في شهر أبريل الماضي احتفلت مدينة "دبلن" بالمبادرة السنوية "مدينة واحدة.. كتاب واحد"، والتي تختار فيه مكتبات دبلن كتابا مرتبطا بالعاصمة الأيرلندية بشكل أو بآخر لتقرأه المدينة في هذا الشهر، تحديدا هم يركزون على قراءة كُتّاب أيرلنديين بدون النظر كثيرا إلى مدى ارتباط الكتاب بالعاصمة، السنوات الماضية احتفت المدينة بروايات مثل: "صورة دوريان جراي"، و"دراكولا"، و"رحلات جاليفر" للكُتّاب الأيرلنديين أوسكار وايلد وبرام ستوكر وجوناثان سويفت. هذا العام اختاروا عمل جيمس جويس المنشور الأول "دبلنيون"، وهي المجموعة التي تتكون من 15 قصة قصيرة، ونشرت لأول مرة عام 1914.
جيمس جويس أديب مرهق بالنسبة للمترجمين العرب - ناهيك عن كونه مرهقا بالنسبة للقراء في كل أنحاء العالم – هذا يتجلى بشكل أكبر في روايته البارزة يوليسيس، التي شهدت ترجمة مكتملة واحدة لطه محمود طه، في مقابل ترجمتين لم يتجاوزا ثلث الرواية لمحمد لطفي جمعة وصلاح نيازي.
"دبلنيون"، التي تم الاحتفاء بها هذا العام، أيضا كان لها حضورها في الثقافة العربية، عندما بحثت سريعا على الإنترنت، وجدت بعض قصص المجموعة مترجمة بأيادي هاوية ومحترفة، ولكني لم أجد ترجمة مجموعة القصص في كتاب إلا مرتين.
الترجمة الأولى تعود إلى عام 1961 وهي لمترجمة غير معروفة بالنسبة لنا اسمها عنايات عبد العزيز، وبمقدمة للكاتب المعروف مرسي سعد الدين، وصدرت ضمن سلسلة الألف كتاب الأولى التي كانت تصدر من مصر بعنوان "ناس من دبلن"، أما الترجمة الأخرى صدرت طبعتها الأولى عام 2000 من دار الحوار بسوريا للمترجم السوري أسامة منزلجي بعنوان "أهالي دبلن".
"دبلنيون" تعتبر أقل كتب جويس – الرئيسية – صعوبة في القراءة، تلك الصعوبة التي كانت تزداد مع كل كتاب: "صورة الفنان في شبابه"، "يوليسيس"، "يقظة فينيجان". لكن مع ذلك لا تخلو من تحديات تواجه المترجمين بشكل خاص، فهنا أيضا يستخدم جويس تعبيرات إنجليزية غير شائعة وكلمات أيرلندية دارجة، حتى أنه يستخدم كلمات ربما لا يكون لها معنى على الإطلاق: "Derevaun Seraun" في قصة إيفيلين، هذا يحيّر القراء الإنجليز نفسهم، الروائي الأيرلندي جون بوين اعترف في مقدمة حديثة للمجموعة أنه يعود للقاموس من آن لآخر ليتأكد من هذه الكلمة أو تلك. بهذه الطريقة فقراءة الترجمة بالطبع تُفقد الكثير من متعة الأصل، ولكن هذا لا ينفي اجتهاد المترجمين العربيين.
الترجمة العربية الأولى لـ"دبلنيون" كانت تنزع للتبسيط بقدر الإمكان، معتمدة على لغة هذه الفترة التي تبدو قديمة بالنسبة لنا نحن القراء المعاصرين، ولكن هذا التبسيط كان يستهدف إلى التقديم بشكل ما، تقديم جويس إلى العربية، كما لمّح مرسي سعد الدين في مقدمته للقصص. ولكن هذا التبسيط ربما هو الذي جعل المترجمة تُسقط بعض قصص المجموعة ولا تُضّمنها في الترجمة العربية، اكتفت عبد العزيز بـ 12 قصة من الـ 15، ولكن لم يبدو هذا الاختيار ذو معنى مفهوم بالنسبة لي، فالقصص التي أسقطتها المترجمة: "المغازلان"، "النُزل"، "قضية مؤلمة" لم تكن الأطول أو الأصعب.
التبسيط رغم أنه لم يكن مؤذيا في معظم الأحيان إلا أنه أدى أحيانا أخرى لمشكلات واضحة، في قصة "لقاء" يسأل الرجل العجوز الطفلين إن كانا قرآ لورد ليتون، ماهوني لا يظهر أنه يعلم لورد ليتون، أما الطفل السارد يخشى، وفقا للمترجمة، أن يكون الرجل قد فهم شيئا ما من ذلك، بالرجوع للأصل نجد أن هذا الشيء هو أنه خشى أن يعتقده الرجل غبيا مثل ماهوني.
أسامة منزلجي في ترجمته الحديثة كان واعيا بشكل أكبر بصعوبة ترجمة جويس، أضاف مثله مثل عدد من النسخ الإنجليزية للمجموعة هوامش تشرح الكلمات الصعبة مع كل قصة. أسامة منزلجي كان يستخدم أحيانا العامية ليكافيء عامية جويس، كاستخدامه لفظ "تخين" مقابل تعبير جويس “Fatty Funk”. ولكن بينما كانت تنزع عنايات عبد العزيز إلى التبسيط، كان أسامة منزلجي ينزع إلى الإخلاص، حتى لو لم تكن اللغة سلسة مثل الترجمة الأولى، أو حتى لو اضطر أن ينقل التعبيرات الإنجليزية والفرنسية التي يستخدمها جويس كما هي وبالحروف اللاتينية: "Parole d’honneur"، "barmbracks".
ينقل منزلجي التعبيرات أحيانا بشكل حرفي، أو يوازي ترجمته بأصل المصطلح الإنجليزي، ولكن لم تسلم الترجمة من أخطاء في التحرير مثل الجملة التي خرج بها جيمس دافي من قراءته لنيتشه في قصة "قضية مؤلمة": "الحب بين رجل ورجل مستحيل لأنه لا يجب أن تقوم بينهما علاقة جنسية، والصداقة بين رجل وامرأة مستحيلة لأنه يجب أن تقوم بينهما علاقة جنسية". لتتحول إلى: ""الحب بين رجل وامرأة مستحيل لأنه لا يجب أن تقوم بينهما علاقة جنسية..." هذا الذي يفسد تماما إيحاء الجملة.
أمير زكي
مايو 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق