريق الى الملح جاءت لتعزز المنجز الابداعي للاستاذ عبد الكريم العامري ولعل أول ارتسا نخرج به من اول قراءة لها انها رواية ناضجة بكل المعايير السردية بالرغم من انها باكورة شاعر راكم تجارب ناضجة ومهمة في الكتابة الشعرية والمسرحية، وتتعالق فيها بغبطة الكتابة الروائية بالتجرية الشعرية الناضجة، ذلك أنه حسب ديكارت “قد يبدو من المدهش العثور على أفكار عميقة في كتابات الشعراء وليس في كتابات الفلاسفة. والسبب هو أن الشعراء يكتبون تحت تأثير حماسهم وقوة تخيلهم: ذلك أنه توجد فينا بذرات العلم مثلما توجد شرارات النار في الحجر. الفلاسفة يستخرجونها بالبرهان العقلي أما الشعراء فتنقشع لديهم بفعل تخيلهم وتغدو أكثر لمعانا”..


بهذا السلاح وبتلك الرؤى آثر الشاعر والمسرحي والصحافي عبد الكريم العامري ركوب غمار الكتابة الروائية ببراعة فاتنة عبر الاسلوب الشاعري الذي يشيع داخل النص فيبعث بين ثناياه جمالية ويهاء ورقة، ولغة شفيفة جذابة تتوخى الاقتصاد في الكلام غبر الجمل القصيرة التي تتوغل عميقا داخل اعماق الابطال، وتؤرخ لمرحلة حرجة من تاريخ العراق الحالك الموشوم بالاستبداد والجبروت والتسلط والاحباط والاقصاء الممنهج للانسان.. التاريخ المليء بالبطولات الوهمية والانكسارات والحافل بالاشعار والمفعم باخبار الابطال الحقيقيين في الخليج واهب اللؤلؤ والمحار والردى.. وعبر معانقة الاحزان الدفينة في عراق ما مر عام والا فيه جوع وظلم وتشييء للكائن، ومعانقة الامل في النصر والتحول والاصرار على مواصلة الحياة برغم كل يتعرض له البلد من مكائد وويلات ضحيتها الاولى والرئيسة المواطن العراقي والقادمة من الغرب اساسا تمثلا بقول ابي الطيب

وسوى الروم خلف ظهرك روم = فعلى اي جانبيك تميل


ترى هل نقرا جزءا قادما تقول فيه الام وهي رمز العطاء والولادة المستمرة والخصوبة انه من الغرب جاءت المصائب” ص4..

—————————-

* نقوس المهدي: قاص وناقد من المغرب







الخميس، 9 أكتوبر 2014

باتريك موديانو/ مجهولات/pdf

تحميل رواية مجهولات لـ باتريك موديانو .

------

فاز الروائي الفرنسي باتريك موديانو مؤلف رواية "الشخص المفقود" بجائزة نوبل للآداب لعام 2014.

وتفوق الكاتب موديانو على منافسيه الكاتب الكيني "نغوغي واثينغو"، والكاتب الياباني "هاروكي موراكامي"، والمحققة الصحفية البيلاروسية، المؤلفة "سفيتلانا أليكسيفيتش"، والشاعر السوري "أدونيس".

كما تخطت الجائزة أيضا وللمرة الثانية المؤلفين الأمريكيين الكبيرين "فيليب روث" و"توماس بينشون"، ليحظى بها الفرنسي باتريك. وتبلغ قيمة الجائزة ثمانية ملايين كرونة سويدية (1.1 مليون دولار).




الأحد، 21 سبتمبر 2014

فاتحة مرشيد الملهمات







 (ام  انه  الانسان  عندما  يتقدم   به   العمر  ،ويقترب  من  النهاية   يصبح  همه  أن يعرف  هو  على حقيقته؟)

(الكتابة   تورط  ومن  لم  يعشق  التورط   ،فليدع  الكتابة  لمن  يستحقها )

(أحيانا  تغبط  حماتها  على مرض  ألزهايمر  ،الذي  جعلها  تعيش  بلا ذاكرة ، وتنحدر  كل  يوم  الى قعر  طفولة  اضطرارية .. تفكر ببعض  الأسى أن عذاب  الانسان  يكمن في ذاكرته  حين تكون  معافاة)

(أنا  لست  حية  أو  ميتة... أنا مجرد كيس  من  الهرمونات  ترهل  مع  الزمن)

(عملية  الابداع  تبدأ بالاحساس بالشعور، ربما  لهذا  السبب لم أكتب شيئا يذكر  قبل  حبي   لهناء)

(كانت أول  مرة  يقبلني  شاب ... وكانت اخر مرة يغمي  علي من  جراء قبلة)

(لا أعلم إن كنت تسمعني أم لا... علي وجهك سكينة من تعدى مرحلة القلق واستسلم لقدره... مخلفا ترف القلق لي. )

قراءة  ممتعة

السبت، 20 سبتمبر 2014

اقتباسات من رائعة الأبله- دوستويفسكي


اقتباسات من رائعة الأبله- دوستويفسكي
---------------------------------------------
مقال لمدونة العدمي المستنير .

اقتباسات من رائعة الأبله- دوستويفسكي 
الجزء الأول








" - مِنْ حُسنِ الحظ، على الأقل، أنَّ الإنسانَ لا يتألمُ مدةً طويلةً حينَ يُقْطَعُ رأسه.
-هذهِ الملاحظة التي ذكرتها أنتَ الآن تَخطرُ ببالِ كلَّ إنسان. ولتحقيقِ هذهِ الغاية إنما اخترعوا تلكَ الآلة، أعني المِقْصَلة. أما أنا فقد خطرتْ في ببالي في ذلكَ اليوم فكرةٌ أخرى إذْ تساءلتُ: " تُرى ألا يمكن أن يكونَ هذا أسوأ؟". ... فكِّرْ في الأمر: لننظرْ في التعذيبِ مثلاً. إنَّ الآلامَ والجروحَ والوجعَ الجسمي، إنَّ هذا كلَّهُ يشغلُ النفسَ عنْ عذابها وينسيها ما قد تُكابدهُ منْ هول، فلا يتألمُ المرءُ عندئذٍ إلا مِنَ الجروحِ إلى أنْ يموتَ منها. والألمُ الرئيسي، والألمُ الذي هوَ أشدُ الآلامِ قوةً قد لا يكونُ ألمَ الجروح، بل الألمُ الذي ينشأُ عنْ يقينِ المرءِ منْ أنهُ بعدَ ساعةٍ ثمَ بعدَ عشرِ دقائقَ ثمَ بعدَ نصفِ دقيقة، ثمَ الآنَ فورًا، ستتركُ روحهُ جسدها، وأنهُ لنْ يكونَ بعدَ تلكَ اللحظةِ إنسانًا، وأنَّ هذا أكيد، أنّهُ أكيدٌ خاصَة. فحينَ يَضعُ المرءُ رأسهُ تحتَ المِقصَلةِ البَتَّارَة، وحينَ يسمعُ انزلاقها فوقه، في ربعِ الثانيةِ ذاك، إنَما يشعرُ المرءُ بالخوفِ الأكبر. هل تعلمُ أنَّ هذا الذي أقولهُ ليسَ مستمدًا مِنَ الخيالِ فحسب؟ لقد ذكرهُ كثيرون. وإني لأبلغُ من قوةِ الاقتناعِ بهِ أنّني سأقولُ ُلكَ رأيي في هذا الأمرِ صريحًا كلَّ الصراحة. أنا أرى أنَّ قتلَ إنسانٍ بسببِ ارتكابهِ جريمةََ قتلٍ هو قصاصٌ لا تناسبَ بينهُ وبينَ الجريمةِ نفسها. إنَّ قتلَ قاتلٍ أفظعُ كثيرًا منْ جريمةِ القتلِ التي ارتكبها ذلكَ القاتل. إنَّ الإنسانَ الذي يقتلهُ القتلة، إذْ يذبحونهُ ليلاً في غابةٍ أو غيرها، يظلُّ إلى آخرِ لحظةٍ يأملُ أنْ ينجو. يروى عنْ مقتلوينَ أنهم ظلّوا، بعدَ حزِّ رقابهم، يأملونَ ويحاولونَ الفرارَ ويتضرعونَ سائلينَ الشَّفقةََ عليهم والرأفةََ بهم. أما في الإعدام فأن الأملَ الأخير، الأملَ الذي يجعلُ احتمالَ الموتِ أسهل َعشرَ مراتٍ يُنتزعُ منكَ "حتمًا". إنَّ صدورَ الحُكمِ واستحالةُ الإفلاتِ منهُ هما اللذانِ يجعلانِ العذابَ رهيبًا فظيعًا. صَدقني: ليسَ في الدنيا عذابٌ أشدُ هولاً من هذا العذاب. لو أخذتَ جنديًا فوضعتهُ في قلبِ المعركة أمامَ فوهةِ المدفع، ثم أطلقتَ عليهِ النار، لظلَّ يحتفظُ بالأملِ إلى آخرِ لحظة. أما إذا قرأتَ لهذا الجندي نفسهُ قرارًا يحكمُ عليهِ بموتٍ "مؤكد"، فإنَ هذا الجنديّ سيفقدُ عندئذٍ عقله، أو سيجهشُ باكيًا. مَنْ ذا الذي قررَ أنَ الطبيعة الإنسانية تستطيعُ أنْ تحتملَ تعذيبًا كهذا التعذيبِ دونَ أنْ تهوي إلى الجنون؟ فيمَ إيقاعُ أذىً يبلغُ هذا المبلغ مِنَ السوء والعقم؟ ربما كان يوجدُ في هذا العالمِ إنسانٌ حُكمَ عليهِ بالموت، وشُرِغَ في تعذيبهِ ذلك التعذيب، ثم قيلَ لهُ أخيرًا: "امضِ فقد صَدْرَ عفوٍ عنك". إنَّ في وسعِ هذا الإنسان أنْ يحكي لكم وأنْ يَقُصَ عليكم".


" يُخيَّلُ إليَّ أنَّ الإنسان، حينَ يداهمهُ هلاكٌ لا سبيلَ إلى تحاشيه، كانهيارِ منزلٍ فوقه مثلاً، إنما يشعرُ عندئذٍ برغبةٍ لا تقاومُ في أن يقعدَ مغمضًا عينيه، وليحدث ما يحدث! "


" إنَّ المرء لتبرأُ نفسهُ وتشفى حينَ يعيشُ مع الأطفال! "


" إنَّ أكبرَ إهانةٍ يمكنُ أن تُلحقها بإنسانٍ في عصرنا ومِنْ جنسنا هي أنْ تعنتهُ بأنهُ محرومٌ مِنَ الأصالةِ والإرادةِ والمواهبِ الخاصة، وأن تقولَ عنهُ: إنّهُ رجلٌ عادي" 


" إنَّ جوهرَ العاطفة الدينية مستقلٌ عنْ جميعِ البراهين، وجميعِ الأفعالِ السيّئة وجميعِ الجرائمِ وجميعِ مذاهبِ الإلحاد. إنَّ في هذهِ العاطفة شيئًا لا يمكنُ أنْ تنالهُ أدلّةُ الملحدين في يومٍ مِنَ الأيام. وسيظلُّ الأمرُ على هذا النحوِ أبدَ الدّّهْر"


" لماذا تخلقُ الطبيعةُ أفضلَ الناسِ لتسخرَ منهم بعدَ ذلك؟ هذا ما تعمدُ إليهِ الطبيعة: حينَ أظهرتِ البشرَ على الإنسانِ الوحيد الذي عُدَّ الإنسانَ الكاملَ في هذا العالَم، عهِدتْ إليهِ برسالةِ أنْ ينطقَ بأقوالٍ كانتْ سببًا في سفحِ دماءٍ بلغتْ مِنَ الغزارةِ أنها لو سُفحتْ مرّةً واحدةً لخنقتِ الإنسانية! إنها لسعادةٌ أنْ أموت! ذلكَ أنّني إذا لم أمتْ فقد يُطلقُ لساني كذبةً رهيبةً بدافعٍ مِنَ الطبيعة!... أنا لم أُفسدْ أحدًا.. لقد أردتُ أنْ أحيا لسعادةِ الناسِ جميعًا... أردتُ أنْ أحيا لاكتشافِ الحقيقةِ ونشرها... فماذا كانتِ النتيجة؟ لا شيء! كانتِ النتيجةُ أنكم تحتقرونني. هذا دليلٌ على أنّني غبيٌّ أحمق، على أنّني امرؤٌ لاخيرَ فيهِ ولا فائدةَ منه، وعلى أنّني قد آنَ لي أنْ أزول! وحينَ أزول، فلن أُخلفَ ورائي أيّة ذكرى: لن أتركَ أيَّ صدى، لن أتركَ أيََ أثر، لن أتركَ أيَّ عمل! لم أنشرْ أيَّ رأي، لم أُذِعْ أيّة قناعة! لا تضحكوا من غبيٍّ أحمق! انسَوه! انسَوا كلَّ شيء! أرجوكم أنْ تنسَوا! لاتكونوا قساةً!" 



من الأبله -الجزء الأول- ترجمة سامي الدروبي

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

«الطّيبيّون» رواية ملحمية أسطورية.. يطالب الأثريون بمنعها

كتب أدهم العبودي روايته الرائعة «الطّيبيّون»، والتي تعد رواية ملحمية، أسطورية، معظمها يدور في ساحة الخيال، تدنو من التاريخ، ولا تكتب عنه، تتعامل مع الأسطورة الشعبية المعاصرة برؤية زمنية ذات أثر رجعي.
دارت الرواية في فلك الأقصريين الذين يسكنون منطقة الكرنك، في الزمن الآني، وتستلهم من تراث المدينة الفرعوني، وأساطيرها، وحواديتها المسكوت عنها، تمزج ذلك بالفانتازيا والخيال، والأبعاد المجتمعية التي تحدّد هوية الشخصيات، والأمراض التي تعاني منها النفوس، القديم منها والجديد.
images


تميزت هذه الرواية بأنها استطاعت مزج الجدلي بالمسلّم، مع وضع المدينة تحت مجهر الحياد، وصنع بانوراما متخيّلة عن كيفية حياة الفراعنة في تلك المدينة، ببذخ السلطة، وقمعها، وتجاهلها للرعية، ومدى استفحالها في الضغط على الشعب الذي يكدّ في البحث عن القوت، مع بث رموز إسقاطية على الأنظمة الحاكمة العربية، بما لها وما عليها، ومدى توحّش الفرعون بغية الوصول لأهدافه، وكيف تتآمر السلطة بعضها مع بعض، وبعضها ضد بعض، للحفاظ قدر الإمكان على المكتسبات التي تعود عليها من خير البلاد.
والرواية تعالج غفوة الضمير المجتمعي، الذي يغفل أحداثاً واضحة وضوح الشمس لأجل خرس قدري، فمن الظالم ومن المظلوم؟ من الحاكم ومن المحكوم؟ كيف للأسطورة أن تشكّل وجدان الناس؟ كيف للأسطورة أن تخرس أفواهاً؟ وكيف قامت الأسطورة من الأساس؟ ولأجل أيّ هدف؟ كلّها تساؤلات تطرحها الرواية، مع وضعها أمام القارئ دون تحيّز، وله أن يكتشف بنفسه، ويضع الإجابات التي تلائم معتقداته.
كما تناول أدهم العبودي في «الطّيبيّون» الشخصيات بمساوئها وحسناتها، فلا هذا جار على ذاك، ولا ذاك استنقص من هذا، متماشية مع مبدأ أنّ لكل امرئ عيب، وللجميع ميزة، لكن كيف يذلّل العيب في سبيل الميزة؟.
تغوص بنا الرواية في عالم السحر، وعالم التعاويذ المباركة، واحتفالات الشعب بـ«آمون»، وسخط الآلهة على الحكّام، وكيف كان يعيش الفراعنة؟ القصور والمباني، الجبّانات والحدائق، المعابد والمقتنيات، تعالج قصص الحبّ البائدة، والمعاصرة، والمحور الرئيس لها نقد المجتمع الضرير، الذي لا يقبل النقد أصلاً.
تدور أحداث الرواية في فترة الأسرة الحادية عشر من التاريخ الفرعوني، أي منذ أن نشبت الحرب ضدّ هيراكليوبوليس، بقيادة الفرعون «واح – عنخ – أنتف»، والتي ترجع أهميته في التاريخ إلى أنه قاد الحرب التي استمرت 200 عام لإعادة طيبة عاصمة لمصر من جديد.
لكن أدهم العبودي لعب على وتر نفسيات الأبطال وحياتهم الخاصة التي لا يمكن للتاريخ أن يقف عليها.
وجاء مقطع في الرواية يتناول أدق أسرار حياة الملك «واح – عنخ – أنتف»، ويظهره شاذاً جنسيًا…
«الرموز الدنيوية تحلّلها نشوة الجسد فتصبح هباءً لا يعكّر صفواً، ألوذ بجسدي ممّا تحفل به مجاهل الحكم لراحة النفس المرجوة، ذلك الجسد الذي ينفذ إلى ضمور، وهذا العبد الأخرس تخيّرته دون العبيد كلّهم ليطفئ اشتعال الشهوة المنغّص، يشاركني الفراش».
« تخيّرته أخرس لكي لا تكون لديّ حاجة للتشكّك، قضيت على ثلاثة أو أربعة قبله نتيجة ذاك التشكّك».
ويقول هذا الفرعون عن نفسه في الرواية: «لا يوجد نفر على الأرض قد ينكر ما وهبته لتلك البلاد، لقد ملأت مخازن الحبوب بالوفير من الشعير والغلال والقمح، شيّدت للرعية القصور والهياكل والمدن والقرى والمعابد ونقشت اسم “طيبة” في السماء إلى الأبد».
كتب أدهم العبودي هذه التفصيلة، حتى يستطيع أن يبنى عليها الحالة النفسية للشخصية.. وهي ليست محل افتراء من الكاتب.
استنكر العديد من الأثريين بالأقصر ما جاء في تلك الرواية، ما وصفوه بتشويه وتزوير للتاريخ الفرعونى والإساءة لأحد أهم ملوك الأسرة الحادية عشرة، مؤكدين أن الرواية بها بعض المغالطات غير المقبولة والتي تسيء للتاريخ الفرعونى… وهذا حق لهم لا يمكن لأحد الاعتراض عليه، لأننا نعيش زمن الديموقراطية.
فقد قدم أدهم العبودي رواية -كما قال الأثرييون- بها مغالطات تاريخية، والآن يجب علينا أن ننتظر من الأثريين الرد بمؤتمر صحفي أو ببحث تاريخي أو كتاب يعرض حقائق غفل عنها الكاتب.
ولكن ليس من المقبول، أن يُطالب الأثريون بسحب الرواية من السوق، ومنعها من التوزيع، فور صدورها.
ولقد جاء تعليق من أحد الخبراء الاثريين، الذي يرأس –للأسف- منصباً رفيعاً في وزارة الآثار، «أن مؤلف الرواية يصدر للعالم فكرة أن صناع الحضارة المصرية شواذ جنسياً، مما يعطي أثراً سلبياً على السياحة وعلى قيمة الحضارة المصرية القديمة بالنسبة للغرب، مطالباً بسحب هذه الرواية من المكتبات.
وبعد هذه التصريحات النارية، يقول إنه بصدد قراءة الرواية. أي أنه علم بالأمر ثم طالب بمنع الرواية لحين الانتهاء من القراءة.
وجاء رد الروائى ادهم العبودى على الاتهامات الموجهة للرواية من أثريى مصر أن الإبداع لا حجر عليه، وأن من يملك حجة ضد الرواية يقدمها، مشيراً إلى أن الأسرة الحادية عشرة أو ما يطلق عليها الأثريون فترة «الاناتفة» هي فترة مظلمة في التاريخ الفرعوني ولا يوجد لها توثيق كاف أو آثار باقية تؤكد أو تنفي صحة ما جاء في الرواية وأنها فترة تحتمل التأويل.
وقف الأثريون حاملين لواء المدافعين عن شرف وعرض الملك، والحضارة الفرعونية، نافين حالات أظهرها التاريخ الفرعوني في محل شك وجدال، لأنه ليس منا من يملك الحقيقة كاملة.
ونسوا أن الإعلان السابع والعشرين من كتاب الموتى المقدس عند الفراعنة، هو تأكيد أن المتوفي لم تكن له علاقات جنسية شاذة.
كما أن هناك حكاية لحورس وسيث على ورقة من البردى تكشف عن أن الإلهين كان لهما علاقة شاذة، غير لوحة لأخناتون وزوجته نفرتيتى يظهر فيها الملك في شكل مخنث تماماً، مما يرجح نوعاً من الجانب الخنثوى.
بعيداً عن كل هذه الأمور، فإن المثلية الجنسية في مصر القديمة غامضة، وتحتمل التأويل كما قال كاتب الرواية، ولكن لا يصح المطالبة بمنع الكتاب من الأسواق.
تقع رواية «الطيبيون» في 300 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار الربيع العربي عام 2014.


مقتبس عن موقع كسرة .زياد ابراهيم . 2014