الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

«الطّيبيّون» رواية ملحمية أسطورية.. يطالب الأثريون بمنعها

كتب أدهم العبودي روايته الرائعة «الطّيبيّون»، والتي تعد رواية ملحمية، أسطورية، معظمها يدور في ساحة الخيال، تدنو من التاريخ، ولا تكتب عنه، تتعامل مع الأسطورة الشعبية المعاصرة برؤية زمنية ذات أثر رجعي.
دارت الرواية في فلك الأقصريين الذين يسكنون منطقة الكرنك، في الزمن الآني، وتستلهم من تراث المدينة الفرعوني، وأساطيرها، وحواديتها المسكوت عنها، تمزج ذلك بالفانتازيا والخيال، والأبعاد المجتمعية التي تحدّد هوية الشخصيات، والأمراض التي تعاني منها النفوس، القديم منها والجديد.
images


تميزت هذه الرواية بأنها استطاعت مزج الجدلي بالمسلّم، مع وضع المدينة تحت مجهر الحياد، وصنع بانوراما متخيّلة عن كيفية حياة الفراعنة في تلك المدينة، ببذخ السلطة، وقمعها، وتجاهلها للرعية، ومدى استفحالها في الضغط على الشعب الذي يكدّ في البحث عن القوت، مع بث رموز إسقاطية على الأنظمة الحاكمة العربية، بما لها وما عليها، ومدى توحّش الفرعون بغية الوصول لأهدافه، وكيف تتآمر السلطة بعضها مع بعض، وبعضها ضد بعض، للحفاظ قدر الإمكان على المكتسبات التي تعود عليها من خير البلاد.
والرواية تعالج غفوة الضمير المجتمعي، الذي يغفل أحداثاً واضحة وضوح الشمس لأجل خرس قدري، فمن الظالم ومن المظلوم؟ من الحاكم ومن المحكوم؟ كيف للأسطورة أن تشكّل وجدان الناس؟ كيف للأسطورة أن تخرس أفواهاً؟ وكيف قامت الأسطورة من الأساس؟ ولأجل أيّ هدف؟ كلّها تساؤلات تطرحها الرواية، مع وضعها أمام القارئ دون تحيّز، وله أن يكتشف بنفسه، ويضع الإجابات التي تلائم معتقداته.
كما تناول أدهم العبودي في «الطّيبيّون» الشخصيات بمساوئها وحسناتها، فلا هذا جار على ذاك، ولا ذاك استنقص من هذا، متماشية مع مبدأ أنّ لكل امرئ عيب، وللجميع ميزة، لكن كيف يذلّل العيب في سبيل الميزة؟.
تغوص بنا الرواية في عالم السحر، وعالم التعاويذ المباركة، واحتفالات الشعب بـ«آمون»، وسخط الآلهة على الحكّام، وكيف كان يعيش الفراعنة؟ القصور والمباني، الجبّانات والحدائق، المعابد والمقتنيات، تعالج قصص الحبّ البائدة، والمعاصرة، والمحور الرئيس لها نقد المجتمع الضرير، الذي لا يقبل النقد أصلاً.
تدور أحداث الرواية في فترة الأسرة الحادية عشر من التاريخ الفرعوني، أي منذ أن نشبت الحرب ضدّ هيراكليوبوليس، بقيادة الفرعون «واح – عنخ – أنتف»، والتي ترجع أهميته في التاريخ إلى أنه قاد الحرب التي استمرت 200 عام لإعادة طيبة عاصمة لمصر من جديد.
لكن أدهم العبودي لعب على وتر نفسيات الأبطال وحياتهم الخاصة التي لا يمكن للتاريخ أن يقف عليها.
وجاء مقطع في الرواية يتناول أدق أسرار حياة الملك «واح – عنخ – أنتف»، ويظهره شاذاً جنسيًا…
«الرموز الدنيوية تحلّلها نشوة الجسد فتصبح هباءً لا يعكّر صفواً، ألوذ بجسدي ممّا تحفل به مجاهل الحكم لراحة النفس المرجوة، ذلك الجسد الذي ينفذ إلى ضمور، وهذا العبد الأخرس تخيّرته دون العبيد كلّهم ليطفئ اشتعال الشهوة المنغّص، يشاركني الفراش».
« تخيّرته أخرس لكي لا تكون لديّ حاجة للتشكّك، قضيت على ثلاثة أو أربعة قبله نتيجة ذاك التشكّك».
ويقول هذا الفرعون عن نفسه في الرواية: «لا يوجد نفر على الأرض قد ينكر ما وهبته لتلك البلاد، لقد ملأت مخازن الحبوب بالوفير من الشعير والغلال والقمح، شيّدت للرعية القصور والهياكل والمدن والقرى والمعابد ونقشت اسم “طيبة” في السماء إلى الأبد».
كتب أدهم العبودي هذه التفصيلة، حتى يستطيع أن يبنى عليها الحالة النفسية للشخصية.. وهي ليست محل افتراء من الكاتب.
استنكر العديد من الأثريين بالأقصر ما جاء في تلك الرواية، ما وصفوه بتشويه وتزوير للتاريخ الفرعونى والإساءة لأحد أهم ملوك الأسرة الحادية عشرة، مؤكدين أن الرواية بها بعض المغالطات غير المقبولة والتي تسيء للتاريخ الفرعونى… وهذا حق لهم لا يمكن لأحد الاعتراض عليه، لأننا نعيش زمن الديموقراطية.
فقد قدم أدهم العبودي رواية -كما قال الأثرييون- بها مغالطات تاريخية، والآن يجب علينا أن ننتظر من الأثريين الرد بمؤتمر صحفي أو ببحث تاريخي أو كتاب يعرض حقائق غفل عنها الكاتب.
ولكن ليس من المقبول، أن يُطالب الأثريون بسحب الرواية من السوق، ومنعها من التوزيع، فور صدورها.
ولقد جاء تعليق من أحد الخبراء الاثريين، الذي يرأس –للأسف- منصباً رفيعاً في وزارة الآثار، «أن مؤلف الرواية يصدر للعالم فكرة أن صناع الحضارة المصرية شواذ جنسياً، مما يعطي أثراً سلبياً على السياحة وعلى قيمة الحضارة المصرية القديمة بالنسبة للغرب، مطالباً بسحب هذه الرواية من المكتبات.
وبعد هذه التصريحات النارية، يقول إنه بصدد قراءة الرواية. أي أنه علم بالأمر ثم طالب بمنع الرواية لحين الانتهاء من القراءة.
وجاء رد الروائى ادهم العبودى على الاتهامات الموجهة للرواية من أثريى مصر أن الإبداع لا حجر عليه، وأن من يملك حجة ضد الرواية يقدمها، مشيراً إلى أن الأسرة الحادية عشرة أو ما يطلق عليها الأثريون فترة «الاناتفة» هي فترة مظلمة في التاريخ الفرعوني ولا يوجد لها توثيق كاف أو آثار باقية تؤكد أو تنفي صحة ما جاء في الرواية وأنها فترة تحتمل التأويل.
وقف الأثريون حاملين لواء المدافعين عن شرف وعرض الملك، والحضارة الفرعونية، نافين حالات أظهرها التاريخ الفرعوني في محل شك وجدال، لأنه ليس منا من يملك الحقيقة كاملة.
ونسوا أن الإعلان السابع والعشرين من كتاب الموتى المقدس عند الفراعنة، هو تأكيد أن المتوفي لم تكن له علاقات جنسية شاذة.
كما أن هناك حكاية لحورس وسيث على ورقة من البردى تكشف عن أن الإلهين كان لهما علاقة شاذة، غير لوحة لأخناتون وزوجته نفرتيتى يظهر فيها الملك في شكل مخنث تماماً، مما يرجح نوعاً من الجانب الخنثوى.
بعيداً عن كل هذه الأمور، فإن المثلية الجنسية في مصر القديمة غامضة، وتحتمل التأويل كما قال كاتب الرواية، ولكن لا يصح المطالبة بمنع الكتاب من الأسواق.
تقع رواية «الطيبيون» في 300 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار الربيع العربي عام 2014.


مقتبس عن موقع كسرة .زياد ابراهيم . 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق