الكتاب هو مقالات مجمعه لغادة السمان
تتنوع ما بين السياسيه الوطنيه من الدرجه الاولى وبعض المقالات الاجتماعيه
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
كتابات على جدران شارع القلب
أعود اليكم , مشتعلة الأظافر كعشرة أصابع من الديناميت , ملتهبة بأشواق المنفى متوردة بفرحة اللقاء , وقلبي تفاحة دهستها شاحنات المتقابلين فوق اسفلت الليل الدامي في بيروت .
وأكتب اليكم , والمقاتلون يغلون تحت شرفاتنا داخل بيوتنا فوق بياض أوراقنا تحت جلدنا يصنعون من أجسادنا متاريسهم ومن أعصابنا حبالهم ومن جلد أطفالنا طبول حربهم .
أعود اليكم خارجة من رحم الكوابيس ماشية نحوكم داخل ماسورة مدفع طولها سبعة أعوام من الحرب مغسولة بالدمع كرسائل العشاق .. مزدهرة بالحقد العادل مصرة على أن يظل ذلك الجسر المضيء ممتدا بينكم وبيني أينما كنتم وكيفما كنت موقنة بأن اللغة ليست غبارا مضيئا يتلاشى كبقايا الشهب الضالة , فانتظروني عند الطرف الآخر للجسر .. واغسلوني بزيت المحبة الشافي وقولوا لي : كل موت وأنت بخير !
وأعرف أنني عدت الى الكتابة في أكثر الأوقات العربية رداءة .
وما أكثر الأصدقاء الأوفياء الذين نصحوني بالتريث ريثما يشير " بارومتر " الطقس العربي الى الصحو أو الاعتدال .. وقالوا لي أن " ارتكاب " الكتابة الآن خطأ في التوقيت ولعل فيما قالوه عين الصواب ..
ولكنني خفت أن أقع في الصواب !
المهزلة أننا نرفض أحيانا أن نقع في الخطأ فنجد أنفسنا وقد وقعنا في الصواب !
لعل في الكتابة الآن فعل خطأ , ولكن عدم الكتابة فعل خطأ أيضا وعلي أن أختار الخطأ الأقرب الى حقيقتي .
وهكذا كان علي أن أختار بين موت وآخر , فاخترت الموت المائي على الموت القاحل , وآثرت بحار الفضول على قحط السلامة , والتصقت بزمن العاصفة بدلا من زمن القوقعة . أنتظر ؟
ماذا أنتظر ؟ هل أنتظر وصول الرفيق " جودو " بعد أيام , رافعا راية مفاوضات السلام ؟ نلتف حوله كالأطفال السذج ويخرج لنا من أكمامه كالحواة أرنب السلام الوهمي ويطلق لنا من محرمته الحريرية عصافير الفرح الكاذب ؟
ماذا أنتظر قبل أن أعود الى الكتابة ؟ هل تبقى حقا من ينتظر معجزة " سريعة الذوبان " مثل " حليب نيدو " تحيل المياه لزمننا العربي الى موجة بيضاء من غير سوء ؟
ولكن هل توقيت الكتابة الآن خاطئ حقا ؟ حسنا .
الكل تقريبا يقف الآن ضد أن نكتب .
ارتكاب الكتابة الآن فعل مناف " للأخلاق الكتابية " السائدة والتقاليد الكتابية الغابرة , هذا ما يراه بعض النقاد من الأكاديميين فالكتابة في نظرهم يجب أن تتم بعد أن تصبح الحرب ذكرى .
وتنقضي أعوام طويلة بعد توقفها ولما كنا نحن الكتاب سنموت قبل أن تنتهي هذه الحرب , علينا أن نكتب الآن عن حرب " سفر برلك " اذا توغلنا في الحداثة أو عن حرب " داحس والغبراء " حرصا على اللمسة الكلاسيكية , والأكاديميون بالتالي يقاطعون " أدب الحرب " ويرفضون قراءته لرداءته التي تأكدوا منها دونما قراءة كما يعلنون بفخر وبوركت التقاليد الأكاديمية الحربية .
أما الكتاب الذين لا يكتبون الآن شيئا فكل ما يسطره رفاق الكلمة هو بنظرهم " انفعالات وظواهر تنفسية " .
بيانات الكتاب
الاسم : الأعماق المحتلة
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 324 صفحة
الحجم : 8 ميجا بايت
تتنوع ما بين السياسيه الوطنيه من الدرجه الاولى وبعض المقالات الاجتماعيه
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
كتابات على جدران شارع القلب
أعود اليكم , مشتعلة الأظافر كعشرة أصابع من الديناميت , ملتهبة بأشواق المنفى متوردة بفرحة اللقاء , وقلبي تفاحة دهستها شاحنات المتقابلين فوق اسفلت الليل الدامي في بيروت .
أعود اليكم خارجة من رحم الكوابيس ماشية نحوكم داخل ماسورة مدفع طولها سبعة أعوام من الحرب مغسولة بالدمع كرسائل العشاق .. مزدهرة بالحقد العادل مصرة على أن يظل ذلك الجسر المضيء ممتدا بينكم وبيني أينما كنتم وكيفما كنت موقنة بأن اللغة ليست غبارا مضيئا يتلاشى كبقايا الشهب الضالة , فانتظروني عند الطرف الآخر للجسر .. واغسلوني بزيت المحبة الشافي وقولوا لي : كل موت وأنت بخير !
وأعرف أنني عدت الى الكتابة في أكثر الأوقات العربية رداءة .
وما أكثر الأصدقاء الأوفياء الذين نصحوني بالتريث ريثما يشير " بارومتر " الطقس العربي الى الصحو أو الاعتدال .. وقالوا لي أن " ارتكاب " الكتابة الآن خطأ في التوقيت ولعل فيما قالوه عين الصواب ..
ولكنني خفت أن أقع في الصواب !
المهزلة أننا نرفض أحيانا أن نقع في الخطأ فنجد أنفسنا وقد وقعنا في الصواب !
لعل في الكتابة الآن فعل خطأ , ولكن عدم الكتابة فعل خطأ أيضا وعلي أن أختار الخطأ الأقرب الى حقيقتي .
وهكذا كان علي أن أختار بين موت وآخر , فاخترت الموت المائي على الموت القاحل , وآثرت بحار الفضول على قحط السلامة , والتصقت بزمن العاصفة بدلا من زمن القوقعة . أنتظر ؟
ماذا أنتظر ؟ هل أنتظر وصول الرفيق " جودو " بعد أيام , رافعا راية مفاوضات السلام ؟ نلتف حوله كالأطفال السذج ويخرج لنا من أكمامه كالحواة أرنب السلام الوهمي ويطلق لنا من محرمته الحريرية عصافير الفرح الكاذب ؟
ماذا أنتظر قبل أن أعود الى الكتابة ؟ هل تبقى حقا من ينتظر معجزة " سريعة الذوبان " مثل " حليب نيدو " تحيل المياه لزمننا العربي الى موجة بيضاء من غير سوء ؟
ولكن هل توقيت الكتابة الآن خاطئ حقا ؟ حسنا .
الكل تقريبا يقف الآن ضد أن نكتب .
ارتكاب الكتابة الآن فعل مناف " للأخلاق الكتابية " السائدة والتقاليد الكتابية الغابرة , هذا ما يراه بعض النقاد من الأكاديميين فالكتابة في نظرهم يجب أن تتم بعد أن تصبح الحرب ذكرى .
أما الكتاب الذين لا يكتبون الآن شيئا فكل ما يسطره رفاق الكلمة هو بنظرهم " انفعالات وظواهر تنفسية " .
بيانات الكتاب
الاسم : الأعماق المحتلة
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 324 صفحة
الحجم : 8 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق