لا تشن الدول الديمقراطية الحرب الواحدة ضد الأخرى؛ أي لا تخوضها بصورة فعلية إطلاقاً. وفي التسعينيات كان السلام الديمقراطي موضع جدل يركز على ثلاث مسائل:
1- هل هناك علاقة سببية مباشرة بين الديمقراطية والسلام؟
2- إذا صح الأمر، فما الذي يفسر هذه العلاقة؟
3- كيف تؤثر هذه العلاقة في النظام العالمي؟
في القرن العشرين، يعنى بالديمقراطية نظام الحكم المتميز بــ:
- إجراء الانتخابات بانتظام لشغل المواقع الأقوى في الحكومة.
- أحزاب سياسية متنافسة.
- الحق الدستوري شبه الكلي.
- الاقتراع السري.
- احترام الحريات المدنية والحقوق السياسية (أو حقوق الإنسان الأساسية).قبل القرن العشرين، وضع العلماء تحديد الكلمة استناداً إلى غياب الاقتراع السري وتنافسية الأحزاب السياسية وطبيعة الحق الدستوري المحدودة. وإذا كانت الدول الديمقراطية تنسب فقط إلى حالة انتخابية تنافسية منتظمة تعترف بمجموعة مدنيين متساوين في الحقوق، فإذاً من الواضح أن هذه الدول نادراً ما تشن الحرب بعضها على بعض، وقد لا تتواجه البتة.
وإذا ما كانت الحرب الدولية هي مجرد التزام عسكري يلقى فيه أكثر من ألف شخص حتفهم، فإن 353 زوجاً من الدول إذاً قد خاضت حروباً مماثلة بين عامي 1816 و 1991 . ولم تكن أيٌّ من هذه الحروب بين دولتين ديمقراطيتين؛ فقد تَوَاجه 155 زوجاً من الدول أحدها ديمقراطي والثاني غير ديمقراطي، 198 زوجاً من الدول غير الديمقراطية.
إن المغزى من وراء هذه الوقائع المبنية على الملاحظة والاختبار غير واضح. فهل هذه الوقائع تعرض ميزة ديمقراطية عميقة ودائمة؟ أم هي غرابة إحصائية بحتة، مشابهة لفكرة أن الدول التي منحت امتياز ماك دونالد لم تحارب أيُّ واحدة الأخرى قبل عام 1999 ؟ فقد انهارت العلاقة بين امتياز ماك دونالد والسلام، وهي علاقة غير قائمة على أساس وطيد، وذلك عند هجوم حلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا في آذار/مارس 1999 . بخلاف هذه العلاقة، تم اختبار غياب الحرب بين الدول الديمقراطية بطرق مختلفة لفترات أخرى وبتحديد آخر وبوسائل أخرى لتحديد معنى الحرب، وفي كل مرة أتت النتيجة مرضية. غير أن الفكرة لا تزال غير واضحة في ما يتعلق بكون الدول الديمقراطية لا يحارب بعضها بعضاً لأنها ديمقراطية. كما يرى بعض العلماء أنه يمكن شرح السلام النسبي بين الدول الديمقراطية على أساس عناصر أخرى. مثلاً، من الممكن أن يكون غياب الحرب بين الدول الديمقراطية خلال الحرب الباردة ناتجاً من تهديد الاتحاد السوفياتي الساحق. من جهة أخرى إذا كان هذا التهديد هو الحجة لغياب الحرب بين الدول الديمقراطية منذ 1945 ، فما بال الفترات الأخرى؟
إذا تم الإقرار بصلة سببية بين الديمقراطية والسلام، فثمة عدد من العوامل المقترحة لشرح هذه الصلة. أولاً، من الممكن أن يكون رؤساء الدول الديمقراطية مقيدين بمقاومة شعوبهم لتكاليف الحرب وضحاياها؛ وإذا صح ذلك تكون الدول الديمقراطية باعثة للسلام في كل أنواع الدول، لأن الحروب ضد الدول غير الديمقراطية غير محببة على غرار الحروب ضد الدول الديمقراطية. لكن الدول الديمقراطية غالباً ما تحارب كالدول الأخرى؛ أما ميولها السلمية فهي لا تطال سوى الدول الديمقراطية الأخرى، كما يُدَّعى. والقانون الذي يفترض أن الدول الديمقراطية لا يحارب بعضها بعضاً يبقى بلا جدوى لأن من الواضح جداً أن الدول الديمقراطية تورطت نسبياً في عدد من الحروب يضاهي عدد حروب الدول غير الديمقراطية.
ثانياً، إن تنوع المؤسسات والعلاقات في الدول الديمقراطية وفي ما بينها يوجِد عوامل وتوازنات وضغوط متعارضة، الأمر الذي يمنع قيام الحروب بينها. وعلى الرغم من أن ذلك عنصر مساهم في السلام الديمقراطي، فإنه يحمل أيضاً جانباً مظلماً. فالدول الديمقراطية ليست متناغمة كلياً؛ بل هي منقسمة بين وكالات عدة، بعضها يعمل في السر ويكوّن أنظمة فرعية استبدادية مرتبطة بأعلى هرم الآلية الديمقراطية فقط، وخير مثال على ذلك الأجهزة العسكرية وخصوصاً في أثناء الحروب، والمؤسسات السرية كوكالة الاستخبارات المركزية ، (CIA) .
إن التفسير الأكثر إرضاءً هو من نوع ثقافي. فوجود ثقافة التفاوض والتصالح الديمقراطية تعني أن المسؤولين الديمقراطيين هم أساساً قادرون على اتخاذ مواقف إيجابية في حوارهم مع الدول الديمقراطية الأخرى، فهم يتشاركون القيم نفسها، ولذلك يفضلون التفاوض على الحرب. ويتم حل الخلافات بين أبناء الدول الديمقراطية من خلال التسويات والمفاوضات بدلاً من النزاعات والإكراه، وعندما تكون الدول الديمقراطية على خلاف على الصعيد الدولي تحاول أن تحل الأزمة بالطريقة نفسها، كما تتبادل الدول الديمقراطية الأدوار في محاولة للتوصل إلى التسويات والتنعّم بالسلام في ما بينها. ولا تثق الدول الديمقراطية بالدول غير الديمقراطية وتعاملها بعدائية لأنها لا تخضع لمعايير التسويات.
تتعلق المسألة النهائية في هذا الجدل بتأثير هذه العلاقة في النظام العالمي، حيث يؤمن المتفائلون بأن الديمقراطية سوف تنتشر حول العالم، وبذلك تزداد نسبة السلام فيه. أما المتشائمون فيشيرون إلى أن الدول الديمقراطية عموماً عدائية تجاه الدول غير الديمقراطية، وإذا لم تشجع الدول الديمقراطية الحالية فعلياً عملية الدمقرطة فلن يحل السلام في النظام العالمي، بل ستنعم الدول الديمقراطية بالسلام في ما بينها، بينما يظل باقي العالم في حالة حرب. لذا، على الدول الديمقراطية أن تستثمر عدداً أكبر من الموارد لتساعد باقي الدول على التحول الديمقراطي. إن مساعدة كهذه لن يتسنى لها أن تتم إلا إذا اتسعت حلقة التفاهم بين الدول الديمقراطية في ما يتعلق بتقديمها، فهي لا تعزز حرية الدول الأخرى وازدهارها فحسب، بل تعزز السلام واللاعنف أيضاً.
1- هل هناك علاقة سببية مباشرة بين الديمقراطية والسلام؟
2- إذا صح الأمر، فما الذي يفسر هذه العلاقة؟
3- كيف تؤثر هذه العلاقة في النظام العالمي؟
في القرن العشرين، يعنى بالديمقراطية نظام الحكم المتميز بــ:
- إجراء الانتخابات بانتظام لشغل المواقع الأقوى في الحكومة.
- أحزاب سياسية متنافسة.
- الحق الدستوري شبه الكلي.
- الاقتراع السري.
- احترام الحريات المدنية والحقوق السياسية (أو حقوق الإنسان الأساسية).قبل القرن العشرين، وضع العلماء تحديد الكلمة استناداً إلى غياب الاقتراع السري وتنافسية الأحزاب السياسية وطبيعة الحق الدستوري المحدودة. وإذا كانت الدول الديمقراطية تنسب فقط إلى حالة انتخابية تنافسية منتظمة تعترف بمجموعة مدنيين متساوين في الحقوق، فإذاً من الواضح أن هذه الدول نادراً ما تشن الحرب بعضها على بعض، وقد لا تتواجه البتة.
وإذا ما كانت الحرب الدولية هي مجرد التزام عسكري يلقى فيه أكثر من ألف شخص حتفهم، فإن 353 زوجاً من الدول إذاً قد خاضت حروباً مماثلة بين عامي 1816 و 1991 . ولم تكن أيٌّ من هذه الحروب بين دولتين ديمقراطيتين؛ فقد تَوَاجه 155 زوجاً من الدول أحدها ديمقراطي والثاني غير ديمقراطي، 198 زوجاً من الدول غير الديمقراطية.
إن المغزى من وراء هذه الوقائع المبنية على الملاحظة والاختبار غير واضح. فهل هذه الوقائع تعرض ميزة ديمقراطية عميقة ودائمة؟ أم هي غرابة إحصائية بحتة، مشابهة لفكرة أن الدول التي منحت امتياز ماك دونالد لم تحارب أيُّ واحدة الأخرى قبل عام 1999 ؟ فقد انهارت العلاقة بين امتياز ماك دونالد والسلام، وهي علاقة غير قائمة على أساس وطيد، وذلك عند هجوم حلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا في آذار/مارس 1999 . بخلاف هذه العلاقة، تم اختبار غياب الحرب بين الدول الديمقراطية بطرق مختلفة لفترات أخرى وبتحديد آخر وبوسائل أخرى لتحديد معنى الحرب، وفي كل مرة أتت النتيجة مرضية. غير أن الفكرة لا تزال غير واضحة في ما يتعلق بكون الدول الديمقراطية لا يحارب بعضها بعضاً لأنها ديمقراطية. كما يرى بعض العلماء أنه يمكن شرح السلام النسبي بين الدول الديمقراطية على أساس عناصر أخرى. مثلاً، من الممكن أن يكون غياب الحرب بين الدول الديمقراطية خلال الحرب الباردة ناتجاً من تهديد الاتحاد السوفياتي الساحق. من جهة أخرى إذا كان هذا التهديد هو الحجة لغياب الحرب بين الدول الديمقراطية منذ 1945 ، فما بال الفترات الأخرى؟
إذا تم الإقرار بصلة سببية بين الديمقراطية والسلام، فثمة عدد من العوامل المقترحة لشرح هذه الصلة. أولاً، من الممكن أن يكون رؤساء الدول الديمقراطية مقيدين بمقاومة شعوبهم لتكاليف الحرب وضحاياها؛ وإذا صح ذلك تكون الدول الديمقراطية باعثة للسلام في كل أنواع الدول، لأن الحروب ضد الدول غير الديمقراطية غير محببة على غرار الحروب ضد الدول الديمقراطية. لكن الدول الديمقراطية غالباً ما تحارب كالدول الأخرى؛ أما ميولها السلمية فهي لا تطال سوى الدول الديمقراطية الأخرى، كما يُدَّعى. والقانون الذي يفترض أن الدول الديمقراطية لا يحارب بعضها بعضاً يبقى بلا جدوى لأن من الواضح جداً أن الدول الديمقراطية تورطت نسبياً في عدد من الحروب يضاهي عدد حروب الدول غير الديمقراطية.
ثانياً، إن تنوع المؤسسات والعلاقات في الدول الديمقراطية وفي ما بينها يوجِد عوامل وتوازنات وضغوط متعارضة، الأمر الذي يمنع قيام الحروب بينها. وعلى الرغم من أن ذلك عنصر مساهم في السلام الديمقراطي، فإنه يحمل أيضاً جانباً مظلماً. فالدول الديمقراطية ليست متناغمة كلياً؛ بل هي منقسمة بين وكالات عدة، بعضها يعمل في السر ويكوّن أنظمة فرعية استبدادية مرتبطة بأعلى هرم الآلية الديمقراطية فقط، وخير مثال على ذلك الأجهزة العسكرية وخصوصاً في أثناء الحروب، والمؤسسات السرية كوكالة الاستخبارات المركزية ، (CIA) .
إن التفسير الأكثر إرضاءً هو من نوع ثقافي. فوجود ثقافة التفاوض والتصالح الديمقراطية تعني أن المسؤولين الديمقراطيين هم أساساً قادرون على اتخاذ مواقف إيجابية في حوارهم مع الدول الديمقراطية الأخرى، فهم يتشاركون القيم نفسها، ولذلك يفضلون التفاوض على الحرب. ويتم حل الخلافات بين أبناء الدول الديمقراطية من خلال التسويات والمفاوضات بدلاً من النزاعات والإكراه، وعندما تكون الدول الديمقراطية على خلاف على الصعيد الدولي تحاول أن تحل الأزمة بالطريقة نفسها، كما تتبادل الدول الديمقراطية الأدوار في محاولة للتوصل إلى التسويات والتنعّم بالسلام في ما بينها. ولا تثق الدول الديمقراطية بالدول غير الديمقراطية وتعاملها بعدائية لأنها لا تخضع لمعايير التسويات.
تتعلق المسألة النهائية في هذا الجدل بتأثير هذه العلاقة في النظام العالمي، حيث يؤمن المتفائلون بأن الديمقراطية سوف تنتشر حول العالم، وبذلك تزداد نسبة السلام فيه. أما المتشائمون فيشيرون إلى أن الدول الديمقراطية عموماً عدائية تجاه الدول غير الديمقراطية، وإذا لم تشجع الدول الديمقراطية الحالية فعلياً عملية الدمقرطة فلن يحل السلام في النظام العالمي، بل ستنعم الدول الديمقراطية بالسلام في ما بينها، بينما يظل باقي العالم في حالة حرب. لذا، على الدول الديمقراطية أن تستثمر عدداً أكبر من الموارد لتساعد باقي الدول على التحول الديمقراطي. إن مساعدة كهذه لن يتسنى لها أن تتم إلا إذا اتسعت حلقة التفاهم بين الدول الديمقراطية في ما يتعلق بتقديمها، فهي لا تعزز حرية الدول الأخرى وازدهارها فحسب، بل تعزز السلام واللاعنف أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق