الاثنين، 21 يوليو 2014

النبى لــ جبران خليل جبران


وحين تنحر ذبيحتك ناجها في سريرتك قائلا:"إن الفدرة التي تذبحك هي نفسها... تذبحني؛وأنا مثلك مصيري الفناء.
فإن الناموس الذي أسلمك إلى يدي سوف يسلمني إلى يد أشد بأسا.
وحين تقضم التفاحة بين اسنانك،ناجها قائلا:"لسوف تحيا بذورك في جسدي، وتزهر براعم غدك في قلبي، ويصبح عبيرك أنفاسي؛ومعا نبتهج على مر الفصول".

مقتطفات من الكتاب



مقدمة
وبشري التي ولد فيها جبران ودب قرية جميلة تشرف على وادي قاديشيا تعلو عن سطح البحر بنحو من ألف وأربعمائة متر , هواؤها عليل وجوها يميل الى البرودة أهلها أميل ما يكونون الى الطرب واللهو ومن تحتها واد سحيق ومن حولها الزرع والشجر تغرد على أغصانه الطيور ويستجيب لغنائها الناس فيندفعون هم الآخرون يغنون وقد تشابكت أشجار الأرز الضخمة الباسقة فعقدت فوق رؤوسهم سماء ترد عليهم صدى أصواتهم وصدى أصوات الطير من فوقهم فاذا هذا كله تتجاوب به الأرجاء فتردده موسيقى حلوة هينة تضم الى نشوة الناس بمقامهم نشوة والى خفتهم خفة .
النبى في هذا الجو العامر بزرعه الصاخب بجماله الحافل بالنشوة نشأ جبران ينظر ويسمع وكان ذا عين تتتبع الجمال فأرسلها وراءه حيث كان وذا أذن أرهفت للشدو ففتحها لا يغلقها عن سماع شيء منه وذا قلب يلقن عن هذه العين وتلك الأذن فتفتح هو الآخر لما تنقله اليه العين وتصبه فيه الأذن فاذا جبران عامر بهذا الجمال يكاد يستوعبه كله وما أقام في ظلاله غير أعوام تجاوز العشرة بعامين وهو على هذا قد امتلأت نفسه تقليدا يفعل ما يفعل الناس من حوله فيرسم الرسوم الدينية ويؤدي العبادات ويأنس الى شجيرات الأرز المزدهرة وسط جفاف الجبل والى أنغام الأنسام تمس الغصون والأزهار ويحادث غيوم الأفق وهمهمات الغابات .
وعلى الرغم من بعد أبيه عن الدين اذ كان لا يعنيه من الحياة سوى كأس ولفافة تبغ فاذا لم يجد الكأس سرى همه بتلك اللفافة التي كانت لا تفارق فاه فان الصبي شب دينا ورث ذلك عن أمه كاملة أولا وعن أخيه بطرس ثانيا لقد كان الأب مشغولا بنفسه وكانت الأم مشغولة بأولادها من أجل هذا أثرت الأم في أولادها ولم يقو الأب أن يترك شيئا من الأثر في أولاده , فلقد كان جبران وهو صغير أشوق ما يكون الى الطقوس الدينية وأحرص ما يكون على أن يحضرها يحكون أن بطرس وكان فتى قد أشرف على الثانية عشرة بكر ليخرج مع نفر من رفاقه الى الجبل ليتعذبوا مع المسيح في فجر الجمعة الحزينة وتنبه لهم جبران فتعلق بهم يريد أن يخرج معهم فلم يرض الأب وضربه ليحول بينه وبين هذا الخروج فما أفلح واحتالت عليه الأم لتحول بينه وبين هذا الخروج فما أفلحت وخرج ليجمع الأزهار من فوق الجبل ليشارك بها في هذا الحفل الكنسي ويمضي النهار وجبران لم يعد فتقلق الأم ويقلق الأب ويقلق الأخوة ويخرجون جميعا يبحثون عنه فاذا هم يلقونه قبيل الغروب في المقبرة خلف الكنيسة وفي يده طاقة صغيرة من عيدان " بخور مريم " .
ولقد همت الأم به لتؤنبه فاذا هي ترتد عنه كسيفة حزينة حين تستمع اليه يقول : انه انفصل عن أخيه وذهب الى البرية وحده ليتعذب مع المسيح وانه بعد هذا الجهد الطويل جاء بهذه الحزمة من الأزهار ليضعها على هيكل الكنيسة فوجدها مقفلة وعندئذ قصد الى المدافن الغافية وراء الكنيسة ليفتش بين القبور عن قبر المسيح ليضع هذه الأزهار عليه فيحيا وسط الذكريات الأسيانة لحظات فريدة يستمد فيها من الموتى قدرة على مخالطة الأحياء .
على هذه الصورة الدينية كان جبران الصغير أخذ هذا الدين تقليدا عن الأخ ولم يكن عقله الغض قد كبر ليبحث واتسع لينظر ولكن هذا الفتي الذي بدأ دينا عن غير رأي ما يلبث أن يعود فتى دينا عن رأي يحب أن يمهد لدينه برأيه ولا يحب أن يجعل رأيه في اثر دينه .
كانت سنوات جبران الأولى مزيجا من التأمل وتحمل شظف العيش والتعاطف مع الآخرين فوق جبل لبنان الناحل الثراء الممزق بألوان من التعصب كانت تخفيها عن عينيه روح أم متسامحة لا تضيق بالروم الأورثوذكس على نحو ما يضيق بهم الموارنة .
فلقد شاهد يوما حوارا بين عجوز تسكن قريبا من بيته وبائع زيت وشاهد تلك العجوز تنصرف عن ذلك البائع لا تريد أن تشتري منه لأنه رومي فنبه ذلك الغلام الى أن يسأل أمه عن دينه فيعرف أنه ماروني ويمضي الفتي يسأل أمه : وهل من خلاف بين الماروني والرومي ؟ فيعلم أن كليهما نصراني فتقر هذه في نفس الفتى وتؤلمه ولكنه ما يكاد يرى أباه يكرم هذا البائع حتى ينسى ألمه بفرح .

بيانات الكتاب



الاسم : النبى
تأليف : جبران خليل جبران
الناشر : دار العلم والمعرفه
عدد الصفحات : 337 صفحة
الحجم : 12 ميجا بايت

تحميل كتاب النبى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق