هو مجموعة من الإجراءات السياسية والمالية التي وضعها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي لمساعدة الدول على مواجهة عجزها المزمن في ميزان المدفوعات.
تختلف طبيعة رزمة “النجدة” من بلد إلى آخر، بيد أنها تتضمن عامة قروض تكييف هيكلي ومجموعة من الاستراتيجيات والشروط الهادفة إلى تحسين وضع ميزانية المدفوعات عامة في البلاد. وعادة ما تتضمن هذه الإجراءات تقليصاً في الانفاق الحكومي ورفعاً للدعم عن الصناعات المحلية، وخصخصة قطاعات الدولة، وخفضاً لقيمة العملة وخفضاً في الانفاق على الرفاه الاجتماعي، وإزالة القيود عن الاستثمار الأجنبي، وإصلاحات تقضي على التنظيمات وتهدف إلى خفض التكاليف وزيادة الفاعلية والتنافسية.
وتهدف برامج صندوق النقد الدولي في أساسها إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:
وتهدف برامج صندوق النقد الدولي في أساسها إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:
1- مساعدة الدولة في تأمين تمويل خارجي مستدام؛
2- تبني إجراءات حصر المطالب منسجمة مع التمويل المتوافر؛
3- القيام بإصلاحات هيكلية لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
الهدف الأساسي من قروض التكييف الهيكلي تمكين البلدان المدينة من زيادة مداخيلها حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها إزاء المصارف الأجنبية والمؤسسات الدولية الأخرى. وقبل أن يكون أي بلد أهلاً لتلقي القروض المساعدة، عليه أن ينفذ توصيات صندوق النقد الدولي. وتؤدي هذه الأخيرة عامة إلى إعادة توجيه الاقتصاد بعيداً من الاستهلاك المحلي باتجاه الإنتاج من أجل التصدير. ويرى صندوق النقد الدولي ومعه البنك الدولي أن زيادة الصادرات من جانب الدول المدينة ستمكنها من شق طريقها مالياً لتتجاوز مشكلاتها الاقتصادية.
ثمة عدد من الأسباب حدت ببلدان مثل المكسيك والأرجنتين والبرازيل ونيجيريا وإندونيسيا لتقوم بتكييف هيكلي في السنوات الأخيرة. أكثر الأسباب انتشاراً هو معدلات الدين العالية جداً التي كانت تعانيها، بالإضافة إلى واردات تصدير متهاوية. ولقد كان الوضع على هذه الشاكلة في الثمانينيات حينما فرحت المصارف الدولية بإقراض كميات هائلة من الأموال إلى بلدان العالم الثالث. ولكن الكساد وانخفاض أسعار السلع وخفض قيمة النقد زادوا من صعوبة رد الدين بالنسبة إلى تلك البلدان. وكان أول مؤشر على تحول دين العالم الثالث إلى مشكلة دولية أساسية في آب/أغسطس 1982 حين أعلنت المكسيك أنها لن تكون قادرة بعد اليوم على دفع ديونها. ومنذ بدايات الثمانينيات أدت القروض الهيكلية التكييفية دوراً متزايد الأهمية في نشاطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقبل العام 1980، كان تكييف القروض الذي يتوخاه صندوق النقد الدولي محصوراً بتمويل قصير المدى لتثبيت سعر الصرف. أما اليوم، فإن كل تمويلات صندوق النقد الدولي في البلدان الفقيرة تذهب إلى التكييف. وأيضاً، قبل العام 1980 ، أقرض البنك الدولي كمية لا تذكر من المال إلى برنامج التكيف الهيكلي. أما اليوم، فإن أكثر من نصف قروض البنك الدولي الجديدة مرتبطة ببرامج من هذا النوع.
برامج التكيف الهيكلي مثار جدل شديد. ولا داعي للدهشة في ذلك، إذ إن الانتقادات تزداد حينما يواجه النظام المالي الدولي أزمة ما، كما هو الحال مع فخ المديونية في الثمانينيات وانهيار الاقتصادات الموجهة مركزياً في شرق أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق والأزمات المالية التي عانت منها مؤخراً بلدان شرق آسيا في نهاية التسعينيات.
كثيراً ما يقال، أولاً، إن برامج التكيف الهيكلي صلبة للغاية وخالية من المرونة وإنها لا تنجح في التكيف مع الظروف المختلفة والمتغيرة التي يواجهها ميزان المدفوعات في البلدان التي تعاني صعوبات في هذا المجال. فبعض الكتاب أكدوا، على العكس، أن هذه البرامج قد زادت من حدة الانهيار المالي الآسيوي في نهاية التسعينيات.
ثانياً، إذا كانت برامج التكيف الهيكلي تعمل بالمعنى الاقتصادي الضيق، إلا أنها، كما يقال، تعزز أشكالاً غير مستدامة من التنمية. فالدول ستصدر كل ما تستطيع بهدف كسب العملة الصعبة، بغض النظر عن النتائج الطويلة المدى التي ستتركها صادراتها على البيئة. ومع اعتماد عدد متزايد من البلدان التنمية الموجهة نحو التصدير، فإن أسعار منتجاتها ستهبط. والمفارقة تكمن هنا في أن هبوط الأسعار سيزيد من الصعوبات أمام البلدان المدينة حتى تفي بالتزامات دفع ديونها. وستحتاج هذه الدول إلى رفع سقف صادراتها أكثر فأكثر لتعويض هبوط الأسعار، الأمر الذي سيضيف ضرراً إلى ضرر على البيئة والمجتمعات المحلية.
ثالثاً، كثيراً ما تواجه برامج التكيف الهيكلي النقد القائل إنها تزيد التفاوت بين دول العالم الثالث، وبخاصة بين الرجال والنساء. فمع هبوط معدلات الإنفاق المحلي، مثلاً، وتحول التنمية نحو التصدير، تحول الأموال بعيداً من توفير الحاجات الأساسية للناس كالصحة والتعليم وتعزيز الصحة العامة وما شابه، الأمر الذي يؤدي إلى إفقار متزايد للمجتمعات المحلية.
وأخيراً، تجدر الملاحظة وجود تناقض متزايد بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في التزامهما بالدمقرطة وبين الدفع نحو تطبيق برامج التكيف الهيكلي. تكمن ماهية الديمقراطية في أن للشعب ما يقوله في المسائل التي تؤثر في حياته. وفي أغلب الحالات، لا تجري استشارة الشعب أبداً في ما يتعلق بمحتوى برامج التكيف الهيكلي. على الرغم من كل هذه الانتقادات، لا يبدو أن برامج التكيف الهيكلي ستختفي من الوجود في المستقبل القريب، مع العلم أن ثمة شواهد تدل على أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يحاولان الاستجابة للانتقادات الموجهة إليهما من دون أن ينسيا الأهداف الأساسية التي من أجلها صممت برامج التكيف الهيكلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق