الأربعاء، 10 يوليو 2013

التربية فى مدرسة النبوة .... محمد متولى الشعراوى

التربية فى مدرسة النبوةتتصف العملية التربوية الإيمانية بعدة خصائص تميزها عن غيرها وتوقفها شامخة فوق دروب العمليات الحياتية جميعها .
والمربون الذين لا يدركون هذه الخصائص الهامة والأساسية يقعون في ذلة الهوى أو الاجتهاد الضعيف المهترئ القائم على قلة العلم والخبرة .

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم خصائص العملية التربوية الإيمانية في مدرسة النبوة الرفيعة المقام , وبينها أحسن بيان فكانت بنيانا رائعا , ونموذجا متكاملا لكل مرب ومعلم وداعية إلى الخير والنور والهدى , ومافتىء المربون الناصحون على هدي تلك الخصائص وهذي السمات يربون الصالحين جيلا منتصرا بعد جيل حتى ألمت بنا خلوف بعيدة المشرب متعكرة النبع قد التمست الفلاح بعيدا عن مدرسة النبوة فخرجت لنا مانراه من حالة منكسرة ونفسية منهزمة لكثير من أبناء هذا الجيل , وتلك الخصائص التي سوف نحكي عنها بإيجاز أشبه ما تكون بأعمدة البناء للعملية التربوية الإيمانية التى لا يسع المربي تركها أو إهمالها على أية حال ..

أولا : العقائدية :
وهي الأساس الأول الذي ينبني عليه المنهج التربوي الإيماني فالباحث عن سبب تزعزع الأمة الإسلامية يجد أنه ضعف الإيمان والباحث عن سبب كل نقص ألم بالأمة يجد أنه الإيمان أن الأمة قد ابتليت بالذين يهملون الإيمان في قلوبهم حتى يصير كالثوب الخلق كما ابتليت بالذين ينشغلون يدنياهم عما يجول في قلوبهم , وحين يصيب وهن الإيمان وزلزال العقيدة قلوب المربين يكون المصاب كبيرا والجراح غائرا .. إنه يجب أن تستقر العقيدة في قلوب الداعين إليها ثم يدعون الناس إليها علمًا وعملاً وتطبيقًا لا مجرد علم نظري , لا رصيد له في القلوب ولا في الواقع>

إن مصطلح العقيدة يراد به ما يعقد علية القلب من الإيمان بروبية الله وأسمائه وصفاته وتوحيده بالعبادة والطلب والقصد ( سواء كانت عبودية القلب أو اللسان أو الجوارح ) , والتبرؤ من كل ما يعبد من دون الله , كما تشمل أيضا الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والجزاء والحساب والجنة والنار والقدر خيره وشره , فهي إذن تحيط بمناحي الحياة كلها بل وتضع ظلالها الوفيرة على كل سلوك للمؤمن في حياته وحتى مماته , إذ يقول سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " , ولقد جاءت دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام كلها دائرة حول هذا المحور - محور العقيدة - ابتداء .

والمربي يجب عليه أن يغرس العقيدة الصحيحة في قلب من يربيهم ويعلمهم ولا يتركهم نهبا لأهواء وأفكار قد تنهش قلوبهم وتباعد بينهم وبين سبيل الهدى , ومن هنا يبدو ما نريده من قولنا أن على المربي أن يكون منتبها لما ينتشر من المناهج المنحرفة كعقائد التصوف القبوري أو الحلولية ( التي انتشرت أخيرا في صور متعددة) أو الذين يعتمدون مناهج ضالة يرتضون فيها الانحراف عن النهج النبوي السليم أو الذين يفرقون بين أنبياء الله أو بين صحابة رسول الله ويسبونهم وينسبون لهم النواقص .

إن العقيدة التي تلقاها العلماء بالقبول – عقيدة أهل السنة والجماعة - هي السبيل المستقيم والمنهج القويم قال الله تعالي : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون )
وقد علمتنا مدرسة النبوة أن نبدأ بالدعوة إلى العقيدة الصافية النقية , وألا نحيد عن هذا المبدأ قيد أنملة , فرفضوا أن تبدأ دعوتهم لجمع الناس على أي هدف إلا العقيدة, مهما كانت, حتى لو كانت أهدافًا أخلاقية سلوكية, أو اجتماعية... أو غيرها.
وكانوا قادرين - عليهم السلام - أن يجمعوا الناس تحت أية راية أخرى حتى إذا اجتمعوا بلغوهم العقيدة وطالبوهم بها, ولكن الله سبحانه لم يرد ذلك منهم, لقد أراد الله سبحانه من أنبيائه عليهم السلام البدء بدعوة الناس إلى عبادته وتوحيده وخلع كل ما يعبد من دونه.

ومن ذلك يتبين خطأ كل داعية يتخفى في ثوب غير ثوب الدعوة إلى العقيدة التوحيدية الصافية بدعوى جمع الناس حوله أو تثبيت أقدامه بينهم , فقد بدأ الأنبياء جميعهم عليهم الصلاة والسلام من طريق الدعوة إلى العقيدة والتوحيد برغم مشقته وعنائه وبلائه, وكان في مقدورهم البدء مع أقوامهم من غير هذا الطريق ولكنهم أبوا ذلك أبدًا.

من جانب آخر يجب على المربين الربط دائمًا بين سلوك المسلم في حياته اليومية وبين عقيدته الإسلامية برباط وثيق, كما يجب التنبيه دائمًا على مسألة التحرك بالعقيدة والعمل بها, وتشربها تشربًا تامًا, وألا يكتفى في تدريس العقيدة بالدراسة النظرية في كتاب أو كتابين, بل أن تتعدد طرق تدريس العقيدة وأساليب تدريسها وتتنوع .

ثانيا : العلمية :
إن الحاجة إلى العلم لا تقل عن الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء والدواء, فإن القلوب لا تحيا بغير علم كما أن الأجساد لا تحيا بغير زاد , و العلم الشرعي هو هدي الأنبياء, ومن تركه فقد ترك هديهم, والله سبحانه يقول: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}, وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (العلماء ورثة الأنبياء)أخرجه أحمد
وقال سبحانه عن إبراهيم - عليه السلام - في دعوته لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}
وقال سبحانه عن يعقوب عليه السلام: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} , وقال سبحانه: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} , وقال عن نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.{
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية, وطلبه عبادة, ومدارسته تسبيح, والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه, وبذله لأهله قربه, وهو الأنيس في الوحدة, والصاحب في الخلوة, والدليل على الدين, والمصبر على البأساء والضراء, يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدى بهم, أدلة في الخير, تقتص آثارهم وترمق أفعالهم, يبلغ العبد به منازل الأبرار والدرجات العلى, والتفكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام, به يطاع الله عز وجل وبه يعبد وبه يوحد ويمجد وبه يتورع وبه توصل الأرحـام وبه يعرف الحلال والحرام, وهو إمام والعمل تابعه, يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء".


تسوق اونلاين وتخفيضات هائلة


 أشترى كتابك وادفع عند الاستلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق