الجمعة، 18 يوليو 2014

بين الجزيرة والثورة لــ علي الظفيري


يسود التوجه الاعلامي في السعودية منهجا بيروقراقطيا مركزي يمضي بآلية التقدم به الى خطى بطيئة ومتقاعسة مستمدا إعتبارات قديمة مستخدما أدواتها البالية في ادارة الآلة الاعلامية .

مقتطفات من الكتاب



مقدمة
في الخامس والعشرين من ابريل – نيسان عام 2004 م التحقت بالعمل في قناة الجزيرة وسكنت أول مرة في فندق موفنبيك قبالة كورنيش الدوحة الجميل والهادئ ثم أفرغت شنطتي وعلقت بعض الملابس القليلة التي أحضرتها معي , ثمة ما يدفع للشعور بأن كل ما يجري طارئ ومؤقت وربما سأستقل الرحلة القادمة الى الرياض لم أتصور لحظة أني سأبقى طويلا هنا , ولا علاقة لهذا بما وجدته أمامي بل بمجمل الظروف التي أحاطت عملية انتقالي للجزيرة , بدا واضحا تصوير البعض للأمر على أنه خيانة كبرى , فيما يلقي الأصدقاء والناصحون محاذير حول الخطوة وينظرون لها كمغامرة غير محسوبة ومخاطرة لا تؤمن عواقبها هناك أوهام ومغالطات كبيرة في عالمنا العربي حول فكرة المواطنة والانتماء وخلطها بالتبعية والعبودية للأنظمة يتراجع حق الفرد الكامل بأرضه ووطنه وحريته بين الجزيرة والثورة المطلقة بالحركة والتنقل والعمل والتعبير كما أن مفهوم الدولة العصرية لم يتحرر بعد من أشكال القبلية وسطوة الأعراف وهيمنة العاطفة على جمهور المنتمين , تغيب فكرة الحقوق المتساوية أمام وجوب الانتماء الأعمى الذي لا يضع اعتبارا للفرد وقيمه وايمانه وأفكاره ورغم تلك الأجواء المشحونة بأكبر صراع نفسي يعيشه المرء كانت ارادة الله تسير بي وتسيرني وكنت أقتفي أثرها كما يجب وحده الرفيق في لحظات القلق والخوف والحزن وهو خير رفيق .
الدوحة مدينة هادئة تعادي الصخب على الأقل في تلك الأيام من عمرها ينام الشارع باكرا في هذه العاصمة الخليجية ويجد الغريب فرصة كبيرة لعقد اكبر صفقة حزن مع البحر الأشهر التي قضيتها أمام ميناء الدوحة كانت كفيلة بترميم جراحات كثيرة وسبر أخرى وعلى صخور شاطئه ارتسمت خارطة المشوار القصير على مقياس الزمن البشري الطويل والمرهق والمنهك في قياسات النفس الموجعة والشفافة والطامحة والمتقلبة على جمر محطات الحياة المختلفة أكبر عملية اعادة انتاج يعيشها المرء تكون في أدق لحظات الوحدة والغربة وأكثرها هدوءا الصور التي ترد في تلك الساعات صافية وخالية من كل الرتوش والاضافات تنقشع البقع السوداء التي تتراكم بتأثير الزمن والأفعال ما كان مقصودا منها وغير مقصود وتتجرد من كل الحمولات الاضافية تحضر صورة زاهية وأصلية للوطن تقترب أحيانا وتبتعد أحيانا أخرى , لكنها تحافظ رغم المسافة على جودتها عالية الوطن بلا عبث السلطة السياسية وأوهام جيش المنتفعين الذين تعلقوا بمركبه الجميل وحملوه بأعبائهم الكبيرة بلا رجال الدين والثقافة والصحافة والفن الذين ارتكبوا كل آثارهم في قمرة قيادته وحرفوه بعيدا عن مساراتنا نحن معشر العشاق البسطاء .
في الليالي البعيدة تنعقد قمم الغرباء على ضفاف الخليج أكثر من غريب يمارس التأمل هنا الأضواء الساطعة من الفنادق المطلة على الساحل تكشف عن عشرات المراكب الهائمة على وجهها دون بوصلة مركب كبير يحمل علم وطني عاليا أو هكذا توهمت في لحظة ضعف ومركب يحمل علم وطن الغريب المجاور لي وأخرى تحمل أعلاما عربية تائهة توحدت لهجات الحزن فوق هذا الرصيف الأنيق يتبادل سعودي مع مصري همومهما الصغيرة على ضوء القمر والفلسطيني الذي التقيته البارحة بلا هم مماثل , العجز والسوء الذي يسكن كل الأوطان العربية تفشى كالداء في جسده النحيل باتت الصورة مشوهة على قسمات وجهه الحادة يعاني هذا الرجل حتى في خياله ولا تشير بوصلته في اتجاه محدد العراقيون من كثرتهم ودوام غربتهم أنتجوا أوطانهم الخاصة في الغربة ولا يجد الغريب الآخر طريقه لها بسهولة لغة الحزن الاستثنائية في الحالة العراقية مشفرة وعصية على التعلم .
غرباء المغرب العربي يتقنون العزلة كما يجب همومهم وأحزانهم مسيجة باحكام كبير وهناك غرباء كثر جلبوا أحلامهم من كل مكان وافترشوا البحر بعد منتصف الليل لحظات الفراغ الموحشة مختلطة بالحزن والشوق والامل تستدعي كل الأفكار تكسب المخيلة البشرية قدرة مضاعفة واستثنائية على استحضار كل الصور تمنح العاطفة طاقة اضافية ويصبح من غير المستحيل على الأم التي غابت من اللحظة الأولى دون لقطة فوتوغرافية واحدة أن تحضر كل مساء ودون ملامح واضحة تجلب معها الدعاء والأمل فيزهر الكون بالايمان والقدرة والارادة وينساب الملح في مجرى الماء الممتد من العين الى البحر .

بيانات الكتاب



الاسم : بين الجزيرة والثورة
تأليف : علي الظفيري
الناشر : الشبكة العربية للأبحاث والنشر
عدد الصفحات : 224 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت

تحميل كتاب بين الجزيرة والثورة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق