صَوت مفكر من داخل المجتمع الفرنسي، يشجب الاستعمار الفرنساوي للجزائر. يُعلي صوته ويصرخ بمساوئ الاستعمار على فرنسا واقتصادها قبل أن يمون وبالا على الجزائريين ومعيشتهم، يوضح في صفحاتٍ احتلت جزءا كبيرا في بداية الكتاب سياسة استغلال الأراضي وجعل ملاكها سخرةً يشتغلون بالأجر الزهيد، ينعى غيابَ الحقائقِ عن ما يجري هنالك وينادي بقراءة مذكرات من كانوا شاهدين على ما يجري من أحداث.
مقتطفات من الكتاب
الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي
اني أرفع لكم صوت التحذير والنذير من وسائل الاستعمار الجديدة .. فالاستعماريون المحدثون يقسمون المستعمرين الى فئتين : فئة صالحة , وأخرى طالحة شريرة !
وان الفساد الذي استشرى في المستعمرات انما مرده الى هذه الفئة الشريرة ولكي يضلوكم في متاهات هذا الادعاء الكاذب الذي ذهبوا اليه تجدهم يتجولون بك بين ربوع الجزائر حيث تقف على بؤس الشعب وتراه رأى العين ثم يقصون عليك ألوان العذاب التي يتجرعها المسلمون على أيدي هؤلاء المستعمرين الأشرار حتى اذا فاض بك الأسى والحنق قالوا لك : " من أجل هذا ثار الجزائريون فقد أصبحوا لا يطيقون هذا الوضع الرجيم , فاذا جازت علينا خديعتهم هذه وانطلى علينا ضلالهم , خرجنا ونحن مقتنعون أولا بأن المشكلة الجزائرية مشكلة اقتصادية وأنه لابد من القيام بالاصلاحات لتوفير الخير للملايين ثم هي بعد ذلك مشكلة اجتماعية فيجب مضاعفة المستشفيات والمدارس وأخيرا فهي مشكلة نفسانية تخضع لنظرية " دومان " في مركب النفس لدى طبقة العمال فالجزائري الجاهل الذي يرزح تحت نير الاضطهاد ويتضور جوعا يشعر بمركب النقص تجاه أسياده وأن معالجته وتهدئته تكمن في مواجهة هذه العوامل الثلاثة والتغلب على مشكلاتها فاذا امتلأ بطنه والتحق بعمل , وقضى على أهميته فانه لن يخجل بعد من أن يكون انسانا أو في درجة من الانسان الأوروبي وبهذا وحده تتجدد الأخوة الفرنسية الاسلامية القديمة .
ولكن يجب علينا في زعمهم ألا نخلط ذلك الاصلاح بالسياسة فالسياسة أمر معنوي أو مجرد :
فماذا يجنى الجزائريون من وراء اشتراكهم في الانتخابات وهم يتضورون جوعا ؟
ان الذين يتحدثون عن الانتخابات الحرة والجمعية التأسيسية والاستقلال الجزائري ليسوا الا مثيري القلاقل والفتن والشغب وهم الذين يعملون على عرقلة المساعي الطيبة لحل المشكلة الجزائرية .
تلك هي حجتهم وذلك منطقهم السقيم وقد أجاب عنها زعماء جبهة التحرير الوطني بقولهم :
" اننا سنقاتل ونستميت في القتال حتى وان نكن سعداء في ظل الحراب الفرنسية "
ولا شك أنهم على حق في اجابتهم السديدة . بل يجب أن نذهب بعيدا أكثر مما ذهبوا : ان الانسان لا يملك الا أن يكون شقيا في ظل الحراب الفرنسية المشرعة .
ولاشك أنهم على حق في اجاباتهم السديدة بل يجب أن نذهب بعيدا أكثر مما ذهبوا : ان الانسان لا يملك الا أن يكون شقيا في ظل الحراب الفرنسية المشرعة , حقا ان غالبية الجزائريين يعيشون عيشة ضنكا , وفي فقر مدقع ولكن من الحق كذلك أن نؤمن بأن الاصلاحات الأساسية لا يمكن أن تتم على أيدي " المستعمرين الصالحين " ولا على يد فرنسا نفسها ما دامت وجهتها هي السيادة على الجزائر وأنه لن ينهض بها الا الشعب الجزائري نفسه حين يظفر بحريته ويكون مستقلا استقلالا لا تشوبه شائبة .
ان الاستعمار لم يكن محض مصادفة ولم يكن وليد آلاف المشروعات الفردية وانما هو نظام أقيم حوالي منتصف القرن التاسع عشر وبدأ يؤتى أكله حوالي عام 1880 ودخل في طور التصدع والانهيار في أعقاب الحرب العالمية الأولى وهو اليوم يرتد بالوبال على المستعمرين .
هذا ما أود أن تتعرفوا عليه فيما يتعلق بالجزائر التي هي مع الأسف العميق أبلغ مثال وأبرزه للنظام الاستعماري أريد أن أوقفكم على قسوة هذا النظام الذي لابد أن ينتهي الى هذه النهاية المفجعة .
وكيف أن أخلص النيات اذا ولدت وترعرعت في داخل هذه الدوائر الجهنمية استحالت الى فساد مجسم فليس هناك مستعمرون صالحون وآخرون طالحون ؟ بل هناك مستعمرون فحسب ونحن اذا ما عرفنا ذلك حق المعرفة أدركنا من فورنا لماذا كان الجزائريون على حق في هجومهم على بناء هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وكيف أن تحريرهم بل تحرير فرنسا ذاتها لن يتحقق الا اذا قضى على الاستعمار قضاء مبرما .
بيانات الكتاب
تأليف : جان بول سارتر
عدد الصفحات : 67 صفحة
الحجم : 2 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق