مقتطفات من الكتاب
مقدمة
الفرض الذي أحاول أن أمتحنه في هذا البحث هو أن الشعر الذي أطلق عليه مصطلح " الشعر الحر " يعد امتدادا للشعر العربي الذي أطلق عليه حديثا " الشعر التقليدي " أو " الشعر العمودي " وقد فرض عليه هذا الوصف في مقابل " الشعر الحر " والذي أعنيه بكون الشعر الحر امتدادا للشعر العمودي أنه يسلك مسلكا مماثلا له من حيث مسالكه اللغوية , ويحتاج الى ما يحتاج اليه سالفه من بعض الاستعمالات الخاصة التي وصفت قديما بأنها ضرورة فيه , فلا يزال بعض الباحثين وبخاصة من يرفضون الشعر الحر , يعتقدون أن الشعر الحر قد تحرر من كل شيء حتى الوزن بل ان بعض المتخصصين يرون ذلك , ويطلقون عليه تهكما به وازراء عليه : " الشعر السايب " متناسين أنهم يطلقون عليه لفظ " الشعر " على كل حال .
وليس هذا بطبيعة الحال دفاعا عن الشعر الحر , أو انتصارا له ولا أريد لهذا البحث أن يكون كذلك , ولكني أريد , وحسب أن أصف هذه الظاهرة وأحاول أن أفسر ما أصف منها تفسيرا يربط بين الظاهرة النحوية وجانبها الدلالي السياقي في النص .
وقد رأيت بعد أن درست – فيما سبق الضرورة الشعرية في النحو العربي , وتعرفت رأي النحويين القدماء في هذه القضية وعالجت كثيرا من ظواهرها – رأيت أن لشعر الحر وقد تحرر من الالتزام بالقافية الموحدة في القصيدة وتحرر من الالتزام بالعدد المحدد من التفعيلات في البيت , تكثر فيه الظواهر اللغوية التي عد أسلافنا ورودها في الشعر ضرورة , فنما لدي احساس مبكر بأن ورود هذه الظواهر في الشعر ليس من الضرورة في شيء أو بعبارة أخرى ليست ضرورة لغوية : نحوية كانت أو صرفية ولكنها – ان صح التعبير ضرورة فنية , اذ يلجأ اليها الشاعر لا عن عجز أو قصور ولكن عن قوة واقتدار أو فيض منة على حد وصف ابن جنى الذي لم يستثمره من أتى بعده من النحاة أو نقاد الشعر القدماء .
وباعتبار آخر قد تعد ضرورة من قبل النحاة لا من قبل الشعراء , لأن ما أسسوه من قواعد لم يتسع ليستوعب هذه الظواهر اللغوية التي ترد في لغة الشعر , ولم يكن من مهمتهم – كما رأوها آنئذ أن يفسروا هذه الظواهر تفسيرا يرتبط بالنص ويفهم من خلاله , واكتفوا باطلاق هذا المصطلح الواسع المستوعب " الضرورة " .
ولعلي لا أجد بأسا من الاشارة الى ما لاحظته من أن صغار الشعراء وألفافهم هم الذين يتوخون الصحة النحوية المطلقة بحيث يحرصون حرصا بالغا على ألا يرد في شعرهم ما يخالف النظام الذي وضعه النحويون .
ولكن الشعراء " الفحول " هم الذين تكون لديهم الجرأة على مثل هذا الاقتحام , ومن هنا تتطور أساليب اللغة وتنمو وتتعدد وكثير من أنواع الاستعمال المألوف المأنوس كان في مبدأ أمره خطأ , أو انحرافا عن المعيار من بعض الكبار , ومما لاحظته كذلك أن الشاعر القديم كان أكثر جرأة على اللغة من الشاعر الحديث فالشاعر القديم كان لديه شعور قوي بأنه صاحب اللغة وأنه يمتلكها ولذلك لا يجد حرجا من التصرف فيما يملك , مادام هذا التصرف يخدم لديه غاية أعلى .
وقد كان متلقو الشعر قديما يسمحون للشاعر بهذا القدر من الحرية , لأنهم يفهمون طبيعة الشعر ويدركون دوره أما الشاعر الحديث فان لديه شعورا بأن اللغة هي التي تملكه الا من قويت ملكته واستحصدت سليقته ولذلك يوجه الشاعر الحديث طاقته الى كسر العلاقات المألوفة بين الكلمات حتى انه ليصل أحيانا الى درجة الغموض .
بيانات الكتاب
الاسم : ظواهر نحوية في الشعر الحر
تأليف : محمد حماسة عبد اللطيف
الناشر : دار غريب للطباعة والنشر
عدد الصفحات : 194 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
مقدمة
الفرض الذي أحاول أن أمتحنه في هذا البحث هو أن الشعر الذي أطلق عليه مصطلح " الشعر الحر " يعد امتدادا للشعر العربي الذي أطلق عليه حديثا " الشعر التقليدي " أو " الشعر العمودي " وقد فرض عليه هذا الوصف في مقابل " الشعر الحر " والذي أعنيه بكون الشعر الحر امتدادا للشعر العمودي أنه يسلك مسلكا مماثلا له من حيث مسالكه اللغوية , ويحتاج الى ما يحتاج اليه سالفه من بعض الاستعمالات الخاصة التي وصفت قديما بأنها ضرورة فيه , فلا يزال بعض الباحثين وبخاصة من يرفضون الشعر الحر , يعتقدون أن الشعر الحر قد تحرر من كل شيء حتى الوزن بل ان بعض المتخصصين يرون ذلك , ويطلقون عليه تهكما به وازراء عليه : " الشعر السايب " متناسين أنهم يطلقون عليه لفظ " الشعر " على كل حال .
وقد رأيت بعد أن درست – فيما سبق الضرورة الشعرية في النحو العربي , وتعرفت رأي النحويين القدماء في هذه القضية وعالجت كثيرا من ظواهرها – رأيت أن لشعر الحر وقد تحرر من الالتزام بالقافية الموحدة في القصيدة وتحرر من الالتزام بالعدد المحدد من التفعيلات في البيت , تكثر فيه الظواهر اللغوية التي عد أسلافنا ورودها في الشعر ضرورة , فنما لدي احساس مبكر بأن ورود هذه الظواهر في الشعر ليس من الضرورة في شيء أو بعبارة أخرى ليست ضرورة لغوية : نحوية كانت أو صرفية ولكنها – ان صح التعبير ضرورة فنية , اذ يلجأ اليها الشاعر لا عن عجز أو قصور ولكن عن قوة واقتدار أو فيض منة على حد وصف ابن جنى الذي لم يستثمره من أتى بعده من النحاة أو نقاد الشعر القدماء .
وباعتبار آخر قد تعد ضرورة من قبل النحاة لا من قبل الشعراء , لأن ما أسسوه من قواعد لم يتسع ليستوعب هذه الظواهر اللغوية التي ترد في لغة الشعر , ولم يكن من مهمتهم – كما رأوها آنئذ أن يفسروا هذه الظواهر تفسيرا يرتبط بالنص ويفهم من خلاله , واكتفوا باطلاق هذا المصطلح الواسع المستوعب " الضرورة " .
ولعلي لا أجد بأسا من الاشارة الى ما لاحظته من أن صغار الشعراء وألفافهم هم الذين يتوخون الصحة النحوية المطلقة بحيث يحرصون حرصا بالغا على ألا يرد في شعرهم ما يخالف النظام الذي وضعه النحويون .
ولكن الشعراء " الفحول " هم الذين تكون لديهم الجرأة على مثل هذا الاقتحام , ومن هنا تتطور أساليب اللغة وتنمو وتتعدد وكثير من أنواع الاستعمال المألوف المأنوس كان في مبدأ أمره خطأ , أو انحرافا عن المعيار من بعض الكبار , ومما لاحظته كذلك أن الشاعر القديم كان أكثر جرأة على اللغة من الشاعر الحديث فالشاعر القديم كان لديه شعور قوي بأنه صاحب اللغة وأنه يمتلكها ولذلك لا يجد حرجا من التصرف فيما يملك , مادام هذا التصرف يخدم لديه غاية أعلى .
بيانات الكتاب
الاسم : ظواهر نحوية في الشعر الحر
تأليف : محمد حماسة عبد اللطيف
الناشر : دار غريب للطباعة والنشر
عدد الصفحات : 194 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق