هذا هو الكتاب العاشر في سلسلة "الاعمال غير الكاملة" لـ "غادة السمان" وتضم السلسلة كتابات لم يسبق نشرها في كتبها.
وقد صدر من هذه السلسلة حتى الآن: "زمن الحب الآخر"، "الجسد حقيبة سفر"، "السباحة في بحيرة الشيطان"، "ختم الذاكرة بالشمع الأحمر"، "اعتقال لحظة هاربة"، "مواطنة متلبسة بالقراءة"، "الرغيف ينبض كالقلب"، "ع.غ. تتفرس"، "صفارة إنذار داخل رأسي"، "كتابات غير ملتزمة"، "الحب من الوريد الى الوريد"، "القبيلة تستجوب القتيلة"، "البحر يحاكم سمكة" و "تسكع داخل جرح"
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
الناس لا تبتسم بمرسوم !
صدر قرار عن وزارة اعلام عربية بمنع نشر ما سماه القرار " الأدب المظلم " أو " الأدب الانهزامي " في جميع الصحف والمجلات .
سادتي , هذا ليس خبرا هذه بطاقة نعوة , بطاقة نعوة ملصقة على جبين كل أديب عربي يستطيع أن يمر بهذا القرار ببساطة , ويتركه على أعماقه كما تنزلق قطرات المطر على الزجاج الميت دون أن تترك خدوشا أو بصمات .
هذه بطاقة نعوة يجب أن نشهر أقلامنا خناجر في وجهها , انها دعوة الى كربلاء فكرية يذهب ضحيتها الأديب العربي المعاصر ... هذه الدعوة الى سفك دم ما اسموه " الأدب النظلم " تكفي وحدها مسوغا لخلق موجة من " الأدب المظلم " تعكس واقع الأديب العربي أمام سلطات ما تزال تتوهم أن الكاتب يجب أن يكون موظفا عند النظام ولا تعي أن الكاتب هو الذي يجب أن يساهم في توجيه النظام , وأن النظام الواعي هو الذي يستلهم كتابه الأحرار ليرى على ضوء شهاداتهم الصادقة موقع خطواته ... وأن الأديب هو بوصلة النظام وليس النظام القائم – في عصر ما في مكان ما – هو نجم القطب الفكري للكتاب المعاصرين لذلك النظام .
أجل هذا ليس خبرا انه بطاقة نعوة ولكنها بطاقة لا تنعى الأدب فحسب وانما تنعى الفكر – غير المسؤول – المسؤول عن اصدارها .. ان القرار بمنع نشر الأدب " المظلم والانهزامي " قرار مظلم وانهزامي انه مظلم لأنه من بعض مواقف " العصور الوسطى المظلمة " من حريات الفرد بصورة عامة وحرية الأديب بصورة خاصة ... " من المفروض ان الثورات تقوم عادة باسم الدفاع عن هذه الحريات وانقاذ الانسان من العصور المظلمة ..." ومن المفجع أن يصدر مثل هذا القرار عن نظام عربي يعلن الثورية ويتبني كليشيهاتها في كل مناسبة خطابية ... أقول المفجع وأرددها كرجع الصدى لأني أشعر أني أصرخ أمام واد من الخواء .. أرددها بالحماس نفسه الذي تعالت به صرخاتي – كان يا ما كان – كلما سمعت عبر مذياع ما بلاغ رقم واحد ما وتوهمت كسواي أن الثورة جاءت لتكسر حزام العفة الفكري الذي طالما سجنت " اللاثورية " به أقلام الكتاب .. بالنسبة الى الأديب ليس مهما أن يكون اللجام من صنع الصين أو واشنطن وليس مهما باسم ماذا يحرم من حق الصدق في كل ما يكتب .. بالنسبة اليه الثورة – الحرية .
وكل ما يتحايل لخنق حرياته ليس ثوريا – خصوصا اذا كان ذلك التحايل باسم الثورة , وبحسن نية ! ذلك ما يعطي كلمة الفجيعة أبعادها الانسانية : حسن النية , والسذاجة , أجل هذا قرار ساذج .
وقد تكون السذاجة صفة جميلة حينما تتحلى بها المراهقات لكنها تصير " مطبا " خطيرا حينما تتصف القرارات الرسمية بها ... وهذا الفرمان بمنع " الأدب المظلم " ساذج ! ... وهذه في نظري أخطر تهمة توجه اليه , " ولا أستطيع أن أقرر فيما اذا كانت مضار الثورة الساذجة أكثر من مضار الرجعية الذكية أم لا ! " أجل هذا القرار اما أنه ساذج وتلك مصيبة أو أنه يتظاهر بالسذاجة من أجل خنق حرية الفكر " والمصيبة أعظم ! " وبحث الأمر عمليا هو الذي يقودني الى ما أقول . عمليا ستكون هنالك " سلطة ما أو هيئة ا , أي رقيب ما " يتولى فرز الأدب الى " أدب سلبي " يرمي به الى سلة المهملات – وربما بصاحبه الى السجن أو الفقر أو اضطهاد ما – و " أدب متفائل " غير سلبي يتم نشره وهنا المهزلة اذ من الذي يستطيع أن يعطي تحديدا واضحا لمعنى كلمة " أدب سلبي " و " أدب غير سلبي " ؟ الذي أعرفه أن هنالك أدبا جيدا أو " لا أدب " .
فهل يعتبر الرقيب مثلا كليشيهات المديح بالثورة الخطابية السطحية التي ألفنا سماعها من نوع " الأدب المتفائل " وهي قد تكون ثرثرة متفائلة ولكنها ليست أدبا على الاطلاق ؟
وهل يتم اطلاق الرصاص على نتاج أدبي يحكي مأساة الفرد العربي في بعض أقطاره الممزق بين تخلف ثوريته كواقع وخيبته بها كحلم لمجرد أنه يروي حقيقة شعور الفرد العربي ويرسم للحاكم صورة صادقة عما يدور في ضمير الشعب وما يحس به من مشاعر نحو الذين ركبوا موجاته النفسية ولكنهم ما كادوا يصلون الى زورق الحكم حتى بدأوا يتجهون ضد تيارات رغباته الحقيقية ؟ ثم , من هو الرقيب عادة ؟ " عذرا من الرقيب الذي يقرأ الآن هذه الكلمات وتصير عيناه ضوءين أحمرين في درب كلماتي " الرقيب هو غالبا موظف مخلص وليس مبدعا , الموظف المثالي مرتبط بزمان ومكان وتعليمات معينة وعظمته أن ينفذها باخلاص ! أما الفنان المثالي فيتجاوز زمانه ومكانه وعظمته أن يتجاوز القوانين الموضوعة ليمنح الانسانية رؤيا جديدة للحقيقة , رؤيا تتجاوز معاصريه وحتما تتجاوز التعليمات الموجودة لدى الرقيب !
الاسم : كتابات غير ملتزمة
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 274 صفحة
الحجم : 7 ميجا بايت
وقد صدر من هذه السلسلة حتى الآن: "زمن الحب الآخر"، "الجسد حقيبة سفر"، "السباحة في بحيرة الشيطان"، "ختم الذاكرة بالشمع الأحمر"، "اعتقال لحظة هاربة"، "مواطنة متلبسة بالقراءة"، "الرغيف ينبض كالقلب"، "ع.غ. تتفرس"، "صفارة إنذار داخل رأسي"، "كتابات غير ملتزمة"، "الحب من الوريد الى الوريد"، "القبيلة تستجوب القتيلة"، "البحر يحاكم سمكة" و "تسكع داخل جرح"
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
الناس لا تبتسم بمرسوم !
سادتي , هذا ليس خبرا هذه بطاقة نعوة , بطاقة نعوة ملصقة على جبين كل أديب عربي يستطيع أن يمر بهذا القرار ببساطة , ويتركه على أعماقه كما تنزلق قطرات المطر على الزجاج الميت دون أن تترك خدوشا أو بصمات .
هذه بطاقة نعوة يجب أن نشهر أقلامنا خناجر في وجهها , انها دعوة الى كربلاء فكرية يذهب ضحيتها الأديب العربي المعاصر ... هذه الدعوة الى سفك دم ما اسموه " الأدب النظلم " تكفي وحدها مسوغا لخلق موجة من " الأدب المظلم " تعكس واقع الأديب العربي أمام سلطات ما تزال تتوهم أن الكاتب يجب أن يكون موظفا عند النظام ولا تعي أن الكاتب هو الذي يجب أن يساهم في توجيه النظام , وأن النظام الواعي هو الذي يستلهم كتابه الأحرار ليرى على ضوء شهاداتهم الصادقة موقع خطواته ... وأن الأديب هو بوصلة النظام وليس النظام القائم – في عصر ما في مكان ما – هو نجم القطب الفكري للكتاب المعاصرين لذلك النظام .
أجل هذا ليس خبرا انه بطاقة نعوة ولكنها بطاقة لا تنعى الأدب فحسب وانما تنعى الفكر – غير المسؤول – المسؤول عن اصدارها .. ان القرار بمنع نشر الأدب " المظلم والانهزامي " قرار مظلم وانهزامي انه مظلم لأنه من بعض مواقف " العصور الوسطى المظلمة " من حريات الفرد بصورة عامة وحرية الأديب بصورة خاصة ... " من المفروض ان الثورات تقوم عادة باسم الدفاع عن هذه الحريات وانقاذ الانسان من العصور المظلمة ..." ومن المفجع أن يصدر مثل هذا القرار عن نظام عربي يعلن الثورية ويتبني كليشيهاتها في كل مناسبة خطابية ... أقول المفجع وأرددها كرجع الصدى لأني أشعر أني أصرخ أمام واد من الخواء .. أرددها بالحماس نفسه الذي تعالت به صرخاتي – كان يا ما كان – كلما سمعت عبر مذياع ما بلاغ رقم واحد ما وتوهمت كسواي أن الثورة جاءت لتكسر حزام العفة الفكري الذي طالما سجنت " اللاثورية " به أقلام الكتاب .. بالنسبة الى الأديب ليس مهما أن يكون اللجام من صنع الصين أو واشنطن وليس مهما باسم ماذا يحرم من حق الصدق في كل ما يكتب .. بالنسبة اليه الثورة – الحرية .
وكل ما يتحايل لخنق حرياته ليس ثوريا – خصوصا اذا كان ذلك التحايل باسم الثورة , وبحسن نية ! ذلك ما يعطي كلمة الفجيعة أبعادها الانسانية : حسن النية , والسذاجة , أجل هذا قرار ساذج .
فهل يعتبر الرقيب مثلا كليشيهات المديح بالثورة الخطابية السطحية التي ألفنا سماعها من نوع " الأدب المتفائل " وهي قد تكون ثرثرة متفائلة ولكنها ليست أدبا على الاطلاق ؟
بيانات الكتاب
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 274 صفحة
الحجم : 7 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق