الأربعاء، 14 يناير 2015

الأرواح المتمردة لـ جبران خليل جبران


مقدمة


ما أتعس الرجل الذي يحب صبية من بين الصبايا و يتخذها رفيقة لحياته و يهرق على قدميها عرق جبينه و دم قلبه و يضع بين كفيها ثمار اتعابه و غلة اجتهاده ثم ينتبه فجأة فيجد قلبها الذي حاول ابتياعه بمجاهدة الايام و سهر الليالي قد أعطي مجانا لرجل آخر ليتمتع بمكنوناته و يسعد بسرائر محبته !
و ما أتعس المرأة التي تستيقظ من غفلة الشبيبة فتجد ذاتها في منزل رجل يغمرها بأمواله و عطاياه و يسربلها بالتكريم و المؤانسة لكنه لا يقدر ان يلامس قلبها بشعلة الحب المحيية و لا يستطيع ان الأرواح المتمردة يشبع روحها من الخمرة السماوية التي يسكبها الله من عيني الرجل في قلب المرأة !
عرفت رشيد بك نعمان منذ حداثتي و هو رجل لبناني الاصل بيروتي المولد و الدار متحدر من اسرة قديمة غنية موصوفة بالمحافظة على ذكر الامجاد الغابرة فكان مولعا بسرد الحوادث التي تبين نبالة آبائه و جدوده متبعا بمعيشته عقائدهم و تقاليدهم منصرفا إلى تقليدهم في العادات و الازياء الغريبة المرفرفة كأسراب الطيور في فضاء الشرق .
و كان رشيد بك طيب القلب كريم الاخلاق لكنه كالكثيرين من سكان سوريا لا ينظر إلى ما وراء الاشياء بل إلى الظاهر منها و لا يصغي إلى نغمة نفسه بل يشغل عواطفه باستماع الاصوات التي يحدثها محيطه و يلهي أمياله ببهرجة المرئيات التي تعمي البصيرة عن اسرار الحياة و تحول النفس عن ادراك خفايا الكيان إلى ملاحظة الملذات الوقتية و كان من اولئك الرجال الذين يسترعون باظهار محبتهم أو مقتهم للناس و للاشياء ثم يندمون على تسرعهم نبعد فوات الوقت عندما تسير الندامة مجلبة للسخرية و الاستهزاء بدلا من العفو الغفران .
هذه هي الصفات و الاخلاق التي جعلت رشيد بك نعمان يقترن بالسيدة وردة الهاني قبل ان تضم نفسها نفسه في ظل المحبة الحقيقية التي تجعل الحياة الزوجية نعيما .
غبت عن بيروت بضعه اعوام و لما رجعت اليها ذهبت لزيارة رشيد فوجدته ضعيف الجسد مكمد اللون تتمايل على سحنته المنقبضة أشباح الاحزان و تنبعث من عينيه الحزينتين نظرات موجعة تتكلم بالسكنية عن انسحاق قلبه و ظلمة صدره و بعيد ان بحثت في محيطه و لم أجد اسباب نحوله و انقباضه سألته قائلا : (( ما أصابك ايها الرجل ؟ و اين تلك البشاشة التي كانت تنبعث كالشعاع من وجهك ؟ و اين ذهب ذاك السرور الذي كان ملاصقا شبيبتك ؟ هل فصل الموت بينك و بين صديق عزيز ام سلبتك الليالي السوداء مالا جمعته في الايام البيضاء ؟ قل لي بحق الصداقة ما هذه الكآبة المعانقة نفسك و هذا النحول المالك جسدك ؟ ))
فنظر إلي نظرة متأسف أرته الذكرى رسوم ايام جميلة ثم حجبتها و بصوت تتموج في مقاطعه معاني اليأس و القنوط قال : (( اذا فقد المرء صديقا عزيزا و التفت حوله يجد الاصدقاء الكثيرين فيتصبر و يتعزى و اذا خسر الانسان مالا و فكر قليلا رأى النشاط الذي أتى بالمال سيأتي بمثله فينسى و يسلو و لكن اذا ضاع الرجل راحة قلبه فأين يجدها ؟!

بيانات الكتاب

الاسم : الارواح المتمردة
المؤلف : جبران خليل جبران
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة
عدد الصفحات : 72
الحجم : 2.3 ميجا
تحميل رواية الارواح المتمردة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق