مقتطفات من الكتاب
الفصل الأولالمصادفة
ستصبح الحواسيب عما قريب منافسة لعلماء الرياضيات ,ويمكن أن تحيلهم الى عاطلين عن العمل , هذا ما أكدته لزميلي المبجل الرياضي بيير دولييني pierre Deligne مماحكا , لقد قلت له أنه أصبح هناك آلات تستطيع أن تلعب الشطرنج جيدا . بالإضافة الى ذلك لم يكن من المستطاع برهنة نظرية الألوان الأربعة إلا بمساعدة عمليات تحقق تمت بواسطة الحاسوب , ولا شيء يمنع من أن تصبح هذه الآلات أكثر طواعية , وأن تقلد العمليات الفكرية التي يقوم بها الإنسان بالسرعة والدقة الفائقتين اللتين تتصف بها .
فقد تم تشكيل دماغنا بالانتخاب الطبيعي , ليس بهدف العمل الرياضي ولكن لإعطائنا الأفضلية في الصيد وفي الجني ,في الحرب وفي العلاقات الاجتماعية .
بالطبع لم يظهر بيير دولييني حماسا كبيرا لهذه الرؤية لمستقبل الرياضيات , وانتهى الى القول إن ما يشغله شخصيا هو النتائج التي يمكن له أن يفهمها بمفرده بشكل كامل , وهذا يستثني من جهته النتائج التي تكون براهينها بحاجة الى مساعدة الحاسوب , والنتائج التي تكون براهينها طويلة بحيث تتجاوز إمكانيات التحقق منها إمكانيات عالم رياضيات واحد لذلك تحتاج الى جهد رياضيين عديدين ,وقد أشار دوليني الى نظرية شهيرة تتعلق بتصنيف الزمر المنتهية البسيطة , والتي تكون برهانها من قطع عديدة , ويمتد على أكثر من خمسة آلاف صفحة كمثال على وجهة نظره .
يمكن أن نرسم بدون صعوبة ومن خلال ما ذكرته لوحة بائسة للحالة المعاصرة للعلم ومستقبله . في الحقيقة فإنه إذا أصبح من الصعب لرياضي أن يسيطر وحيدا على سؤال واحد-البرهنة على نظرية واحدة- فإن هذا صحيح بدرجة أكبر بالنسبة لزملائه من ذوي الاختصاصات العلمية الأخرى .
يستعمل الباحث سواء كان فيزيائيا أو طبيبا أدوات لا يعلم كيفية عملها وذلك بسبب ضغط مقتضيات الكفاءة , فبالرغم من أن العلم شامل , ولكن خدامه هم ذوو اختصاصات ضيقة ويمكن أن تكون اهتماماتهم محدودة على الأغلب . لقد تغير الإطار الثقافي والاجتماعي للبحث العلمي كثيرا منذ نشوئه دون شك , وكانوا يحاولون امتلاك فهم إجمالي للعالم الذي نوجد فيه , أي نظرة مركبة لطبيعة الأشياء , فمن المميز أن نيوتن العظيم وزع جهوده ما بين الرياضيات والفيزياء والسيمياء واللاهوت ودراسة التاريخ المتعلق بالنبوءات , هل تخيلنا إذن عن البحث الفلسفي الذي أنتج العلم ؟
إطلاقا ,إن البحث الفلسفي يستخدم وسائل جديدة ولكنه يبقى في المركز , وهذا ما سأبينه في هذا الكتاب , لذا لن يكون هناك ذكر فيما يلي للانتصارات التقنية للعلم ,لاشيء عن الصواريخ ولا عن مسرعات الجسيمات , لا شيء عن أفضال الطب ولا عن الخطر النووي , كما لا ذكر أيضا لما ورائيات الطبيعة .
لقد بدأ الاستعمال العلمي للمصادفة مع بليز باسكال Blaise pascal , وبيير فيرما pierre Fermat , وكريستيان هايجنز Christian Huygens , وجاك برنوييي Jacques Bernoulli , وذلك من خلال تحليل الألعاب التي دعيت بألعاب الحظ أو المصادفة , وأنتج هذا التحليل علما دعي حساب الاحتمالات اعتبر لوقت طويل فرعا ثانويا من فروع الرياضيات .
بيانات الكتاب
الاسم : المصادفة والشواشتأليف : دافيد رويل
الترجمة : طاهر شاهين
الناشر : منشورا وزارة الثقافة السورية
عدد الصفحات : 270 صفحة
الحجم : 5 ميجا بايت
تحميل كتاب المصادفة والشواش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق