على الرغم من التوقعات التي تنبأت بتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية ومصر بعد تولي التيار الإسلامي الحكم، تظهر المؤشرات توافقا بين ادارة الرئيسين باراك أوباما ومحمد مرسي يتوقع أن يتوج قريبا باتفاق اقتصادي تشطب به واشنطن نحو ثلث ديون القاهرة لها.
فلقد أعلن مسؤولون أميركيون الاثنين أن مفاوضات على مستوى عال تجرى حاليا بين العاصمتين لإلغاء نحو مليار دولار من أصل مبلغ الـ3,2 مليار دولار الذي تدين به مصر لواشنطن، وهو ما كانت تعهدت به إدارة أوباما مسبقا، بينما كانت القاهرة تأمل في إلغاء الدين بالكامل.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الاتفاق النهائي على هذا الموضوع نهاية شهر سبتمبر الجاري، طبقا لما أعلنته جريدة الواشنطن بوست نقلا عن مسؤول أميركي رفيع المستوى رفض ذكر اسمه بسبب عدم إبرام الاتفاق رسميا بعد.
هذه المحادثات هي أول مباحثات هامة تجرى بين إدارة أوباما والحكومة المصرية الجديدة. ويزور وفد رسمي أميركي القاهرة منذ الأسبوع الماضي لتسوية التفاصيل المتصلة بعقد هذه الصفقة.
وكانت وتيرة المساعدات الأميركية للقاهرة قد شهدت تباطؤا خلال عام ونصف تلت الاضطرابات التي أرغمت الرئيس المصري السابق حسني مبارك، أحد أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، على التنحي في فبراير 2011.
ولم تبادر واشنطن إلى مد يد العون للقاهرة، بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها مصر بسبب الاضطرابات التي أدت إلى انخفاض عائدات السياحة، أحد أهم مصادر الدخل في مصر وإلى تآكل مخزون النقد الأجنبي الذي استخدم معظمه لسد العجز الاقتصادي. كما شهدت البلاد زيادة في نسبة التضخم وفي نسبة البطالة بين الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا.
وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية لمصر الذي يبلغ نحو 1,2 مليار دولار سنويا هو في شكل مساعدات عسكرية، والعلاقات الوطيدة بين واشنطن والجيش المصري في عهد مبارك وسلفه أنور السادات، إلا أن هذا لم يؤت ثمارا اقتصادية أو سياسية خلال الفترة الانتقالية التي تولى فيها المجلس العسكري الأعلى حكم مصر بعد تنحي مبارك.
بل على العكس، أظهرت واشنطن خلال هذه الفترة حذرا في مساعدة مصر التي أظهرت بدورها ترددا في طلب أموال أميركية، ما كان ينذر بمزيد من التوتر أو ربما وقف المساعدات بعد تولى مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، الحكم يوم 30 يونيو، بعد أول انتخابات ديمقراطية في مصر.
لكن واشنطن أظهرت مؤخرا بوادر عدة تنم عن رغبتها في النأي بنفسها عما عرف عنها من مساندة لنظام مبارك خلال العقود الثلاثة لحكمه، وكذلك لرموزه وعلى رأسهم رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي.
فخلال الفترة التي لم تكن قد حسمت فيها نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر، وكان كل من مرسي ومنافسه الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء لمبارك، يعلن فوزه بالرئاسة، صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بضرورة تسليم السلطة إلى "الفائز الشرعي" في إشارة إلى مرسي.
كما لم تعترض واشنطن على قرار مرسي فيما بعد بإقالة المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أن الإدارة الأميركية كانت على علم مسبق بهذه النية.
في المقابل، أعلن مرسي أن إنعاش الاقتصاد المصري هو هدفه الأول، وأظهر ترحيبا بالمساعدة الأميركية وكذلك بمساعدة صندوق النقد الدولي، وهما الجهتان اللتان ينظر إليهما بكثير من الحذر في مصر، على اعتبار أن مساعداتهما المالية عادة ما تكون مصحوبة بشروط سياسية أو اقتصادية تقوض الإرادة الوطنية.
ولقد طلب مرسي قرضا بمبلغ 4,8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال مباحثاته مع رئيسة الصندوق كريستين لاغارد خلال زيارتها القاهرة في شهر أغسطس الماضي. كما طلب مساعدات من الصين ودول خليجية ، فقامت قطر بإيداع مبلغ 2 مليار دولار في البنك المركزي المصري.
الوفد الأميركي الموجود في مصر منذ الأسبوع الماضي لإبرام صفقة إلغاء ثلث الدين، يعمل أيضا على إرسال مزيد من المساعدات لمصر، ويحث حكومتها على العمل على تحرير السوق واتخاذ خطوات من شأنها تسهيل إجراءات التعامل لتشجيع الاستثمار.
"الولايات المتحدة تعمل على تخفيف الضغط الذي تسببه ميزانية المدفوعات على مصر لمساندة خطة الإصلاحات التي تبنتها الحكومة المصرية"، حسب تصريحات نائب وزير الخارجية الأميركي روبرت هورماتس في كلمة ألقاها أمام غرفة التجارة الأميركية في مصر الأسبوع الماضي، بعد لقائه عددا من المسؤولين المصريين.
وأعلن هورماتس أن الحكومة الأميركية عرضت على مصر قروضا وضمانات قروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة قيمتها 250 مليون دولار، وما لا يقل عن 219 مليون دولار إضافية كقروض واستثمارات في المشاريع الصغيرة.
جدير بالذكر أن معظم الأموال التي ستستخدم في صفقة تقليص الدين ستأتي من مبالغ كانت قد رصدت كمساعدات لمصر ولأفغانستان ولم يتم صرفها.
الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لمصر كانت قد جمدت بعد ثورة يناير، خاصة بعدما قامت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا بالدفع بتحويل عدد من موظفي منظمات غير حكومية ممولة من الولايات الأميركية، ومن ضمنهم أميركيون وابن مسؤول أميركي رفيع المستوى إلى المحاكمة، بتهمة التمويل غير المشروع.
ولم تعين أبوالنجا في الوزارة التي كلف مرسي رئيس وزرائه هشام قنديل بتشكيلها، وصرح عدد من المسؤولين الأميركيين أن خليفتها أشرف العربي "يظهر ترحيبا أكثر بالمساعدات الأميركية".
وفيما اعتبرته واشنطن "خطوة لدفع الاقتصاد المصري ومساندة التحول الديموقراطي في مصر"، أعلن عن زيارة سيقوم بها وفد تجاري من ممثلي أكثر من 40 شركة أميركية لبحث فرص الاستثمار في مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق