الجمعة، 25 يوليو 2014

محمد علي وأولاده لــ جمال بدوى


مقتطفات من الكتاب

محمد علي في معيار التاريخ
لا خلاف بين المؤرخين على أن مصر الحديثة ولدت مع مطلع القرن التاسع عشر , ولكنهم يختلفون حول مسببات هذه الولادة ..
بعضهم يعزوها الى الحملة الفرنسية التي جاءت عام 1798 ورحلت في عام 1801م . وحجتهم في ذلك أن الحملة أيقظت مصر من سباتها , وختمت على مرحلة طويلة من التدهور والتخلف والجمود , وأنها غرست في مصر بذور النهضة التي ازدهرت فيما بعد , ووضعت البلاد على أعتاب العصر الحديث .
محمد علي وأولاده لــ جمال بدوى وهذا القول فيه نظر .. ذلك أن مدة إقامة الحملة في مصر لم تتجاوز ثلاث سنوات وبضع شهور , وهي فترة قصيرة لا تكفي لبناء نهضة أو حتى إرسال قواعد الحداثة في مجتمع شرقي يخضع لمؤثرات تقليدية قوية , ثم إن مناخ التوتر الذي ساد أيام الحملة لم يمكنها من زرع أفكارها الحضارية , فالمؤثرات الحضارية لا تبدأ عملها إلا بعد أن تكف الحروب وتهدأ المعارك , وهو ما لم يحدث للفرنسيين , فمنذ وطأت أقدامهم أرض مصر , لاقوا مقاومة عنيفة شملت العاصمة وامتدت الى الدلتا والصعيد , الأمر الذي جعل بقاء الفرنسيين في مصر عذابا مقيتا لم يحتملوه , فرحلوا الى بلادهم تاركين في نفوس المصريين أسوأ الذكريات .
إلا أن هذا التقويم لأثر الحملة الفرنسية , لا يمنعنا من الاعتراف بالانجاز الثقافي الذي تحقق على أيدي الفرنسيين في أمرين هامين :
أولهما تأليف كتاب ( وصف مصر ) الذي وضع فيه علماء الحملة خلاصة بحوثهم عن كافة الأوضاع في مصر , فكان هذا الكتاب – ولا يزال – نقطة البداية لكل من يتصدى للكتابة عن مصر في تاريخها الوسيط والحديث , وهو ما يراه عميد مؤرخي مصر الحديثة محمد شفيق غربال , وما دعاه للقول بأن هذا المؤلف العظيم يظل مرجعا هاما بما يحتويه من معلومات وبحوث , برغم أن الكشوف الأثرية والبحوث التاريخية قد غيرت أو عدلت مما كتبه علماء الحملة .
أما الأثر الثقافي الثاني للحملة الفرنسية فهو فك أسرار اللغة المصرية القديمة بعد اكتشاف حجر رشيد , مما أتاح للعالم كله أن يعرف تاريخ مصر منذ عصرها الفرعوني بعد أن كان لغزا مغلقا على المصريين أنفسهم , وبفضل هذا الجهد الذي بذله " شمبليون" انجلت أمام العلماء والباحثين في الجامعات الأوروبية معالم التاريخ المصري , وعرف العالم موقع الريادة للحضارة المصرية التي تمثل حجر الأساس في البناء الحضاري العالمي . باستثناء هذين العملين الجليلين , لم تخلف الحملة الفرنسية أثرا كبيرا من الحياة المصرية سواء في المجال الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي , فالطبعة العربية الني جاء بها " مينو" ضمن مخلفات الجيش ولم تعرف مصر المطبعة إلا في سنة 1828م . وهي المطبعة "الأمريكية " التي جلبها محمد علي لطبع الوقائع المصرية , وأما " الدواوين " التي اصطنعها بونابرت بقصد تغيير شكل العلاقة بين السلطة الفرنسية الحاكمة , والشعب , فإن المصريين لم يتقبلوا هذا الدواء الإفرنجي من حاكم أجنبي لا يمكن أن يضمر لهم المصلحة ,برغم الشعارات الزائفة عن كونه مسلما يحي الإسلام والمسلمين .
ولو دققنا في طبيعة السنوات الأربع التي تلت الحملة الفرنسية , لن نجد أثرا واحدا يدل على تغلغل الأفكار الأوروبية بين المصريين , ولن نسمع عن فولتير أو روسو أو موليير أو نظم الانتخابات والعقد الاجتماعي وإرادة الأمة (...) إلا بعد أن يعود الشيخ رفاعة الطهطاوي من رحلته الميمونة الى باريس في عام 1831م أي بعد ثلاثين عاما بالتمام والكمال من رحيل الحملة , وكأن لم تكن السنوات التي عاشها الفرنسيون في مصر , سوى سحابة صيف .. انقشعت .. وعادت مصر بعدها مسرحا للفوضى والصراع بين القوى الغاربة : العثمانية والمملوكية .. وكلاهما يسعى لاستعادة نفوذه , ثم دخلت انجلترا حلبة الصراع لتحل محل فرنسا , وقام المماليك بدور العملاء لتمهيد الطريق أمام الإنجليز لاحتلال مصر انتقاما من الفرنسيين , ولكن الوطنية المصرية الوليدة نهضت لتتحمل مسئوليتها الجديدة , وتتصدى لحملة " فريزر" في سنة 1807 , وتلقن الإنجليز في رشيد والحماد درسا قاسيا لم يسلموا من لسعته حتى تحقق لهم احتلال مصر في عام 1882 بطلب سمي من الخديوي الخائن " توفيق " .

بيانات الكتاب

الاسم : محمد علي وأولاده
تأليف : جمال بدوى
الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات : 269 صفحة
الحجم : 8 ميجا بايت
تحميل كتاب محمد علي وأولاده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق