الجمعة، 18 أبريل 2014

مفهوم المجتمع الدولي International Society

المجتمع الدولي (International Society)

افترض مفهوم المجتمع الدولي في حيز النظرية الاجتماعية، بشكل عام، مفاهيم تماسك ثقافي واندماج اجتماعي، وهي مفاهيم تخص المجتمعات القومية. بالتالي، تبدو فكرة أن العلاقات بين الدول قد تقوم ضمن إطار مجتمع دولي غريبة بعض الشيء. ومع ذلك، طور عدد من الباحثين المنتمين إلى ما أصبح معروفاً باسم المدرسة الإنكليزية مجموعة غنية من الأبحاث المرتكزة على هذه الفكرة. 

 يدل المفهوم إلى مجموعة من الدول التي تتقاسم بعض المصالح أو القيم المشتركة والتي تساهم في الحفاظ على المؤسسات الدولية. في الماضي، أمكنت الإشارة إلى حضارة مشتركة بين دول سهلت الاتصال والتعاون في ما بينها. مثلاً، بإمكان المرء القول إن الغرب المسيحي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، أو ربما الثقافة السياسية الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قد لجمت الدول في مجال متابعة مصالحها الخاصة في بيئة فوضوية بالكامل.

 يرجع أغلب الباحثين أصول المجتمع العالمي المعاصر إلى أوروبا، وبشكل خاص إلى سلام وستفاليا في عام 1648 الذي ولّد القواعد الأساسية للتعايش بين الدول. اليوم، يضم المجتمع الدولي الكوكب بأسره، مثيراً مسألة ما إذا كان التنوع الديني والثقافي في العلاقات الدولية المعاصرة يجعل المفهوم فائضاً عن الحاجة كأداة للتحليل. يشير المنتمون إلى المدرسة الإنكليزية إلى عدم صحة هذا الافتراض طالما أن المجتمع الدولي المعاصر يستمر في القيام بدور مهم في الحفاظ على النظام الدولي.

 ما زال القانون الدولي يؤكد أولوية نظام الدولة ويطبقها. وهو يضع الحد الأدنى من شروط التعايش بين الدول، وينظم أسس التعاون بينها في مسائل خلافية متنوعة.
مصطلح «المجتمع الدولي » مهم، إذ يجلب انتباهنا إلى مظهرين أساسيين من مظاهر  العلاقات الدولية. يشير الأول إلى أن محاولات إقامة فصل جامد بين السياسات الداخلية ( وقع الهرمية التراتبية والنظام وربما العدالة)  وبين العلاقات الدولية ( الفوضى، غياب النظام موقع سياسات القوة)  مكتوب لها الفشل.
وبقدر ما تكون العلاقات الدولية محكومة بالقانون، بمعنى أن القوانين ليست مجرد تعبير عن القوة، بل هي تساعد في كبح جماحها، نجد أن المقاربة الواقعية متصدعة في أساسها. أما المظهر الثاني، فيشير إلى أن مصادر قيادة الدولة لا يمكن استنتاجها فقط على أساس عوامل قابلة للملاحظة والقياس.
يحتم مصطلح «المجتمع الدولي » القول إن العلاقات بين الدول مشبعة بالمعاني المعيارية. تقيم الدول علاقات، الواحدة مع الأخرى، في إطار مطالبات بالحقوق والواجبات أكثر منها في إطار الصراعات من أجل السلطة وحسب.

يطرح كل من هذين المظهرين في العلاقات الدولية عدداً من المسائل المثيرة للاهتمام. إن لم يكن ممكناً فهم العلاقات الدولية بشكل صحيح إذا ما اعتبرنا أنها مجرد مظهر من مظاهر سياسات القوة (الواقعية)، هل سيكون من غير الضروري بالتالي تغيير النظام الدولي بشكل جذري لتحقيق السلام والعدالة العالميين (كما يدعي بعض المنظرين الانتقاديين والكسموبوليتيين ) .
 أي طرف من الأطراف يستفيد مصلحياً من قوانين التعايش بين الدول؟
هل هذه القواعد قادرة على التأقلم خدمة لمصالح الأفراد، أم إنها مصممة لحماية  الدول وحدها؟
هل المجتمع الدولي مفهوم قابل للتطبيق في كل أرجاء الأرض، أم إن مدى اتساعه محصور بدول ومناطق محددة؟
على الرغم من استحالة الإجابة عن هذه الأسئلة بطريقة نهائية، إلا أن مدى الإجابات ما زال يحتل القلب من النقاشات المعاصرة في هذا المجال. ويعتبر بعض الباحثين أن مفهوم المجتمع الدولي لا يضيف سوى القليل إلى فهمنا للعلاقات الدولية. فقواعد التعايش قد تجد تعبيراً واضحاً لها في المواثيق التأسيسية، وقد تشهد المؤسسات الدولية ازدهاراً كبيراً، إلا أن العلاقات الدولية ستبقى في النهاية عالماً حيث «منطق العواقب » يتفوق على «منطق الملاءمة .»
ليس المجتمع الدولي مفهوماً جامداً، فقوته تختلف مع الزمان والمكان. عندما كانت الحرب الباردة على أشدها، حينما بدت العلاقات الدولية على أنها موقع لصراع أيديولوجي خطير حول شروط النظام الدولي، كان الدليل على وجود مجتمع من الدول ضعيفاً. وفي الأشهر التي تلت نهاية الحرب الباردة، عاد هذا الأخير ليظهر عنصراً قوياً يسهل العمل الجماعي لرد غزو العراق للكويت.
وأخيراً، يقول بعض الباحثين إن المفهوم متقادم من حيث الجانب التحليلي. ففي عصر العولمة، نحن بحاجة إلى استكشاف إمكانية قيام علاقات دولية في إطار مجتمع عالمي أوسع تكون فيه الدول مجرد لاعب واحد من بين عدد كبير من اللاعبين الذين يرسمون العالم. كما أنه حتى لو أمكن القول إن عنصر المجتمع الدولي بإمكانه أن يساهم في النظام الدولي، إلا أنه معاد لأفكار العدالة الكسموبوليتية. وإذا قدر لهذه الأخيرة أن تتحقق يوماً ما، لن يكفي أن تتحمل الدول وجود بعضها البعض، بل هي بحاجة إلى المشاركة في مشروع مشترك أوسع يبدأ بالتعاطي مع المشكلات المشتركة كتلك التي يطرحها التدهور البيئي واللامساواة بين البشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق