الأربعاء، 23 أبريل 2014

التنمية المسستدامة Sustainable Development

على الرغم من أن هذا المفهوم قد أصبح عملة رائجة في نهاية القرن العشرين، إلا أنه فكرة مشوشة وأحياناً متناقضة، ولا يوجد اتفاق واسع النطاق حول كيفية تطبيقه عملياً.
ويشير المدافعون عن التنمية المستدامة إلى ضرورة إدماج ثلاث أولويات في أي برنامج للتنمية، وهي : الحفاظ على الآليات البيئية؛ الاستخدام المستدام للموارد؛ الحفاظ على التنوع الحيوي.
اكتسبت التنمية المستدامة أوراق اعتمادها بفضل اللجنة العالمية المعنية بالبيئة  التنمية، (المعروفة أيضاً تحت اسم لجنة بروتلاند تيمناً باسم رئيستها غروهارلم بروتلاند من النرويج) وقد أقامتها الأمم المتحدة في عام 1983 ، وقدمت اللجنة تقريرها إليها بعد مضي أربع سنوات.

شددت اللجنة على أن تكامل النظامين الاقتصادي والبيئي أمر حاسم إذا ما أريد للتنمية المستدامة أن تنجح. وحددت اللجنة التنمية المستدامة على أنها نوع التنمية الذي يستجيب إلى  حاجات الحاضر من دون تهديد قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة. على الرغم من اقتضاب هذا التعريف، إلا أنه مفتوح لتأويلات متعددة. ما هي بالضبط الحاجة، مثلاً، وكيف يمكن تحديدها؟ فما يعتبر حاجة من قبل شخص أو مجموعة ثقافية قد لا يعتبر كذلك بالضرورة من قبل شخص آخر أو مجموعة ثقافية أخرى. وقد تختلف الحاجات أيضاً مع الزمان، وتختلف معها مقدرة الناس على تلبيتها. وأيضاً، إن معنى «تنمية » يمكن تفسيره بطرائق عديدة. على الرغم من المصاعب القائمة في طريق تحديد التنمية المستدامة بطريقة دقيقة وفهم كيفية تطبيقها، إلا أن الدعوات إلى تبنيها قد صدرت عن مختلف مجموعات الضغط العالمية، وبخاصة على مستوى مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية، المعروف باسم قمة الأرض، الذي انعقد في ريو دي جانيرو في عام 1992 .
وعلى الرغم من اكتساب مصطلح «التنمية المستدامة » رواجاً كبيراً، إلا أنه ما زال مفهوماً مبهماً. ولا يجدر بنا الشعور بالدهشة، طالما أن كلمة «مستدامة » بحد ذاتها تنم عن إيحاءات مختلفة. فحين نديم شيئاً ما، قد نكون داعمين لحالة مرغوب فيها، أو إننا قد يكون متحملاً لحالة غير مرغوب فيها. سمحت هذه المعاني المختلقة من استخدام المفهوم بطرائق مختلفة وأحياناً متناقضة أيضاً.
ينبع المزيد من الخلط والإبهام في معنى مصطلح مستدامة من استخدامه في سياقات مختلفة، كسياق الاستدامة البيئية / الاقتصادية. ومن الأسس المهمة للاستدامة البيئية هو أن التفاعل الإنساني مع العالم الطبيعي ينبغي ألا يضر بالآليات الحيوية الطبيعية. لذا، فإن مفاهيم مثل «أكبر محصول مستدام » قد تطورت لتشير إلى كمية مورد معين قابل للتجدد والذي يمكن استخراجه من الطبيعة من دون أن نضرب مقدرتها على إنتاج محصول مماثل في المستقبل. أما الاستدامة الاقتصادية، فهي تنزع إلى إيلاء أولوية أقل إلى وظائف النظام البيئي ونضوب الموارد.
إحدى نقاط القوة في فكرة الاستدامة هي أنها تجمع الهموم البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ومن الناحية التطبيقية، قد تتفق الأغلبية على عدد من المبادئ الأساسية المشتركة من أجل تنمية مستدامة، هي:
استمرار الدعم للحياة الإنسانية؛
استمرار المحافظة على نوعية البيئة والمخزون طويل المدى للموارد الحية؛
حق الأجيال المقبلة بالموارد التي تحمل قيمة مساوية لتلك التي تستخدم اليوم.
ركز الكثير من التفكير والأبحاث حول التنمية المستدامة على تعديل الاقتصادات من أجل جعل عملها أكثر تكاملاً مع وظائف وقدرات البيئة ومن أجل استخدام الموارد الطبيعية بشكل أكثر فاعلية وتقليص تدفق النفايات والتلوث. ويجب في هذه الحال أن يعكس ثمن السلعة في السوق كلفة إنتاج المادة الخام وصولاً إلى التخلص من نفاياتها، وعلى الرغم من أن هذا النوع من المقاربة الذي يمكن تسميته بمقاربة «المهد إلى اللحد » قد يمثل بعض الإزعاج مع مواد معينة كالمعادن.
من المسائل الأساسية في النقاش الدائر حول التنمية المستدامة هي الأدوار النسبية التي يؤديها النمو الاقتصادي (التوسع الكمي للاقتصادات) والتنمية (التحسن النوعي في المجتمعات). ففي تقريرها الأول، أشارت اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية إلى أن الاستدامة يمكن تحقيقها فقط بزيادة خمسة إلى ستة أضعاف النشاط الاقتصادي العالمي في غضون 50 سنة. وسيكون هذا النمو ضرورياً لتلبية الحاجات الأساسية والتطلعات لدى مجموعة أكبر من سكان العالم المقبلين. وهكذا، قللت اللجنة من أهمية النمو. وقد يكون هناك بعض المنطق في ذلك، إذ إن العديد يؤمنون بأن السعي وراء النمو الاقتصادي وإهمال نتائجه الاقتصادية هو الذي إلى إيجاد أغلبية المشكلات البيئية في المرتبة الأولى.
انعكس التغيير في طريقة التفكير حول النمو الاقتصادي في نوعين من ردّات الفعل إزاء نداءات الاستدامة التي صدرت حتى يومنا هذا: من ناحية، التركيز على النمو كالعادة، ولكن بوتيرة أبطأ، وتحديد التنمية المستدامة بوصفها تنمية من دون نمو في «الموارد الخارجة عن مقدرة البيئة ». إن فكرة السيطرة على «الموارد الخارجة » تعني السيطرة على دفق المادة والطاقة البيئية عبر النظام الاقتصادي والاجتماعي. وهذا لا يعني بالضرورة أن مزيداً من النمو الاقتصادي سيكون مستحيلاً، ولكنه يعني أن النمو يجب أن يتم باستخدام أفضل للموارد وتحسين للإدارة البيئية بدلاً من الطريقة التقليدية في قياس «الموارد الخارجة » الاقتصادية.
إن أحد المؤشرات إلى درجة التغيير الذي يتعين إنجازه لجعل هذه المسألة ممكنة هو في الطريقة التي نقيس بها التقدم ومستويات المعيشة على النطاق الوطني. فإجمالي الناتج القومي مثلاً هو مؤشر أساسي إلى الإنتاج الاقتصادي، ويخضع لحدود صارمة فيما يتعلق بالاعتبارات الخاصة بالبيئة والموارد الطبيعية. لا يأخذ حساب إجمالي الناتج القومي في الحسبان أي نضوب لأي مورد طبيعي، أو أي أثر ضار للنشاط الاقتصادي في البيئة، وهو أمر يغذي بدوره التكاليف في مسائل كالصحة والرفاه. والحقيقة أن الحسابات التقليدية لإجمالي الناتج القومي غالباً ما تنظر إلى تدهور الموارد على أنه يساهم في الثروة، فيسجل تدمير مناطق بأكملها، كالغابات مثلاً، على أنه زيادة في إجمالي الناتج القومي. إن الحاجة إلى إدخال عوامل بيئية قد أصبح معترفاً بها على نطاق واسع الآن، كما يعتقد بعض الباحثين أن القياسات المصححة بالشكل المناسب والواردة في «إجمالي الناتج القومي الأخضر » قد تقدم قياساً جيداً على الاستدامة القومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق