عبقرية عمر لــ عباس محمود العقاد
امتطى العقاد لهذا الكتاب صهوة فكره، بغية الإحاطة بعظمة بطله، فبطله ذو لونٍ جديد، وعبقريته ذات طابع فريد، والكتاب ليس سرداً لسيرة عمر بن الخطاب، ولا عرضاً لتاريخ عصره، وإنما هو وصف له، ودراسة لأطواره، ودلالة على خصائص عظمته، واستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس، وعلم الأخلاق، وحقائق الحياة، لذلك ركز العقاد على ما يفيد هذه الدراسةكتابي هذا ليس بسيرة لعمر ولا بتاريخ لعصره على نمط التواريخ التي يقصد بها الحوادث والأنباء، ولكنه وصف له ودراسة لأطواره ودلالة على خصائص عظمته واستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس وعلم الأخلاق وحقائق الحياة، فلا قيمة للحادث التاريخي جل أو دق إلا من حيث أفاد في هذه الدراسة ولا منعني صغر الحادث أن أقدم بالاهتمام والتنويه على أضخم الحوادث، عن كان أوفى تعريفا بعمر وأصدق دلالة عليه.
وعمر يعد رجل المناسبة الحاضرة في العصر الذي نحن فيه لأنه العصر الذي شاعت فيه عبادة القوة الطاغية وزعم الهاتفين بدينها أن البأس والحق نقيضان. فإذا فهمنا عظيماً واحدا كعمر بن الخطاب فقد هدمنا دين القوة والطاغية من أساسه لأننا سنفهم رجلا كان غاية في البأس وغاية في العدل وغاية في الرحمة. وفى هذا الفهم ترياق من داء العصر يشفى به من ليس بميؤوس الشفاء.
وإنه لجهاد جديد لعمر بن الخطاب يطيب لنا أن نوجزه في كتاب.
مقتطف من الكتاب
“. لم أر عبقرياً يفرى فريه."كلمة قالها النبي عليه السلام في عمر رضى الله عنه وهي كلمه لا يقولها إلا عظيم عظماء خلق لسياسة الأمم وقيادة الرجال.
فمن علامتا العظمة التي تحيي موات الأمم أن تختص بقدرتين لا تعهدان في غيرها، أولاهما أن تبتعث كوامن الحياة ودوافع العمل في الأمة بأسرها وفى رجالها الصالحين لخدمتها، والأخرى أن تنقذ بصيرتها إلى أعماق النفوس فتعرف بالبديهة الصائبة والوحي الصادق فيم تكون عظمة العظيم، ولأي المواقف يصلح، وبأي الأعمال يضطلع ومتى يحي أوانه وتجب ندبته ومتى ينبغي التريث في أمره إلى حين.
كلتا القدرتين كان لهما الحظ الوافر في سيرة عمر بن الخطاب.
فأين ـ لولا الدعوة المحمدية التي بعثت كوامن العظمة في أمة العرب ـ كنا نسمع بابن الخطاب؟ وأي موضع له كان من مواضع هذا التاريخ العالمي الذي يزجر بكبار الأسماء؟
إنه الآن اسم يقترن بدولة الإسلام ودولة الفرس ودولة الروم وكل دولة لها نصيب في التاريخ. فأين كنا نسمع باسم عمر لولا البعثة المحمدية؟
لقد كان ولا ريب خليقاً أن يستوي على مكان الزعامة بين عدى آلة الأقربين أو بين قريش قبيلته الكبرى ثم ينتهي شانه هناك كما انتهى شان زعماء آخرين لم نسمع لهم بخبر. لأنهم عظماء أو لم يعظموا، يعطون البيئة كفاءة ما تطلب من جهد ودراية وهي تطلب منهم ما يذكرون به في بيئتهم ولكنها لا تطلب منهم ما يذكرون به في أقطار العالم البعيد.
وقد كان عمر قوى النفس بالغاً في القوة النفسية ولكنه على قوته البالغة لم يكن من أصحاب الطمع والاقتحام ولم يكن ممن يندفعون إلى الغلبة والتوسع في الجاه والسلطان بغير دافع يحفزه إليه وهو كاره. لأنه كان مفطورا على العدل وإعطاء الحقوق والتزام الحرمات ما التزمها الناس من حوله. وكان من الجائز غير هذا وعلى نقيضه.
كان من الجائز أن تفسد تلك القوة بمعاقرة الخمر والانصراف إليها. فإنه كان في الجاهلية كما قال "صاحب خمر يشربها ويحبها" وهي موبقة لا تؤمن حتى على الأقوياء إذا أدمنوها ولم يجدوا من زواجر الدين أو الحوادث ما يصرفهم عنها، ويكفيهم عن الإفراط في معاطاتها.
أما القدرة الأخرى التي يمتاز بها العظيم الذي خلق لتوجيه العظماء فقد ابان عنها النبي عليه السلام في كل علاقة بينه وبين عمر من اللحظة الأولى، أسي من اللحظة التي سأل الله فيها أن يعز به الإسلام.
بيانات الكتاب
الاسم: عبقرية عمرالمؤلف: عباس محمود العقاد
الناشر: نهضة مصر
السلسلة: سلسلة العبقريات
الحجم: 4 ميجا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق