الخميس، 15 مايو 2014

فخ المديونية Debt Trap

هو وضع يفرض على الدولة أن تنفق الكثير مما تجني من التجارة بهدف خدمة دينها الخارجي بدلاً من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية. وهو يُعَد أحد أبرز المشكلات التي تشل دول العالم الثالث (أو أغلبية مواطني العالم الثالث، على وجه الدقة). ويُعزى فخ المديونية في الدول الفقيرة إلى إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في عام 1973 والارتفاع الهائل في أسعار النفط في تلك السنة. فقد أودعت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط أموال النفط الجديدة في المصارف الغربية، فشعرت المصارف بحاجة إلى إيجاد طرف تُقرضه لأن النقد بدأ يفقد من قيمته جراء التضخم (الذي ارتفع بسرعة فائقة في ذلك الوقت)، فاقترضت دول عدة من أوروبا الشرقية والعالم الثالث مبالغ طائلة من المال متوقعةً أن يبقى معدل الفائدة ثابتاً.
وقد أُحبطت التوقعات نتيجة نزعتين برزتا في الاقتصاد العالمي خلال السنوات العشرين التي تلت. تمثلت الأولى بانهيار نظام سعر صرف العملات الثابت الذي تم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ وبدأت الدول تستخدم معدل الفوائد لتثبيت سعر صرف عملاتها.وتمثلت الثانية بارتفاع معدل الفوائد في الثمانينيات كرد فعل على العجز في الميزان التجاري والميزانية العامة في الولايات المتحدة. هذا ما أدى إلى ركود في عديد من الدول الصناعية، وهو ما قلل أسواق التصدير أمام الدول الفقيرة. وفيما انخفضت عائدات التصدير في معظم بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ارتفعت أحكام تسديد الدين مخلفة وضعاً من الإفلاس المالي؛ إذ انهار في فترة الركود سعرُ المواد الأولية التي كان يعتمد عليها عدد كبير من الدول الفقيرة للحصول على عملات صعبة، فباتت الديون المتراكمة كبيرة جداً لدرجة أنها أصبحت في حاجة إلى قروض جديدة من أجل تسديدها.
تم تسليف الدول الفقيرة مبلغاً قدره 927 مليار دولار أمريكي بين عامي 1982 و 1990 ، وتم إعفاؤها من 1345 مليار دولار أمريكي من خدمة الدين. فبدأت الدول المدينة فترة التسعينيات بأكثر من ستين في المئة من الدين مما كانت عليه في عام 1982 . وتضاعف دين دول الصحراء الأفريقية الجنوبية في هذه الفترة. وعندما تمت إثارة مسألة إلغاء الدين أو الإعفاء منه، قالت المصارف الغربية إن هذا الأمر سيؤدي إلى ما يسميه الاقتصاديون «الخطر الأخلاقي »؛ أي أن عدم القدرة على تسديد الدين سيشجع ببساطة الدول الفقيرة على الاستمرار في الاقتراض على أمل ألا تسدد ديونها أبداً. من جهة أخرى، قال بعض المعلقين إن الخطر الأخلاقي يجب أن يطبق على الجهتين؛ إذ إن الإفراط في الاقتراض هو إفراط في الإقراض، ويتعين على الدائنين أن يتحملوا مسؤولية أخطاء ارتكبوها في السبعينيات.
بلغ مجمل دين العالم الثالث مع حلول عام 1997 نحو 202 تريليون دولار أمريكي. تم تسديد 250 ملياراً منها بالفوائد والقروض الأساسية في السنة نفسها. ويمثل فخ المديونية كارثة إنسانية مزمنة لسبعمئة مليون إنسان يصنفون في فئة الأفراد الأكثر فقراً في العالم. وشهدت أفريقيا وهي القارة الأكثر مديونية في العالم خلال العقد الأخير انخفاض معدلات الأعمار والمداخيل ومستويات الاستثمارات وارتفاع معدل وفيات الأطفال والأمهات.
وجرت المحاولة الأولى الفعلية في تشرين الأول/أكتوبر 1996 للتعامل مع المشكلة عندما تلقى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي موافقة مجلس حكامهما من أجل المباشرة بمبادرة الدول الفقيرة العالية المديونية. قدمت هذه السياسة عند إطلاقها وعداً بأن الدول الفقيرة ستحقق «مخرجاً قوياً » من عبء الدين الذي لا طاقة لها به. رحبت مجموعات الحملة والمنظمات غير الحكومية بهذه السياسة كمقاربة أولى شاملة لإلغاء الدين مع إمكانية ضخمة بالقضاء على الفقر. هذه المبادرة مفتوحة للدول الأشد فقراً، ولا سيما تلك:
1- الجديرة بامتياز المساعدة العالية كتلك التي تقدمها منظمة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي ومنظمة تسهيل النمو وخفض الفقر التابعة لصندوق النقد الدولي (التي كانت معروفة سابقاً باسم «تسهيل التنظيم البنيوي المتقدم» )
2- التي تواجه وضعاً غير محتمَل نتيجة الدين حتى بعد التطبيق الكامل لآلية تسريح الدين التقليدية.
3- التي حققت رقماً قياسياً في تطبيق استراتيجيات تركز على خفض الفقر وبناء الأسس لتنمية اقتصادية مستدامة.
تمثل مبادرة الدول الفقيرة العالية المديونية في ما يخص الدين أول آلية لخفض الدين تَعِد بالتعامل مع فخ المديونية المستمرة بطريقة شاملة وموحدة. وهي مصممة من أجل إيجاد حل ليس للدين التجاري والدين الذي يجب على الدول الفقيرة العالية المديونية للدائنين الثنائيين وحسب، بل أيضاً الدين الواجب للدائنين المتعددي الأطراف، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومصارف التطور الإقليمي. والهدف الأساسي من مبادرة الدول الفقيرة العالية المديونية هو تمكين هذه الدول التي يمثل دينها حملاً ثقيلاً لا يمكن حله عبر آلية خفض الدين التقليدية، من تحقيق مستوى دين مستدام خلال فترة ست سنوات. وخلال هذه الفترة يتعين على الدولة أن تطبق برنامج التنظيم البنيوي الذي يدعمه صندوق النقد الدولي. وعند «نقطة القرار » التي تتمثل بنهاية السنوات الثلاث الأولى، يقوم الدائنون بدراسة مشكلة دين الدولة ويحددون ما إذا كانت جاهزة لمغادرة إطار الدول الفقيرة العالية المديونية؛ وإن كانت لا تستطيع ذلك، يحددوا ما تحتاج إليه من تسريح دين لتصل إلى مستوى دين مستدام عند «نقطة الانتهاء »، أي بعد ثلاث سنوات.
ما مستوى الدين المستدام؟ هذا ما حدده البنك الدولي بالمستوى الذي يمكن للدولة فيه أن تسدد مستحقاتها من الدين الحالي والمستقبلي كاملةً من دون أن يتأثر النمو الاقتصادي ومن دون أن تلجأ إلى إعادة جدولة أو زيادة التأخيرات. في كيان الدول الفقيرة العالية المديونية، تخضع الدول لتحليل الدين المستدام الذي يتم على أساسه تحديد مدى قيمة تسريح الدين الذي تحتاج إليه الدولة لتحقق أهداف المبادرة المستدامة، وهو عبء دين يراوح بين 200 و 250 في المئة من صادرات الدولة السنوية وخدمة دين تصل من 20 إلى 25 في المئة من الصادرات السنوية.
تبلغ التكلفة (وبالتالي تسريح الدين المؤمن) في ظل الخطة 30 مليار دولار أمريكي تقريباً، تُقسم مناصفة بين الدائنين الثنائيين والمتعددي الأطراف. وبالنسبة إلى تطبيقها على مجمل تخفيضات الدين، يقترح تقدير أولي أنه بعد الدول الفقيرة العالية المديونية وتسريح الدين التقليدي، سيتم خفض قيمة الدين العام المقدرة حالياً ب 90 مليار دولار أمريكي إلى النصف تقريباً في 33 دولة من المرشح تصنيفها لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق