تقدم الباحثة فاطمة الصمادي في كتاب "التيارات السياسيّة في إيران" دراسة مستفيضة للقوى والأحزاب السياسيّة في إيران بعد الثّورة الإسلاميّة في سنة 1979، بجميع اتجاهاتها الفكريّة، وبمختلف انشقاقاتها اللاحقة. وتعقّبت الكاتبة الأحزاب الإيرانيّة بيسارها ويمينها ووسطها، ورصدت التّحولات السياسيّة والفكريّة التي طرأت على هذه الأحزاب جراء التغيرات التي حدثت في المجتمع الإيراني نفسه. وقد ركّزت الكاتبة على دراسة التّيار الماركسي (حزب تودة) والتّيار اليساري الإسلامي (مجاهدو خلق) والتّيار الإسلامي (خط الإمام)
مقتطفات من الكتاب
يبدو تناول قضية التيارات السياسية في ايران مسألة سهلة للوهلة الأولى لكنها في الحقيقة مسألة متشعبة ويصدق عليها وصف السهل الممتنع وفي هذا الكتاب نقوم بمحاولة لسبر أغوار هذا السهل الممتنع ووضع القارئ العربي في صورة التجمعات السياسية التي تعبر عن نفسها في شكل تيارات ترى الباحثة أن من البساطة تقسيمها ضمن تيارين فقط هما : الأصوليون ( المحافظون كما هو شائع في الأدبيات العربية ) والاصلاحيون .
يعتقد عالم السياسة والاجتماع الايراني حسين بشيريه بوجود عوامل عديدة تتدخل في تكوين التيارات السياسية والحركات الاجتماعية في ايران .
ويأتي في مقدم هذه العوامل مستوى التحول والعبور من المجتمع التقليدي الى المجتمع الحديث ومعدلات التحديث والتنمية الاقتصادية وميزان دمقرطة المجتمع , الأمر الذي يؤثر بصورة واضحة في ايجاد وبناء مؤسسات الطبقات الدنيا وروابطها وجمعياتها وهنا يرى بشيريه فيما يتعلق بالمجتمع الايراني أن مجموعة من الفجوات التاريخية والانشائية الهيكيلية صارت سببا في تشكيل بنية القوى والتيارات الاجتماعية والسياسية المعقدة . وفي العهد البهلوي اتخذت هذه الفجوات الاجتماعية الطبقية شكلا جديدا وساهم تشجيع رأس المال والتجارة والصناعة في ايجاد تمايزات في البناء الرأسمالي , وبالتدريج أصبح كل من رأس المال الصناعي والمالي والتجاري متمايزا من الآخر وقامت سياسة النظام البهلوي بتقسيم المجتمع الايراني الى قسمين ووضعت الطبقات والقوى التقليدية في مواجهة مع القوى الاجتماعية الجديدة وذلك عن طريق الاصطدام بالقوى الاجتماعية التقليدية ومن ضمنها قوى السوق التقليدية " بازار سنتي " ورجال الدين والعشائر من جهة ودعم العمليات التي أنتجت القوى الاجتماعية الحديثة من جهة أخرى وحمايتها .
ولا تقتصر هذه الفواصل والفجوات على الطبقات الاجتماعية بل انها تنسحب أيضا على الدين والدولة وعلى المذاهب والطوائف والأراق والقوميات واللغة وخصوصا في مجتمع يقسم عرقيا ولغويا الى ست مجموعات : الناطقون بالفارسية " 50 في المئة " الآذريون الأتراك " 23 في المئة " الأكراد " 11 في المئة " العرب " 50 في المئة " التركمان " 3 في المئة " البلوش " 3 في المئة " وهذه فواصل لا يمكن أي دارس تجاهلها عند دراسة ما شهدته ايران على مدى مراحل تاريخها المتعدد كما لا يمكن تجاهل الفجوة التي نشأت بين الثقافة والتمدن الايراني القديم والثقافة العربية " الاسلامية " التي نشأت بعد دخول الاسلام لايران .
وشكلت النظرية السياسية الشيعية أزمة بالنسبة الى نظرية الحكم الملكي وبقي الجدل بين الملكية والامارة أو الخلافة قائما بصورة وظاهرة وظل الخلاف بين الخلفاء والعلماء والفقهائ والسلاطين مصدر فجوة سياسية فكرية مستمرة في التاريخ الايراني الاسلامي أو في تاريخ ايران منذ أن دخلها الاسلام ومع بدء مرحلة التحديث في العهد البهلوي اتسعت الفجوة بصورة غير مسبوقة بين رجال الدين بصفتهم الحارس للتقاليد الاسلامية .
وبين الطبقة الحاكمة باعتبارها القائمة على التحديث السياسي والاجتماعي الأمر الذي قاد أيضا الى فجوة عميقة بين التوجه نحو الدين والتوجه نحو الدنيا أما من الناحية السياسية الثقافية فالمواجهة قائمة على الدوام بين القوى الأصولية والتقليدية من جهة والقوى الاصلاحية من جهة أخرى , وهذه المواجهة هي أحد تجليات الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي كما يعبر عنه بشيريه النزاع الناشئ عن الفجوة الفاصلة بين التقليد والتجديد .
بيانات الكتاب
تأليف : فاطمة الصمادى
الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
عدد الصفحات : 392 صفحة
الحجم : 8 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق