"علي حرب" في دارسته هذه إزاء موقفين من الإسلام وإزاء نمطين من العلاقة به: مفكر فرنسي، هو سليل عقلانية ريكارت، ومفكر عربي يحاول اختراق أسوار العقل الديني، بتبني قيم العقلانية الحديثة، والإفادة في إنجازات عصر التنوير حيث يتناول الباحث من هذه الدراسة النقدية فكر روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد محاولا تعرية بممارساتهما الغيبية واللاهوتية، ملقياً الضوء على خطابهما الأيديولوجي وبوصفهما من دعاة التحرر، كاشفاً عن آرائهما في الإسلام، وموقف كليهما منه، وعن مشروع غارودي في نقد الفكر الأصولي ومحنة نصر جامد أبو زيد، ومواجهته للشرطة العقائدية.
مقتطفات من الكتاب
الارجاء والارتداد
الاسم يجمع بقدر ما يفرق وهو يجمع من حيث كينونته كدال اذ الملفوظ هو واحد في ذاته من هنا يستمد الشيء هويته من اسمه بالدرجة الأولى ولكن الاسم يفرق من حيث وظيفته الدلالية اذ المعنى هو محل التباس واختلاف ولا يمكن من ثم حصره أو استقصاؤه بل كل حكم عليه يتكشف عن تناقضه ولا معناه ولعل هذا هو السر في موقف " المرجئة " تلك الفرقة الاسلامية المنسية اذا شئنا قراءة موقفها من منظور المدرسة التفكيكية : لا مجال للحسم في ماهية المعنى أو في قول الحقيقة .
من هنا جاء تعليق الحكم والقول بالارجاء والتأجيل وهذا شأن كل الأسماء والكلمات انها تشهد على التباس القول ومحنة المعنى واشكالية الحقيقة .
ومن أبلغ الشواهد وأخطرها على ذلك ما يتعلق بكلمة الله ومعانيها وآثارها فهذه الكلمة شكلت مادة لتأويلات متعارضة تتراوح بين التنزيه والتجسيد أو بين الايمان والجحود وتحت خانتها الدلالية تندرج فرق وديانات كفرت بعضها البعض من منطلق الادعاء بامتلاك مفاتيح الحقيقة وحراسة العقيدة وحاربت الواحدة الأخرى في صراعاتها من أجل تمثيل السلطة الالهية واحتكار المشروعية الدينية ولا مبالغة في القول انه باسم الله الواحد الأحد جرت حروب ووقعت فتن أريقت فيها أنهار من الدماء وكل ذلك يشهد في النهاية على ما تنطوي عليه ثنائية الايمان والانكار أو الانتماء والارتداد من الخداع والتضليل انه العماء الايديولوجي الذي يمارسه من يقولون بوحدانية المعنى وتعالي الحقيقة فيما هم لا يعملون في مقالاتهم ومساعيهم الا على انتهاك الكلمات والخروج على الدلالات جرحا وتعديلا أو ابتداعا وتأويلا .
ولا شك أن الاسلام كما يمارس في واقعه اليومي وعلى أرضه المحايثة , يندرج في هذا السياق من الفهم والتناول أي بوصفه مصدرا للالتباس والاختلاف والنزاع فكلمته الواحدة تجمع بقدر ما تفرق انها تجمع المسلمين بقدر ما هم يختلفون فيما بينهم بحكم اللغات والاجتهادات وبقدر ما يستبعدون بعضهم البعض تحت شعارات البدعة والضلالة أو الخروج والارتداد وذلك يشهد على مأزق المعنى الذي يتأرجح دوما بين المماهاة والاختلاف بين النفي والاثبات بين الاستحقاق والارجاء وأما الذين يقولون بالقطع والبت فانهم يشهدون على غياب المعنى بقدر ما يرتدون عن مقاصدهم أو يتراجعون عن مواقفهم .
والاسلام هو الذي يجمع هنا بين مثقفين أحدهما يدخل اليه من خارجه والآخر يخرج عليه من داخله عنيت بهما روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد .
والحال فان روجيه غارودي يدخل في الدين الاسلامي في حين يجري اخراج أبو زيد من دائرته وغارودي يدخل ووراءه مسيحيته ثم ماركسيته في حين يخرج أبو زيد بسبب علمانيته وتقدميته وغارودي لا يرى تعارضا بين الاسلام والمسيحية والماركسية اذ كلها تعمل برأيه على تحرير البشر من الاستلاب والتسلط والاستغلال لكي تحقق للانسان وجهه الالهي وجوهره الانساني بينما يسعى أبو زيد الى تحرير الدين من أبعاده الغيبية ومضامينه الأسطورية باخضاع الخطاب الديني للدرس العلمي والتحليل العقلاني باختصار شديد : يرى غارودي الى النص القرآني بوصفه خاتمة " الرسالات الالهية المتعالية " .و " الشرائع الأبدية " المتميزة أبدا عن تطبيقاتها البشرية وترجماتها التاريخية بينما يعتبر أبو زيد أن النص القرآني هو " نتاج ثقافي " تشكل في فضاء اللغة العربية وأنتجه الواقع التاريخي للعرب في العصر الجاهلي .
بيانات الكتاب
تأليف : على حرب
الناشر : المركز الثقافى العربى
عدد الصفحات : 111 صفحة
الحجم :2 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق